القرآن العظيم | ح11 | أ.د. علي جمعة

القرآن العظيم | ح11 | أ.د. علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مرحباً بكم في حلقة جديدة من القرآن العظيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن في الجزء الحادي عشر من القرآن العظيم، نحاول أن نلتمس بعض المحاور التي يفتح الله سبحانه وتعالى بها علينا فنجد. أن
الله سبحانه وتعالى عظَّم لنا ذلك الجيل الذي أكرمه برؤية سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز
العظيم". أهل السنة والجماعة وقفوا عند هذه. الآية وآمنوا بها وقالوا بها بخلاف أولئك الذين يريدون أن يضعوا رؤوسهم برؤوس الصحابة الكرام والتابعين الأبرار، بخلاف أولئك الذين ليس لهم دينٌ إلا البحث فيما ورد ضعيفاً بسندٍ متهرئٍ في التاريخ، ثم يضيفون من أذهانهم ما يسمونه بالرواية الأدبية. نحن لا نمنع أحداً من حرية الاعتقاد ولا من أن لا يعظم الصحابة الكرام الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها
الأنهار، أولئك الذين عظمهم أهل السنة والجماعة. من أجل هذه الآية نرى أولئك النفر يريدون أن يحطموا ذلك الاحترام الذي نشأ في الأمة عندما قرؤوا كتاب الله. هل هؤلاء لم يقرؤوا كتاب أنا أرى أنهم قرؤوه لكنهم لم يدخل قلوبهم دخول العارفين بالله، لم يُفتح عليهم، لم يفهموه، لم يعلموا أن هذه الآية نقلت الصحابة الكرام وبأمر الله وبإذن الله إلى دائرة الرضا، رضي الله عنهم ورضوا عنه، فهذا محور عظيم جدًا لأن الأمة أخذت من تصرفات هؤلاء الصحابة
أنها تصرفات من. رضي الله عنه، ورد عنه أنهم ليسوا معصومين وهم يقرون بالخطأ إذا وقعوا فيه، لكن مجمل ما هنالك من حياة فيها هدى وفيها فتح من الله وفيها منهج جيد، فنترك تسعة وتسعين في المائة من حياتهم وسيرتهم التي جعلها المسلمون نموذجاً يتخذونه أسوة حسنة، ونبحث في ملفات التاريخ عن أقوال حُرِّفَت أو صَدَرَت ممن يَهذي حول هؤلاء الصحابة الكرام، إذا
هذا وضع لا يُخَيَّل على الأمة، لا يدخل ولا تُخْدَع به الأمة، لأنه يبتغي في النهاية القدح في القرآن الكريم، بعد أن نتعالى على الصحابة، ثم نقرأ في الجزء الحادي عشر: "السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار"، ما هذا؟ لماذا يا... رب عظمت هؤلاء الذين تركنا احترامهم وتركنا اتباعهم وتركنا ما قدموه من الحياة. هذا هو الهدف في النهاية من هذا الأمر. الثاني والمحور الثاني ما نبه
الله سبحانه وتعالى عليه في قصة مسجد الضرار. مسجد الضرار أقوام من المنافقين أتوا ووضعوا هذه اللافتة، هذه الراية، هذا العنوان. هم منافقون يريدون. أن يهدموا الإسلام فالفكرة الشيطانية التي نراها في جماعات الإرهاب والتطرف في هذا العصر أن نستعمل الإسلام في هدم الإسلام، إذاً هذا هو عين النفاق لأن الظاهر يخالف الحقيقة، فيرفعون راية ولافتة بأنهم الإسلام، ويجعلون شعارهم "الإسلام هو الحل"، ويجعلون حزبهم الإسلام، ثم
بعد ذلك نراهم لا يتبعون ما أدى... رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الأمة بل يخالفونه، يقول سيدنا: "إذا رأيتم كذا وكذا فاعتزلوا"، فهم يتصدرون. رسول الله يقول اعتزلوا بالأمر، لكنهم يرون لأنفسهم حولاً وقوة، ويرون أن هذا ليس وارداً في برنامجهم، فيتصدرون ويرفعون لافتة تُسمى براية الإسلام، فيُهدم الإسلام لأنه خرج عن مراد. الله ورسوله فربنا سبحانه وتعالى ضرب لنا مثلاً في القرآن بمسجد اسمه مسجد لكنه
للأسف لا يقوم بوظيفة المسجد بل إنه على عكس ما يقوم به المسجد الذي أراده الله سبحانه وتعالى فقال: والذين اتخذوا مسجداً ضراراً رقم واحد ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل إذا هذه صفات ضد صفات المسجد الحقيقي، ولا يحلفنا إن أردنا إلا الحسنى. عندما تقبض على أحدهم، يقول دائماً: "إنني أريد الخير وأريد الحسنى". يذكرنا هذا في سورة البقرة: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة
الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى". سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. أنشأ نظاماً خاصاً وما يُسمى بالجهاز الخاص حتى يقتل الناس، يقتل المسلمين ويقتل غير المسلمين، لا يفرق عنده ذلك. يقولون "ما أردنا إلا الحسنى" والله يشهد إنهم لكاذبون، ولذلك لا ينصرهم أبداً ولا تقوم لهم قائمة أبداً لمسجد. أُسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين. ربنا يحب
