الصداقة | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

الصداقة | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر الكريم النبي صلى الله عليه وسلم دعانا إلى احترام الصداقة والصديق وأكد لنا هذه الأخوة التي ينبغي أن تكون بيننا وكان له صلى الله عليه وسلم أصدقاء وجعل الصديق بمنزلة كبيرة
وكان صلى الله عليه وسلم يؤكد على هذا المعنى كثيرا ورتب الأمور ترتيبا بين الناس بحيث أنه علمهم المساواة يعني الصديق لا يتعالى على صديقه وأن يحترم الضعيف وأن يكرمه حتى لو صدر من ذلك الضعيف الخطأ ففي موقف من المواقف كان هناك بلال وسلمان وصهيب الثلاثة كانوا من العبيد أولا ثم تم تحريرهم فهم
أحرار لكنهم ضعفاء الهيئة العربية حينئذ تعتمد كثيرا على القبيلة وتعتمد كثيرا على النسب وتعتمد كثيرا أيضا ومع هذا على المال وعلى هذه المعاني من القوة وهؤلاء الثلاثة كانوا ممن آمنوا وممن صبروا وممن جاهدوا وكانوا يحبهم الله ورسوله في مرة من المرات أبو سفيان يمر عليهم وقد أسلم فقالوا
نرى سيوف الله لم تأخذ من الكافرين حقها يعني يوجهون الكلام إلى أبي سفيان أنه كنا نتمنى لو قطعنا رقبتك أبو سفيان هو الذي جهز الجيوش ضد المسلمين في بدر وفي أحد وفي الخندق وعادى المسلمين وحاربهم بالسلاح وبناء على ذلك قتل من قتل من إخوانهم ومن المؤمنين، الدعوة في منتهى الخطورة مع ما يفعله أبو سفيان أي أن تاريخه مليء بالعدوانية ضد المسلمين لكنه أسلم والحمد لله رب العالمين أن يعاملوه بشيء من الرقة كما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن فأعلى من شأنه وأعطاه مكانته كما أن أبا سفيان صديق العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان العباس بمنزلة الوالد للنبي صلى الله عليه وسلم يعاملونه معاملة الوالد في هذه المعاني فهمها أبو بكر، فلما جاءه أبو سفيان يشكو من الأتقياء الأنقياء الأصفياء الذين صدرت منهم كلمة تعد من الخطأ، لكن مع أنها من الخطأ إلا أنه يجب التعامل معهم بطريقة معينة نستوعب فيها
هذا الخطأ، فلما جاء أبو سفيان إلى أبي بكر يشكوهم ذهب فقال لهم أبو بكر وكان رقيق القلب وكان تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم أتقولون هذا لشيخ قريش يعني يلومهم ويلومهم برقة يلومهم به على فكرة أبو بكر رضي الله تعالى عنه هو الذي أعتق بلالا فله عليه يد ومنة فأتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فقط هذا الكلام الذي صدر من سيدنا أبو بكر فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا رسول الله إن بلالا وسلمان
وصهيبا قالوا لأبي سفيان كذا وكذا فأنا قلت لهم أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم قال لعلك أغضبتهم إن تكن قد أغضبتهم فقد أغضبت الله أي إلى هذا الحد أي لا بد أن تكون رقيقا في نصيحتك لأخيك ولصديقك، لا بد أن تكون مؤدبا، لا بد أن تستوعب المناصب وتستوعب المواقف، لا بد عليك ألا تعتبر أنهم ضعفاء فينبغي عليهم التعنيف والإهانة والقسوة عليهم لأنهم من الضعفاء، لأنك إن أغضبتهم فقد أغضبت الله، فذهب
أبو بكر يسألهم: يا إخوتي أأغضبتكم؟ قالوا: لا عفا الله عنك كلمة لا عفا الله عنك يعني لا أنت لم تغضبنا ولا شيء هذا أنت قلت لنا بمنتهى الأدب اقولوا هذا لشيخ قريش وسيدهم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نراعي الناس وأن لا نتكبر لا على الضعيف ولا على القوي فإن التكبر منهي عنه ولا لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، والكبرياء رداء الله، فمن نازعه إياه قصمه، ولذلك كانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يستخلص منها
دروس كثيرة في حياتنا. عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا، الحمار الوحشي هذا يعني نوعا من أنواع الحيوانات وكان مباحا أكله وليس كالحمار الأهلي الذي نعرفه، الحمار الأهلي الذي نعرفه هذا يحرم أكله لكن هذا الحمار يجوز أكله لأنه كأنه من الأنعام وهو بالأبواء، الأبواء هذا مكان مدفونة فيه أم النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه الهدية
لم يقبلها، فلما رأى ما في وجه الرجل تغير الذي هو الصعب بن جثامة وجهه تغير. يا الله! فماذا فعلت؟ فلماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل الهدية؟ أم أنه غاضب مني؟ هكذا بدأ يفكر وبدأ يتغير، فكيف واجهه النبي صلى الله عليه وسلم تركه لأن هذا أمر شرعي وكثير من الناس يفعلون هذا ما دام في حكم شرعي والناس لا تتفرق أبدا، علمه أنه ليس هناك أي شيء وقدم له صورة من أجل أن يفهم الأمر على حقيقته فقال له إننا لم نرده عليه إلا أننا محرمون نحن محرمون وانتهى الأمر والصيد حرام على المحرم سواء كان هو يقوم به
فيصطاده أو سواء أهداه إليه أحد وكان قد اصطادوه من أجل إنتاجه فلا يجوز لي أن آكله فأنا لا أريد أن يفسد ولا أريد أن أرميه ولذلك رددته عليك لتنتفع به في عائق شرعي هنا هو الذي جعلني أرده عليك إذن العلاقة بين الصديق وصديقه كما يعلمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علي رضي الله عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد على شجرة قال له اصعد هذه الشجرة لكي يأتي بشيء لكي يقلمها لغرض ما صعد الشجرة أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى
ساق عبد الله بن مسعود، وكان عبد الله بن مسعود ساقه رفيعة جدا، فالصحابة لما رأوا أن الساق رفيعة جدا هكذا ضحكوا، فضحكوا من نحافة ساقيه، قالوا "يا الله ما هذا، كيف تقف عليهما" وهكذا، وضحكوا مدة من الضحك والمزاح فيما بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت، لماذا تضحكون؟ لا، إن رجل عبد الله بن مسعود أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد، جبل أحد هذا كان يضرب به المثل للناس لأنه جبل كبير وممتد وضخم وطويل وهكذا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول أحد جبل
يحبنا ونحبه، ولما مرة من المرات أنه كان واقفا عليه هو ومن معه من الأصحاب، اهتز أحد في زلزال فقال: "اثبت أحد، فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيد." وبشره بالجنة. كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أحدا ويضرب به المثل كثيرا في كلامه، وكان يقول: "إياكم وأصحابي، فلو لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم أو نصفه، والمد هذا عبارة عن شيء بسيط جدا، أي شيء من أربعة أمداد تساوي صاعا، والصاع هذا
عبارة عن ستمائة جرام أي شيء حوالي مائتي جرام أو نحو ذلك، فلو أن الصحابي أنفق قبضة من القمح وأنت أنفقت مقدار أحد ذهبا فهو أحسن منك فعلام تتحدثون، هاتان الساقان الضعيفتان أثقل عند الله في الميزان بما قدم. عبد الله بن مسعود كان فقيها كان قارئا كان مجاهدا، عبد الله بن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أردتم أن تسمعوا القرآن فاستمعوا إليه بقراءة ابن أم عبد الذي هو عبد الله بن مسعود، كان شيئا عظيما في الفقه وكان شيئا عظيما في العلم، فكان من العبادلة الأربعة:
عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس، سموا العبادلة لأن جميعهم اسمه عبد الله. حال الصديق مع الصديق وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته