القرآن العظيم | حـ 4 | أ.د علي جمعة

القرآن العظيم | حـ 4 | أ.د علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم جميعاً في هذا البرنامج القرآن العظيم نحاول فيه أن نرى بعض المحاور التي يفتح الله سبحانه وتعالى علينا بها في الجزء الرابع من القرآن الكريم نلتفت إلى تلك المحاور ونحن نقرأ القرآن كل يوم جزءاً ونتدبر ونستمع إليه أيضاً ونريد أن نعلم مراد الله سبحانه
وتعالى منا في هذا الجزء الرابع، يواجهنا محور الاجتماع وليس الافتراق. يأتي ذلك المحور في أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نعتصم جميعاً به وألا نتفرق، هذا الدين دين وحدة لا دين تفرق. في أيدي إخوانكم هذا الدين، يجتمع المسلمون جميعاً على نبي واحد، ومن هنا أتت حكمة ختم النبوة. هذا الدين يجتمع المسلمون جميعاً في أماكن الأرض الشتى شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً على قبلة واحدة في الصلاة. هذا
الدين له كتاب واحد لم يختلف عليه الناس ولم تكن منه نسخ متعددة مختلفة أبداً. وإنما هو كتاب واحد وهو رب واحد سبحانه وتعالى فدائماً يعطينا عناصر الوحدة وليس عناصر الفرقة فيقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ﴾ تهتدون هذا صحيح، الفرقة تؤدي بنا إلى شفا جرف نهار إلى نار
جهنم، يعني ضياع في الدنيا وضياع في الآخرة. فالمحور الأول هو الاعتصام، الاعتصام بحبل الله، الاعتصام الذي يؤدي إلى الوحدة حتى لو تنوعنا، حتى لو اختلفنا، فإن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما يقولون، ولكن كلنا لنا هدف واحد أن نعبد الله، أن نعمر الأرض، أن نزكي النفس، أن نشيع الخير، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، أن نتعاون على البر والتقوى، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. محور في غاية الأهمية من الناحية السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية، الأخلاقية، الدينية.
محور في منتهى الأهمية هذه. المجالات التي ذكرناها مجالات حديثة قسمناها وقلنا إننا نريد تنمية مستدامة في هذه المجالات وعملنا خطة أو رؤية اسمها رؤية عشرين ثلاثين، سبحان الله، أنا عندما ألتزم بهذه المحاور أتحول إلى إنسان حضارة. أنا إنسان حضارة لأنني أتمسك بالجدية، لأنني أتمسك بالوحدة، لأنني أعتصم بحبل الله جميعًا، لأنني لا أشغل. مساحة من عقلي ومن فكري ومن وقتي ومن مجهودي في غير المراد إذاً فهذا طريق بناء
الإنسان، والإنسان قبل البنيان. قضية الرقابة التي نسميها الآن في الإدارة رقابة، وهذا ليس نوعاً من أنواع المقاربات أو المقارنات، إنما هي صفات أمرنا الله بها تؤدي إلى التوافق مع ما ذهب إليه علم. تقول الإدارة في قضية الرقابة إنك أولاً تقوم بالتخطيط، ثم التنظيم، ثم الرقابة. فيأمرنا الله سبحانه وتعالى بما أسماه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو المحور الثاني معنا في هذا الجزء. "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، يا له من تشريف! كنا خير أمة أخرجت للناس، وكل تشريف معه تكليف دائماً. ماذا
نفعل إذاً؟ بماذا سيكلفنا؟ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم، منهم المؤمنون - انظر إلى الإقرار بالواقع - وأكثرهم الفاسقون لأنهم بعيدون عن كتابهم الذي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويأمرهم بالخير ويأمرهم بعمارة الأرض وبعبادة الله، ما هو تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعضهم كلهم يسيرون في طريق واحد لعبادة الله وعمارة الدنيا وتزكية النفس، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا هنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما نسميه بلغة العصر الرقابة. وبدأنا
نفصل في هذه الرقابة فأنشأنا مؤسسات، ولكن الفكرة واحدة: الجهاز المركزي للمحاسبات، الجهاز المركزي للإدارة، الجهاز المركزي للإحصاء، الجهاز المركزي للتفتيش. في مفتش التمويل، ما هو كل هذا يشير إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنا قديماً نسميه المحتسب، لأنه يحتسب ذلك لله، فيراقب الأسواق، ويراقب إذا ما كان فيها غش من عدمه، ويراقب إذا ما كان فيها مغالاة من عدمها، ويراقب إذا ما كان فيها مَطْل، يعني ماذا؟ يعني... خداع وتأخير المديونيات من عدمه، فالمحتسب كان يقوم بهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجالات شتى. هذا هو
المحور الثاني في هذا الجزء وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نرى محوراً ثالثاً وهو أنه يجب علينا المبادرة بالتوبة، وهذا ما نسميه محور عدم الإصرار على الكبيرة. يا جماعة، الإصرار على الكبيرة معناها وسيؤدي إلى الاستهانة بها والاستهانة بالكبائر، والكبائر سُميت كبائر لأن أثرها سيء جداً على المجتمع وعلى من حولك، فكما أن هناك طاعة متعدية وطاعة لازمة، الطاعة اللازمة مثل الصلاة مثل الصيام، لكن الطاعة المتعدية مثل الزكاة فهذه طاعة متعدية، وهنا يقول ربنا سبحانه وتعالى: "والذين
إذا فعلوا فاحشة". أو ظلموا أنفسهم كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون. فقد يقع الإنسان في المعصية، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. فاء التعقيب تعني على الفور بعدها فاستغفروا لذنوبهم. ومن يغفر الذنوب إلا الله؟ ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. عدم الإصرار هو محور في العلاقة بيننا وبين سعادة الدارين وفي العلاقة. بيننا وبين رضا ربنا سبحانه وتعالى نكمل المحاور ولكن بعد الفاصل هناك
بقية للمحاور في هذا الجزء الذي معنا المحور الرابع وقد ذكرنا ثلاثة في الجزء الأول من الحلقة أن الرحمة أصل الأخلاق الرحمة أصل الأخلاق كلمة كبيرة جداً يقول ربنا فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حولِكَ، يقولُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى: "وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمينَ". لكنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى في البدايةِ يقولُ ويضعُها في كلِّ سورةٍ من غيرِ أن تأخذَ رقماً إلا في سورةِ الفاتحةِ: "بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ". لماذا؟ لأنَّ اللهَ
لهُ صفاتٌ بعضُها للجمالِ: أنَّهُ رحمنٌ، أنَّهُ عفوٌ، أنَّهُ... رؤوفٌ وبعضها للجلال: عظيم، قوي، منتقم، جبار. وبعضها للكمال: الله، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعال. إذاً، فصفات الله على ثلاثة: جمال وكمال وجلال. فلما بدأ بالبسملة وواجهنا بها "بسم الله الرحمن"، لم يقل بسم الله وكفى، بل بسم الله أتى بجمال الرحمن. كان من الممكن أنه يقول الرحمن المنتقم يعني. ترغيب وترهيب يعني مرة من الجمال ومرة من الجلال لكن لم نجد ذلك لأن الرحمن رحيم،
الرحيم إذاً جمال في جمال، يعني كأنه تجلى علينا بالجمال. الرحمة يتولد منها الحب، يتولد منها الكرم، يتولد منها كل صفة يحبها الله سبحانه وتعالى ورسوله، فالرحمة هي أساس الأخلاق، تأتي بعدها على... طوال الحب والكرم، والحب عطاء والكرم عطاء، ومن هنا كانت الرحمة هي التي بدأ الله بها كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم. بعد ذلك، إذا كنت رحيماً ستكون محبوباً، ستكون كريماً، ستكون فيك صفات كثيرة جداً. المحور بعد ذلك هو المبادرة
بالتوبة كما في قوله تعالى: "إنما التوبة على الله للذين". يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، انظر إلى كلمة "من قريب" وتوقف عندها هكذا وعش فيها، "ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً". هذه الآية تُكتب بماء الذهب، بل إذا كان القرآن كله يُكتب بماء الذهب بالحقيقة، لكن أحياناً يرى المرء شيئاً ومعنى يعيش فيه. فكلما كان الإنسان قُدِّر عليه أو هو يعني نسي نفسه وفعل خطأً يبادر بالتوبة، وهذه المبادرة تكون سبباً من أسباب
رضا الله سبحانه وتعالى عنه، فيقبل الله توبته وهو سبحانه الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير، والنبي صلى الله عليه وسلم عنده حديث الحقيقة هو حديث صحيح إنما... من العجيب والغريب أن لكل مؤمن ذنب يقيم عليه أو يرجع إليه الفينة بعد الفينة، أي يتركه ثم يعود إليه ثانية، ثم يتركه ويعود إليه ثانية. كل مؤمن هكذا، يكون لديه ذنب لا يستطيع التخلي عنه حتى يفارق الدنيا، أي من المحبرة إلى المقبرة، يعني من البداية إلى النهاية
حتى يفارق الدنيا. ولكن الصفات أنه فتان وأنه رجاع يرجع لأنه لم يستحل الذنب، إنما هو دائماً يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويبادر بالتوبة. هذا الحديث أمل لكل منا وهو لا يقدر على نفسه في ذنب أو غيره، ولكن يجعل قلبه ضارعاً ومتعلقاً بالله سبحانه وتعالى حتى يمن. الله سبحانه وتعالى عليه بالعفو والغفران. هذه المحاور في الجزء الرابع تمثل كياناً كاملاً لنا في هذا المجال، فالحمد لله رب العالمين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.