الصبر على الفتنة وعلاجها | خطبة جمعة بتاريخ 2005 02 11 | أ.د علي جمعة

ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في العالمين،
وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وأن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا
ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما هذه الآيات البينات التي تدعونا إلى التقوى تدعونا إلى الصلاح والخير تدعونا إلى حمل الدعوة إلى الناس مسلمهم وكافرهم مؤمنهم ومفسدهم نراها في قوله تعالى يا أيها الناس يا بني
آدم فإذا به يخاطب الجميع يخاطب أمة الدعوة فكل من على وجه الأرض من أمة دعوة المسلمين فالإسلام نسق مفتوح لا يعرف الانغلاق ولا يعرف الجنسية والعرق وإنما هو أمة عبر الزمان والمكان وربنا سبحانه وتعالى يعلمنا كيف ندعوه ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وندعوه ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وزيغ القلوب الذي
نستعيذ بالله منه له عناصر ومكونات عسى الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا أن نقف عندها إنما أول تلك الفتنة التي اندرج فيها العالم اليوم على مستوى الأمم وعلى مستوى الأفكار وعلى مستوى التوجهات وعلى مستوى المسلمين في داخلهم وعلاقتهم مع رب العالمين، الفتنة التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتقيها والفتنة أشد من القتل والفتنة أكبر من القتل، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء
الفتنة وابتغاء تأويله فما الفتنة إذا يقول ربنا سبحانه وتعالى يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الفتنة تؤدي إلى عدم دخول الجنة فالفتنة قد أدت إلى الخروج منها ولما قص الله علينا قصة آدم لم يقصها عبثا ولا حكاية ولا قصة مجردة لأحداث التاريخ فإنه سبحانه وتعالى يقول ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا، نعم لم
يرووها لنا إلا لنأخذ منها العبرة ونقف عندها. لما خرج آدم من الجنة أنه قد مورست عليه الفتنة، يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة. ماذا فعل الشيطان ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما، أول فتنة كانت فتنة الجنس والعري والقبح الذي وجهه الشيطان إلى ابن آدم وهو يراك عاريا ويعلم فتنتك، زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، إنه
يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وإذا فعلوا فاحشة والفاحشة يندرج تحتها الشهوات والسب والقذف والغيبة والنميمة ومنهج الكذب الذي سيطر على عقول الناس فحرفهم عن العقيدة الصحيحة والتي جعلتهم يحرفون الكتب السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى من عنده والتي جعلتهم يكذبون بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير الخلق والتي جعلتهم يهيمنون على الناس في الشرق والغرب ويكذبون على أنفسهم حتى
صدقوها، ومن الفاحشة الفساد الذي عم وطم، ومن الفاحشة الابتذال وقلة الحياء وقلة الأدب، كل هذا تحت كلمة فاحشة، والناس أمامها على قسمين: قسم مقلد وقسم يعتقد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فقد أنكر الله عليهما معا، وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين
له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون يصف واقعنا على مستوى الأفراد، انظر إلى الإسفاف الذي في الغناء، انظر إلى الإسفاف الذي في الأفلام وفي المسلسلات الجارية، انظر إلى الإسفاف الذي في اتخاذ القرار السياسي بتحريك الجيوش هنا وهناك، انظر إلى اتخاذ القرار بإبادة الشعوب وظلمها وانتهاك الأعراض والفساد
في الأرض، انظر إلى أعداء السلام والذين أعداء الجمال وأعداء الحق والخير، ولكن فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. ولكن يا بني آدم وهو أمر يوجهه ربنا لعباده كلهم مسلمهم وكافرهم أن اتقوا الله ولا تكونوا من المفسدين، واتقوا الله ولا تكونوا من أولئك الذين يتبعون الشهوات. ربنا سبحانه وتعالى يوجه أحوالنا وأمورنا ولا نزال. نحب الصدق ولا نحب الكذب ونحب الحق والخير
والسلام والأمن والإيمان ونحب الجمال ونحب كل ما أمرنا ربنا ورسوله أن نحبه ونكره كل ما كان يكرهه ولا يحبه نبقى على ذلك إلى أن نلقى الله غير خزايا ولا مفتونين نعم نحن لا نريد فتنة في الأرض نحن نريد إصلاحا ونريد أن نحجز الناس عن النار وأن نحجزهم عن أن يذهبوا إلى الجحيم في الدنيا وفي الآخرة، نحن ندعو الناس إلى سعادة الدارين، ندعو مسلمهم وكافرهم إلى أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى. عباد الله فتنة كقطع الليل المظلم، لا يزال فيها الحليم حيران،
فاصبر وما صبرك إلا بالله، فاصبر فإنك على الحق فاصبر فإن الله سبحانه وتعالى ينصر من صبر أو قد نزل البلاء فيجب عليك أمام البلاء أن تصبر وأول ذلك الصبر أن تتحمل أذى الناس وأن لا يضل بك الطريق وأن تعلم يقينا أنك على الحق وتدعو الله سبحانه وتعالى أن يثبت أفئدتنا عليه فاللهم يا ربنا حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين ندعو ربنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه، اللهم صل وسلم عليه كما يليق بذاته عندك من جلال وجمال وكمال. اللهم يا أرحم الراحمين
انفعنا به في الدنيا والآخرة، واجعله إمامنا في الدنيا والآخرة. اللهم كما أرسلته رحمة للعالمين فارحمنا به يا رب العالمين. عباد الله افعلوا الخير لعلكم تفلحون، واعلموا أن هذا الوضوح الذي في الإسلام لا يوجد في سواه، ولكن لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه. فهم ما زالوا ولا يزالون وإلى يومنا هذا يشوشون على القرآن الكريم. اصبر واحتسب ولا تتزحزح عن
إيمانك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من خالط الناس وصبر على أذاهم خير عند الله ممن الناس ولم يصبر على أذاهم، هكذا شأن البشر يؤذون من كان على الحق، فلا تهتم بما تسمعه من أذية السمع ولا تهتم بما تراه من أذية البصر ولا تهتم بما يقع عليك من أذية النفس ولا تهتم بما يقع عليك من أذية الجسد، لا بد لك من الصبر ولا تجعل فتنة الناس كعذاب الله دماء على الخير بلغوا
دينكم علموا أبناءكم حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علموا الناس القرآن أخرجوهم من البطالة والعطالة والأمية أما أولئك جميعا فنحن نعاملهم بالعدل ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ولا يهمنا ما يفعلونه من إيذاء لأمتنا ولدولنا ولأوطاننا وفي داخلنا وفي خارجنا لأننا دعاة حضارة، دعاة إنسان قد آمنا به خليفة لله رب العالمين يعمر الأرض ويزكي النفس فيعبد الله بذلك كما أمره ربه.
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، ووصفت السيدة عائشة عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان اعملوا دائما فاستمروا على الإيمان ودوموا عليه يا أيها الذين آمنوا قال العلماء يعني استمروا على الإيمان ولا يصدنكم عنه أي شيء من فتنة عمياء صماء ولا يصدنكم عنه شيء من فتنة الدنيا لأن فتنة الآخرة أشد وأبقى وعذاب ربنا ذلك يخوف الله به عباده يا عبادي فاتقون اللهم
اجعلنا من المتقين واسلك بنا الطريق إليك وثبت أقدامنا في سبيلك يا أرحم الراحمين، ورد علينا القدس ردا جميلا وحرر أوطاننا من المحتلين ووحد قلوب المسلمين، واسلك بنا طريق الدعوة ندعو لدينك يا رب العالمين، اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت واشرح صدورنا للإسلام وافتح علينا فتوح العارفين بك، اللهم اقض حوائجنا وحوائج المسلمين وارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وكن لنا ولا تكن علينا، واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا
واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابق عقاب ولا عتاب، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم هون علينا الدنيا ومصائبها، اللهم نسألك الثبات والصبر وقد أنزلت البلاء، اللهم ارفع البلاء عنا، اللهم ارفع أيدي الأمم عنا، اللهم يا أرحم الراحمين استجب دعاءنا، اللهم يا أرحم الراحمين استجب دعاءنا، اللهم
يا أرحم الراحمين استجب دعاءنا اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم