القرآن العظيم | ح 27 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات القرآن العظيم يواجهنا في هذا الجزء السابع والعشرين سورة الطور والطور وكتاب مسطورٌ في رقٍ منشورٍ والبيتِ المعمورِ والسقفِ المرفوعِ والبحرِ المسجورِ أنَّ عذابَ ربِّكَ لواقعٌ ما له من دافعٍ. الطورُ هو ذلك الجبلُ الذي تجلَّى اللهُ لموسى عندهُ
في طولِ السماءِ وهو معروفٌ باسمِ جبلِ موسى وباسمِ الطورِ. وهذه من الأماكنِ التي ذكرَ اللهُ فيها في قرآنِهِ مصرَ وأماكنَ مصرَ وفي. بعض الروايات التي صححها ابن حجر العسقلاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فصلى ركعتين في الطور، أي أنه جاء ووطئ أرض مصر بقدميه الشريفتين صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج، فهو يقسم بذلك الجبل الذي شاهد ذلك التجلي وكتاب مسطور لأن تكلم الإمام الرازي. ومن قبله وحيدين بن
العربي ونحو ذلك عن كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور، كتاب الله المسطور هو ذلك الوحي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه القرآن الكريم، والكتاب المنظور هو ذلك الكون، خرج هذا الكون من عند الله وخرج هذا الكتاب من عند الله، هذا من عالم الأمر. الكتاب من عالم الأمر والكون من عالم الخلق، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين. ونرى في القراءة قراءتين: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم". فأمرنا بقراءة الكتاب المنظور
وبقراءة الكتاب المسطور في رق منشور. يعني يستطيع كل من يحسن الكتابة أن ينظر إليه، فهو محفوظ في الصدور ومحفوظ في السطور، والبيت المعمور وهو في السماء تطوف به الملائكة كطواف المؤمنين بالكعبة سواء بسواء، والسقف المرفوع وهي السماء لأن كل ما هو فوقك فهو سقف، والبحر المسجور وهو بحر به ماء كثيف، وقيل أنه مسجور بمعنى حامٍ ومرتفع الحرارة، وهذا يكون في يوم القيامة، ولذلك قال: إن
عذاب ربك لواقع. عذاب ربك يوم القيامة واقع لا محالة، وهذا خبر صدق، وهو يمنع الإنسان من فعل الفواحش في حياته الدنيا، ويجعله من أهل العبادة والعمران. ما له من دافع، لا يستطيع أحد من المخلوقات كائناً من كان. أن يدفعه يوم تمور السماء موراً وتسير الجبال سيراً فويل يومئذ للمكذبين. مشهد من المشاهد قد يحتاج المعاصر إلى فك بعض هذه الكلمات: الطور، مستور، منشور. يحتاج إلى أن يعلم هذه الكلمات وكلها أقسم الله سبحانه وتعالى بها حتى يحذر
من عذابه. هناك أيضاً محور آخر يقول فيه سبحانه وتعالى. وَأَنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُ سَحَابٌ مَرْكُومٌ، فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكِسْفُ القِطْعَةُ مِنَ السَّمَاءِ تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا سَقَطَ مَا يُسَمَّى بِالنَّيْزَكِ لِأَنَّ لَهُ جِرْمٌ وَهُوَ مُدَمِّرٌ إِذَا لَامَسَ الْأَرْضَ انْفَجَرَ وَصَنَعَ دَمَارًا كَبِيرًا، فَهَذَا الكِسْفُ الَّذِي هُوَ جِرْمٌ يَعْنِي صَخْرَةٌ سَاقِطَةٌ مِنَ. السماء يوهمون أنفسهم بغير الحقيقة وكان الله سبحانه وتعالى
هنا يأمرنا بالحقيقة ويأمرنا بأن نفهم كل شيء على حقيقته وليس من غير حقيقته وأن يروا كسفًا من السماء ساقطًا يقولوا سحاب مركوم سيأتي لنا بالخير دون العذاب ودون مبالاة بهذا التحذير يقولوا أيضًا واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ما على الرسول إلا البلاغ وسبح بحمد ربك حين تقوم، هذه المحاور تعين الإنسان على مواجهة الحياة. بعد الفاصل نواصل.
رجعنا من الفاصل حتى نرى سورة النجم التي تكلم الله فيها عن نبيه أثناء رحلة المعراج، والتي يحلو لكثير من الناس أن يتحدث فيما لا يعرف. ولا تقف ما ليس لك به. اعلم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. هذه الصورة واضحة في أنها تتكلم عن المعراج، وإذا خرجنا عن هذا النطاق أصبحت غامضة وأصبح كثير من آياتها لا معنى له والعياذ بالله تعالى. ومن هنا ترى
العلماء وهم يتمسكون بقضية معراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماوات العلى ليست فقط لما فيها من معجزة سلبت قلب النبي، وليست فقط لأنها قد صحت الرواية في هذا الشأن، وليست فقط لأنها تبين قدرة الله سبحانه وتعالى حيث إنه يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء وأنه على كل شيء قدير، ليس هذا فقط، هذه الآيات لا يستقيم فهمها إلا بقصة المعراج التي سُمِّيَت أيضاً بقصة الإسراء لأن المشي بالليل في الأرض أو في السماء يُسمى إسراءً، وهذا
ما جعل بعض أهل دواوين السنة كالترمذي ومسلم وغيرهم يُعبِّرون بهذا، فيقولون "ليلة الإسراء" عن الإسراء والمعراج، ويأتون بأحاديث المعراج في هذا المقام. "والنجم إذا هوى" يُقسِمُ بهويِّ النجم "ما ضلَّ صاحبكم". وما غوى إلا تشاهدون النجم الذي نسميه النجم النموذج نراها في السماء هكذا تهوي وتحترق، إذاً فهو يتكلم عن أمر ما رده إلى السماء، مسألة في غاية الوضوح، وهذا خوف كبير أن الكلام لا يكون له معنى إذا تم إنكار هذه الحقائق وإنكار الواقع، والنجم
إذا هوى ما ضل. صاحبكم وما غوى، إذا هناك نزاع عندما يسمع المشركون في مكة أن رسول الله قد اخترق السماء يصفونه بالكذب بالضلالة بأنه يفتري عليهم، ما ضل صاحبكم وما غوى. إذاً فالله سبحانه وتعالى يرد على هؤلاء بنفي الضلالة عن خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما حدث في هذه. الليلة وما ينطق عن الهوى إذا فهذا ليس من خياله ولا من كلامه وإنما هو بأمر الله سبحانه وتعالى أن هو إلا وحي يوحى إذا
فما يقوله إنما وحي أوحاه الله إليه فلما نزل وقال إن الله قد فرض عليكم خمس صلوات إذا فالخمس صلوات ركن من أركان الدين وخمس الصلوات هي فريضة علينا في كل يوم وليلة، والصلوات الخمس هي ذروة السنام وهي عماد الأمر. ما هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، شديد القوة الذي هو جبريل ذو مرة فاستوى، يعني له مكانة، واستوى يعني استولى، فالاستواء معناه الاستيلاء. ذو مرة فاستوى يعني هو له
إمرة وله كلام. على سيدنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقد استولى على قلبه، يُحبه حباً جماً. ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى، هذا في السماء. يعني أنا أتخيل الإنكار يصبح الكلام لا معنى له. وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى، يعني يصف مسالك السماء تمشي هكذا، فإذا بك تتدلى. هكذا وهذه هي المنحنيات التي اكتشفها العلماء وبناءً عليه جعلوا مسارات الأقمار الصناعية التي
تذهب إلى القمر أو إلى المريخ أو غير ذلك تسير في مسارات "ثم دنا فتدلى" يعني في مسارات منحنية وليس في مسار مستقيم كاستقامة خط الأرض حتى قال بعضهم أنه ليس هناك أصلاً خط مستقيم. لأنه جزء من محيط الدائرة ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أيضاً شبه المسألة بالقوس لأن فيها عروج وفيها تقويس أو أدنى قاب قوسين يعني الطرفين اللذين يوضع فيهما الخيط أو الوتر الخاص بالقوس فهذه مسافة بسيطة فأوحى
إلى عبده ما أوحى مثله صريحة لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولكن القلب رأى وما كذب الفؤاد ما رأى أفتجادلونه على ما يرى؟ لو كان هذا الضمير عائداً إلى جبريل، هل رأوا جبريل لكي يجادلوه أو يناقشوه؟ ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات. ربه الكبرى هناك يقول أنه هو السميع البصير. الإمام الألوسي أورد تفسيراً أن السميع البصير هو سيدنا النبي صلى الله عليه
وسلم. سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم سمع وراءه فكان سميعاً بصيراً، وتؤيد هذه الآيات: "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما". يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إذ هناك يتكلم عن ما رأى رسول الله في هذه في هذا اليوم وهناك ذلك فهي ليلة واحدة وهي رحلة واحدة لقد
رأى من آيات ربه الكبرى، أفرأيتم اللات والعزى؟ يعني أخبروني عن اللات والعزى في مقابل ما أنقذت به النبي وسلّيت قلبه بعد موت خديجة، وبعد رفض موت أبي طالب، وبعد حادثة الطائف. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.