القرآن العظيم | ح 25 | | أ.د. علي جمعة

القرآن العظيم | ح 25 | | أ.د. علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً وأهلاً بكم في حلقة جديدة في هذا الجزء الخامس والعشرين من القرآن العظيم، نلتمس فيه كما تعودنا بعض المواقف. وبعض المحاور التي تجعلنا متمسكين بسعادة الدارين عابدين لله معمرين للكون نزكي أنفسنا بالتخلية من كل قبيح وبالتحلية بكل صحيح في
هذه الأيام المباركة نرى قوله تعالى في هذا الجزء إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي؟ قالوا: آذنَّاكَ ما منا من شهيد، وضلَّ عنهم ما كانوا يدعون من قبل، وظنوا ما لهم من محيص. يعني ليس لهم مخرج، ليس لهم منجى. محيص يعني مخرج ومنجى. نرى في البنايات
يُكتَب عليها "مخرج الحريق"، يعني عندما يحدث حريق اخرج من هنا، انجُ من هذا. المكان هذا هو المحيص، محيصٌ يعني نجري منه من تلك المصيبة إليه، يَرُدُّ علم الساعة يعني لا يرد إلى غيره، لا يعلم متى الساعة إلا هو، لا يعلمها ملك مقرب ولا يعلمها نبي مرسل، مما استأثر الله به علم الساعة. لها علامات، حسناً، ما كل واحد ساعته هي ساعة وفاته. عندما يموت الإنسان إذا جاءت قيامته لأنه انتهى عمله وانتهى اختباره وانتقل
من حال إلى حال فجاءت ساعته، فكل إنسان تأتيه الساعة ساعته، لكن هناك ساعة عامة، كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، هذه سواء الساعة المتعلقة بالإنسان لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، كل نفس ذائقة. الموت علم الساعة التي هي القيامة أو فناء الخلق جميعًا، متى لا نعرف. أخفاها الله سبحانه وتعالى فيما أخفى، لأنه يتفرد بالقهر فوق العباد، ويفعل ما يشاء
ويختار، وعنده كل العلوم بالتفصيل، يعلم السر. وأغفى بعض الفلاسفة قال أنه يعلم بصورة إجمالية، لأنهم قاسوا ربنا علينا، نحن عندنا ذاكرة لها. سعة ولها قدرة على الاستيعاب ولها قدرة على ربط المعلومات محدودة، لكن الله ليس كمثله شيء وهو يعلم سير النملة الصماء على الصخرة الجرداء في الليلة الظلماء، يعني يعلم كل شيء بالتفصيل، ولأنه هو الخالق، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، وما يخرجون من ثمرات من أكمامها وما. تحمل من أنثى ولا
تضع إلا بعلمه، فهو سبحانه وتعالى عليم بما في الأرحام علماً تفصيلياً، بمعنى أن هذا الجنين أشقي هو أم سعيد، أصحيح هو أم مريض، كل شيء بالتفصيل ظاهر وباطن، سر وأخفى من السر يعلمه الله سبحانه وتعالى. ويوم يناديهم: "أين شركائي؟" قالوا: آذناك، يعني أعلمناك، يعني أخبرناك. أي اعترفنا أنه ما منّا من شهيد، لا نحن رأينا ولا شوهدنا، لأنك أنت ليس لك شريك، أنت واحد أحد فرد صمد رب كريم، فنحن لا نشهد بذلك الضلال أن لك شريكاً.
كلهم تبرؤوا من الشركاء، وكلهم اعترفوا بالحقيقة آنذاك: ما منّا من شهيد، وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل، أي... حتى نسوهم، نحن فعلنا شيئاً، نعم، أنتم كنتم تعبدون هُبَل وزُفَر وما لا أعرف من هذه الأشياء التي كنتم تعبدونها. قالوا: لا نتذكرها، وضلّ عنهم. الضلالة هنا معناها النسيان، امّحت من ذاكرتهم من الموقف العظيم، وما لهم من محيص. عندما وجدوا أنفسهم هكذا في ورطة، وأن الله سبحانه وتعالى جعلهم في هذا. المقام قالوا الحقيقة إننا ليس لنا مخرج من هذه الحكاية وظنوا
أنه ما لهم من محيص. هناك محور آخر يقول فيه ربنا سبحانه وتعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم" و"تبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون". أيضاً يؤكد ويكرر حتى يقيم الحجة على عباده ويقول ربنا سبحانه وتعالى في أوائل سورة الدخان: "حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة
مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم" واختلفوا في هذه الليلة أهي ليلة القدر. أم هي ليلة النصف من شعبان التي استجاب الله سبحانه وتعالى لنبيه "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها". والذي جعلهم يذهبون إلى هذا المذهب من أنها هي النصف من شعبان ما ورد عن سيدنا عمر من أن في دعائه "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" في هذه الليلة ويدعو الله سبحانه وتعالى بأن يمحوه من
قائمة المغضوب عليهم إلى قائمة المرضي عليهم. فهل هي ليلة القدر؟ قد تكون ليلة القدر وهي قد اقتربت، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نلاقيها وأن يستجيب دعاءنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. بعد الفاصل نواصل. رجعنا من الفاصل على... محور في غاية الأهمية يلخص لنا العقيدة بأكملها ويلخص لنا ما نواجهه أثناء الدعوة
إلى الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بلغوا عني ولو آية". نريد أن يسعد الخلق في حياتهم الدنيا ثم ينقلبون إلى الله فيكونون في رضاه. ربنا سبحانه وتعالى يحدثنا عن هذه البيئة التي نتعامل معها. فيقول: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. عندما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي ورأينا كل شخص في العالم يقول ما يشاء
بعلم وبغير علم، بنظام وبغير نظام، تكوَّنت نفسية من العقليات السطحية ورأيناها. تشيع في الناس سواء كانوا من الشباب أو سواء كانوا من الكبار بلاء أصاب الجميع أنهم لا يتفكرون ولا يرتبون. "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا" في آية كهذه، وهنا "أفرأيت الذي اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه" يعني فعلاً وأنت تتناقش. معهم تجد انغلاقاً
لا يسمع إليك، هو يخاف أن يسمع إليك، ولذلك يغلق ذهنه ويعيش في نفسه كما تعوّد في التعامل مع التواصل الاجتماعي، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة. لا يستطيع أن يفكر ويتدبر ويستنتج ويناقش ويفتح في الموضوعات، فمن يهديه من بعد الله؟ هيا يا مولانا. تناقشوا لأجل أن يهديك الله، فالله سبحانه وتعالى هو الهادي، "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، بمعنى أن هذه المناقشة التي أقوم بها مهما بلغت من
فن المناقشة أو علم أحاول أن أعطيه له، فإن الهادي هو الله، فإذا أراد الله له الهداية شرح صدره ونفسه وآذانه. وقلبه للإيمان، وإذا لم يرد ذلك فمن يهديه من بعد الله؟ أفلا تذكرون؟ ألم نكرر عليكم كثيراً أن الأمر بيد الله، وأنه لا هادي إلا الله، وأنه "وما أرسلناك عليهم حفيظاً"، وأنه "لست عليهم بمسيطر"، وأنه "ما على الرسول إلا البلاغ" إلى آخر ما هنالك من آيات، فتذكروها. وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، يبقى
هنا جمعوا بين إنكار وجود الله سبحانه وتعالى وبين إنكار يوم القيامة. عندما ينكر الناس الإله وينكرون بالتالي التشريع وينكرون بالتالي الحساب والعقاب والثواب، تصبح الدنيا بلا معنى. هذه الدنيا لماذا؟ وما غايتها؟ ما هدفها؟ ويبدأ الإنسان... في معيشة بعضهم يقول: أنا لا أعرف لماذا أنا حي، لماذا أنا أعيش، فيقرر الانتحار وتشيع هذه الظاهرة الخبيثة في الناس. بعضهم يرى أنه يجب عليه أن يتمتع بكل نقيصة حتى يستوفي حقه من هذه
الدنيا. بعضهم يتحول إلى مجرم يحاول الاعتداء على النفس وعلى المال وعلى العرض وعلى الدين. وعلى كل شيء الأنا العليا التي عنده وهي أنا سفلى في الحقيقة وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم. على فكرة، العلم لا يقول هكذا إطلاقاً، العلم يقول إن هذا الكون مكون من عناصر معينة، ووراء كل عنصر حكمة متناهية. تصل بالأمر أن هذا الكون قد خلق عبثا أو بصدفة أو من غير خالق أو شيء من هذا القبيل إلى درجة
الصفر رياضيا وإحصائيا وفكريا وواقعيا، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، شيء ينطق بالحق ويتجلى الله سبحانه وتعالى بصفاته في كل صغيرة وكبيرة مما حولنا في هذا الكون، ولذلك نحن الآن أمام محور عجيب غريب يلخص ما هنالك في علاقتنا مع الكون ومع الإله ومع النفس. اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. وإذا تُتلى عليهم آياتنا بينات ما
كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين. يوم القيامة. إلى لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.