من الإنسان من زكى نفسه، من ابتعد عن كل قبيح وملأ قلبه بكل صحيح، ومن تطهر فاغتسل وتوضأ حتى يقيم الصلاة. لا يحب أولئك الذين يلبسون على الناس، لِمَ تلبسون؟ الحقَّ بالباطلِ وتكتمونَ الحقَّ وأنتم تعلمون، ولذلك فالبلوى شديدةٌ في المنافقين، ولذلك جعلهم الله سبحانه وتعالى في الدرك الأسفل من النار. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لهم رؤوسٌ ولهم أتباعٌ، وإنا لله وإنا إليه راجعون. محورٌ مهمٌ في الجزء الحادي عشر، نكمل معنا
من الفاصل ونرجع لمحورٍ مهم. نرجع إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما بيّنه لنا الله سبحانه وتعالى من فضل ذلك النبي العظيم ومنته أن أرسله إلينا وأن عظم شأننا عنده به وبسببه صلى الله عليه وآله وسلم فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سورة التوبة في الجزء الحادي عشر نجده
محوراً مهماً لأنه هو باب الخير وهو وسيلتنا إلى الله وهو سبحانه وتعالى وحده الذي قرن الله اسمه باسمه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، اللهم صلِّ على سيدنا محمد في الأولين وفي الآخرين وفي كل وقت وحين، بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه
توكلت وهو رب العرش العظيم. آيتان في تعظيم شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن هذه. العظمة التي جعلها الله به، أحسن إليه سبحانه، فجعل أصحابه من خيار الناس كما ذكرنا في المحور الأول، بل وجعل أتباعهم من خيار الناس. ومن هنا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نطق به القرآن: "خير القرون قرني". والقرن في اللغة ثمانون سنة، قرن سنة، القرن في... اللغة الجيل احملها على ما تريد أن تحملها عليه، لكن في النهاية هذا الجيل الذي تربى تربية ربانية على
يد سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم، ربنا أعلى من شأن ذلك النبي حتى يربي هذا الجيل على هذه التربية الفريدة العجيبة، نقلهم من الظلمات إلى النور، من الجاهلية إلى أن... يكونوا سادة الناس عبر العصور شيء معجز، لكنه ليس غريباً على سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم. نجح في أهل بيته الكرام، وأمره الله سبحانه وتعالى أمراً حتى تحمل الزوجة تراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن
بعدنا، لمن بعد هذا الجيل، فأمره أن يتزوج بتسع من ولم يجعل ذلك إلا له هيئة تراقبه في حركاته وسكناته، في خلواته وجلواته، في معاملاته. معاملة الرجل مع المرأة هي أصل الاجتماع البشري. والعجيب أن واحدة منهن لم تتبرم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل كلهن أحببن ذلك الرجل العظيم، لأنه كان خير ابن وخير أخ وخير زوج. وكل واحد في الأمة على ما كان عليه يجد قدوته في رسول الله، التاجر يجد قدوته في رسول الله، المحارب
يجد قدوته في رسول الله، المعلم يجد قدوته في رسول الله، الزوج يجد قدوته في رسول الله الذي يقول: "خياركم خياركم لأهله وأنا خياركم لأهلي"، وتصفه عائشة الصديقة بنت الصديق. فتقول في شأن عمله كان عمله ديمة. كان إذا قام الليل قام دائماً، كان إذا صام دائماً تراه يصوم. ويقول صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني". له برنامج لا يريد أن يخرج الإنسان
مما خلقه الله. عليه ولا يريد تنسكاً أو ترهباً أبداً، ولكن يريد نظاماً وبرنامجاً على قدر سعة الإنسان. رأى زينب عليها السلام زوجته وهي قد صنعت حبلاً حتى إذا ما أجهدها القيام والصلاة ارتكنت إلى هذا الحبل، فقال: "لا، ما هذا؟"، يعني لماذا هذا الجهد الجبار؟ فليعبد أحدكم ربه بقدر طاقته، يعني على طاقته، فإن الله لا يمل حتى تملوا. رب الصحابة الكرام، رب زوجاته عليهن السلام، رب بناته
وأبنائه. الأولاد ماتوا في حياته صغارًا، والبنات متن كلهن في حياته ودفنهن بيديه إلا السيدة فاطمة عليها السلام. وعندما نقول السيدة فاطمة عليها السلام، يقول بعضهم: أليس هذا يُعد من الشيعة؟ لا. هذا كلام الإمام البخاري في الصحيح، كلما ذكر السيدة فاطمة يقول عليها السلام. هذا كلام أهل السنة، ولذلك نقول دائماً: إذا أرادت هذه الأمة أن تتفاهم وأن تجلس جلسة تفاهم بين السنة والشيعة، فمدخلها مصر؛ لأن المصريين يحبون أهل البيت حباً جماً، ولأنهم أقدر
على التفاهم مع كل طوائف المسلمين. فالحمد لله رب العالمين أن خلقنا وجعلنا في هذا البلد الكريم الذي ذكره خمس مرات باسمه في القرآن وأكثر من ثلاثين مرة بالإشارة إليه مثل "ملك مصر" ونحوها و"تلك الأنهار تجري من تحتي" و"هذه الأنهار تجري من تحتي" إلى آخر ما هنالك مما ورد. هذه بعض محاور الجزء الحادي. نرجو الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بفضله وأن يفتح علينا فتوح العارفين به وأن يغفر لنا ما قد سبق من
ذنوبنا وأن يعصمنا فيما لحق من سنينا، إنه على كل ذلك قدير وبالإجابة جدير. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته