الكسب الحلال | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

الكسب الحلال | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجال الطيبين في شهر رمضان الكريم معنا اليوم حديث عن المقدام بن معدي كرب الزبيدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة هنا يبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم التعاون ابتداء من الأسرة فأولا الإنسان مطالب بالسعي وبعمارة الدنيا والسعي على الأرزاق هذا السعي على الأرزاق يذهب به إلى زوجه وولده وخادمه ينفق عليهم أسرة ولكن هذا ليس هباء وليس ضياعا كما يظن بعض الناس فيبخل يبخل على أسرته بالنفقة ولا يؤدي واجبه ويوغر الصدور في حمق ليس بعده حمق ولكن لو عرف أن هذه صدقة وأنها لا تضيع وأنها تربو في يد الله سبحانه وتعالى وتزيد وتنمو وأن ما أنفقه إن
أنفق ألفا فإنه يكون له عند الله على الأقل عشرة آلاف لأن الحسنة بعشرة أمثالها لو عرف ذلك لما تردد ثم إن أطيب الكسب ما كان من كسب يده خرجنا من الأسرة إلى المجتمع ولذلك ترى عقلاء الأغنياء لا أبناؤهم كل ثروتهم بل يقتطعون منها جزءا ويعطونه يعطون الأبناء جزءا من المال حتى لا يعتمد على ثراء أبيه ويتسلط عليه بالهلاك ويكون نمطه نمطا استهلاكيا ولذلك لا يعطيه إلا القليل أتذكر
هذا الملياردير الأمريكي الذي اقتطع عشرة ملايين فأعطاها لابنه حتى يفتح أي مشاريع له لكنه لم يعطها له يعطيه هذه المليارات خوفا على هذا الولد من الفساد، من هنا أتت فكرة الوقف وأن هناك أغنياء وأثرياء يمكن أن يقيموا أمة بأن يوقفوا جزءا من أموالهم، والوقف حينئذ لا يحرم الورثة والأبناء ويتركهم حتى مع الباقي في غنى، ولكن يدفعهم إلى تنمية هذا الغنى لا إلى الاعتماد عليه وهذه تجارب كثيرة جدا شهدناها في العالم كله في المسلمين وغير
المسلمين أن من ترك لأبنائه الأموال الكثيرة التي معها يفسد الإنسان من كثرة الوجد، من كثرة ما يجد من مال، فإن ذلك ضد العمران، ولذلك ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده وليس من الميراث، وإنما لا بد أن يعمل هو وإذ ينمي بوسيلة انتقال الملكيات عن طريق الميراث كانت هناك الأوامر الإلهية حقيقة مع الميراث أوامر معجزة لأنه بين لنا تفتيت الثروة وتفتيت الثروة هذه مكن من العمل
هناك أنظمة تعطي الكبير فقط وتحرم بقية الأولاد فتتكون الثروات وتتضخم ويقولون إن هذا له فائدة وفائدة هذا هو أي الثراء الفاحش، طيب، بعد ذلك أين العمل؟ وكثير جدا من هذه النماذج أدت إلى الاستهلاك وفكر الاستهلاك الذي أهلك العالم الآن، ولكن فكرة وجوب العمل وأنه ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده هي الفكرة الأساسية لدينا. إذا فحديث المقداد بن معديكرب يتحدث معنا في داخل الأسرة في ذلك. الرجل السمح الكريم
المعطاء والحب عطاء ويتحدث عن هذا الرجل كفرد من أفراد المجتمع في الخارج وأن الأساس بينه وبين هذا المجتمع هو العمل قبل المال وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد الرجل البخيل والرجل المنفق، الرجل البخيل ضيقها على نفسه والرجل المنفق الكريم وسعها على نفسه، عليهم جبتان من حديد أي حلقات حديد متشابكة بعضها مع بعض
ويلبسونها من ثدييهما إلى تراقيهما، ثدييهما أي من الإبط هنا إلى التراقي التي هي التي فوق تحت الرقبة، فأما المنفق فلا لا ينفق إلا إذا اتسعت كل ما ينفق، كل ما هذه الحلقات تتسع بشكل واسع مريح أو توفرت، من الوفرة يعني أيضا إن الجبة قاعدة تتوسع عليه هكذا، فأصبحت واسعة عليه لا يشعر بضيقها، إلا إذا اتسعت أو توفرت على جلده حتى تخفي أصابعه وتمحو أثره، فظلت حتى غطت يديه وكذلك
غطت رجليه لدرجة أنه يمشي وذيل الجلباب هذا خلفه يمحو أثره أي يمسح آثار أقدامه، يا لها من كبيرة جدا أي بعد رجليه بنصف متر أو نحو ذلك وكذلك من قاعدة أنه كلما أنفق كلما اتسعت وأما البخيل فالبخيل فماذا يحدث في الجبة الحديدية التي يرتديها هذه فلا يريد أن ينفق شيئا إلا التصقت كل حلقة في مكانها، والحلقات تضيق وتلتصق على جلده فهو يوسعها ولا تتسع، يحاول لأنه بخيل فعندما يأتي لينفق ينفق بالمحاولة يفتحها هكذا هي لا تنفتح، يعني أن المنفق في سعة من الله والبخيل
في ضيق من الله هو الذي أدخل نفسه في هذا الضيق والمنفق هو الذي يعني فعل الفعل الذي به بارك الله له في ماله وفي ولده وفي حياته وهكذا فالبخل لا يأتي إلا بالشح والشح أصل كل نقص أما الكرم فهو أصل كل عطاء وحب ومودة وتعاون هناك فرق كبير جدا بين الحرص الذي يضع كل شيء في مكانه، وبين البخل والحرص، فالحرص محمود لكن البخل غير محمود، وأيضا هناك فرق ما بين الكرم والإسراف، فالكرم ممدوح لكن الإسراف مذموم، ولا يجب علينا أن نسرف
ولكن لا بد لنا أن ننفق، ولذلك عبر بالمنفق والبخيل، وهذا فيه ما فيه من أخلاق التعاون التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل الأسرة وخارج الأسرة، كذلك الإنفاق يكون مع جماعة العمل، مع جماعة الجيران، كل بحسب وسعه، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كاف للثلاثة، وطعام الثلاثة كاف للأربعة وهذا معناه حب الاجتماع وأن يد الله مع الجماعة وأنه كما أمرهم في الصلاة أن يلينوا
في أيدي إخوانهم أمرهم في الصلاة أن يكونوا على قلب رجل واحد وأن يتبعوا إماما واحدا قياما وركوعا وسجودا وهكذا حتى يتم ذلك التعاون وأمرهم أيضا في الأكل وفي الشرب أن يكونوا جماعة هذا المعنى بدأ في التفلت وأصبح الناس لا يأكلون معا سواء في داخل الأسرة أو في خارجها عن السائب بن عبد الله قال جاء أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة جاء بي عثمان بن عفان وزهير فجعلوا يثنون علي فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
تعلمونني به فقد كان صاحبي في الجاهلية السائب بن عبد الله أتعلمونني بصاحبي هذا كان صاحبي قبل الوحي كان صاحبي في الجاهلية عثمان رجل كريم معطاء والسائب كذلك كان كذلك وكان صديق النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم يا رسول الله فنعم الصاحب كنت السائب يقول له والله أنت ما من أحد أحسن منك يا رسول الله فقال يا سائب انظر إلى أخلاقك التي كنت تصنعها في الجاهلية فاجعلها في الإسلام أكرم الضيف وأكرم اليتيم وأحسن إلى جارك وهنا
نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أن الأخلاق عالمية وأن هذه الأخلاق كنت تفعلها يا سائب وأنت في الجاهلية فافعلها كما هي وأنت في الإسلام فإن الإسلام يحب كل خلق حسن ويكره كل خلق دنيء ولذلك يا سائب ابق على ما أنت عليه من إكرام الضيف ومن حسن الجوار ومن إكرام اليتيم ومن إكرام الأرملة ومن التعاون لوجه الله تعالى أخلاق متسامية الزمان والمكان أخلاق يقول لنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، أخلاق يجب علينا أن نتمسك بها لأننا في أشد الحاجة إليها وكذلك كل
العالمين في أشد الحاجة إلى أن نعلمهم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين ذلك ويريدونه فمعنا كنز وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد الخلق، هيا بنا نعرض أخلاقه على العالمين. إلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.