القرآن العظيم | ح2 | أ.د علي جمعة

القرآن العظيم | ح2 | أ.د علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في هذا البرنامج "القرآن العظيم". رأينا في حلقة سابقة أننا سنبحث في كل جزء من أجزاء القرآن الثلاثين عن محاوره التي نستنبط منها ونأخذ منها مراد. الله سبحانه وتعالى حتى إذا ما قرأنا أو سمعنا نعرف أن هذا الجزء مبني على محاور
مبني على إرشادات وهذه الإرشادات هدفها تحسين العلاقة بين العبد وربه وتحسين العلاقة بين العبد وكونه وتحسين العلاقة بين العبد ونفسه فيصل بذلك إلى ما نسميه بالسعادة بالراحة نحن الآن في الجزء الثاني وأول ما نلحظه أن الله سبحانه وتعالى أكرمنا في تلك الأمة تشريفًا وتكليفًا بوسطيتها ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا﴾ هذه الآية العظيمة مع محورها تمثل
طريقًا واضحًا للمسلمين تشريفًا، وكل تشريف معه تكليف، وتكليفًا فكما يشرفنا الله سبحانه وتعالى ويعلي من قدرنا فإنه يكلفنا. حتى نصل إلى هذه الغاية المرجوة، الوسط هو قمة الجبل، فيريد من الأمة أن تصل إلى قمة الجبل، فإذا وصلت الأمة إلى قمة الجبل كانت في وسطه، لأنها كما قطعت مسافة للصعود إلى الجبل ستجد مسافة أخرى لأجل النزول إلى السهل، سهل الجبل أو سفح الجبل، ولذلك قمة الجبل هي الوسط وكل
نبي يُرسل في قومه من أوسطهم يعني من أعلى عائلاتهم وليس من الأدنى بل من الأوسط، فكلمة وسط في لغة العرب معناها العُلو، وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء، وشهداء جمع شهيد "فعيل" الذي يصلح للشاهد والمشهود، ومعنى هذا أننا فوق الجبل سنرى العالم كله وسيرانا العالم كله. فنحن شاهدون مشاهدون نرى ونُرى أيضاً، ومن هنا يجب علينا أن نكون تكراراً لسيدنا رسول الله الذي أُرسل رحمة للعالمين. يجب
علينا أن نتحلى بهذه الأخلاق العالية "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". يجب علينا أن نكون مثالاً يُحتذى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله". واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا، ومن هنا سنجد كل أوامر الدين تأمرنا بالجدية حتى نصل إلى درجة النجاح. الأمر الثاني والمحور الثاني في هذه الجزئية أو في هذا الجزء - إن صح التعبير - من سورة البقرة أن الصلاة عماد الدين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ كلمة. مع في لغة العرب تدخل على العظيم، تقول: جاء الوزير مع السلطان.
لا يجوز أن تقول: جاء السلطان مع الوزير؛ لأن السلطان أعلى درجة من الوزير. إذاً، أن الله مع الصابرين يعني هم الصابرون هؤلاء يعني عندهم عظمة مثل عظمة السلطان هكذا. من الذي يقول هذا؟ والله لا يقدر أن... يقولها إلا رب العالمين، فالمعية هنا ستأتي معية الرحمة والإحاطة والاستجابة والرعاية والعناية والربوبية أن الله مع الصابرين. استعينوا الألف والسين تدخل للطلب بالصبر والصلاة، إذًا فيجب علينا أن نأمر بالحق وأن نصبر على هذا الحق في ديمومة يقول فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله". أُديمها وإن قلّت، فهذا المحور هو محور مهم في غاية الأهمية أننا نتعامل مع صلاة هي صلة بين العبد وربه، وأننا يجب أن نستمر وأن نصبر على الطاعة لأن الصبر على الطاعة سيؤدي بنا إلى الديمومة، ولأن هذه الديمومة ستجعلنا في كنف الله سبحانه وتعالى، أما أن يصلي على فرد. ويترك فرداً آخر وهكذا إلى آخره، لا تؤتي أثرها. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. المحور الثالث وهو محور مهم: أطِب مطعمك. النبي
يقول: "أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعاء". وهنا: لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. خطوات الشيطان يعني أحكامه، يعني... وسواسه يعني أشياء من هذا القبيل، فنحن مأمورون بألا نتبع هذا الشيطان ولا أن نتبع أحواله، لكن أُمرنا بأن نأكل وأن نشرب: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". فوضع مبدأً عاماً وهو أن الله سبحانه وتعالى لا يحب. هناك كَرِهَ الله لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. وهناك أن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه. فلو أنك بحثت عما يحبه
الله وابتعدت عما يكرهه الله سبحانه وتعالى، فسوف تكون في معية الله سبحانه وتعالى. طيب المطعم محور مهم أكد الله عليه سبحانه وتعالى كما سنرى في القرآن كثيراً جداً، وهو محور مهم لأنه أطيب. أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء، وطيب المطعم معناه أن الإنسان يأكل من الحلال. وأن الإنسان الذي يأكل الحلال، يأكل من الحلال، فلا يأخذ رشوة، ولا يسرق، ولا يغتصب، ولا يخدع، ولا يخون، ولا يأكل الأمانات، ولا يأخذ ميراث البنات. فهذا هو الحلال، ولكن
أيضاً لا يأكل ما حرمه الله سبحانه. وتعالى عليه لا يشرب الخمر ولا يأكل الخنزير ولا يفعل ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى على المسلمين. إذاً هذه بعض المحاور في الجزء الثاني، وسننتقل إلى محاور أخرى وهي تنظيم الاجتماع البشري، وهو موجود في
تنظيم أمور السلام وأمور الحرب وأمور الاجتماع بين الناس، ولكم في القصاص حياة. يا أولي الألباب لعلكم تتقون كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ويقول وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين إذاً فهذا المحور ينظم الاجتماع البشري
في حالة السلم وفي حالة الحرب، في حالة العبادة وفي حالة العمارة، في حالة التزكية وفي سائر الأحوال. فهذا يجعلنا نعيش مع هذا المحور، ويتحدث بعد ذلك عن الزواج، يتحدث بعد ذلك عن الاجتماع البشري الذي هو أصله العلاقة بين الرجل والمرأة فتتكون. أسرة فتتكون مجتمع فيتكون جيش يدافع عن هذا المجتمع من أي عدوان أو من أي طمع من الآخرين، فيتكون انتماء للوطن وحب للمكون الأساسي لشخصية الإنسان. كل هذا يحاول
بعضهم الآن أن يهدمه، فيحاول أن يهدم كل سلطة، يريد الإنسان أن يعيش بلا سلطان، وهنا سيحدث ما نسميه بالتفلت هذا. ليست حرية وهذا ليس خيراً بل هو فساد، الفساد أن نخرج من سلطان الأسرة وأن نخرج من سلطان الحي والجيران وأن نخرج من سلطان الدولة وأن نخرج من كل شيء في فردية مقيتة يأباها الله ورسوله والمؤمنون لأنها في النهاية تقدح في الاجتماع البشري ومن هنا يجرنا إلى محور آخر. وهو محور الصلاة التي يؤكد الله سبحانه وتعالى علينا
أن نحافظ عليها كما في قوله تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين". قانتين يعني ساكتين، يعني لا يصلح في هذه الصلاة شيء من كلام الناس، فإنما هي للتهليل وللتكبير وللتحميد وللتسبيح. إنما قانتين معناها أنه لو سلم علينا. أحدهم لا نرد عليه السلام لأننا في صلاة، ولو أن أحدهم تكلم يسأل سؤالاً لا يجوز أن نجيب عليه لأننا في صلاة. ولذلك فالصلاة وهي عماد الدين وهي ذروة سنامه وهي الفرق الذي بيننا وبين من كفر،
الصلاة يجب علينا أن نتمسك بها لأنها هي الصلة بين العبد وبين ربه. نأتي هنا إلى الصلاة الوسطى، والصلاة الوسطى للعلماء فيها أربعون قولاً. هل هي قيل فيها كل الأوقات؟ هل هي الظهر كما قال أقوام؟ أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر؟ هذه خمسة أقوال. أو أنها الصلاة الصعبة عليك، حيث إن كل واحد له ظروفه الحياتية، ففي هناك صلاة تكون صعبة. عليك أنت تسهر بالليل فصلاة الفجر صعبة عليك فتكون هي الصلاة الوسطى. وإن كنت منشغلاً في أعمالك
ونحوها فالظهر صعبة عليك، فتكون إذاً هي ليست صلاة مخصوصة، وإنما هي صلاة تصعب عليك، فربنا يقول لك خذ بالك منها قليلاً، أي ركز معها قليلاً، صلِّ الصلاة الوسطى هذه التي هل أنت تفلت منك أو تصعب عليك؟ لا، انتبه لها وحاول أن تتخذ عدة إجراءات للحفاظ عليها. ومن هنا كان ممن سيكون تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة رجلٌ تعلق قلبه بالمساجد. مساجد جمع مسجد، مصدر ميمي معناها يصلح للزمان والمكان والحدث، أي تعلق قلبه بوقت الصلاة وهو يصلي. الظهر يكاد يتعلق
بالعصر وهو يصلي العصر يتعلق بالمغرب، دائماً هل الأذان قد أُذِّن أم لا، هل سينتهي الوقت أم لا، قلبه معلق بالمساجد. المساجد وليست الجوامع، المساجد تصلح للدلالة على نفس السجود وزمن السجود ومكان السجود. إذا في الصلاة الوسطى يمكن أن نقول إنها تلك الصلاة التي تصعب عليك ومن هنا نبّهك الله إليها وجعلها طلباً منك أن تركز عليها وأن تُجري من الإجراءات ما يجعلها قريبة للتنفيذ قريبة للمحافظة عليها "وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين". فاللهم يا ربنا اجعلنا من
القانتين واجعلنا من المصلين واجعلنا ممن ترضى عنهم بعفوك ورضاك. هذا مجمل المحاور في الجزء الثاني. وأنت تقرأه أو تحاول أن تستمع إليه سواء في صلاة التراويح أو في صلواتك، فاجعل بينك وبين القرآن وِرداً وصلة، واجعل بينك وبين القرآن علاقة تستمر إن شاء الله على طول الزمان. نستودعكم الله إلى حلقة قادمة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.