القرآن العظيم | ح 20 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات القرآن العظيم، نبحث فيها عن المحاور بما يهدينا الله سبحانه وتعالى إليها. ومن أهم ما يقوم عليه الاجتماع البشري الأسرة، ولا بد أن تُبنى الأسرة على الصلاح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا
جاءكم من ترضون دينه وحسن خلقه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد عظيم". إذاً، فبداية المجتمع في الأسرة، وبداية الأسرة في اختيار الزوج والزوجة. المرأة الصالحة أساس ومحور يقوم عليه الاجتماع البشري. قد لا يكون معيار المال أو الجمال أو السلطة هو المعيار المهم في بناء الأسرة، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنكح المرأة" أي تُزوج أو تُطلب لأربع: لجمالها، ولمالها،
ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. "تربت يداك" هي عربي معناه أن الله يبارك لك، أي يجري الخير في يديك مثل التراب، وذرات التراب كثيرة. فلماذا هذه الأربعة؟ لمالها، لجمالها، لنسبها، لدينها. ولكن أهم هذه الأربعة - نعم، الأربعة مطلوبة - ولكن أهم هذه الأربعة هو الدين. نفس الكلام عندما يأتي اختيار الزوج، نرى هنا أن الله سبحانه وتعالى الرجل الصالح الذي هو شعيب كما يقول المفسرون: "إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تعمل
عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشراً فمن فضلك، وما أريد أن أشق عليك، ستجدني إن شاء الله من الصالحين". فنحن أمام مهر سيكون هو أجره عبر ثماني سنين، ثمانية في اثني عشر هذا الشهر هو مهر الفتاة، فإذا أتممت المائة والعشرين شهراً الذين هم عشر سنوات، فمن عندك يكون. نأخذ هنا أن المهر قد يكون نقداً وقد يكون عيناً، وأن المهر قد يكون مؤجلاً وقد يكون معجلاً، وأن المهر قد يكون
مقسطاً كما في هذه الحالة، وقد يكون على دفعات كما يقولون دفعةً واحدةً كل هذه المعاني تُؤخذ من هذه الآية الكريمة أنه لم يأخذ منه نقداً بل أخذ منه عملاً له أجر، ويمكن عند الاتفاق على الأجر المفاوضة: ثماني سنين واثنتين من عندك، وكلمة "من عندك" تجعل هذا العقد عقد اختيار بعد الثماني سنين، يقول له: أنا سأمضي، أو يقول لا. أنا سأكمل معك من أجل صلاحك وما رأيته منك. الزواج تم فوراً، يعني موسى
تزوج أهله من بنات شعيب في مدين، وبعد ذلك يستوفي المهر شيئاً فشيئاً. ومن هنا أتت الفكرة التي يطبقها المصريون في الزواج: مقدم الصداق ومؤخر الصداق، لأن هناك شيئاً في البداية وهناك شيئاً. في النهاية كمؤخر لكنه مستحق، بمعنى أن موسى لو لم يقدر على الثماني حجج نحسب أجر المثل وكانت تبقى ذمته مشغولة ببقية المدة. اختيار الزوج الصالح في الحقيقة أمر ينبغي ألا نتهاون فيه. كثير جداً من الناس تبني البيوت على محض الحب في عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين. كان هناك بحث
في الجامعة المصرية خاصة في جامعة القاهرة حول تلك الزيجات التي بُنيت على الحب، وفوجئنا بأن أكثر من ثمانين بالمائة منهم قد انفصلوا بعد الزواج، ورأينا سبب ذلك أنه ليس بالحب وحده تُبنى الأسرة، وهذا موجود في كلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو يقول. ليست كل البيوت بُنيت على الحب، فالحب مهم، والحب إذا أنزله الله سبحانه وتعالى فهو أمر في غاية الأهمية، إنما ليس هو كل شيء، فلا بد من البحث عن
هذا المعنى من الدين وحسن الخلق والصلاح، خاصة في الرجل، لأن الرجل نستطيع أن نقول إن تكليفه في الحفاظ. على الأسرة أعظم من تكليف المرأة وإن كانت هي أيضاً مكلفة بالحفاظ على الأسرة، ولكن الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. فهنا التفضيل في قضية أنه هو المسؤول الأول على بقاء الأسرة وسعادتها واستمرارها. هناك محور آخر في هذا الجزء يتمثل في قصة قارون، وأن الطغيان بالمال أمرٌ
ليس من عناصر النجاح. الطغيان بالمال، مع أن المال مهم والمال عصب الحياة. وكان مشايخنا يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يدعو في مكة وليس هناك مال، آمن معه نحو مائتي شخص، لكن لما انتقل إلى المدينة وجاء المال. وأصبح هناك دولة وأصبح هناك دعوة، فلمَّا انتقل وفي حجة الوداع كان قد رآه مائة وأربعة عشر ألف صحابي في عشر سنوات، وهناك رآه مائتا صحابي في مكة. قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وبعد الفاصل نفصل
ما فعله قارون مع موسى ومع نفسه ومع المجتمع الذي كان يعيش وقد وصل من الثراء مبلغاً خيالياً قد يكون لم يصله أحد في العالمين. بعد الفاصل، رجعنا من الفاصل حتى نذكر قصة قارون باعتبارها من المحاور المهمة في هذا الجزء العشرين. قارون، يقول ربنا أن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وقيل أنه كان ابن عم موسى، يعني كان. من عائلته وأنه كان تقياً وأنه
قد علم شيئاً حتى من الاسم الأعظم إلا أنه مع هذا وقع في فتنة المال، وفتنة المال فتنة عجيبة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن لأحدكم وادياً من ذهب لأراد ثانياً، ولو أنه أُعطي الثاني لأراد ثالثاً، ولا يملأ..." لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. شهوة المال كشهوة الولد، وقد بدأ الله بها: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ". والحرص فتنة، وفتنة
المال فتنة شديدة ذكرها الله سبحانه وتعالى في تلك الأمور التي تُزَيَّن من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة وللقوة تنوء، أي لا تستطيع مجموعة من الرجال أن تحمل مفاتيح خزائن قارون، أي قد يكون فوق الحصر، فوق الحصر، فوق العد. لو أنه جلس يعد، كان هناك عُرضت علينا فتوى أن رجلاً من بلد معينة إذا جلس يعد ما... يمتلك من أموال فإن ذلك يستغرق منه
عاماً، فكيف يزكي؟ يعني هو يريد أن يزكي في أول رمضان فيذهب ويرى كم معه من المال ويزكي عليه، لكن حتى يعرف كم معه وما الذي معه من المال يجلس سنة، وبذلك فسيتأخر سنة عن الزكاة، وأفتاه العلماء حينئذٍ بأن يقدر تقديراً. لا تحديداً وفي الروايات أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وكان من السابقين الأولين من المهاجرين، لما مات لم يستطيعوا أن يعدّوا ثروته، فكانوا يأخذونها بالزنبيل يعني بالقفف، يعني يملؤون قفة هكذا، يقولون: هذا واحد، هذا اثنان، هذا ثلاثة، ليس أنهم يعدّون عدد الدنانير
التي... تركت إذا كان هكذا النوع من الثراء الكبير والكثير وكذا، لكن هذا بالنسبة لقارون مفاتيحه تنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه: "لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين". الفرح هنا ليس هو السرور، الفرح هنا هو التكبر وأن يسير في الأرض يتبختر ويفتخر ويشعر بالمجد. كل هذا أمر لأنه متعلق بدنيا زائلة، فالفرح هنا بعض الناس يفهمه أنه السرور. لا، السرور أمر ممدوح وأمر
طيب أن يُسرَّ الإنسان ويفرح بهذا المعنى، لكن الفرحين هنا هم المتكبرون. "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ". ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، وهذا مبدأ عام في القرآن كله: إن الله لا يحب المفسدين. قال: إنما أوتيته على علم عندي، لا إنما أوتيته بفضل الله، إنما أوتيته برزق الله، بتأثير الله. أما أنه بعلم عندك فيصبح
رأياً حوله. وقوته قد يكون كان عالماً وقد يكون كان عارفاً، لكن هناك ما يُسمى بالتوفيق، هناك ما يُسمى بمنع الموانع، هناك ما يُسمى بأن الإنسان يؤدي ما يستطيع. فقال: إنما أُوتيتُهُ على علمٍ عندي. وهنا نقرأ القصة إلى نهايتها ونرى عاقبة قارون وما الذي فعله الله به حيث خسف به وبماله. وبقصره وبقوته وبرجاله على الأرض، وأصبح
فتنة، وأصبح عبرة عبر القرون، أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة. فقوم عاد كانوا أشد منه قوة. في الروايات والتراث يُقال إن عاداً قد بنوا مدينة إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد، وجعلوها ثلاثمائة بالذهب يعني عمل كأن الأسفلت كأنه من الذهب، سبحانه وتعالى أهلك من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً. لا تغتر لا بالقوة ولا بالجمع، فكل هذه الأشياء تذهب في لحظات قليلة. "ولا يُسأل
عن ذنوبهم المجرمون" من كثرتها، لأن المجرم كثير العدوان لا يُسأل بل يُؤخذ أخذ عزيز مقتدر. فخرج... على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون بهذا تنتهي قصة قارون بعد هذا العقاب الدنيوي الرباني لكنه محور مهم في مركز
المال من المجتمع، إلى لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.