الفكر المتشدد | خطبة جمعة بتاريخ 2011 04 01 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد
في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين يا رب العالمين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، جاءنا بالرحمة المهداة وبالدين
القويم جاءنا فأخرجنا من الظلمات إلى النور ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا واتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح
لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. أما بعد عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى أرسل إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم فبلغ عنه وأنزل على قلبه الكريم الشريف القرآن الكريم وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. لا يزيغ عنها إلا هالك، وقال لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وقال إذا رأيتم خلافا فعليكم
بالسواد الأعظم، ومن شذ في النار، وقال لا تجتمع أمتي على ضلالة. أخذ هذا المعنى ابن مسعود حبر الأمة فقال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وسع لنا النبي أمر الحياة لأن الإسلام لكل زمان ومكان يخاطب كل البشر، ولذلك قال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى
يوم الدين، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين. فأمرنا أن نوسع على العالمين وأن يدخل الإسلام في كل البلدان وفي كل العصور والأزهر الشريف الذي نجتمع فيه الآن وهو حصن أهل السنة والجماعة وأهل المشرب الصافي وهو الذي علم العالمين والناس أجمعين في الشرق والغرب فهم عن الله وعن رسوله الإسلام ودعا إليه تحت عنوان قوله تعالى وكذلك جعلناكم
أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا شرفنا ربنا بأن جعلنا وسطا ووسط الجبل أعلاه ووسط القوم أعلاهم نسبا وعلما فجعلنا في أعلى الجبل نشاهد الناس أجمعين ويرانا الناس أجمعون لأن الإسلام جاء رحمة للعالمين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين افتقد بعض الناس هذا المذهب الوسطي مذهب الأزهر العلم
لأن الله سبحانه وتعالى أعلى من شأن العلم فبدأ وحيه اقرأ باسم ربك الذي خلق وقال قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقال فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال وفوق كل ذي علم عليم وقال وقل رب زدني علما تحت هذا العنوان تعلم الأزهر وعلم ووضع منهجا دقيقا للعلم يتلقاه الطالب عن شيخه عقيدة وشريعة وأخلاقا بعلوم
متخصصة فيها وبعلوم مساعدة تساعده على الإدراك، وافتقد بعض الناس هذا ورأوا أن يتعلموا على فراشهم في بيوتهم من الكتاب من غير منهج ولا صحبة شيخ، فوقفوا عند رسوم الإسلام ولم يدركوا مراميه ومعانيه، ووقفوا عند الظاهر ولم يدركوا حقائق الأشياء وحقائق الأحكام، ووقفوا عند الجزئي ولم يدركوا الكلي، وقدموا الخاص على العموم ومصلحتهم على
مصلحة الأمة فإنا لله وإنا إليه راجعون، منهج الأزهر وشيوخ الأزهر مبني على الرحمة لما فتحوا كتاب الله وحفظوه فوجدوا أول آية فيه بسم الله الرحمن الرحيم، ولما سمعوا قول رسول الله في الحديث المسلسل بالأولية يعلمه الشيخ لطلابه أول ما يعلم ويبدأ به في أول درس يجلس فيه مع الناس الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وتحت
هذا العنوان بنى الأزهر الشريف منهجا وسطيا علميا صافيا رحيما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شأنه فبنوا منهجهم على الرفق وعلى الهدوء وقبلوا التعددية فرأينا منهم الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي يأكلون معا ويتدارسون العلم فقدموا للعلم مذاكرة فحياة
العلم مذاكرته ومن تواضع لله رفعه فتواضعوا لله إن لله عبادا فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنة نظروا فيها وهي أنها لم تكن من قبل وطنا فجعلوها لجأوا واتخذوا من الأعمال الصالحة فيها سفنا، كانت الدنيا في أيديهم ولم تكن في قلوبهم، وكان من دعائهم فيما علمنا مشايخنا: اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا. علمنا علماء الأزهر ألا نحزن على المفقود وألا نفرح بالموجود،
علمونا ألا نتكلم قبل أن نتعلم وأن من تصدر قبل يتعلم كمن تذبب قبل أن يتحصرم صار زبيبا ظنه الناس حلوا لكنه لا علم عنده فأصبح كالحصرم وأصبح مر المذاق سيء العاقبة منهج الأزهر بعيد عن الغلو لأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينهى عن الغلو في الدين فاتبعوه أحبوه ذابوا ذوبانا في حب الله ورسوله وأهل بيته وأولياؤه
الصالحون نهوا عن الغلو في الدين واعتبروه منحرفا عن طريق سيد المرسلين، كما كان العلماء على مر التاريخ، ولكن خلفا من بعد خلف ضيعوا الدين، والغريب أنهم يحفظون القرآن ويدعون إلى الله ورسوله، فكيف هذا التلبيس والتدليس؟ ماذا نفعل بهؤلاء؟ ارجعوا إلى الكتاب والسنة، فإن رسول الله عليه وسلم لا يتركك وحدك فرأيناه يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم سيخرج
من أمتي أقوام أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من كلام خير البرية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم ما هذا يتكلمون بالحديث نعم لكن رسول الله غاضب عليهم نعم لأنهم أصحاب فتنة وغلو وتشدد وإغلاق للإسلام على المسلمون فكانوا حجابا بين الناس وخالقهم، كانوا حجابا بين الله وخلقه وكانوا فتنة للناس، ولذلك وعلى الرغم من أنهم يتحدثون بالقرآن والسنة إلا أنهم ليسوا علماء. ابحث عن هذا من
شيخك، ما الكتب التي قرأها؟ ما الإجازة التي حصل عليها؟ هل ذهب فتعلم سنوات طويلة أم أنه العلم المزيف والمعلومات والأهواء الباطلة زادتنا يا رسول الله فيروي ابن حبان عن سيدنا صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أخوف ما أخاف عليكم ابن حبان في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخوف ما أخاف عليكم رجل من أمتي قرأ
القرآن حتى إذا رئيت عليه بهجته ورئيت عليه بهجته أي أن بهجة القرآن ظهرت على وجهه في سمته من قرأ القرآن امتلأ جوفه نورا وبدا هذا النور يحيط بسمته فإذا رأيناه صاحب سمت طيب صاحب شكل وهيئة مقبولة هذا فعل القرآن
لقارئيه أهذا هو الذي تخافه يا سيدي يا رسول الله رجل من أمتي قرأ القرآن حتى إذا بدت عليه بهجته يعني ظهرت عليه بهجة القرآن، مال على جاره بسيفه ليقطع أذنه، مال على جاره بسيفه وقال أشركت أنت مشرك، جاره
لم يقل من، جاره هذا جاره مال على جاره بسيفه وقال أشركت، قالوا يا رسول الله أيهما أحق بهذه المصيبة بعقاب الله بالنار أيهما أحق بها الرامي أم المرمي؟ قال بل الرامي، رجل قرأ القرآن من غير علم، من غير فهم، فتصدر به من غير إجازة من علماء الأمة، فضل
طريقه لأنه اختلطت عليه الأوراق، ظن أن كل بيضاء شحمة وأن كل حمراء لحمة وأن كل سوداء فحمة، اختلط عليه الأمر فلم يعد يميز بين التمرة والجمرة، كل مؤهلاته أنه قرأ القرآن. نعم ينبغي علينا جميعا أن نحفظ القرآن وأن نقرأه وأن نتلوه بالليل والنهار على سبيل التدين، لا على سبيل علم الدين. فهناك فرق بين علم الدين وبين التدين. إذا أردت العلم فاذهب إلى الأزهر لتتعلم، لا يفرق الأزهر بين رجل وامرأة. ولا بين أبيض وأسود
ولا بين مصري وغيره فتح أبوابه للجميع إذا اتبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقويم عرفنا منه أن هذا العنف الذي تعرضت له بعض الأضرحة بالأمس وأول من أمس إنما هو خروج عن الدين وعن العقل وعن الإنسانية بدعوى أن هذا الأخ الجاهل ظن ما على معنى معين لم يفهمه، هكذا العلماء اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد فظن
المسجد هو الجامع، والمسجد هو موضع السجود. نعم هناك أمم عبدت أنبياءها فسجدت لقبورها، وبر الله أمة النبي المصطفى والحبيب المجتبى أن يحدث فيها هذا. رأينا من المسلمين من يضل بل ويخرج عن ربقة الإسلام والمسلمين. بعضهم عبد الحاكم الفاطمي، وبعضهم عبد البهاء، وبعضهم عبد آلهة أخرى. ليس هناك واحد فقط عبد محمد. أليست هذه معجزة؟ كان يمكن أن يقال إن المسلمين معصومون، كلا ليسوا معصومين، ولكن الله
