السيرة النبوية - الحلقة السابعة والعشرون

السيرة النبوية - الحلقة السابعة والعشرون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نسير معه في رحلته الشريفة المنيفة وفي سيرته الطاهرة التي ملأها الله لنا دروساً نستفيد منها. وكنا قد وصلنا إلى السنة العاشرة بعد من. فُكَّ الحصار وخرج بنو هاشم وبنو المطلب من الشعب، ومزَّق الله الصحيفة قبل أن تمزقها قريش
واتفقوا على ذلك، فلما فتحوا باب الكعبة وأخرجوها وجدوها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب، ممزقة، فمزقوها وانتهوا، ثم بعد ذلك مات أبو طالب وماتت خديجة ودخلنا في السنة العاشرة. لأن الحصار حصل في السنوات السابعة والثامنة والتاسعة من نزول الوحي، ودخلنا الآن في السنة العاشرة من نزول الوحي، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعدما ضيّق عليه أهل مكة الدعوة يفكر في الخروج بها إلى الخارج، وكان أول ما فكر
فيه الطائف، والطائف على بعد ستين كيلومتراً من مكة، صلى الله عليه وسلم إلى الطائف على قدميه ستين كيلومتراً ذهاباً وإياباً، ومعه زيد بن ثابت ابن زيد بن حارثة الذي كان في أول الأمر متبناه ثم حُرم التبني، وكان يُقال له زيد بن محمد، ولكن عندما حُرم التبني رجع إلى اسمه الأصلي زيد بن حارثة، والتبني بالإلحاق. هكذا زيد بن محمد كان جائزاً عند العرب لكن الله سبحانه وتعالى قال ادعوهم لآبائهم فدعاه إلى أبيه زيد بن حارثة. كان زيد حبيب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد ممن انتقل إلى الرفيق الأعلى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً في مقام ابنه. فابنه هذا هو الذي هو في مقام ابنه يعني مات أيضاً في حياته عليه الصلاة والسلام. خرج سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة ومعه زيد. كان زيد يحب النبي وكان يخدمه بعينيه دائماً، فهو معه باستمرار. وأول من أسلم عندما نزل الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام. مع من أسلم فكان من أوائل المسلمين ذهبوا هناك إلى الطائف. فيها قبيلة كبيرة جداً اسمها ثقيف، قبيلة ضخمة اسمها ثقيف.
طبعاً في العرب الأوائل كانوا يفرقون ما بين الشعب والقبيلة والبطن والفخذ والعائلة. نحن اليوم عندما نقول عائلة هكذا، ماذا نعني؟ لا، هي تعني قبيلة هناك. فرق دقيق بين هذه الأشياء في البداية في العرب، ونحن نتزوج (أو نقول جائز). حسناً، ففي قبيلة ثقيف كان هناك رجل من كبرائهم الأغنياء والوجهاء أصحاب الكلمة والرأي، اسمه عمرو بن عمير الثقفي - طبعاً لأنه من ثقيف فهو الثقفي، احفظ ذلك - وقد أنجب ثلاثة أبناء، وأصبح هؤلاء الأبناء ماذا يعني وجهاء؟
لو كان هؤلاء أسلموا لأسلمت ثقيف في اليوم التالي. فالنبي عليه الصلاة والسلام ذهب إليهم سراً، دون إعلانات أو أي شيء، وأخذهم إلى البيت وجلسوا، فقالوا له: "نعم، تفضل". يبدو أنهم ظنوا أنه جاء للتجارة أو للزواج أو للتفاهم معهم على مصالح تقريباً. هكذا والكبير فيهم كان اسمه عبد يا ليل، عبد يا ليل، مثل يا ليل يا عين، هكذا عبد يا ليل. طيب أنا أقول هكذا لكي تحفظ. وإخوته صاروا مسعود ابن لا أعرف ابن عمرو بن عمير إلى آخره. جلس معهم وعرض
عليهم الإسلام وشرح لهم ما هي القصة، من عند عند الله وفي وحيه وفي تكليفه، ولابد من توحيد الله ومن نبذ الأوثان، ولأجل هذه الأمور فاستمعوا له إلى النهاية. وقال أحدهم: "والله لا أكلمك، والله لا أكلمك، لأنك لو كنت نبياً فأنا أحقر من أن أكلم نبياً". انظر إلى الضلال، ساعات إلى أن التعظيم والتدقيق المفرط أحياناً يكون فيه إذا كنت نبياً فأنت شيء عظيم جداً، وأنا سأتحدث مع نبي، هذه هي النقطة الأولى. وإذا كنت لست نبياً فأنت كاذب، وأنا سأتحدث مع كاذب، هذه هي النقطة الثانية. إذاً لن
