اللقاء العام الثالث عشر مع فضيلة الإمام المربي أ.د علي جمعة لأبناء الطريقة الصديقية الشاذلية

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا لقاء مبارك نرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة، وأن يجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة، وأن يبارك لنا في أوقاتنا وفي أعمالنا، وأن يتقبلنا عنده بقبول حسن، اللهم آمين، وأجمعنا على الخير. وهذا هو اللقاء الثالث عشر، وربنا سبحانه وتعالى يديمها علينا
نعمة، الالتقاء بالمؤمنين والذاكرين، ونعمة الاجتماع على الخير والتعاون على البر والتقوى، ونعمة الجلوس في مجالس العلم والذكر في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى. من الأسئلة التي قُدمت في... هذا اللقاء يتساءل عن ماهية المريد، وماذا يريد، ومن يريد، وكيف يريد، ولماذا يريد، ومتى
يكون المريد مريدًا، ومتى يكون شيطانًا مريدًا. فهذا سجع مثل سجع الكهان. هناك مريد وهناك مراد، وفي صحيح مسلم، حديث سيدنا صلى الله عليه وسلم يقول: "ومنكم من يُقاد إلى الجنة بالسلاسل"، فهذا مراد أراده فجذبه إليه وكلما حاول وهمّ أن ينحرف عن طريق الله هداه الله وأعاده إلى الطريق، وكلما أخطأ أنار الله بصيرته فاستغفر فرجع
فرضي الله تعالى عنه وقَبِلَه، فهذا يُقال عنه المُراد؛ لأن الله أراده حتى ولو لم تكن له همة للانجذاب إلى طريق الله وطاعته والسير فيه، فمع فقده هذه... الهمة إلا أن الله سبحانه وتعالى كأنه حافظ عليه وحصَّنه وحماه فضلاً من عنده سبحانه وتعالى، والمريد هو عموم الخلق لأن النبي عندما يقول منكم يعني بعضكم وليس كلكم، منكم
يعني جزءاً، ولعله أن يكون جزءاً قليلاً، والعموم مريد يريد من يريد الله ولإرادته الله سبحانه وتعالى فهو يريد طاعته. ولأنه يريد طاعته يعرف أحكام الله ويلتزمها ويتبع ما أرشدنا إليه ربنا سبحانه وتعالى في الطريق إليه، ما ترك شيئاً يقربنا إليه ويقربنا إلى الجنة ويبعدنا عن النار إلا وقد أمرنا به، وما ترك شيئاً يبعدنا عنه، يبعدنا
عن رضاه وجنته، يقربنا من غضبه وناره إلا وقد نهانا عنه، فكان سبحانه وتعالى كما وصف نفسه الله الرحمن الرحيم فتقرب إلى خلقه وينبغي أن يتقرب الخلق إليه لأنهم في حاجة إليه سبحانه وتعالى وهو غني عن العالمين يا ابن آدم لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وذكركم وأنثاكم وقفتم في صعيد واحد ثم سأل كل واحد مسألته فأعطيته ما سأل ما نقص ذلك في ملكي إلا
كما تنقص الإبرة حين تدخل البحر ثم تخرج، فقد أخذت شيئاً قليلاً، قطرة أو أقل من قطرة من الماء، من فضل وجود وسعة وقوة وعظمة خلق الله سبحانه وتعالى. فالمريد هو من أراد الله، وماذا يريد؟ يريد رضوان الله، ومن يريد الوصول إلى الله. وكيف يريد؟ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. ولماذا يريد؟ لأنه لم يكن مرادا،
وهذا قدرهم، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. ومتى يكون المريد مريدا؟ عندما يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. ومتى يكون المريد شيطاناً مريداً؟ وهو في حالة كونه مريداً لا يكون شيطاناً مريداً أبداً، لأن "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون". فهذا الذي قلت لكم فيه أنه من سجع الكهان، يعني هذا شخص. تقريباً لا زلت لا
أفهم شيئاً. الشاب الذي سأل هذا السؤال لا يزال في بداية الطريق، يعني لم يصل إلى الشاطئ، ولا يجوز خلع النعلين قبل الوصول إلى الشاطئ. الحيران يسأل متى أعفو ومتى أسامح أو أعاقب سواء في حقي أو في حق غيري أو في حق المجتمع، فاعفوا واصفحوا الله بأمره إن الله على كل شيء قدير، العفو والسماح والتجاوز وعدم الوقوف أمام العقبات والمشكلات والجرائم وتجاوز هذا، مع أننا نكره الجرائم ولكن لا نكره فاعليها من
ناحية الإنسانية، نكره فعلها ونكره القيام بها وحدوثها ونقاومها ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونبتعد عن كل هذا، إلا أننا نمتثل لأمر. رسول الله: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. هو أمرنا بهذا أننا إذا اعترضنا وقلنا لا، نقول لا للفعل وليس للإنسان. فهناك فرق بين الفعل واستمرار هذا الفاعل في فعله. نستمر معه في عدم
الاستجابة إليه، لكنه هو في ذاته لا. نكرهه وهذا هو الملمح الذي دفع سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يستغفر لأبيه. سيدنا إبراهيم متسامح ولا يكره أباه بالرغم مما يفعل، لكنه يكره فعله. ووصل بهم الحال إلى أن ألقوه في النار، ولكن بالرغم من ذلك يدعو له حتى يُؤمَر من عند الله ألا يفعل. من خلق وهو اللطيف الخبير ونهاه عن ذلك فامتثل
لأمر الله. لماذا؟ لأن الرجل لم يقلع عن الفعل القبيح واستمر على شركه وعلى غباوته حقي أو حق المجتمع والناس. ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمركم وفي ذلك بعد ذلك عدوان على القضية الكبرى للتوحيد
وعلى إضلال الناس مع العلم ومن منطلق الحسد والغل والفساد وبالرغم من كل ذلك لم يأمرنا إلا بالعفو والصفح. أتذكر عندما ذهبت إلى الشيخ محمد الحافظ التيجاني رحمه الله تعالى ورضي الله تعالى عنه سألته أسئلة كثيرة منها حديث "تكبر على المتكبرين فإن ذلك ذلة لهم" فقال: "ليس بحديث". قلت: "وما معناه؟" قال: "لا تتكبر ولا شيء، ببساطة هكذا. ما معنى أن تتكبر على المتكبر؟
إنك بذلك تكون قد وقعت في نفس الذنب الذي وقعوا فيه. لا تتكبر ولا شيء". فلخص بذلك كثيراً من طريق من بعض المنتسبين للطريقة كمريدين اعتراض على بعض اختيارات الشيخ، سواء في المقدَّمين أو في بعض المواقف، فبما ننصحهم؟ قل له كلمة واحدة فقط: "اتقِ الله يا مغفل" وكفى. اتقِ الله، فهذه مسألة تخص الله. اتقِ الله حيثما كنت يا مغفل. هذا من عندي، فيقول لك: "بالله، أنت تشتمني؟" تقول له:
الشيخ قال لي هكذا، ماذا فعل لك الله ما دام الذي أنا انتقدته على الشيخ؟ ما هذا يا مغفل؟ أأنا مغفل؟ قل له: تأكدت الآن أنك مغفل. اتقِ الله يا... ما هذا يا مغفل؟ إن الدنيا تسير في جهة وهذا يسير في جهة أخرى تماماً، يا عيني لأنه... يتبع ما عُرف وما لم يُعلم أكثر بألف مرة من هذا الذي هو عليه. عندما قال لي سيدنا الشيخ عبد الله الغماري: "أنت هنا في مصر مقدم الطريق"، فقلت له: "يا مولانا، مقدم الطريق يجب أن يكون
شخصاً تقياً نقياً ورعاً، وأنا لست كذلك الآن". قال... أن المقدم يجب أن يكون كذلك، أنت سابقهم بخطوتين، ترشدهم وتقول لهم من أين فقط لا غير. وعندما يظن الشخص أنه أفضل من غيره فهذا هو الكبر، هذا كبر. وعندما يظن نفسه أنه قد وصل فهذا كبر، وعندما يظن أن الإرشاد يحتاج إلى الكمال فهذه غباوة، كنا نسميها. في بلدتنا سذاجة، استوقفنا المقدم، أخ
لك أي سبقك بشهرين أو ثلاثة فقط وانتهى الأمر. حسناً، ولماذا يختار الشيخ هذا ولا يختارني أنا؟ هكذا أريد أن أغيظه. ما هذا الذي يختار؟ لو اخترتك أنا، فستكون القضية نفسها. ولماذا اخترتك أنت؟ نحن نمتثل لقول الله: "وتعاونوا على..." البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، نمتثل للدين والنصيحة، نمتثل "لينوا في أيدي إخوانكم"، لا أجلس أشترط شروطاً غير موجودة أصلاً، وبعد ذلك نصنف الناس، وأثناء هذا التصنيف نتكبر، ويكون هذا هو طريق الله؟ هذا شيء غريب! ولذلك اتفقنا
أن نقول له: ماذا الآن؟ اتقِ الله! ماذا ستقول له لا تكونوا مغفلين ولا تأخذوا بعض كلام الشيخ وتتركوا بعضه الآخر. بعضكم سيقف عند تقوى الله وكفى، فيقول لك: "ماذا يعني؟ أليس هذا هو الحسين؟ أيغضب الولد أو تغضب البنت أو ما شابه ذلك؟" والآخر يقول: "لا، نعم، الشيخ قال" ويتشدد فيها هكذا، ويقول له ذلك في وجهه أيضاً. اتقِ الله يا مغفل. وسيعودون مرة أخرى بعد هذا الجواب، وسنرى أحداثاً كثيرة وشكاوى عديدة من المقدمين والمتابعين. وأحدهم قال لي: "اتقِ الله". لا يا متستر، آتي أنا على الفور عارفاً أنه إذا قال له هكذا، فماذا سيقول لي. هناك
اعتراض على الشيخ، نعم، فيأتيني إذن، وهذه هي الفائدة. خاصته يعني سآتي إذن لأجل ماذا نرى نتحدث مع بعضنا حسناً ولكن في الحقيقة أن الإرشاد لا يحتاج يعني الكمال المطلق ولا الوراثة المحمدية لأجل وإلا ما كان هناك إرشاد أصلاً. الإمام الغزالي قال: نفترض أن الإنسان مبتلى بمعصية، قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أثناء ارتكابها، ما هذا؟ نعم رجل فاهم، أليس هذا هو الدين؟ هذا خطأ. حسناً، وأنت
تفعلها لأجل ماذا؟ يشرب دخاناً ويكون الطبيب كله سيقول لك: "الدخان هذا مصيبة، أوف أوف". يا الله، حسناً أنت تشرب دخاناً؟ نعم، لكن الحقيقة حقيقة، الدخان هذا مصيبة. أليس كذلك؟ إذن هو يخالف قوله. لا، هو يمتثل من جهة، وضعفه أخرى سنستغفر سنقلع سنتدرج هكذا إنما خذوها ببساطة أخلص النية لله آخر يقول نرى من بعض الأشخاص ما يمكن أن نعده من خوارق العادات أو من الكرامات
فنحسبه من أهل الصلاح ثم نراه صاحب غيبة ونميمة وكذب فكيف ذلك سألوا المرسي أبا العباس على هذا الشأن وسألوا سيدي عبد القادر في هذا الأمر، سيدي عبد القادر قال: "إذا رأيت الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء، فاعرض أمره على الشرع، فإن وافقه فذاك". لا تحدث أي مشكلة يعني عندما يحصل للإنسان كرامة أو شيء من هذا القبيل، لكن ليست الخوارق مقياساً للحق. احفظوا هذا: "الخوارق ليست مقياساً للحق" ولذلك. نرى الخوارق تجري على أيدي الهندوس وأيدي
البوذيين في التبت وأيدي سكان القديرة، يعني أناس كثيرون مختلفو العقيدة، لكنهم تحدث على أيديهم هذه الخوارق. أعرض أمره على الشرع، فالخوارق هذه نعمة من نعم الله لها أغراض كثيرة، فمن الممكن أن تحصل كأن يمشي على المياه، أو يطير في الهواء، أو ماذا يفعل ويفعل، نعم، هذه نعمل بها ماذا؟ لا شيء. حسناً، ألا تعيش يا أبا ليش؟ هذا شخص لا يصلي أبداً، ولا يصوم، نعم يكذب، ونعم يتغيب. ارمه على الفور، لا شأن لك به، هذا ليس على
الهدى، هذا يحتاج نصيحة ويحتاج علاجاً ويحتاج أشياء كثيرة، لكنه ليس على الهدى. وسيدي المرسي أبو العباس وهذه مرة ذكرناها في الدرس فغضب النابتة الخوارج، كان جالساً هو وجماعته في جانب في المكان الذي دُفن فيه، كانوا قد أقاموا هناك على ما يبدو خلوة أو مكاناً للاستراحة أو شيئاً من هذا القبيل على البحر. إحدى العابدات بنت له حصيرة فقال عز وجل وفي وهو يرتكب الفاحشة يريد هو والناس الذين معه يتوضؤون ليقبضوا
عليه كي يقيموا عليه الحد، فالرجل جرى هارباً منه وذهب باسطاً المنديل على البحر وركب ومضى، فذهبوا إلى سيد المرسي وقالوا: ما هذا؟ نريد أن نفهم، نحن لا نفهمه، هذا رجل مجرم ويرتكب معصية وفيها حد ومتفق على... إنها كبيرة ولا تقولي الآن كي لا تكون زوجته أو كي لا تكون لا أعرف ماذا، هذه امرأة متزوجة. فقال لهم إن الكريم إذا وهب لا يسلب. ربنا أعطاه شيئاً، قانوناً يمشي على
المياه. حسناً، إن إبليس يمشي على المياه أيضاً، فماذا يعني ذلك؟ التكلف هكذا يعني لا يمشي على لا يستطيع المشي على الماء، فهو قد فرش المنديل الأول، وهو متعب. ولو لم يكن متعباً لما فرش المنديل، وربما كان استفاد منه بأي شيء وسار على الماء طائراً هكذا مثلاً. فهذا خداع، لذا لا تنبهر إلا بالالتزام بالشرع الشريف، أما بالنسبة لكثرة النعم التي أنعم الله بها علينا. من الرؤى الصالحة ومن التوافق والتوفيق ومن البشارات ومن الخواطر الواردات، يجب أن تعرض نفسك عندما تخطئ، نعم
توقف عن هذا الخطأ. كل هذه الأمور لا تدل على مكانتك عند الله، وإنما هي نِعَم: المال نعمة، والقوة نعمة، والصحة نعمة، والعلم نعمة، والسلطة نعمة. نِعَم، ولكن أكل هذا سيدخلك الجنة؟ يدخلك الجنة رضا الله عنك عند امتثال طاعته. هل عندما نصلي على النبي في سرنا دون تلفظ أو في حال دار حوار قلبي بيني وبين حضرته هل يسمعنا أم أنه لا بد من التلفظ؟ حسناً، أنت تلفظت، فمن الذي أوصل هذا إلى سيدنا؟ الله الذي
هو عليم بذات الصدور، فالذي في الصدر ربنا مُطَّلِعٌ عليه وهو الذي يوصله، والذي يحدث في اللسان ربنا مُطَّلِعٌ عليه وهو الذي يوصله، هذا يعني أنها تحتاج إلى مزيد من الذكاء، لكن هذا السؤال من أين أتى؟ هذا السؤال جاء من آثار النابتة، يظنون أننا نقول إن سيدنا يعلم الشيء بذاته، حسناً إذا... كان يعلم الشيء بذاته فلا بد أن نتلفظ، يعني والذي في القلب لا يصل. ليست الحكاية هكذا يا خفيف الظل، الحكاية ليست هكذا، إنما الحكاية
أن النبي يعلم بتعليم الله له، هذا ما نقوله. فالله سبحانه وتعالى هو الذي رد الله على روحي فأرد عليه السلام، كله له. ربنا هو الخالق الحقيقي، هو الفاعل الحقيقي في هذا الكون. ما المقصود من مقولة أبي اليزيد: "ما دام العبد يظن أن في الناس من هو شر منه فهو متكبر"؟ فهل اعتقادي بأن هتلر وموسوليني ونتنياهو أشر مني يقع تحت ذلك الحكم؟ هل هناك فرق كما قلنا الآن في أبي إبراهيم؟ بين الفعل والفعل،
أما الذي فعله هتلر ومسلمون كهؤلاء فهذه جرائم نكرهها ونبتعد عنها ونأباها وننكرها، لكن هتلر هذا مات ومسلمون حصلوا ماتوا، ولم يكونوا قبلي ولا بعدي فانتهوا. هل هؤلاء أسلموا أم لم يسلموا؟ لا يوجد أحد متأكد، والله لم أره وهو يموت ولم أره وهو يقول آمنت بالذي. آمنت به بنو إسرائيل ولم يؤمن به أحد مثل فرعون الذي حيل بينه وبيننا، وقد ملِلْناه. ولذلك الفاعل نفسه كفاعل وكإنسان - يعني الله يسترها
معك - أما الفعل فلا، فهم قد ارتكبوا من الجرائم ما الله به عليم. أما شخص مثل نتنياهو الذي يعيش حالياً، فهذا نتنياهو، نعم هو أفعال مستمرة وطغيان مستمر وفساد مستمر وقتل مستمر، فالله سبحانه وتعالى يحيط به وبفعله، لكن هذا ليس كلباً، بل الكلب أشرف منه بكثير. لو أن هذا الطاغية حدثت معجزة بمراد الله وأسلم، فليُسلم، فهؤلاء هم الذين قاتلوا رسول الله ثم فرض
الله عليهم الدخول في... الإسلام والإذعان له جعل الناس يصبحون مسلمين، فتحولوا من أعداء الله إلى أولياء الله، هذا هو معنى الهداية. أما هذا الكائن المفسد الطاغية الذي تلوثت يداه بالدماء، فنحن وفقاً لطبيعة البشر ننتظر أن يُسلم أو نحو ذلك، لكن هذا لم يحدث، ليس لدينا هذا الأمر، وإذا حدث فحسناً يا رب. يا ربُّ ليحدث. فإذاً هناك فرق بين الفاعل والفعل. أما هؤلاء
المفسدون فأفعالهم مفسدة باتفاق، وليس هناك أي خلاف بأن هؤلاء أفسدوا في الأرض وأراقوا الدماء وظلموا الناس، والظلم ظلمات يوم القيامة. هل لحضور الحضرات فوائد على المريد؟ وهل يجب الالتزام بالحضور المستمر؟ الحضرة عبادة لأن فيها مجلساً. للذكر نزول الملائكة والسكينة والرحمة، وذكر في الملأ الأعلى، ويذكركم الله في ملأ عنده، فهذا كله من المصالح. أما أن يكون مثل التأمل أو الزن أو اليوجا أو ما شابه ذلك، فهو ذاهب لكي يفعل شيئًا خاصًا في نفسه، فهذه ليست عبادة، هذه
تصرفات فردية لا علاقة [لها]. لنا بها، أما الحضرة فهذه عبادة، وكلما أكثر من العبادة كلما كثر الثواب. في علم النفس، التصوف يُصنَّف بأنه علاج سلوكي معرفي وإقامة علاقة علاجية فريدة مع الشيخ، وهذا يقيناً يعالج. لكن هل يُستغنى به عن العلاج النفسي؟ لا، هناك الأمراض على مستويات، فهناك أمراض نفسية وهناك أمراض ذهانية وهناك... أمراض عقلية وهذه
الأمراض منها ما يُصلح بالإرشاد النفسي ولذلك هناك كثير من المدارس ومن العيادات العالمية يقوم فيها الطبيب بالتفاهم مع المريض بعيداً عن دائرة الدواء، لكن في بعض الأحيان يحدث خلل في كيمياء المخ وينقل النفس إلى ذهانها أو يشتد الأمر فينقل المرض من الذهان إلى العقل وحينئذٍ يحتاج الطبيب والإنسان إلى معونة دوائية تتدخل من أجل التحكم وإعادة الأمر إلى ما خلق الله، والإمام الغزالي يصف لنا هذا الحال وأن هناك
حداً يسمى المعتاد الخلقي، ويسمونه في الإنجليزية "النورمال". وما معنى النورمال؟ إنه العادي، أي ما خلقه الله هكذا. فعموم البشر هم في هذا المستوى الطبيعي، ثم هو أعطوه اسم "ساب نورمال"، أي تحت الطبيعي، مثل هذا الشيء. المترو اسمه "ساب واي" أي الطريق التحتاني، فكلمة "ساب" تعني "تحت". و"آب" هذا "سوبر"، فهناك "آب" أي نشيط أكثر من اللازم، يعني حركته سريعة، فيسمونه "آب نورمال". وعلم
النفس ماذا يفعل؟ يجعل مجموعتين: يُنزل "الآب" ويجعل... يُعطى المريض مجموعتين من الدواء، هذه فيها ثلاثين أو أربعين نوعاً وتلك فيها ثلاثين أو أربعين نوعاً، وهكذا يُعطى الدواء تلو الدواء. وكما تقول النكتة التي كانت تُروى عن رجل أراد أن يركب حماره، فوقف على مصطبة هكذا وقال: "يا ولي الله فلان مدد!" ورمى نفسه على الحمارة، فسقط قبلها. فلان سار قبلها يا أولياء الله جميعكم
ذاهب صائد بعدها فقال لهم لا ليس جميعكم هكذا فيعطيك الدواء بعد أن تكون مصاباً فتبقى قبل أن يحس أنه تجاوز هكذا فيعطيك دواءً ثانياً حتى تصبح طبيعياً فتبقى مصاباً وتجلس إذن لن ننتهي في هذه المسألة فإذا الشيخ لا يُغني ولا يَحلُّ محل الطب. الطبُّ نحتاج إليه عندما يكون المرض مما يحتاج إلى هذه الحال، وكل هذه الحاجات ليست مُفصَّلة عندنا لأن هذه علوم نشأت
وترعرعت ونمت وتطورت في الغرب. في أواسط القرن التاسع عشر بدأت هذه العلوم تنسلخ شيئًا فشيئًا من الفلسفة، ولم يكن لنا من النموذج المعرفي. الإسلام لا يدخل في تفاصيل هذه الأشياء، فيحدث هذا الأمر كثيراً ما يتم التوجيه لإنكار الذات وعدم رؤية النفس واستشعار أنك أقل من غيرك، فهل ذلك يتناقض مع تحقيق الذات؟ تحقيق الذات يكون برضا الله سبحانه وتعالى، فلا بد فيه من الطاعة، وإذا قام الإنسان بالطاعة فإنه يشعر ويستشعر
في قلبه أنه مطمئن أنه في سلام أنه سعيد وبذلك يتم تحقيق الذات وليس المقصود التكبر على الآخرين. كيف نصل لعبادة الله لله وليس أن نعبده ليعطي أو يمنع أو يستجيب؟ بالمداومة، فقد قال لنا صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". وذلك لأن السائلة امرأة. أقول قول سيدي أبي الحسن في حزب البر: "أعوذ بك من فتنة النساء"، أيضاً
ولا أقول ماذا؟ لا تقولي: "أعوذ بك من فتنة النساء". فتنة النساء بالنسبة للرجال قد تكون الشهوة وقد تكون شيئاً من الانحراف، وفتنة النساء للنساء هي الغيبة والنميمة والدردشة المزعجة والثرثرة والمشكلات التي لا حدود لها الموضوعات... ما الأمر يا الله؟ وشيء نضحك به على بعضنا؟ لا تقولي هكذا وأنت تقول: "أعوذ بك يا ربي من فتنة النساء"، لأن المرأة إذا جلست مع المرأة وبدأتا تثرثران هكذا - إن شاء الله - فهذا وضع غير جيد ولا علاقة له بالطريق ولا علاقة
له بشيء، فلندعها كما هذا كان واعٍ ولا ينبغي عليه، لكن هذا له جهة وذاك له جهة. فعندما كان يوجد شيء مثل هذا "أنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك" وهكذا، وتقول المرأة "أنا أمتك وبنت عبدك وبنت أمتك"، فهذا ورد هو نفسه ورد. فكان الشيخ لو أراد أن يعدل عن كلمة النساء لكان. وضعها عنده بين قوسين هكذا وتقول: "النساء فتنة الرجال"، وكنا سنحصرها في معنى ضيق واحد، لكن المرأة تقول: "فتنة النساء"، نعم، هذا هو، هذه فتنة وذاك له فتنة. في حزب
الشكوى، سيدي أبو الحسن: "ربّ إني قلّ اصطباري، وطال انتظاري، واشتدت بي فاقتي واضطراري، وعَظُمت عليّ همومي وأوزاري وأحزاني وادّخاري". وتطول عليّ سواد ليلي وبعد عني طلوع بياض نهاري. اتقالت: ما معنى ذهابي. آثاري (آثار جمع أثر).
والأثر يُطلق أساساً على الشيء الثقيل، ويُطلق على العهد الذي بيني وبين الآخرين أو بيني وبين الله، ويُجمع على إصر. إصري يُجمع على أصاري بالصاد. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف، هذا واحد، وينهاهم عن المنكر، هذا اثنان، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم، هذه أربعة، الخبائث ويضع عنهم إصرهم، نعم "إصر" جاءت هنا، إصرهم
والأغلال التي كانت عليهم. الأغلال هي القيود، والإصر هو الثقل الناتج عن مخالفة العهد، وأيضاً تجد مثلاً: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه. قال: أقررتم وأخذتم على ذلك إصري (عهدي)، يعني ربنا. ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا. لا تحمل علينا إصراً يعني لا تحمل علينا ثقلاً عند مخالفتنا للعهد. نحن دائماً نخالف فيترتب علينا ثقل. لمخالفة
العهد فيقول له: سامحني، أي ارفعها من على كتفي، فأنا مخطئ، لكنك كريم. ماذا أفعل بنفسي؟ ولا تحمل علينا إصراً، أي لا تحاسبنا بالتدقيق: أنت فعلت، أنت صنعت. ما معنى تجاوز عني؟ فالشيخ أبو الحسن يقول: وذهاب آثار إصر وإصر. وأصرّ وظللت طوال النهار أعمل مخالفة للعهد ويحدث فيها ثقل، وكل هذا معناه الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى وإظهار الخنوع والخضوع له سبحانه. فربنا
سبحانه وتعالى ينفعنا بسيدنا أبي الحسن الشاذلي وبما قدّم لنا من معرفة دقيقة للدين ورؤية واضحة للطريق إلى الله سبحانه وتعالى ودعوة منه على ما. كان من تعلم للذكر والفكر على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم للوصول إلى الغاية الكبرى وهي رضا الله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطينا حتى نرضى وأن يعفو عنا وأن يغفر لنا وأن يسامحنا وأن يبعدنا عن الخطايا ما ظهر منها وما بطن. اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين. غيرَ خزايا ولا مفتونين، نوِّر قلوبَنا، واغفرْ ذنوبَنا، واسترْ عيوبَنا. اللهم اجمعنا
على الحق في الدنيا والآخرة، واجعل هذا المجلس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، وانفعنا به يا أرحم الراحمين. هدِّئ بالَنا، وأصلح حالَنا، وأحيِنا مسلمين، وأمِتنا مسلمين غيرَ خزايا ولا مفتونين. أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. استرها فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب كن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا واشف مرضانا وارحم موتانا واغفر لحَيِّنا وميّتنا يا أرحم الراحمين ارحمنا، ويا غياث المستغيثين أغثنا. متّعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء
همنا وحزننا، ونور أبصارنا وصدورنا، واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا. علّمنا منه ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا. اللهم يا ربنا هب مسيئنا. اللهم أحسن لمحسننا واغفر لنا جميعًا واقبلنا على ما نحن عليه من عمل وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك وأعنّا يا رب العالمين على عبادتك. اللهم اشفِ مرضانا يا رب العالمين وعلمنا العلم النافع. نسألك علمًا نافعًا وقلبًا خاشعًا وعينًا من خشيتك دامعة ونفسًا قانعة وشفاءً من كل