عصم النبي صلى الله عليه وسلم من أن يعبد. لماذا؟ لأنه دعا وقال: اللهم لا تجعل قبري وثنيا يعبد فاستجاب الله له بمعجزة، أول شيء يتهمون المسلمين بالشرك ويتهمون الأضرحة بالوثنية بالرغم من أن النبي مع صاحبيه أبي بكر وعمر في ضريح كبير، قالوا نريد هدمه، اصمت قطع الله لسانك ويديك ورجليك، اصمت أيها الولد اللئيم الذي تريد أن تعتدي على سيد المرسلين، اصمت
قطع الله يديك من عنده فليقل آمين، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل. ما هذا الهراء؟ صرح بعضهم أنه يريد أن يهدم ضريح سيدنا ومولانا الحسين، قطع الله يديك ورجليك أيها المسكين الأغر المغرور، أيها المسكين، هل سيدنا الحسين وثن؟
ناقشنا بعضهم فقال نعم وثن، حسنا وأنت قال نعم أريد أن أتبع النبي، طيب سيدنا النبي في الكعبة كان يوجد ثلاثمائة وستون صنما فتركها، إذا كنت تتبع النبي فلتقل إن هذا وثن، حسبنا الله ونعم الوكيل فيك وفيما أعتقد أنك تغلق على نفسك الفتح والأبواب وذلك شأنك وأنت حر، ولكن أن تذهب لتهدمه حتى تكون فتنة عمياء حسنا، إن النبي لم يفعل هذا أيها الرجل، لم
يفعل هذا سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، كان في مكة وأقام فيها ثلاث عشرة سنة لم يقترب قط من أصنام المشركين، فما بالك بقبور أهل البيت الموحدين، فما بالك بقبور أولياء الله الصالحين، فما بالك بقبور العلماء المتقين المنتخبين عبر هذا عمى قلب وسوء فهم وتشويه للإسلام ودعوة إلى الغلو، ولذلك أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأمس بيانا ينكر ويجرم ويحرم هذا
التوجه اللعين الذي شوه صورة السلف المتقين وشوه معها صورة الإسلام في العالمين وأراد أن يحدث فتنة في أهل البلاد والعباد. أدعو ربكم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا. رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين عباد الله يجب أن نتكاتف جميعا وأن نقف خلف شيخ الإسلام شيخ الأزهر إمام أئمة المسلمين العالم الرباني والملهم الصمداني الشيخ أحمد الطيب ومن ورائه جيش من العلماء كلهم منتشرون في أرض البلاد، مصر محفوظة بأذكارهم وصلواتهم ودعائهم، يصلون
إلى الله ليلا ونهارا. فادعوا أيها الناس في صلواتكم لهذا الإمام الأكبر، وادعوا في صلواتكم لمصر أن يجعلها الله سبحانه وتعالى دار سلام وإسلام وعدل وإيمان، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. ووحد بين قلوبنا واغفر ذنوبنا وأنزل السكينة علينا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا يا أرحم الراحمين، ارحمنا يا غياث
المستغيثين أغثنا، نسألك المدد من عندك يا أرحم الراحمين، نور قلوبنا. واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عفو يا غفار نسألك اللهم أن تقينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم اصرف عنا السوء بما شئت وكيف شئت يا رب العالمين اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأكرم، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إنك أنت الصبور فأنزل الصبر وقد أنزلت البلاء، اللهم يا رب العالمين اهدنا في من هديت وعافنا في من عافيت وتولنا في من توليت، يا رحمن
يا رحيم يا ملك يا قدوس برحمتك نستغيث، اللهم. برحمتك نستغيث يا رب ارحم هذا البلد وقه من شر الفتن والجهالة والعصبية والغرور اللهم يا أرحم الراحمين ألف بين قلوب المؤمنين وثبت أحوال الموحدين لك يا أرحم الراحمين اصرف عنا السوء اللهم اصرف عنا السوء اللهم اصرف عنا السوء بما شئت وإن شئت يا رب العالمين عباد الله صلوا على النبي المختار فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين عباد
الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون أقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون