القرآن العظيم | ح7 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحباً بكم في حلقة جديدة من القرآن العظيم. وصلنا إلى الجزء السابع، وفي هذا الجزء يواجهنا في أوائله قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا
تحرموا طيبات ما أحل". الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. يقرر الله سبحانه وتعالى لنا أن التكليف إنما هو بيده، ونظرية التكليف أن الله سبحانه وتعالى لم يتركنا في هذه الحياة عبثاً، بل أمر وزجر وبيّن الأوامر والنواهي التي تنصب على أفعال الإنسان: افعل ولا تفعل. يقع البرنامج الذي يتغياه المسلم. في حياته الدنيا يأمره بالصلاة والزكاة والصيام والحج، يأمره بالذكر والقراءة، قراءة الكتاب والمناجاة،
يأمره بالكفارات وبالصدقة، وينهاه عن الفواحش، عن الكذب، عن الخيانة، عن الغدر، عن السرقة، عن الاغتصاب، عن أكل أموال الناس بالباطل، خاصة النساء وخاصة اليتيم، يأمره سبحانه وتعالى أن يبتعد عن الزنا والخنا والفاحشة، وأن يكون عفيفًا يأمره بمنظومة أخلاقية متكاملة، كل هذا من التكليف، تلك الأوامر لأفعال يحبها الله، وتلك الزواجر لأفعال لا يحبها الله سبحانه وتعالى. فمحور التكليف التفت إليه في القرآن كله، لأنه محور ثري، ولأنه يرسم البرنامج اليومي للإنسان المسلم،
وربط الله سبحانه وتعالى كل ذلك بيوم الدينونة أو بيوم الدين أو بيوم الحساب أو بيوم القيامة أو بالبعث لأن الإنسان سيحاسب عقاباً أو ثواباً على ما قدّم أو التزم بتلك الأوامر وانتهى عن تلك الزواجر، فمحور التكليف محور أساس نأخذه من الجزء السابع من القرآن الكريم، وأنت تقرأ الجزء السابع من القرآن الكريم التفت إلى ما أسماه العلماء وقد أخذوا من هذا المجال بمقاصد الشريعة، ومقاصد الشريعة هي حفظ النفس وحفظ العقل
وحفظ الدين وحفظ كرامة الإنسان وحفظ المال، وكل ذلك موجود في كتاب ربنا. في هذا الجزء نحافظ على أنفسنا ابتداءً، إلا أن التكليف الذي ذكرناه لا يكون إلا لحي مكلف، فلا بد من الحفاظ على تلك الحياة حتى يتم. التكليف ثم بعد ذلك لا بد أن يكون ذلك الحي عاقلاً، فلا بد أن نحافظ على عقلنا، ومن أجل ذلك حرّم علينا كل ما يغيب العقل من المسكر والمفتر. المفتر مثل المخدرات، والمسكر مثل الخمر. حرّم الله سبحانه وتعالى علينا ذلك أن نتناوله بأنفسنا لا من أجل طبيعة خلقها فينا. مثل
النوم مثل الإغماء مثل ذهاب العقل بمثل هذه الأحوال، لكن أبداً لا تشرب الخمر ولا تأخذ المخدرات حتى تكون واعياً قابلاً للتكليف الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، حفظ النفس وحفظ العقل ثم حفظ الدين، لأن الدين به قوام الدنيا، لأنه هو ذلك البرنامج من افعل ولا تفعل، وهو التكليف. ثم كرامة الإنسان {ولقد كرمنا بني آدم} هذه الكرامة الإنسانية كانوا يسمونها العرض، فلا بد أن يحافظ على هذا العرض، ثم بعد ذلك قضية حفظ المال، فالمال عصب الحياة وبه يتم الأمر. هذه الخمسة
يسمونها المقاصد الشرعية العليا، ويتكلم العلماء أنها موجودة في كل دين، كل دين يأمر بالحفاظ على النفس ويأمر بالحفاظ على العقل والدين والعرض أو كرامة الإنسان والمال وترى آيات كثيرة في هذا المجال يأمرنا الله سبحانه وتعالى فيها بالتفصيل كيف نحافظ على أنفسنا كيف نحافظ على عقلنا كيف نحافظ على عرضنا كيف نحافظ على ملكنا أو على مالنا يقول سبحانه وتعالى في هذا يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن
دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم. هذه الآية وردت بقراءتين: من يرتدد ومن يرتد منكم عن دينه، وهنا فيها تعظيم لشأن الدين في كثير من آيات القرآن وخاصة في الجزء. السابع نجد قوله تعالى: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً"، والنبي كان يقول: "من قتل كُتِب على ابن آدم الأول الذي بدأ القتل إثماً"، يعني ابن
آدم الأول هذا الذي بدأ فكرة أن إنساناً يقتل إنساناً عليه وزر كثير لأن كل من قتل. بعده من ابن آدم يأخذ الأول نصيباً منه حتى تتفاقم ويزداد عليه الإثم هناك، إذاً هذا النوع من أنواع التعرض للحفظ لهذه المقاصد الخمسة التي هي مقاصد الشرع الشريف من التكليف. هذه المقاصد تكلم عنها الأصوليون في باب المناسب من القياس، ثم بعد ذلك وجدنا من أفردها بالتأليف وكتب فيها. كتبًا ومنهم الإمام الشاطبي
رحمه الله تعالى، يعني أسهب في هذا جدًا وهو عبارة عن ورقة أو اثنتين من المناسب في دراسات الأصول، لكنه هو ألَّف كتاب الموافقات في مجلدين لبحث هذه القضية، قضية المقاصد الشرعية التي تمثل في النهاية ما نسميه في علم الفقه نفسه، فيذكر لنا.
ما يسمى بأسمائه الحسنى، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، ولكنها في الحقيقة صفات، لكنها لما وصلت إلى الغاية في كل شيء لأن له الكمال المطلق سبحانه وتعالى سميت بالأسماء. الاسم هو ما دل على الذات، يعني عندما نقول حسن أو حسين، فينصرف ذهنك إلى من تعرفه من حسن أو. حسين فالاسم إذا أطلق انصرف الذهن إلى هذه الذات التي تسمى بهذا الاسم، فالاسم دال على الذات. هذا الاسم الدال على الذات يختلف عن الصفة، لأن الصفة هي عبارة
عن معنى قائم بالذات. حسن ذكي، حسين أتى، حضر. صفة الحضور لحسن، والذكاء لحسين مثلاً، وهكذا صفات. فالله سبحانه وتعالى. أراد أن يعرفنا نفسه فأتى بأكثر من مائة وخمسين صفة له في القرآن الكريم. اسم الله سبحانه وتعالى الله، لكن وصف نفسه بأنه رحيم وبأنه ملك وبأنه قدوس وبأنه سلام وبأنه مؤمن وبأنه عزيز جبار خالق مصور إلى آخر
الصفات. هي كلها صفات، لكن لما الرحمة وصلت إلى الغاية ورحمته... وسعت كل شيء، فعندما أقول لك الرحمن، على الفور يذهب ذهنك إلى الخالق جل جلاله. عندما أقول لك الرؤوف، لا يذهب إلى شخص رأف بك مرة ولم يرأف بك ثانية، وإنما يذهب إلى الله. عندما أقول لك الجبار، لا يذهب ذهنك إلى جبار من جبابرة الأرض، بل يذهب ذهنك إلى الخالق إلى الله إذا فهي أسماء لأن هذه صفة الاسم إذا ما ذُكر انصرف الذهن إلى معناه، أن هذه الكلمات تعبر عن معانٍ قائمة بذات الله تعالى سبحانه، إلا أنها تسمى بالأسماء كما سمى الله ذلك من
أجل الدلالة على أنها وصلت إلى غاية من العدل، من القوة، من الأولية. لأنه لا بداية له فهو الأول وهو الآخر لأنه لا نهاية له لأنه خارج عن نطاق الزمان فالله سبحانه وتعالى تكلم عن صفاته في هذه الآيات وفي هذا الجزء كلاماً كبيراً جداً بين فيه صفات كثيرة من أجل أن نعرفه وأن نعبد من نعرف صحيح أنه لا اطلاع لنا على ذاته لأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، صحيح أنه ليس كمثله شيء حتى نقيس عليه أو نحاول إدراكه بعقولنا، لكن
الذي نتأكد منه أنه موجود وأنه تجلى بصفاته على هذه الأكوان، فنرى الرحمة فيها ونرى الإتقان فيها ونرى القوة والقدرة والإرادة في العالم الذي حولنا، لأننا لا يمكن أن نؤمن بنظرية الذاتية، بل نؤمن بالقصور الذاتي، يعني عندما ترى كتاباً لا يمكن أن يكون هذا الكتاب الذي بين يديك قد نشأ وحده، لا، لا بد أن هناك من وضعه، وهناك من طبعه، وهناك من نشره، وهناك من وزعه، وهناك من جلده، وهكذا القصور الذاتي هو أن الشيء يوجد
بلا. موجود لا يتقبله عقل الإنسان ولا تتقبله نفسه، أكثر من مائة وخمسين صفة في القرآن وأكثر من مائة وستين صفة في السنة المشرفة، ومجموعهم عندما نحذف المكرر مائتان وأربعون صفة. هذه المائتان والأربعون صفة منها ما هي صفات جمال: الرحمن، الرحيم، العفو، الغفور، الرؤوف، ومنها ما هي صفات جلال: المنتقم. الجبار العظيم الشديد القوي، ومنها ما هو صفات كمال: مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الله، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعال. فيها كمال الأول الآخر، إذاً فهو كل شيء،
قيوم السماوات والأرض. هذه الصفات يسمونها صفات كمال، فالصفات الإلهية إما أن تكون جمالاً أو جلالاً أو كمالاً، وهذه الصفات الإلهية. في النهاية مهمتها إرشادك لكيفية تنظيم العلاقة بينك وبين ربك، فأنت تتخلق بالجمال، تتخلق بأخلاق الله. فلا بد أن تكون رحيماً، لا بد أن تكون عفواً، لا بد أن تكون غفوراً، تتجاوز عمن أساء إليك أو عمن جاءك يعتذر فتقبل مثل هذه الأعذار، تخلقاً بأخلاق الله سبحانه وتعالى صفات الجلال. تتعلق فتتعلق بأنه جبار
منتقم قوي، تتعلق بها، تدعوه، تلجأ إليه سبحانه وتعالى من أجل أن ينصرك على من آذاك أو على من عاداك. لا تذهب أنت وتمارس الجبروت أو الانتقام أو القوة وما إلى ذلك على هذا الخصم، بل تجعل ذلك لله وحده، وصفات الكمال تصدق بها، تصدق. أنه خارج هذا الزمان وخارج المكان، ولذلك عندما يسأل الطفل من خلق الله، فهو يحاول أن يُدخل الله في الزمن، أي أن هناك زمناً بدأ فيه وجوده. أبداً، ليس هناك زمن أصلاً بدأ فيه وجوده لأنه خارج الزمان. هو الذي خلق الزمان. الزمان يجري لكنه
سبحانه وتعالى خارج عن الزمان وهو. الآن على ما عليه كان هذا هو فائدة ذكر صفات الله سبحانه وتعالى في هذا والتي نجدها في بدايات الأنعام: "الحمد لله الذي خلق" إذاً فهو خالق السماوات والأرض، "وجعل الظلمات والنور" إذاً فهو منوِّر السماوات، هو نور، "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"، "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى". أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون إذاً فهو القاهر سبحانه وتعالى وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير كل هذه الصفات
وصف الله سبحانه وتعالى بها نفسه في هذا الجزء وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو إلى آخر ما هنالك من الآيات الكريمات التي وصف الله فيها نفسه. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.