القرآن العظيم | ح17 أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مرحبا بكم في حلقة جديدة من القرآن العظيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحن الآن في الجزء السابع عشر من القرآن العظيم وفي هذا الجزء ونحن نبحث عن محاور نذكر بعضها طبقاً للمتاح من الوقت في ذلك اللقاء المبارك فنجد محوراً مهماً ينبه الله سبحانه وتعالى فيه على حقيقة يحاول الناس أن يتجاوزوها وألا
يذكروها وأن يُعَدّ ذكرها من الأمور المخيفة أو من الأمور غير المرغوب فيها، ألا وهي حقيقة الموت، حقيقة نراها كل يوم، ولو جمعنا عدد الوفيات في كل يوم... لرأيناها أنها تكاد تكون في كل دقيقة هناك وفاة، فالموت من الحقائق الكونية وهي أيضاً من الحقائق الإلهية. لماذا فرَّقوا بين الحقائق الكونية والحقائق الإلهية؟ لأن بعض الناس بدأ في ما يُسمى بمقاومة الموت، يريد
أن ينفي الموت، وبدأ أناس كثيرون يشتغلون على هذا الأمر تحت عنوان دراسة الخلية ودراسة. الشيخوخة والله سبحانه وتعالى حسمها وقال: "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" فأصبح ذلك حقيقة إلهية أن الله سبحانه وتعالى حكم بهذا ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً، لكن الذي حدث أن بعضهم مثل فوريست بدأ في تجارب من
أجل إنهاء الموت. صحيح أنها فكرة تكاد تكون فكرة مجنونة، لكنه بدأ بالمقارنة بين الإنسان باعتبار أن له عموداً فقرياً وبين ما له أعمدة فقرية من الحيوانات، وقاس ذلك وتوصل إلى أن شباب الإنسانية مائتان وأربعون سنة، يعني عندما يبلغ المرء مائتين وأربعين سنة يكون في عز شبابه، ومعنى هذا لو كان... الشباب المعتاد وقمة النضج كما أخبر الله سبحانه وتعالى حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة. ومن المعتاد أن يصل الإنسان إلى مائة
مثلاً في العموم، فإن هذا معناه أن المائتين وأربعين سنة هذه ضعفهم يصير أربع مائة وثمانين، ونصف هذا الضعف يصير ست مائة سنة. صحيح أن هذا يوصلنا إلى صدق الكتب المقدسة عندما تحدثت عن نوح وأنه دعا في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويجعل هذا أمراً مقبولاً أو أمراً لا اعتراض عليه، ولكن في النهاية فإن هذه الأبحاث لم تصل في الحقيقة إلى شيء، ولكن الذي نقوله هو أنها لن تصل إلى شيء لأن هذه ليست كونية فقط يستطيع الإنسان أن يبحثها ويعلم أسبابها ثم يقضي عليها، بل إنها
حقيقة إلهية، والموت في الحقيقة رحمة لأن الإنسان كلما عمّر كلما تراجع في خلقته، "ومن نعمره ننكسه في الخلق"، ولذلك الكبير يحتاج إلى عناية فيكون ثقلاً على من حوله، كما قالوا: "رب لا تردني إلى أرذل العمر". وأرذل العمر هو ما تحتاج فيه لغيرك خدمةً وأداءً، ولم تعد تنظر جيداً فتضطر لمعين، لمن يسمعك ومن تقرأ له، وهكذا فيستثقل من حولك وجودك، فهذا يجعل الموت راحةً ورحمةً من تلك المعاناة التي قد
لا يكون لها معنى سوى أنها تعطيك ثواباً عند الله سبحانه وتعالى، ويبدأ الإنسان في... عدم القدرة حتى على أداء الفرائض أو على استجماع الأمر، إذ يظن أنه قد صلى وهو لم يصلِ. إذاً فإنكار الموت ليس من الحكمة، وكان ينبغي أن يقصروا بحثهم في الخلية على كيفية تأخير الشيخوخة، وفي كيفية التعامل مع أمراض الشيخوخة والتخفيف من آثارها. أما أن ينكروا حقيقة إلهية فهذا الضلال المبين، وحتى لو أنهم أخّروا عمر الإنسان في شباب وفي كذا إلى آخره ببرامج وبأبحاث إلى
مائة وعشرين سنة، فإننا محتاجون إلى أكثر من هذا حتى نتبين نجاحهم من عدمه، وظن أهلها أنهم قادرون عليها. المحور الثاني: قدرة الله سبحانه وتعالى ولطفه بالأمور وحكمته فيما يجريه في هذا. الكون الله بصفاته يتجلى حولنا في هذا الكون نراها في قوله تعالى في شأن سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: "قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين،
ووهبنا له إسحاق ويعقوب" إلى آخر الآيات الآن. يوجد في غازي عنتب في شرق تركيا مكان يُنسب إليه أنه الموضع الذي أُلقي فيه إبراهيم في النار، وهذه المدينة تشتهر لديهم بأنها كانت مكاناً لكثير من الأنبياء ومنهم سيدنا إبراهيم، وهناك يحددون مكان إلقاء إبراهيم وكيف نجا وكيف جرت الأمور في هذه القصة التي تثبت معجزة الله. سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم، ربنا
سبحانه وتعالى عندما أُلقي في النار لم يجعل النار تؤذيه. النار يصدر منها طاقة حرارية قوية تضر بالجلد، لكن هنا قال: "يا نارُ كوني برداً وسلاماً". قال العلماء لو أنه قال: "يا نارُ كوني برداً" لتحولت إلى جليد ولأهلكت إبراهيم، ولكن لا بد أن يقول. بردًا وسلامًا فيكون من نوع البرد الذي ينزل على جسم الإنسان نافعًا غير ضار، فالله عندما أنقذ إبراهيم لم ينقذه بالضد بل أنقذه بالوسط بأهمية الشيء، وكذلك جعلناكم أمة وسطًا. فهذا محور يبين
لنا لطف الله وحكمة الله، وأنه ينبغي علينا أن نتخلق بهذا الخلق وأن لا نهرف. لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. بعد الفاصل نستمر في البحث عن محاور القرآن. بسم الله الرحمن الرحيم، عدنا من هذا الفاصل حتى نرى محوراً في الحقيقة أنه إخبار بالغيب. لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الله عليه وآله وسلم فانصرف فقال:
"أتدرون من هذا؟" قالوا: "لا". قال: "هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم. سأله ما الإسلام، ما الإيمان، ما الإحسان". ثم سأله عن أشراط الساعة، والمسلمون حوّلوا هذه الأسئلة الأربعة أو هذه المجالات الأربعة: الإسلام فصنعوا له علماً أسموه الفقه، والإيمان صنعوا له علماً أسموه... التوحيد أو علم الكلام، والإحسان صنعوا له علماً أسموه التصوف أو الأخلاق، والسؤال عن الأمور المستقبلية التي تؤكد صحة النبوة والتي تؤكد صحة القرآن. إذاً، فهذا محور مهم حتى
لو عندما التفت إليه أو سأل بعضهم لِمَ هذه القصة، فتكلم القرآن على هذه المحاور أيضاً ومن ذلك سد يأجوج ومأجوج. يقول تعالى: "حتى إذا فُتِحَت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون". من كل حدب يعني من كل ناحية، ينسلون يعني يندفعون اندفاعاً شديداً. معنى هذا أنهم كُثْرٌ كثيرون. يأجوج ومأجوج. أبو الكلام آزاد كان وزيراً في الهند مسلماً، فسَّر القرآن، فلما وصل عند هذه الآية أراد أن
يعرف. أين سد يأجوج ومأجوج وبحث في هذا المقام حتى وصل إلى ذلك السد وترجم كتابه الذي تكلم فيه عن هذه الظاهرة. تُرجم ونُشر جزء منه في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وجزء آخر نُشر في أيام الشيخ أحمد حسن الباقوري رحمه الله تعالى فيما يسمى بدار الشعب. في هذه الكتب يذهب... أشار أبو الكلام الازدبادي إلى تحديد دقيق لموطن سد يأجوج
ومأجوج، وأنه موجود على حدود أرمينيا، وهي تلك الدولة التي كانت من أتباع الاتحاد السوفيتي قبل تفككه أو قبل الاستقلال الذاتي لهذه الدول. ففي أرمينيا يوجد هذا السد ويُسمى بالبوابة الحديدية، وإلى يومنا هذا. فالعلامة هي أن ينهار هذا السد، في جوجل بعض الناس يقولون إننا عرفنا الأرض كلها وأين هو. لا، هذا حتى موجود في جوجل، وقد ألّف أحد الأردنيين كتاباً لتحديد خطوط الطول والعرض له على جوجل إيرث أو على خريطة
جوجل الأرضية التي تأخذ معلوماتها من الأقمار الصناعية المحيطة بالأرض، فهو موجود ولكن بعض الناس لا يلتفت. إليه وبعض الناس لا يعرفون هذه المعلومة. سبق في القرن الثالث الهجري أن بُحث هذا البحث وأرسل الخليفة العباسي نحو مائة من الباحثين والرحَّالة في الأرض يبحثون عن هذا المكان وعادوا إليه بتلك المكتشفات، فهو معروف وأشار إليه الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق". إذاً هذا ليس... وهم وهذا ليس خيالاً. الخيال تَمثّل في القصص الشعبية التي تسمى
بالروايات. حدث في الخيال أن هؤلاء آذانهم كبيرة، يلتحف بأذن منها ويتغطى بالأذن الثانية. أشياء من هذه الخرافات. هناك فرق بين الواقع والحقيقة، والفرق ما بين هذا الكلام الذي لا دليل عليه. هم أبناء من؟ وموجودون إلى... الآن في صورة هذه القبائل شديدة الفقر وقد يكون هذا سبباً لخروجهم بهذه الكميات الكبيرة لغزو العالم. هذا محور ينبغي أن نهتم به. محور آخر نراه أن لكل أمة
شريعة خاصة بها توافق الزمان الذي جاءت فيه، وتوافق المكان الذي أُرسل فيه ذلك الرسول، وتوافق الأحوال من أجل تحقيق المقاصد. الشرعية الخمسة: حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ الدين، حفظ كرامة الإنسان، حفظ عرض الإنسان وماله. قال تعالى: "لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادعُ إلى ربك إنك لعلى هدىً مستقيم". إذاً كل مكان وكل زمان وكل أقوام وأشخاص وفي كل حال لها شريعة، "لكلٍ جعلنا". منكم شرعة ومنهاجا.
نرى هذا المحور في أهميته والإيمان بكل ما أرسله الله سبحانه وتعالى مع اختلاف الشرائع. ففي شريعة المسلمين يحرم على الرجل أن يتزوج عمته، ولكن لم يكن الأمر كذلك في شريعة إبراهيم، إذ كان يجوز للرجل أن يتزوج عمته. إذاً فهي أحكام ربانية إلهية لا نستطيع أن نرى محوراً آخر وهو المعنى الواسع للجهاد في آخر سورة الحج في قوله تعالى: "وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ
الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ". واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير. معنى واسع للجهاد: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" أخرجه البيهقي في الزهد. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.