السيرة النبوية - الحلقة السادسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وجمعنا الله سبحانه وتعالى على الخير في الدنيا والآخرة. وتكلمنا قبل ذلك عن سيدنا الرسول وأزواجه وأول من تزوج. كانت خديجة ومنها الولد إلا ما كان من مارية رضي الله تعالى عنها حيث أنجبت لسيدنا إبراهيم فمات صغيراً وهو
ابن سنتين لا يتجاوز ذلك وبكاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول ما يُغضب الله، علمنا كمال التسليم والرضا عند فقد. الأحبة وتكلمنا عن بناته وعن وفاة أولاده وأفضنا فيما كان من السيدة فاطمة من أن الله قد رزقها ببنين وبنات فرزقها بالحسن والحسين ومحسن ومات صغيراً ورزقها بالسيدة زينب وماتت السيدة فاطمة بعد النبي صلى الله عليه
وسلم بستة أشهر وتزوج الإمام علي نحو ثمانية عشرة امرأة بعد فاطمة أما معها فلم يتزوج أحداً، ورُزِقَ الإمام علي بمحمد بن الحنفية. أما الإمام الحسن فمات سنة تسعٍ وأربعين ودُفِنَ ببقيع الغرقد، وقبره معروف حتى اليوم يُزار. أما الإمام الحسين فكان هناك نزاع بينه وبين سيدنا معاوية على من يخلف معاوية، فقد
كان من ضمن الشروط التي أرسلها الحسن لمعاوية أن يكون وفاته أخذ الخلافة وأنت على قيد الحياة وبعد ذلك عندما تموت تعيد الخلافة إلينا، ولكن معاوية رفض ذلك وأراد أن يجعلها لابنه يزيد. ويزيد عند أهل السنة والجماعة غير مرضي عنه، مكث ثلاث سنوات في الحكم. يزيد بن معاوية في سنة ضرب الكعبة بالمنجنيق، وفي سنة استباح أهل المدينة، وفي الحسين يعني ثلاث سنوات كلها فيها
ظلمة وظلم، وكان كثير من الناس يقول: "العن يزيد ولا تزِد"، أي تحدث كما تريد في شأن يزيد، لكن ليس لك شأن بسيدنا معاوية لأن معاوية كان كاتباً للوحي وصاحباً للرسول وغير ذلك، يعني اصمت عن معاوية لكن تكلم كما تريد. تتحدث أتحدث عن يزيد، هذا كان مستشاره اسمه سرجون، كان يهوديًا خبيثًا مستشارًا، وكان لديه هواية غريبة بعض الشيء وهي حب تربية القرود. كان يحب أن يربي القرود
والقرد يكون على كتفه هكذا ويمشي بهذه الطريقة وما إلى ذلك، شيء من هذا القبيل. ومرة أذَّنوا لصلاة الجمعة وكانوا ينتظرون حضوره وجدوه سكراناً فقال لك: تكلم في يزيد كما أنت، كما تريد، تكلم في يزيد كما تريد، لكن احذر، يكفي هذا لحرمة الصحابة الكرام. سيدنا الحسين، النزاع الذي بينه وبين معاوية حرك الجيوش، فتحرك لكي يقاتل ضد يزيد. أهل الكوفة وكربلاء أرسلوا إليه
قائلين: نحن معك. سيدنا الحسن حذّره قبل ذلك وقال له: سيُحدِثون خلافاً بيننا، فصدقهم وذهب هو وأولاده مع طائفة، وهكذا وقعت الحرب وفي كربلاء استُشهد سيدنا الحسين، فكان ثائراً ومثالياً وداعياً إلى الله سبحانه وتعالى. كان الحسن والحسين في غاية الكرم والجود والسخاء، ويُروى عنهما أشياء عجيبة وغريبة في الكرم والسخاء الفائق. خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر إلى
الحج مرة من المدينة إلى مكة وسبقتهم أثقالهم يعني متاعهم والزاد والمؤن سبقهم قليلاً بحوالي عشرة كيلومترات أو نحو ذلك، فعطشوا وجاعوا وتعبوا وأصابتهم الشمس، وأُرهقوا، فنظروا فوجدوا على بُعدٍ خيمةً سمَّوها خباءً. لكي تختبئوا فيها من الشمس فذهبوا إليه فوجدوا فيها امرأة عجوزاً. سلام عليكم. وعليكم السلام. لا تعرفهم. قالوا: نحن نفر من قريش. أهلاً وسهلاً.