أتحدث معك. أغلق على نفسه، أغلقوا على أنفسهم من الباب الثاني. قال له: وعندما أنت هكذا، لماذا لم تُقنع لماذا؟ والثالث قال له: أنا لن أؤمن بك ولا أحبك ولا أريدك. قال لهم: حسناً، أنتم عرب وتعرفون الأصول، لا تذيعوا هذا اللقاء واجعلوه بيني وبينكم. أنتم لم تصدقوا، حسناً، أمري لله، لكن لا تذيعوه. ويبدو أنهم أذاعوه، فخرج وجلس في الطائف عشرة أيام، وبدأ يطوف على... يدعو الناس الأكابر وغيرهم إلى الإسلام، ولكن
عندما كانت هناك أخبار من دول تفيد بأنه لا تصدقوه، عاملوه بقسوة وطردوه وضربوه حتى أدموا قدمه الشريفة، وحتى أن زيد بن حارثة ألقى بجسده عليه ليقيه الحجارة أو الضرب وما إلى ذلك، ثم مشيا اثنين. مل هكذا اثنين كيلومترين ثلاثة. كانت هناك في حديقة لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة. هذان الأخوان، عتبة هذا هو أبو الوليد، قلناه كذا مرة، وبينهما صلة
رحم مع قريش ومع آخرين. فجلس تحت الآية، تحت الشجرة أو عريشة عنب، جلس تحت البستان الذي يملكه شيبة بن ربيعة وعتبة بن هو وزيد يستريحان قليلاً من إجهاد العدوان ومن إجهاد المشي وهم متوجهون إلى مكة، وبعد فاصل نكمل قصة سيدنا النبي مع هذا البستان والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم، النبي صلى
الله عليه وسلم جلس هو وزيد بن حارثة عند بستان شيبة بن الربيع وعتبة بن الربيع وكان في صلة رحم ما بين عتبة وشيبة وبين قريش وهم يعرفون سيدنا النبي، وكانوا كثيراً ما ينزلون مع الذين يؤذون النبي حول الكعبة، ويعرفون الأخبار كلها من أبي جهل ومن أبي سفيان ومن الوليد بن المغيرة والمطعم بن عدي والجماعة، كل الذين ذكرناهم سابقاً، وعندهم غلام اسمه عداس. شاب صغير هكذا يبلغ من العمر سبعة عشر أو ثمانية
عشر سنة يُدعى عداس، فقالوا له: "يا عداس، خذ بعض العنب في صينية هكذا"، قطف عنب - يقول لك "قطف عنب" يعني عنب ممتلئ، القطف الذي هو عنقود العنب الممتلئ - "وأوصلها إلى الرجل الذي هناك"، يعني العرب كان عندهم شهامة عليه، يعني من الشرك والوثنية والأمور الأخرى التي كان فيها شهامة، "الله، هذا ابن أختنا، هذا ابن إخواننا، هذا قريبنا، خذ العنب وأعطه للرجل الذي هناك". فعداس أخذه إلى النبي. والنبي يفهم كل شيء، فهو يعلم أن هذا البستان لعتبة وشيبة، ويفهم أن قلبهم قد رقّ، ويفهم أنهم يرسلون هدية، والنبي يأكل. من هدي النبي عليه الصلاة والسلام
أنه ذهب وأخذ العنبة وقال: "بسم الله". فقال له عداس: "بسم الله؟ كيف؟" قال له: "هذا كلام لا يعرفه أهل هذه البلاد ولا يُقال فيها، لأنهم كانوا يقولون: باسمك اللهم، لكن (نحن نقول) بسم الله وبسم الله الرحمن الرحيم"، وفي النهاية يقول: "بسم الله"، كل الذي ورد في السنة هو فقط في التسمية عند الأكل "بسم الله"، نعم لا توجد رواية بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، لكن الفقهاء ومنهم الإمام الغزالي قالوا لا بأس من الزيادة تشبهاً بالكتاب، يعني ستكون "بسم الله" مأخوذة من السنة، و"الرحمن الرحيم" مأخوذة من الكتاب، انتبه إلى ذلك. هو أيضاً يستدل بالكتاب والسنة. فعندما قال بسم الله، تعجب
الرجل عداس وقال: هذا الكلام ليس هنا. قال: ما اسمك يا فتى؟ قال: عداس. قال: من أي البلاد؟ قال: من نينوى، بلد اسمها نينوى. قال له: هذه بلد يونس الرجل الصالح. فقال: وما أدراك بيونس؟ هل أنت تعرف يونس؟ يونس من أين؟ يونس هذا أيضًا ليس من هنا. الله قال إنه أخي، فأنا نبي وهو نبي. أول ما قال له إنني نبي وهو نبي، والولد عداس صار يعرف كل شيء، إذ كان من أهل الكتاب هناك. سأله عن دينه فقال له: أنا نصراني. فانحنى على رأسه فقبلها وعلى يده الحكاية أن
عتبة وشيبة كانا ينظران من هناك، فقال شيبة لعتبة: "أفسد عليك غلامك هذا، يقبّله ويقبّل يديه أيضاً، أي أنه قد انتهى أمره، فماذا دخل في عقله؟" فلما رجع عداس، قال له عتبة - ويبدو أن عداساً هذا كانوا يحبونه لأنه نشيط ونظيف وطيب وما شابه ذلك - فقال تقبّل فوق يد هذا الرجل لماذا؟ قال له أنه نبي يعرف ما لا يعرفه الناس هنا، وسيكون له شأن عظيم. إذاً، إذا كان هؤلاء القوم عارفين
وتم إبلاغهم مرات عديدة أن هذا صدق وحق، وأنه معه ما لا يمكن أن يكون خطأً، إذ لا يمكن أن يأتي من هنا ومن عَداس، أنتَ على دينٍ خيرٍ من دينه النصرانية كاملة، وهذا لا يزال في البداية، فابقَ على النصرانية. النبي صلى الله عليه وسلم دعا بدعائه المشهور الذي جمع فيه أنواع التضرع: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب
المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني". إلى بعيد يتجهمني في وجهي أي يتجهمني، أو إلى عدو مَلَكْتَهُ أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي. انظر إلى هذا الكلام القوي، انظر إلى طريقة كلام ربنا. يعني إذا أردت أن تتحدث مع الله وتناجيه: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي"، فيجب عليك أن تتواضع شيءٌ يجعل الله سبحانه وتعالى يستجيب لك بسرعة، وتقول له: "وهوّني على الناس"، أي انظر إليَّ بنظر الرحمة من هؤلاء الناس الذين
يعذبونني ويضربونني ويفعلون. "وهوّني على الناس"، أنت رب المستضعفين. فيها مدح لله، الحمد لله رب العالمين. أنت القوي وأنت ربي، فأنا منك. المستضعفين، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. إلى آخر الدعاء الذي صار يُشرح وتُؤخذ منه فوائد كثيرة ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحال من تكذيب
الناس. من تلقّي العدوان والصبر على الأذى، أي من كل ناحية نفسياً من الداخل. الناس غير راضية فيتحسر. حتى قال له ربه: "ولا تذهب نفسك عليهم حسرات"، "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً". كان يحمل الهم، لم يكن عندما يكذبه أحد يقول له ما الأمر وأنا... ماذا أفعل له؟ لا، هذا كان يتحمل همَّه. حسناً، أنت هكذا ستدخل النار وأنا أريد أن أمنعك من النار ويتحمل همَّك. فإذا كان نفسياً من الداخل مرهقاً من التكذيب، وفي الجسد مرهقاً من الإجهاد ومن الإيذاء، وفي نفس الوقت ومع هذا الإجهاد من كل جانب،
عليه واجب الالتجاء إلى الله بالله وعدم الخروج عن حد الأدب مع الله سبحانه وتعالى لما حدث هذا قال كما في البخاري فرأيت سحابة أتت سحابة هكذا كان سيدنا النبي نسميه في كتبنا المظلل بالغمام لما كان يسافر وهو صغير وكانت سحابة تمشي معه هكذا فكان من أسمائه المظلل بالغمام وبحيرة تكلمنا عنها. مرة عن بحيرة كانت من العلامات التي عرف بها السحابة التي من البعيد التي كانت تسير
معه هو والقافلة حتى نزلوا تحت الشجرة المباركة، وهذه الشجرة قلنا إنها كانت شجرة ماذا؟ فستق، كانت شجرة فستق. الفستق الذي هو الفسدق، نعم، كانت شجرة فستق. السوداني؟ لا ليست شجرة سوداني، هذا السوداني... نسميه فستق العبيد، لكن الفستق هذا الذي هو البطم، فهذا هو. نزل تحت شجرة البطم، فجاءه ملك الجبال وقال له: "يا محمد، بعثت لتأمرني أن أطبق عليهم الأخشبين". هم بعد عقبة الهدى، تجد الطائف هكذا، وبعد ذلك سيضع عليهم
الجبلين ويخسف بهم الأرض. قال: "لا، إني أرجو أن..." يخرج من أصلابهم من يعبد الله. إلى لقاء آخر مع الحبيب الرحيم صلى الله عليه وسلم، نلتقي في لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.