القرآن العظيم | حـ 5 | أ.د علي جمعة

القرآن العظيم | حـ 5 | أ.د علي جمعة - تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أحييكم بتلك التحية الجميلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من القرآن العظيم. نحن الآن في الجزء الخامس، والجزء الخامس بدأ من سورة النساء. سورة النساء أخذت من الرابع. ثم بعد ذلك دخلنا الآن في الجزء الخامس، فصّل الله سبحانه وتعالى من الآية العاشرة المواريث، والمواريث
مبناها مراعاة الخصائص ومراعاة الوظائف التي كلّف الله بها الخلق ومراعاة المراكز القانونية. هذه الثلاثة هي التي بُني عليها نظام الميراث، ولذلك فإن الله وزّع الوظائف طبقاً للخصائص وطبقاً للأهداف، فوزّع بناءً عليها. مراكز قانونية تعين كل فئة للوصول إلى أهدافها. للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن. نسأل الله من فضله. كل واحد يقول: يا رب وفقني فيما أقمتني فيه. لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء
والمتشبهات من النساء بالرجال. هناك اختلاط، ولكن عندما يدعو الإنسان، يدعو أن يوفقه فيما أقامه فيه. الرجل رجل والمرأة امرأة. المرأة تفرح أنها امرأة والرجل يفرح أنه رجل، لأن لكل منهما هدفاً ولكل منهما وظيفة تتوافق مع الخصائص الخلقية التي خلقها الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الناس. المحور الأول في هذا الجزء معاملة النساء، ونراه في قوله تعالى: "ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات". فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم، فهنا أمرنا بإنشاء
المجتمع من الرجل والمرأة، وجعل هذه الأسرة أسرة اجتماعية، ولذلك قال: فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات، يعني خارج نطاق الخنا والزنا وهذا الانحراف. هذه الآية تنشئ الاجتماع البشري وتبين أن المرأة لها حقوق وأن المرأة قد تكون هي الطرف الضعيف في تلك المعادلة لأنها تحمل ولأنها تلد ولأنها ترعى الأطفال وتتعلق، ربنا سبحانه وتعالى خلقها هكذا من أجل العمارة
يتعلق قلبها بأطفالها تعلقاً شديداً، كل هذا يجعلنا نرعى هذه المرأة رعاية فائقة، فلها المهر ولها النفقة ولها المسكن ولها حق الحضانة، هي حقوق وصلت إلى درجة الواجبات تعني أن المرأة لا تتخلى عن حضانتها. بعض الناس عندما يختلفون يقول لها: "وقعي لي هنا أنك لن تأخذي الأطفال". لا يوجد شيء كهذا توقع عليه، لأن القاضي سيحكم بغير هذا، لأن الحضانة من شأن المرأة. فإذا كتبت المرأة على نفسها أنها قد تخلت عما هو من شأنها... يرفض حضرة القاضي هذا ويحكم بالحضانة للمرأة حتى لو أنها
في وضع معين وضغط معين كتبت هذا. المحور الثاني يتمثل في النهي عن الرشوة لأن الرشوة في الحقيقة داء اجتماعي ومصيبة اجتماعية ينبغي محاربتها، فقال: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ". منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً. هنا قتل النفس، نعم الرشوة فيها قتل للنفس الملهمة، قتل للنفس التي تلوم صاحبها، قتل للنفس في حالة
الكمال. ولذلك يجب علينا أن نحمل القتل هنا على معناه الصحيح وأيضاً على معناه الحقيقي، وهو صحيح لأنه نهانا عن الفساد في الأرض. ونهانا عن قتل النفس وأيضا على المعنى المجازي، وهل يجوز ذلك أن نحمل اللفظ الواحد على معنيين أحدهما حقيقي والآخر مجازي، أو على مشترك هذا له معنى وهذا له معنى؟ فالعلماء أجازوا هذا، كالصلاة على النبي: "إن الله وملائكته يصلون على النبي
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". هناك محاور أخرى في هذا الجزء الخامس وهي قضية قوامة الرجل على المرأة أو قوامة الرجل في الأسرة، والخصائص والمراكز القانونية والوظائف، ثلاثة أمور يجب علينا أن نهتم بها في هذا المجال. الميراث حدث حوله لغط كثير بعد محاولة التساوي بين الرجل والمرأة، والقضية ليست هكذا، فالقضية متعلقة بتلك. الثلاثة لأن على هذا
الرجل مهام وعلى المرأة مهام ولا بد من الوصول إلى التكامل الذي نصل به إلى النجاح وإلى سعادة الدارين وفي عصرنا الحاضر عندما دعا كثير من الناس إلى تساوي الرجال بالنساء رفضوا فكرة القوامة والحقيقة أن هذا الرفض غير سديد الرجال كما يقول ربنا قوامون على النساء بسبب هنا للسببية، بسبب ماذا؟ إذا كان هو سبب له، فهذا هو مربط الفرس. "بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، إذن هو يتحدث عن نظرية الخصائص والوظائف والمراكز القانونية، ويتحدث عن قضية تدبير
الأموال والدخل. فهاتان قضيتان في القوامة، والقوامة للرجل في... نهاية الأمر لماذا؟ لأنه هو الذي ينفق. وهنا يأتي سؤال يحتاج إلى اجتهاد فقهي: فإذا لم ينفق؟ الفقهاء القدماء قالوا: إذا لم ينفق فلا طاعة له، لأن الطاعة مربوطة بقضية الإنفاق، وهو غير قادر على الإنفاق أو لا يريد الإنفاق. إذا لم يكن قادراً على الإنفاق أو لا يريد الإنفاق، فإذاً... قدحت هذه القوامة وانظر إلى هذا التركيب العجيب الذي فيه إعطاء كل ذي حق حقه فربنا سبحانه وتعالى الرجال
قوامون على النساء بما فضل الله ببعضهم على بعض يبقى إذا الرجال مفضلون على النساء بأمور لكن النساء أيضا مفضلون مفضلات على الرجال بأمور أخرى الصياغة تستوجب ذلك ولذلك يتشوف بعضهم من الخطأ والمنهي عنه أن يكون المرء مثل الآخر، كأن تقول المرأة: "يا ليتني كنت رجلاً"، والمرأة تقول: "يا ليتني كنت رجلاً"، لأن في الرجال صفات قد ترغب المرأة فيها مثل القوة والسعي والحركة وغيرها، فتقول: "الله، ليتنا نكون كذلك". لكن النبي نهى عن هذا، وكذلك المرأة تخرج منها الحياة. هذه أمر
غريب، أمر يعني أمر عجيب، إنسان وبعد ذلك يخرج من بطنها ومن رحمها حياة في صورة جنين معقد التركيب، سينمو وسيكون عاقلاً حافظاً تقياً أو شريراً، شيء عجيب. ولكن المرأة من أجل أن تتصدر هذه الرعاية والعناية، فإن الله سبحانه وتعالى وهبها كثيراً من الصفات التي تستطيع أن تقوم. بذلك إذاً فالقوامة هي مرتبطة بأمرين: بالصفات والخصائص والمراكز القانونية من ناحية، وبالإنفاق من ناحية أخرى. وهناك
محور مهم اجتماعياً وأخلاقياً وهو محور أداء الأمانة، كما في قوله تعالى: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن﴾ الله كان سميعاً بصيراً. الحقيقة أن هذا أداء للأمانة وحكم بين الناس بالحق، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. وهنا تأتي قضية إطلاقية النظام الأخلاقي، فالأخلاق ليست نسبية، لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان ولا الأشخاص ولا الأحوال. الأخلاق
مطلقة، يعني الكذب مرفوض في في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل حال، ومع كل شخص، وقس على هذا. الصدق مقبول كذلك في هذه الجهات الأربعة. إذا أداء الأمانات سواء كانت أمانات عينية أو نقدية، أو كانت في الذمم، أو كان أداء للأمانة في العمل، أو أداء للأمانة في الإتقان. ولذلك أن الله يحب من إذا عمل أحدكم عملاً فعليه أن يتقنه. الإتقان في العمل هو نوع من أنواع أداء الأمانة. أوصى الله سبحانه وتعالى على أداء الأمانات كمحور من محاور الجزء الخامس الذي نتكلم فيه
اليوم. هناك أيضاً أمر آخر وهو قضية الشائعات التي قد تشيع في مجتمع معين، وإذا جاءهم أمر من الأمن أو... الخوف إذا أذاعوا به، هذا محور مهم في النهي عن الشائعات، في التثبت، في التوثيق الذي افتقدناه كثيراً، وهناك محور آخر وهو العدل والإنصاف، كما في قوله تعالى: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله" يعني بالوحي، "ولا تكن للخائنين خصيماً، ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت". طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما
يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً. العدل والإنصاف محور من أهم المحاور التي يشتملها هذا الجزء الخامس لأننا بالعدل والإنصاف تقوم الممالك، ولذلك قال القدماء العدل أساس الملك إذا. أردت أن يستمر الملك في الأمن في الأمان في السلم في السلام في العطاء فعليك إذاً أن تعدل. والعدل لا يكون عدلاً إلا إذا كان عدلاً ناجزاً، أي فورياً، أي وقتياً، أي مباشرةً. ولذلك فإن تأخر
الناس في الحصول على حقوقهم أو في رفع الخصومة بينهم يؤدي إلى حالة تشبه عدم. العدل تشبه الظلم والظلم لم يتم بعد لأن القاضي لم يحكم بعد، ولما كان القضاء بهذا البطء لأمرين: لقلة عدد القضاة من ناحية، ولكثرة تنازع الناس فيما يجوز وما لا يجوز من ناحية ثانية. ولو أنهم تخلقوا بأخلاق الدين وتخلقوا بالأخلاق الإنسانية الرحيمة، والله لكان اختلف الأمر اختلافاً كبيراً ووصلنا. إلى ما يسمى بالعدالة الناجزة وهو أمر يحبه
الله ورسوله ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا كلمة اعدل هذه تشتمل على تلك المعاني كلها إذا فهذا ما فتح الله سبحانه وتعالى به علينا من تلك المحاور والقرآن عظيم محاوره كثيرة لكننا نقف عند أمور ينبغي علينا في العصر الحديث خاصة وفي مصرنا خاصة أن نلتفت إليها لأنها تؤدي إلى سعادة الدارين وإهمالها يؤدي إلى عكس ذلك. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.