قالت: ليس عندي شيء لكن توجد شاة، ها هي، احلبوها. فأمسكوها وحلبوها وشربوا. وكانت يُطلقون عليها "شويهة"، أي صغيرة، يعني ليست بهذا الحجم. ضعيفة شربوا بقرتين من اللبن وانتهى الأمر، لا يوجد لديك شيء آخر، لأن الأمر غير كافٍ. قالت: بالله عليكم اذبحوها لأعد لكم منها طعاماً. ما هذا؟ هذا كرم حقيقي، بصراحة زائد، لأن هذا في الصحراء. ذبحوها، يا عيني، كانوا جائعين
ويريدون أن يأكلوا، الجوع شديد قاسٍ، فذبحوها وشووها وسُرّوا وأكلوا لن ننسى لك هذا الجميل أبداً وذهبوا إلى الحج. فلما جاء زوجها غضب عليها وقال: "ومن هؤلاء النفر من قريش الذين سنذبح لهم رأس مالنا كله؟" قالت: "هم نفر من قريش". وكانت قريش تحظى بمكانة عظيمة عند العرب لأنهم كانوا أهل البيت الحرام. مر الزمن واشتد البلاء بهذه المرأة. وبزوجها فنزحت إلى المدينة حتى
تبحث عن شيء تقتات به، فكان معها شيء مثل الكيس تجمع فيه بعر الإبل، لماذا؟ لتفركه بعد ذلك وتغسله، ربما تجد فيه حبة فول أو ذرة. يا لها من عملية شاقة جداً، أي أن البعرة نفسها تُفرك بعد ذلك فيكون بداخلها شيء يقتاتون به. القليل من البليلة أو القليل منها تسلقينها أو شيئاً وتأكلين، فمرت على الحسن، فلما مرت على الحسن عرفها ولم
تعرفه، فقال: ويحك يا امرأة ألا تتذكرينني؟ قالت: لا، من أنت؟ قال: أنا من نفر قريش. قالت: وما نفر قريش؟ قالت: جئنا لك كذا وكذا قالت: لا أعرفك، والله أعلم. الرحمن الرحيم، كنا نتحدث عن سيدنا الحسن والحسين وعن كرمهما، وقلنا إننا سنضرب مثالاً واحداً لكنه دالٌ على ما نُسب إليهم من قصص عجيبة غريبة تُبين أنهم أهل
الجود والكرم ومعدن الشهامة. فتحدثنا عن تلك المرأة التي نزلوا بها، ثم جاءتهم إلى المدينة بعد حين وسنين مرت على الحسن وهي نظر إليها فعرفها ولم تعرفه. قال: "يا امرأة، ألا تتذكرينني؟" قالت: "لا أذكرك." قال: "أنا من نفر قريش." قالت: "وما نفر قريش؟ لا أذكرك، انتهى الأمر." قال: "لكنني أعرفك وأذكرك." ثم نادى: "يا غلام!" فحضر السكرتير الخاص به. "يا غلام، أعطها أو اشترِ لها ألف شاة من
شياه الصدقة." كان كبير موجود فيه الشياه يمكن أن تشتريها فالأموال تدخل بيت المال وأنت تأخذ ما يأتي من الصدقة، فقد كان في كل أربعين شاة واحدة ولها نسبة، فعندما نجمع الشياه التي من الصدقة هذه، ماذا أفعل بها؟ إما أن أوزعها على الفقراء أو أبيعها لصالح بيت المال. اشترِ ألف شاة شياه الصدقة فذهب إلى بيت المال واشترى ودفع النقود وأعطاها ألف دينار فأعطاها ألف دينار. الدينار بكم؟ أربعة جرام وربع من عيار واحد وعشرين. في ألف يصبح بكم؟ يصبح بأربعة كيلو وربع
ذهب. الله! ما هذا؟ انتبه، كان القادم ذاهباً، الذي كان قادماً كان ذاهباً. يا غلام مر بها. على أخي الحسين، فأخذ الغلام الرسالة وذهب إلى سيدنا الحسين فعرفها وقال لها: "ألا تذكرينني؟" قالت: "من أنت؟ والله كل شخص ينظر إليّ يقول لي: ألا تذكرينني؟ لست أعرفك، أنا من نفر قريش" قالت: "وما نفر قريش؟" لقد نسيت السيدة من الحزن وقلة الحيلة. ليس هناك ما يُذكر. فقال: "يا
له أعطاها ألف شاة اشتريتها لها من الصدقة وأعطاها ألف دينار. قال: "ولها مثلها مني". أولاد أصول يا عم، آه، ناس متربية. ودعا لهم سيدنا: "يا غلام، اذهب بها إلى عبد الله بن جعفر". فذهب بها، فقال: "الحمد لله أنها لم تأتني أولاً، الحمد لله الذي لم تأتني أولاً". كنت أرهقتهما، كنت أتعبتهما. لها مني ألف شاة
وألف دينار. أتنتبه كيف أن السيدة عادت من هذا البيت الطيب بأربعة آلاف شاة دون نقصان؟ ما هذا؟ وهي لم تكن تجد ما تأكله، وكانت تجمع الروث لتفركه وتأكل ما فيه. عادت ومعها أربعة آلاف شاة، ومعها أربعة آلاف أربعة. آلاف دينار يعني ستة عشر أو سبعة عشر كيلو وربع من الذهب. سبعة عشر كيلو وربع يعني ملايين عديدة. فصارت من الأغنياء بمعروف قدمته لسيدنا الحسن وسيدنا الحسين وسيدنا عبد الله بن جعفر. قطع معاوية الصلة التي كانت
تأتي للحسين ليعيش منها، فلم يعد معه شيء بما أنه كان ينفق إنه من يملك الدنيا في يده وليست همه. قالوا له إن عبد الله جاء بألف ألف دينار من الشام وهو عائد، فاطلب منه شيئاً تفك به أزمتك، فهو صديقه وحبيبه وقريبه. فأرسل له يقول: "لقد قطعت عني الصلة بفعل معاوية، فأعطني مائة ألف أفك بها الأحوال والناس الذين حولي". قال: يا معاوية لماذا
تفعل ذلك؟ أنت لا تعرف هؤلاء الناس وما هم عليه. هكذا يا معاوية، يا غلام خذ نصف مالي وأعطه للحسين. قال فكان أول من فعل ذلك في الإسلام أن يعطي لأخيه نصف مال. سعد بن الربيع عرض هكذا على عبد الرحمن بن عوف لكن لم يحدث ذلك. هذا حدث فأخذها الحسين وفكّ بها أزمته، عندما مات الحسن سنة تسع وأربعين كبّر معاوية لما جاءه الخبر "الله أكبر الله أكبر". وكان عبد الله بن عباس قد وصله الخبر
من بعيد، وكان ذاهباً ليقول لمعاوية إن سيدنا الحسن "تعيش أنت". فلما كبّر معاوية كبّر من في حضرته، فسُمع ذلك القصر، فكبَّر مَن في الخارج، فسمع ابن عباس فجاءه فقال له: "مات الحسن"، ليس هكذا، أصبح مضموناً أن يزيد سيتولى ولا يوجد منازع، مات الحسن. قال: "أَوَمِن أجل ذلك تكبِّر؟"، قال: "نعم"، قال له: "والله إنه لخير في الدنيا حياً
وخير له عند ربه ميتاً، على ماذا تكبِّر؟" يعني كان عائشًا وكان منوّرًا الدنيا، وإذا سيموت فسيكون أفضل له. قال: "هكذا يا عبد الله، ما حدثتك بشيء إلا وجدتك حاضرًا"، يعني لسانك معك. فسيدنا عبد الله بن عباس غضب من معاوية لأنه فعل هذه الفرحة ونهاه أو أسكته من هذه الفرحة، قال له: "لا تفرح" سيدنا الحسين. قتلوه ظلماً شهيداً في كربلاء في سنة واحد وستين. قلنا إنه من مواليد سنة خمسة في
شهر شعبان، وعندما نقول سنة خمسة لا يحدث شيء غريب، إنها سنة خمسة هجرية. اطرح خمسة من واحد وستين يبقى كم؟ ستة وخمسون. أخوه مات سنة تسعة وأربعين وكان من مواليد سنة ثلاثة، أي أخاه باثنتي عشرة سنة وبعد سن أخيه بعشر سنوات. الحسن توفي في سن السادسة والأربعين، وكان عمره ستة وأربعين عاماً، والحسين توفي في سن السادسة والخمسين. إذاً كان الحسين الأصغر أكبر من أخيه في السن الذي توفي فيه، لكنه توفي بعده باثنتي عشرة سنة. توفي
سيدنا الحسين في العاشر من في سنة واحد وستين ولذلك تجد إخواننا الشيعة يحزنون كثيراً في هذا اليوم، يوم عاشوراء المحرم، وتجدهم قد أقاموا ما يسمى بالحسينيات وغيرها، ويُحزنه تماماً سيدنا عليه السلام سيدنا الحسين. كان هناك مجرم اسمه ذو الجوشن التميمي أو داهية الجوشن، قطع رأسه وحملها إلى يزيد. نهى رسول نهى الله عن المثلة، وممنوع أن تقترب من جثمان
ميت، ولم يفعل ذلك حتى بالمشركين، بل دفنهم في القليب احتراماً للإنسان. وكان إذا مرت جنازة يهودي، يقوم. فيقولون: يا رسول الله، هذه جنازة يهودي، فيقول: أليست نفساً منفوسة؟ علمنا الحضارة والأدب الذي أراد ربنا سبحانه وتعالى لنا أن نتعلمه. واستقر رأسه الشريف بعد رحلة طويلة في مكانه الذي استقر به في القاهرة، وهو يجذب إليه الزائرين على عكس كل الأماكن المنسوبة لسيدنا الحسين في العالم، وذلك أن رأسه الشريف قد استقر بالقاهرة فنوّرها وباركها
وحرسها إلى يوم الدين. فالحمد لله رب العالمين، وإلى لقاء آخر أستودعكم الله، والسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته