القرآن العظيم | ح 19 | أ.د. علي جمعة

القرآن العظيم | ح 19 | أ.د. علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من القرآن العظيم نبحث اليوم مع الجزء التاسع عشر من هذا القرآن العظيم عن محاورة أو بعض ما يفتح الله سبحانه وتعالى علينا، فالقرآن لا تنتهي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وأن الإنسان عنده ما يسمى بشعور
للجماعة، وشعور الجماعة قد يغبش عليه فكرته. ولا يستطيع أن يفكر بصورة موضوعية ولا بصورة مستقلة، ومن هنا فإنه يتأثر بكلام الصديق، وبناءً عليه هو قد يترك الخير وقد يترك الحق من أجل صديقه وخليله هذا. فنبهنا الله سبحانه وتعالى على ألا نفعل هذا، وأن ذلك سوف يتلوه ندم: "يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلني". عن الذكر بعد أن جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً، فالشيطان هو الذي يجعل أهل
الشر يغلبون أهل الخير بهذه الطريقة. المحور الثاني نراه في هذه الآيات العظيمة في آخر سورة الفرقان في صفات عباد الرحمن، وكلها صفات يحبها الله سبحانه وتعالى ووصف بها من أسماهم سبحانه بعباد الرحمن. يقول عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً في تواضع وليس فيه تكبر، ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، وهنا يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً. لا يدخلون في جدل عقيم مع
الجاهلين لأن الجاهل عدو ما جهل وقد يكون ما جهله هو الحق والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما فهذه صفة من الصفات التي يتميز بها عباد الرحمن ينزل ربنا في ثلث الليل الآخر فيقول هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، فهؤلاء لربهم سجداً وقياماً يصلون، وفي جوف
الليل له من الأجر العظيم وله من الأثر العظيم. كان علماؤنا وأهل الله يقولون: من طال قيامه بالليل حسُن وجهه بالنهار، رأيته وكأنه يشع نوراً. هذا النور الذي يخرج منه من... أثر هذا السجود وذلك القيام فنوّر الله سبحانه وتعالى وجهه وجعل سيماهم في وجوههم، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً من الغُرم، من الغرامة، عندما نأتي لنشرحها، يعني فيها عقوبة، فهذا كان غراماً، فكأنهم
يخشون ربهم من فوقهم، إنها ساءت مستقراً ومقاماً، والذين إذا أنفقوا. لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا لأن إن المبذرين إخوان الشياطين والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثامه يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا وهذا موطن في قراءة حفص كأننا نضيف ياء بعد الهاء فيه مهانة نزيده هكذا في هذا الموطن من القراءة وهذا
كله يؤكد حفظ الله سبحانه وتعالى لهذا الكتاب. صفات عباد الرحمن صفات مهمة ينبغي علينا أن نؤمن بها وأن نتدرب عليها وأن ندوم عليها ولو قليلاً. إلا أني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ومن رغب عن. سنتي فليس مني، فاللهم يا ربنا اجعلنا من عباد الرحمن الذين وصفتهم في كتابك ورضيت عنهم في قدرك وقضائك وغيبك. بعد الفاصل نستمر، رجعنا من الفاصل
ومعنا محوران: المحور الأول هو نجده في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالسؤال والجواب والحوار والمناقشة، حتى الملائكة يسألون سيدنا موسى وهو. كليم الله من الرسل ذوي العزم يكلم فرعون وهو أخس من رأيناه لادعائه الألوهية "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" لهذا الكبر، ولكن نرى في سورة الشعراء هذا الحوار الرائع وهو أكثر
ما في القرآن من تكرار كلمة "قال" بين المتناظرين حيث وردت تسع مرات نراها. في قوله تعالى: "وفعلتَ فعلتَكَ التي فعلتَ وأنتَ من الكافرين. قال فعلتُها إذًا وأنا من الضالين. ففررتُ منكم لمّا خفتُكم فوهبَ لي ربي حُكمًا وجعلني من المرسلين. وتلك نعمةٌ تمنُّها عليَّ أن عبّدتَ بني إسرائيل". ثم يدخل في الحوار مع فرعون، قال فرعون: "وما ربُّ العالمين"، كأنه لم يسمع بهذه الكلمة من قبل. بالرغم من أن الكهنة وبالرغم من أن الرسل
السابقين عرفوهم من هو رب العالمين، قال: "رب السماوات والأرض". ثم قال فرعون وبعد ذلك قال الثانية موسى في حوار، وهو أكبر حوار في القرآن من ناحية الأخذ والرد، قال: "رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين"، قال لمن حوله: "ألا..." تستمعون فرعون يستهزئ بكلام موسى قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلهاً غيري انظر للسخرية
لأجعلنك من المسجونين فرعون يقول لموسى هذا لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيءٍ مُبينٍ قال: فأتِ به إن كنتَ من الصادقين. هذا الحوار فيه تسع مرات ما بين فرعون وبين موسى، حتى ذلك الكافر الطاغية استجاب لداعي العقل. أولاً عرض سلطته: "أنا سأسجنك"، ثم بعد ذلك لما رأى أن هناك بيّنة وأنه يمكن أن تكون هذه البيّنة صحيحة، طلبها وخضع لها وجاء. بالعلماء المختصين
فيما يظن وهم السحرة بعد ذلك وحدث ما حدث من مواجهة موسى للسحرة وكانت مواجهة فيها دروس كثيرة جداً في هذا المجال. إذاً فربنا سبحانه وتعالى يقر هذا الحوار حتى يعلمنا أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، حتى يعلمنا "لقد كان لكم في قصصهم عبرة لأولي الألباب" حتى. يعلمنا كيف نهتدي بهذا الحوار الماتع بين من معه الحق ومن يدعو إلى الباطل. هناك محور آخر وهو تلك الحروف
المقطعة التي تبدأ بها السور. هذه الحروف المقطعة نواجهها في هذا الجزء كما واجهناها ابتداء من الجزء الأول "الم" التي في البقرة والتي في آل عمران إلى آخره. هنا نجد... طس بسم الله الرحمن الرحيم طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هذه الحروف هي أيضاً جزء من نقل القرآن ومن إعجاز الأمر هذه الحروف العلماء على فريقين فريق يقول الله أعلم بمراده ولا نعرف ما هذه الحروف لكنهم لم يتركوها ولم يحذفوها من القرآن
الكريم بل أثبتوها كما هي سميت هذه الحروف بالحروف النورانية لأن القمر له وجه منير وله الوجه الآخر الذي لا يواجه الشمس مظلم، فاسمع هذه الحروف وعددها أربعة عشر وعدد حروف العربية ثمانية وعشرين. اسمعوا هذه الحروف بالحروف النورانية تشبيهاً بوجه البدر عند تمامه، والحروف الأخرى التي لم تُذكر في بدايات السور سمّوها الحروف الظلمانية يعني. الوجه الآخر للقمر النورانية والظلمانية ليس فيها معنى أن هذه جيدة وهذه رديئة أبداً، إنما فيها معنى أن هذه اختارها الله سبحانه
وتعالى لأداء مهمتها كائنة ما كانت هذه المهمة وكائن ما كان تفسيرها، فهي تسمى بالحروف التي أنارها الله لنا مثلما أنار وجه القمر، هذه الحروف مجموعة وجمعها بعضهم. في عبارات شتى من أجمل هذه العبارات نص حكيم قاطع له سر، إذا فنون والصاد نص حكيم. الحاء والكاف والياء والميم قاطع، القاف والألف والطاء والعين، له اللام والهاء، سر أربعة عشر حرفاً. عندما تعد هذه الجملة "نص حكيم قاطع له سر"، يظهر أنها تلك الأربعة عشر حرفاً التي بدأت. الله بها ن والقلم
وما يسطرون صاد قاف طه طس طسم الم وهكذا الم راء تجدها في هذا المجال. هذه الجملة مباركة وتكلم العلماء عن معانيها كثيراً، لكن الأمر الذي يلفت النظر أن هذه الحروف بقيت مكانها ولم يحركها النقلة بل تلوها كما هي وتركوا بعد ذلك للمجتهدين وللناظرين. ومن يفتح الله عليه بمعانيها، وهذا دليل جديد على حفظ كتاب الله الذي تولى حفظه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. إلى لقاء آخر، أستودعكم
الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    القرآن العظيم | ح 19 | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا