السيرة النبوية - الحلقة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم نقف وقفات حول ما ذكرنا حتى نستفيد من الصورة الكلية التي يجب أن نرسمها لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكرنا قبل ذلك شيئاً من الشريف وقلنا إنه هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف، ونقف عند عبد مناف ونرى ماذا فعل. تزوج عبد مناف وأنجب أربعة: أنجب هاشماً وعبد شمس والمطلب من زوجته، وأنجب نوفل من زوجات أخرى. إذن، عبد مناف عنده أربعة أبناء، لنتخيل
هؤلاء الأبناء الأربعة. سنفهم بها أشياء كثيرة جداً في السيرة عندما نأتي لقراءتها. أريد أن تكون أنت عندما تقرأ السيرة، تقرؤها وأنت تحبها، تقرؤها وأنت تسأل نفسك فتجد الإجابة، تقرؤها وأنت تربط بعض المعلومات ببعض، تقرؤها وأنت تعرف ما هي هذه القصة فتفهم معنى الكلام. إذ أن هناك قراءة سطحية وقراءة عميقة. العميقة ستأتي عندما تعيش معهم فتصبح عائشاً في قريش أيام سيدنا النبي والذي قابله أيضاً عبد المناف. عبد مناف أنجب أربعة: هاشم وعبد
شمس وهذان الولدان كانا توأمين، وكانا من التوائم التي نسميها في الطب توائم سيامية. ما هي التوائم السيامية هذه؟ إنها التوائم الملتصقة. التوائم، عندما تجد أن التوأمين قد ولدا وبينهما التصاق، فإن أشكال هذه الالتصاقات عجيبة وغريبة وكثيرة، لكنها تكثر في سيام. لذلك أطلق الناس عليها اسم "توائم سيامية" لأن نسبة وجودها كانت كبيرة جداً في سيام. لكن الالتصاق الذي كان بينهما كان خفيفاً نوعاً
ما، فقد كان إصبع هاشم ملتصقاً بجبهة يكون في الكتف، والبطن تكون في البطن، والظهر يكون في الظهر. هذه مسألة صعبة جداً، وأحياناً يأتون ليستفتونا: "سنقطع هذا لكي يعيش، لكن هناك شخص سيموت والآخر سيعيش". فنقول لهم: جائز بشروط، أنك لو تركتهما على هذه الحالة فإن الاثنين سيموتان، فمن الأفضل أن ننقذ واحداً. هل فهمت ما فيها شروط هاشم وعبد شمس، هما أخوان توأم، أي توأمان، لكن إصبع هاشم كان ملتصقاً بجبهة عبد شمس. هكذا قدّر الله. كان لدى العرب طب، أي
علم طبي، وهذا يعني أن الطب كان موجوداً أيضاً. قاموا بإجراء عملية جراحية لفصل إصبع هاشم من جبهة عبد شمس، فنزل دم. والعرب عندما... نزول الدم بهذا الشكل غير طبيعي، بمعنى أنه يجعله يميل إلى التشاؤم. كانوا يتشاءمون كثيراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء ونهانا عن التشاؤم وقال لنا: افرحوا وليكن عندكم تفاؤل، وكان يحب التفاؤل في كل شيء، وكان لا يحب التشاؤم، وكان يغير الأسماء. شخص جاء يقول له: ما اسمك؟ فقال له... قالوا للغراب: سمِّ نفسك شيئاً آخر غير الغراب حتى لا
يتشاءم الناس. وقالوا لشخص آخر اسمه شيطان: لا يليق هذا الاسم "الشيطان"، سمِّه شيئاً آخر. غيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين اسماً لأنه كان يعرف تأثير الأسماء. بالطبع هذا أمر يخصك، ثم إن الناس لا تتشاءم لأنه كان يكره التشاؤم جداً ويحب التفاؤل. العرب تشاءمت، قال: "سقط دم فسيكون دم بينهما". هذه الأمور ضروري أن نعرفها، نعم نعرفها لأننا ونحن ندرس ستظهر بعد ذلك أمور أن عبد شمس هذا أنجب ولداً اسمه أمية، وأمية أنجب واحداً اسمه حرب، وحرب
أنجب واحداً اسمه أبو. سفيان الذي حاربنا في بدر والذي حاربنا في أحد والذي حاربنا في الخندق والذي تأخر إسلامه حتى أسلم في فتح مكة، وهذا يعني أن الله ما الذي أخّر واحداً مثله، كأنه ابن عم النبي، ما هي القصة؟ سنقول إنه هاشم، إنه هاشم أخو عبد. شمسٌ اثنان إخوة، ها هما أبناء مَن؟ عبد مناف. هاشم أنجب شيبة الحمد الذي اسمه عبد المطلب، حسناً، عبد المطلب أنجب عبد الله، وعبد الله أنجب محمداً. عبد
شمس أنجب أمية، وأمية أنجب حرباً، وحرب أنجب أبا سفيان. إذن هم أبناء عم، ها هو عبد مناف يكون جدهم الاثنين معاً. بين سيدنا وعبد المناف مثل الذي بين أبي سفيان وعبد المناف، حتى ظن بعض الناس أن أبا سفيان هذا كان أخا النبي من الرضاعة. كان أخا النبي من الرضاعة لأن قريشاً كانت تذهب إلى مضارب بني سعد هؤلاء وتُرسل إخوتهم جميعاً، لكن لا، هو ليس أخاه من الرضاعة، وماذا؟ الدليل أنه تزوج سيدنا بأم حبيبة، ولو كان هو أخاه من الرضاعة لكان سيصبح متزوجًا بنت أخيه، وهذا لا يجوز. ومرة
واحدة من زوجاته عرضت عليه امرأة، فقال لها: "كيف هذا وهذه بنت أخي؟" فيتضح إذًا أن الكلام المكتوب في الكتب أن أبا سفيان أخو النبي من الرضاعة. لا ليس صحيحاً، ما هذا الدليل؟ تزوج ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فهل ستتزوج البنت عمها؟ هذا لا يصح. لذلك يجب أن تكون واعياً وأنت تقرأ لتعرف أين الخريطة وأين اتجهت. لا تأتِ هكذا، ماذا يعني أن تأخذ المعلومات بسرعة هكذا؟ الخريطة أمامك، ارسمها في عقلك. عبد مناف الذي نقف عنده خلف أربعة: هاشم وعبد شمس وهؤلاء الكبار كانوا أولاً الأبكار يعني، ورقم اثنين
المطلب الذي هو الثالث من الأبناء يعني، ورقم ثلاثة نوفل، والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم، نستمر مع أنوار سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم في بعض نسبه الشريف. عبد مناف تزوج عاتكة فأنجبوا. هاشم عبد شمس والمطلب، وكان له ابن آخر اسمه نوفل. لا بأس بذلك، فقد
تأخرت وفاة هاشم هذا. وهذه صفة وليس اسمه الأصلي، إذ لم يكن اسمه هاشم بل كان اسمه العلاء من العلو. إذن لماذا سُمِّي هاشم؟ لأنه كان يثرد الثريدة ويهشم الخبز ويضعه في المرقة واللحم ويصنع فتة وعبد شمس كان توأم المطلب، أصغر منه بقليل. كان عبد شمس عاقلاً، وعاش هاشم وهو كتوأمين دائماً يحبان بعضهما، ولم
يعرفا كراهية بعضهما، إلا أنه عندما أنجب عبد شمس ابنه أمية، غار أمية من عمه. هاشم كان كريماً بشكل زائد عن اللزوم، كرم واسع، فقال أمية تم. أنا أيضاً أكون كريماً، فلا أعرف أن الموضوع ليس بالتقليد، إنما الموضوع من القلب، من الداخل. أنت لديك حرص أو لديك كرم، فيجب أن يكون من الداخل، ليس لأجل أن تنافس أحداً. حتى عندما قالت قريش له: "ما لك ولعمك هاشم؟"، قال: "وما لي
ولعمي هاشم؟ ما لي به؟". قالوا قال: "لا والله، أنا أكرم منه وأدعوه للتباري". أرادوا أن يقيموا مباراة، فاجتمعوا وقالوا: "حسناً، كيف نقيم المباراة؟" إنهم يرون أن يستخدموا الأقداح التي عند الكهنة هذه، ويَروا من الأقرع ومن الحسن. الأقداح التي تخرج ستحدد الفائز. قال: "حسناً، وماذا عن الكريم؟" قال: "الكريم يبقى في مكة ويذبح خمسين جملاً قال طيب والأقل منه قال إنه يُرحّل عشر سنوات نفياً في الشام. طريقتهم كانت هكذا جاهلية وليست إسلاماً. يعني هذا، إنما
أنا أحكي لك الواقعة التي حدثت، المحن والشدائد التي وقعت بين بني هاشم وبين بني عبد شمس لأن هذا سيؤثر لاحقاً في الموقف من سيدنا رسول الله فلا بد... لنفهم بعمق، فأنا لديّ ثلاثة، لا تقل لي أربعة، وهم: هاشم وعبد شمس والمطلب. سيدنا رسول الله يقول شيئاً غريباً جداً بعد ذلك، أن الزكاة لا تجوز على بني هاشم والمطلب وبني المطلب. وماذا عن عبد شمس؟ ألم يكن توأماً لأخيه؟ أنا لا شأن لي به، لماذا الله غاضب؟ ولا أي من أولاد عبد شمس قال هاشم
والمطلب دخلوا معًا الشعب أيام المقاطعة عندما قاطعت مكة النبي، بنو هاشم كلهم وقفوا معه، من وقف مع بني هاشم؟ بنو المطلب، كأنهم شيء واحد، أولاد عبد مناف. كان ينبغي أن يقف أولاد عبد شمس معه ويكونوا يدًا واحدة ونكون أبناء. بنو عبد مناف كلهم يدٌ واحدة، لا، لم يقفوا. وبنو عبد شمس أخذوا جانب قريش ضد بني هاشم وبني المطلب. نعم، هذه القصة لها تاريخ. لنفهم بعمق لماذا حُرِّمت الزكاة على بني هاشم وبني المطلب. هؤلاء أهلي، هؤلاء أهل البيت. وبنو عبد شمس لا
نعرفهم لأنهم لم يقفوا معنا. لو وقفوا معنا كانت تكون جميلة وكأننا نكون أمة واحدة وأولاد عبد المناف كلهم يكونون على قلب رجل واحد. إذاً، فهناك مشكلة يجب أن تكون موجودة في ذهنك وأنت تقرأ النصوص لكي نفهم ونحلل ونخطو بعمق. هاشم خلف من؟ هو عبد المناف تزوج عاتكة وأنجب هؤلاء الثلاثة، ولذلك كان النبي يقول. ماذا؟ أنا ابن العواتك والفواطم من قريش، يعني كثير من أمهاته صلى الله عليه وسلم اسمها عاتكة أو فاطمة. عاتكة وفاطمة، فنفهم من هن العواتك؟ نعم، فإن امرأة عبد المناف التي
هي أم هاشم كان اسمها عاتكة. هاشم أنجب ولداً وسماه شيبة، ولكي يمدحوه قالوا شيبة الحمد، أي الشيبة المحمودة. أي لأن رأسه كان فيه بعض الشعر الأبيض وهو صغير منذ البداية، فسماه شيبة الحمد. ظل شيبة الحمد عند أهل والدته حتى كبر وأصبح شاباً لطيفاً جميلاً هكذا، عمره اثنتا عشرة سنة أو خمسة عشر سنة تقريباً. ذهب عبد المطلب إليهم وقال لهم إنه يجب أن يعود إلى أهله في يعيش فيها ويتعلم وأشياء مثل ذلك. قالت له: حسناً، لا بأس، أنا أحب لابني الخيل. يعني في الجاهلية لم يكونوا يتشاجرون،
ونحن اليوم جالسون نتشاجر أمام الأطفال وعلى الأطفال. كانوا يعملون لمصلحة الطفل في الجاهلية الأولى، ونحن اليوم نصنع خصاماً مستمراً. إما أن لا تراه، أو أراه وأذهب إلى المحكمة ولا شيء، فذهب المطلب وأخذ الولد ودخل به، فقال الناس: "وصل المطلب من الشام ومعه عبده عبد المطلب"، يعني فسُمّي شيبة الحمد بعبد المطلب. هذا المطلب هو عمه. توفي هاشم وهو في رحلة تجارية في غزة ودُفن فيها، وقبره معروف يُزار إلى
اليوم، معروف ومبني عليه قبة وكل شيء. هاشم هذا هو جد سيدنا النبي، مدفون أين في قطاع غزة حررها الله من أيدي الأعداء؟ ها، هاشم بلادنا منذ الأزل. أهو هاشم ذهب تاجراً وتزوج وترك ابنه هناك، مات هناك ودُفن قبره. يظهر أنها بلدنا. يأتي ليطردني من بلادي، أيكون هذا عدلاً؟ ليس هذا عدلاً. ظلم هاشم انتهى أول ما توفي هاشم. كان مسؤولاً عن السقاية، وهذه السقاية كانت بمثابة وزارة من الوزارات
تقريباً. وكذلك الرفادة والسدانة الخاصة بالكعبة كانت وزارة أخرى. كانت هناك وزارات مثل هذه، فكان هو وزير السقاية والرفادة. وبنو شيبة كان اسمهم هكذا، يتولون مفاتيح الكعبة حتى الآن، حتى يومنا هذا. وقال لا ينزعها منهم إلا ظالم، فالملوك والرؤساء والخلفاء وأصحاب السلاطين وأمثالهم لا ينزعونها منهم أبداً لأنه سيكون ظالماً. قد يكون ظالماً في أمور أخرى لكنه لا يستطيع أن ينزعها منه حتى لا يصبح ظالماً. حسناً، يعني ظالم شرعي يظلم في أمور أخرى ونأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر ونفعل وننفذ، شيء خاص ولذلك هي في يد بني
شيبة إلى الآن. المفتاح كان مع الشيخ عبد العزيز الشيبي الذي انتقل إلى رحمة الله منذ شهور، فتولاها ابنه، وكان ابنه هذا هو متوليها منذ زمن طويل حتى يكتسب الخبرة في دخول الكعبة وغسلها وما إلى ذلك. فانتقلت السقاية والرفادة إلى عبد شمس، كان شمس يعيش، وكان أمية يُغضب عمه. قلنا إذاً أن هاشماً وأمية سألوهم من هو الأكرم، فذهبوا إلى الكاهن، فتبين أن هاشماً هو الأكرم. عندما ظهر هاشم كالأكرم، نُفي أمية
إلى الشام لمدة عشر سنوات. وعاد هاشم وذبح خمسين جملاً للفقراء. لكن بقي في القلب شيء. مات هاشم وتولى بعده تولى شمس بعده المطلب، ولما مات المطلب تولى بعده عبد المطلب جد النبي. إذاً هؤلاء الناس، عائلة النبي، منذ ذلك الوقت كانوا سادة القوم، وكانوا وزراء وأمراء وما إلى ذلك وأغنياء، ولديهم كرم عجيب، أيديهم مبسوطة. ولذلك قراءة التاريخ بهذا الشكل تعني أن تجلس وتعيش القصة لكي...
أتصور لكي تعيش في هذا الجو، عليك أن تفهم كثيراً جداً من النصوص، وتفهم كثيراً جداً من المواقف، وتفهم كثيراً جداً من حال المصطفى صلى الله عليه وسلم. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله