الصبر الجميل | خطبة جمعة بتاريخ 2006 - 06 - 16 | أ.د علي جمعة

الصبر الجميل | خطبة جمعة بتاريخ 2006 - 06 - 16 | أ.د علي جمعة - خطب الجمعة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل
وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد في العالمين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين، يا أيها يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا
لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وإن شر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، تركنا على هذه المحجة فأخرج المسلمون الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ولا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة، تركنا وقد أمرنا بمحاسن الأخلاق فأمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة. في الله ورسوله لأئمة المسلمين وعامتهم تركنا وقد أمرنا بالصبر الجميل فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون تركنا وجعل لنا إذا ما خالطنا الناس وصبرنا على أذاهم لنا أجران وإذا اعتزلناهم في أنفسنا فلنا أجر فعجب أمر المؤمن فإن أمره كله خير إن
أصابته نعماء شكر وإن أصابته ضراء صبر فعلمنا الشكر وعلمنا صلى الله عليه وآله وسلم الصبر، تركنا وقد من الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلم الإنسان كيف يكون إنسانا وكيف يعمر الأرض من خلال عبادة الله وكيف يزكي النفس، هذه هي المحجة البيضاء أنه ترك خلفه من يقوم بتبليغ ذلك الدين للعالمين فقال بلغوا عني ولو آية ونحن في عصر ازدادت
فيه الفتنة وأطلقنا الحرية لكل شخص أن يعبر عن رأيه فإذا ببعضهم يسبون الله وإذا ببعضهم يزدرون الدين وإذا ببعضهم يستهزئون بهذا الكون وهذا الإنسان وإذا ببعضهم يدعون إلى الفساد العريض وهناك من يدعو إلى الصلاح وهناك من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسألني شاب من الشباب وقد قرأ مقالة لأحد الكتاب يسخر فيها من المجلس التشريعي ومن علماء الدين
الإسلامي والمسيحي ومن الحكومة من أولها إلى آخرها ومن القيم ومن الأخلاق حتى لمز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يفعل وقد ثار دمه وهاج وجدانه فقلت له إن الله سبحانه وتعالى قد رسم لنا ما نسير عليه في هذه الحياة الدنيا بقوة من غير طغيان ولا عدوان، بعزة من غير كبر، بصبر من غير ذلة. فعندما نفعل ما أمرنا الله سبحانه وتعالى ونكظم
غيظ أنفسنا فإننا نكون حينئذ عبادا ربانيين. إذا رفعنا أيدينا إلى السماء يا رب يا رب. استجاب الله لنا، أما إذا خرجنا فأطعنا هوى أنفسنا حتى لو كان في نصرة الحق وأطعنا غضب أنفسنا حتى نشفي غيظ قلوبنا، فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤيدنا حينئذ وإنما يؤيدنا ربنا عند الطاعة. فقال لي وماذا أرشد الله؟ أآمر بأن نترك الأمور على الغارب؟ قلت له إن الله سبحانه وتعالى قد وصف الخلق بأنهم
من أصحاب الهوى فقال وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون وقال وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله وقال سبحانه وتعالى ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل فما أمرنا أن نتدخل في حرية الرأي وحرية التعبير بل أمرنا أن نقاطعهم وأن لا نشتري صحفهم وأن لا نستمع لكلامهم إذا ما تعرض لهذا الخط الأحمر الذي ينبغي أن يقف المصلحون عنده هل تستطيع أن تكظم غيظ نفسك وأن تتوكل على ربك وأن تكون مثالا للنبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله
وسلم وخباب يأتيه بمكة ويقول يا رسول الله استعرض بنا الوادي أي هلم بنا نحارب أهل مكة فيتغير وجهه الشريف غضبا يحمر من شدة الغضب ويقول ألا إني رسول الله ولينصرني الله حتى تسير الظعينة من مكة إلى صنعاء لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها ونهاه أن يصطدم مع أولئك الذين يكفرون ويستهزئون بآيات الله وربنا سبحانه وتعالى يا بني يقول وقد أنزلنا عليكم وليس على رسول الله فقط حتى تكون هذه الآية
تخاطب المؤمنين إلى يوم الدين وقد أنزلنا عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره فأمرنا بالمقاطعة ولم يأمرنا بالاعتزال، فإذا ما خاضوا في حديث غيره وإذا ما رجعوا وكتموا فسقهم أو كفرهم فإننا نقرأ لهم ونستمع لهم لعمارة الدنيا ولتعاون البشر حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم إذا لم تفعلوا ذلك ولكننا نفعل يا ربنا فنترك الحرية لأننا لسنا حافظين عليهم ولم يرسل الله علينا وكلاء ولكن
لدينا الاختيار ألا نسمع وأن نقاطع وألا نروج لهذه الأفكار التي تعتدي على الله وعلى رسوله وعلى أمن المجتمع وعلى قيمه وموروثه وهويته، نعم إذا لم تفعل ذلك فأنت لست عبدا ربانيا ولم تقاوم نفسك المقاومة الصحيحة ولم ترب نفسك التربية الصحيحة ولم تتوكل على ربك حق توكله نعم إنك ستستمر في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية أولادك على حب الله ورسوله ولكنك ستنشئ حولك عزلة خاصة لا
يكون أحدكم إن معه يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت وأعدوا أنفسكم على أنهم إن أحسنوا فأحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا، وقول النبي اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن يأتيك الموت وأنت تعض على جذع شجرة مؤمنا بالله واليوم الآخر، وقول النبي سيأتي على الناس زمان القابض فيه على الدين كالقابض على الجمر، لكنه لم يأمرك أن تترك الدين ولم يأمرك أن تتعدى وتكون على هؤلاء أو أولئك وإنما أمرك بالصبر الجميل وهذا هو ما عليه الأنبياء فعندما فقد يعقوب
يوسف فإنه لم يفكر بالعقوبة على الأبناء وهو متأكد مما قد فعلوا بوحي الله له لكنه قال لهم فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون إذا رأيت هوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه وشحا مطاعا ودنيا مؤثرة فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة، اصبر وما صبرك إلا بالله وتجاوز لأن الله سبحانه وتعالى قد كفانا هؤلاء وهؤلاء، ولكن عليك أن تسير وأن تدوم فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، ويختتم الله الآية بقوله إن الله جامع
المنافقين والكافرين في جهنم جميعا فيؤجل الحساب إلى يوم الدين وهكذا هي حكمة الدين تأمرنا بالاستمرار في الحياة وبالتعايش مع المنافق ومع الفاسق ومع الكافر ومع المؤمن مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتبليغ عن رسول الله ويؤجل الحساب في العقاب وفي الثواب وفي الجزاء إلى يوم الآخرة حيث ملك الملوك مالك يوم الدين حيث إن ملك الملوك سبحانه وتعالى هو الذي يحكم بين الناس فإلى لقاء يوم الآخرة، أما هنا فلنا ذكر الله وحسبنا الله ونعم الوكيل،
سيغنينا الله من فضله ورسوله، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى ونصح للأمة
وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم عليه كما ينبغي لجلاله عندك أن يكون وهو رب العالمين، وانفعنا به في الدنيا والآخرة. اللهم كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا لا تجعل فينا شقيا ولا محروما، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عفو يا غفار، اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا واجعله حجة لنا تجعله حجة علينا، علمنا منه
ما ينفعنا وانتفعنا بما علمتنا وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا وأقمنا في الخير يا أرحم الراحمين وأنزل على قلوبنا السكينة من عندك وافتح علينا فتوح العارفين بك، اللهم حرر لنا قدسنا واحم أرضنا وعرضنا، اللهم ارفع أيدي الأمم عنا، اللهم احشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين. ومع القوم الصالحين الصادقين، اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، ويا غياث المستغيثين أغثنا،
اللهم تقبل منا صالح أعمالنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم يا رب العالمين وحد قلوبنا على الخير وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، نعوذ بك من الهم والحزن ونعوذ بك من العجز والكسل ونعوذ نعوذ بك من الكفر والنفاق ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم يا رب العالمين وفق أبناءنا في امتحاناتهم ووفقهم يا أرحم الراحمين لتحصيل العلم ولنفع هذا البلد وسائر بلاد المسلمين، اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم وأقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون