القرآن العظيم | حـ 21 | الدكتور علي جمعة

القرآن العظيم | حـ 21 | الدكتور علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلًا ومرحبًا بكم في هذا البرنامج القرآن العظيم في الجزء الحادي والعشرين من أجزاء القرآن الكريم في هذا الجزء نبحث عن محاور ننطلق منها في حياتنا ومنها أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين سبحانه وتعالى، وهذا
إيمان بصفات الله يشبه إيماننا بأنه هو الخالق ولا خالق سواه، وبأنه هو القوي ولا قوي سواه، وبأنه هو القادر والقاهر فوق عباده، وليست هذه الصفات لأحد في العالمين فلا حول ولا قوة. إلا بالله العلي العظيم، وربنا سبحانه وتعالى يلفتنا إلى ما قد خلقنا من خلاله، يرشدنا إلى أن نتأمل الكون من حولنا في عالم الحيوان وفي عالم النبات وفي عالم الجماد، في السماء، في الأرض، في البشر، في أنفسنا، فيقول: وكأين
من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها، الدابة تسير وليس. لها حول ولا قوة والمفروض أنها لا تجد ما تأكله لأنها لم ترتب لذلك ولأنها لم تضع خطة لهذا والعجيب أن الله سبحانه وتعالى يرزقها ويحافظ على كل تلك الحياة البرية كما يقولون فنجد كل أنواع الحيوانات تعيش من أين تأكل من أين تشرب والله لو توكلتم على الله حق توكلوا لرزقكم كما تُرزق الطير، تغدو خماصاً جائعة وتعود
بطاناً شبعانة، ولكن لا بد من الذهاب والعودة كما ذكرنا. وكأين من دابة لا تحمل رزقها، الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم. وهنا في تلك الصفتين أنه سميع أي مجيب للدعاء، وهو عليم بالحال، ولذلك قال ربكم: ادعوني استجب. ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون، يعني لماذا يكذبون من الإفك. الله يبسط الرزق لمن
يشاء من عباده ويقدر، بعض الناس أغنياء، وبعض الناس متوسطون، وبعض الناس فقراء طعامهم كفاف. إذاً هنا يوجد حد الكفاف وهو الذي يقوم بجسده دون. إصابته من مرض أو نحو ذلك تكفيه، وهو يأكل ويشرب ويتحلى ويتفكه ويتعلم وهكذا. وهناك حد يسمونه الكفاءة، يمارس الرياضة ويمارس النشاط ويتنزه وهكذا. لكنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر. البحور الثاني نراه في أن
مظاهر الدنيا تتبدل وذلك بإرادة الله سبحانه وتعالى نجده في بدايات سورة الروم: الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. هذه القصة جاءت في أن الفرس غلبوا الروم وكان المؤمنون قلوبهم مع الروم لأنهم من أهل. الكتاب وذلك في مكة، فلما
غلب الفرس الروم جلس المشركون في حالة من السعادة، حتى أن أبا بكر لما نزلت هذه الآيات قال لهم: "أتراهنونني؟ تراهنونني" يعني ترهنونني على أن الروم ستنتصر على فارس بعد ثلاث سنوات، لأن كلمة بضع من ثلاثة إلى تسعة، فهو حملها على الأقل. قالوا: الرحمة على كم من الإبل، عشرة من الإبل، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بمناحبته، المناحبة التي هي الرهان، فقال له: "يا أبا بكر، زد
في المناحبة وزد في الزمن". النبي عليه الصلاة والسلام عربي، فيريد أن يأخذ أقصى ما تدل عليه العبارة من ثلاثة إلى تسعة، فيكون تسعة، ليس... ستنقضي تسعة، لا نأخذ الأقل فنكون في مخاطرة، وحينئذ فهذا يقين لا يمكن أن يتحرك، ولذلك ذهب أبو بكر إلى المشركين ورفع الرهان من عشرة إلى مائة ومن ثلاثة إلى تسعة، قال لهم: "أنا أريد فقط أن نجعلها تسعة، وبشرط أن تكون المناحبة بيني وبينكم هي مائة من الإبل". فزاد في الإبل في الرهان وزاد
في الزمن وقد كان وغلبت فعلاً الفرس بعد تسع سنين، وهذا أخذ منه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أن جميع العقود الفاسدة حلال في دار غير المسلمين مع غير المسلمين؛ لأن مكة حينئذ لم تكن دار إسلام، وهؤلاء كانوا من المشركين، وعندهم المناحبة لا بأس. بها فتكون حينئذ جائزة ويجوز كل عقد من هذا النوع بين المسلمين وغير المسلمين في بلاد غير المسلمين نخرج إلى فاصل ثم نواصل السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته مكرراً معنا محور في غاية الأهمية وهو أن الفساد في الأرض سببه الأساسي أفعال الناس المخالفة، ففعل الناس المخالف هو لا يدرك. أن هذا سيترتب عليه مجموعة من المتتاليات التي تحدث فسادا في البر والبحر فينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذه الحقيقة وأن سبب ظهور ذلك الفساد هو المخالفة يقول الله سبحانه وتعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا أي أن سبب ظهور الفساد في البر والبحر بعض الذي عملوا ويعفو
عن كثير لعلهم يرجعون. هذا الفساد هو نوع من أنواع العقوبة. الدنيا ليست سهلة وميسرة، بل فيها تعقيدات. فإذا رجعنا إلى الله نستغفره ونتوب إليه ونتوكل عليه ونتضرع له بالدعاء: اللهم ارفع عنا الغلاء والبلاء والوباء. فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءنا وأمرنا بالعلم. سواءٌ كان متعلقاً بالتاريخ أو بالجغرافيا قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين يعني يشركون مع الله سبحانه وتعالى إلهاً آخر إذاً
فهذه الآيات تبين جريمة المخالفة لأن هذه المخالفة سوف ينتج عنها ظهور الفساد في البر والبحر وهذا سينتج عنه نوع من أنواع الضيق والكدر والعقوبة وهذا يضغط على الناس لكن الغرض منه هو لعلهم يرجعون "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون" فعسى أن يرجع هؤلاء عن إظهار المخالفة حتى لا تظهر هذه المجموعة من الفساد في البر والبحر. كلمة
"في البر والبحر" تعني ظهوراً بين ظهور كثير منتشر. من أهم المحاور التي يؤكد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه يجب علينا ألا ننقض العهد، يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ إذا غشيهم موج وهم في البحر دعوا الله مخلصين له الدين يعني هؤلاء يعرفون كيف يخلصون الدين لله وكيف يوحدون الله وكيف يلتجئون إلى الله ويطيعون الله، يعرفون
ذلك لأنه لما ضاق بهم الحال لجؤوا إلى الله لجوءًا صحيحًا وهم في البحر، فنجاهم الله سبحانه وتعالى إلى البر، وكانوا قد نذروا وهم في البحر لئن نَجِّنا لنفعلن ولنفعلن ولنفعلن وكذا فلما نجاهم إلى البر إذا هم ينكثون فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد، المقتصد يعني الذي يأتي شيئًا قليلًا، يعني هو نظر بقرة فذبحناها، يعني كان هو يقول سأتصدق بمائتي كيلو فأصبح يتصدق بأربعين كيلو فقط هنا لأنه خرج من الأزمة فلم
يعد هناك ذلك. العهد الذي نقضه بينه وبين ربه لم يلتفت إليه، لم يلتفت إلى البركة التي تحل عندما يفعل ذلك. ﴿وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد﴾. كلمة "فمنهم" معنى ذلك بعضهم، ولذلك ليس كلهم يفعل هذا، بل منهم من سيلتزم فيكون تقياً نقياً. قريباً من ربه، ومنهم من يؤدي بعض الشيء ولا يؤدي كله، ومنهم من لا يؤدي شيئاً وكان نسياً، وما كان ربك نسياً، وما يجحد بآياتنا إلا
كل ختار كفور، يعني فاجر، يعني وقح، يعني لا يشكر نعمة الله عليه، بل ينسى وينسى بنوع من أنواع الفجور، بنوع من أنواع الوقاحة. ولذلك فالوصف شديد، كل خَتَّار خَتَّار - فعَّال صيغة مبالغة، كَفُور - فَعُول صيغة مبالغة. فهذا المحور يأمرنا أن نخلص الدين لله، وأن ننفذ ما عاهدنا الله عليه، وأن نقضي العهد يعني مصيبة في الدنيا ومصيبة في
الآخرة، وأن ذلك يصب في العلاقة بين العبد وربه، وأن هذا من المهمات ألا تنقض. العهد بينك وبين ربك وهو الذي سماه الله سبحانه وتعالى مع بني إسرائيل بالميثاق، وهو الذي سماه الله سبحانه وتعالى بالميثاق الغليظ. فإذاً هذا الميثاق وهذا الميثاق الغليظ أمر يجب أن تتمسك به ولا تستهين به، لأن الإهانة والاستهانة به تضرك في دنياك وفي آخرتك. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    القرآن العظيم | حـ 21 | الدكتور علي جمعة | نور الدين والدنيا