اللقاء العام الخامس | أ.د علي جمعة

اللقاء العام الخامس | أ.د علي جمعة - الصديقية الشاذلية, اللقاء العام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا لقاء بالمنتسبين إلى طريقتنا الصديقية الشاذلية. تأخرنا في اللقاء لأمور كثيرة كنا نحاول أن نتعامل معها وأن نحلها، واليوم وقد تراكمت أسئلة المريدين وجب علينا أن نلتقي وهناك. أكثر من تسعين سؤالاً هي
من مجموع الأسئلة التي رُفِعَت إلى إدارة الطريقة، وتكاد تكون ضعف هذا العدد. ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الإجابة عليها بصورة واضحة فيما نقدر عليه منها، وقد نلتقي مرة أخرى لإكمالها، وقد يبارك الله سبحانه وتعالى في الوقت الذي هو محدد له نحو. الساعة من الآن وندعو الله سبحانه وتعالى أن نلتقي في أوقات أقصر في فتراتها من هذا الذي نحن فيه الآن. يسأل سائل: هل هناك برنامج عمل للمؤمن ليصل
به في نفسه إلى حالة يكون فيها يخشى الله حتى كأنه يراه جل جلاله؟ هذا هو طريق التصوف، وهو بالذكر والفكر والبرنامج. الذي وضعه لنا مشايخنا ومشايخ كل الطرق يتمثل في الذكر وفي الفكر وفي تخلية القلب من القبيح وفي تحليته بالصحيح، وهذا أمر لا يتم بين يوم وليلة، بل هو يحتاج أن نعبد الله مخلصين له الدين وألا ننتظر النتائج، وأن نعلم أن طريق الله سبحانه وتعالى إنما هو للطاعة والعبادة. لأنه سبحانه يستحق تلك العبادة، لا نريد من وراء تلك العبادة هدفاً
ولا ثواباً ولا جنةً ولا حتى خوفاً من نارٍ، بل لأن الله في ذاته حتى لو لم يكن هناك جنة ولم يكن هناك نار، فإن الله في ذاته مستحق للشكر وللعبادة وللانبهار من تلك القوة، فهو القوي ومن هذه الصفات لأنه هو لطيف ورحمن ورحيم وواسع وقهار وهو قوي جل جلال الله سبحانه وتعالى. إذاً، فليس هذا برنامجاً للاختبار ولا برنامجاً للتدرج في درجات الشهادات أو المعلومات، بل هو طاعة لله وعبادة لله ينبغي أن نفعل هذا. البرنامج
الذي وضعه مشايخنا للذكر من الأساس والمسبعات والوظائف كالوظيفة. الزروقية ومن أذكار الصباح والمساء ومن أسماء الله الحسنى كما كان يفعل سيدي عبد القادر الجيلاني وغير ذلك من الأنظمة هي التي تؤدي بالإنسان إلى أن يكون على ذكر دائم لله "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" وهي التي تهيئ الإنسان للوصول إلى هذه المراتب أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فهو يراك، فهي درجات بعضها فوق بعض، ولكن لا تتطلع للوصول إلى تلك الدرجات بقدر ما تجعل طريقك إلى الله سبحانه وتعالى مليئاً بالطاعة والعبادة والذكر والفكر. الذين
يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك. قنا عذاب النار، كيف نصل إلى حالة من الصدق والشفافية يستوي فيها الظاهر مع الباطن؟ بالتأمل، بالتدبر، بالتفكر. والتفكر والتأمل والتدبر يكونون بشيء من مراجعة النفس. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. يكون بشيء من الخلوة كما كان سيدنا صلى الله عليه وسلم يتعبد الليالي ذوات العدد في غار حراء. يكون... بما شرعه لنا الشرع الشريف بالاعتكاف فالتأمل والتدبر
والتفكر والخلو ومراجعة النفس وشيء من الخلوة وشيء من الاعتكاف، كل هذا يعين على أن يقرر الإنسان في نفسه أن يجعل ظاهره كباطنه لأنه يراجع نفسه، لأنه يتدبر حاله، لأنه يقرر قرارًا ويحاوله، قد ينجح وقد يفشل فلا ييأس، فكل بني آدم الخطأ والقصور والتقصير استولى على جميع البشر، واعلم أن النقص قد استولى على جميع البشر، ولكن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. بالمداومة يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة. لا
ننتظر أن نصل إلى هذه الدرجة، وإنما بالدعاء والإخلاص في الدعاء نصل إلى مرادنا. يقول: نحتاج لنصيحة نجعلها. عنواناً لحياتنا يلازمنا في كل الأوقات هذه النصيحة نصحنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورة محددة تفيد العلاقات الثلاث التي بيني وبين ربي والتي بيني وبين نفسي والتي بيني وبين الناس حيث يقول: "اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". هذا هو عنواننا. أن نتقي الله سبحانه وتعالى في كل مكان وفي كل زمان ومع كل الأشخاص وفي كل الأحوال. وتقوى
الله سبحانه وتعالى هي كما قال ابن المعتز: "خلِّ الذنوب كبيرها وصغيرها، ذاك التقى، واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى، لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى". هذه الحالة هي... التي يقول عنها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: "التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، والرضا بالقليل". فدائماً الإنسان راضٍ عن ربه في يسره وعسره، في قلة أرزاقه وزيادتها، فهو راضٍ عما أقامه الله سبحانه وتعالى فيه. هذا هو معنى التقوى، هذه
هي العلاقة التي بيني وبين ربي بالقلوب الضارعة، وبهذه العلاقة تستقيم تلك العلاقة وذلك الجانب. وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. العلاقة بيني وبين نفسي أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. فنبادر دائماً بالرجوع والتوبة وبعمل الصالحات لأن الحسنات يذهبن السيئات. فإذا ارتكبت ذنباً سواء كان من الصغائر أو الكبائر فإنني أبادر بفعل الخير. الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. الوضوء تنزل معه الذنوب في غسالة الوضوء وفي الماء المستعمل من جسم الإنسان.
من الصلاة إلى الصلاة ومن العمرة إلى العمرة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينها. فالإنسان المؤمن الذي يلحظ هذه... الأشياء دائماً تكون على صفحة بيضاء. ما المدة المثالية لانتظار الوارد بعد الذكر؟ الأصل أننا لا ننتظر الوارد، فالوارد هذا حالة ربانية ومنح صمدانية ونعمة من عند الله سبحانه وتعالى. إذا جاءت كان بها، وإذا لم تأتِ فلا بأس، فهي نعمة مثل نعمة البصر ونعمة الرزق ونعمة الصحة ونعمة الجاه. نعمة الذكاء والعلم هي نعم من نعم الله سبحانه وتعالى، فهي لا تُنتظر ولا تكون
دلالة على القبول أو الرفض. إن جاءت عرفنا كيف نتعامل معها، وإذا لم تأتِ فلا بأس بذلك، لأن المقصد ليس هو إتيان الوارد، وإنما المقصد هو رضا الله سبحانه وتعالى، وهو يفعل ما يشاء. فالوارد هذا يأتينا وكان مشايخنا يأمرون بعدم شرب الماء بعد الذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله"، والحقيقة أن الإنسان عندما يذكر ويزداد في الذكر فإن ريقه يجف وينشف، وليست تحدث رطوبة بل يحدث جفاف،
هذا الجفاف هو رطوبة عند الله مثلما تكلم. عن أنَّ دمَ الشهيدِ عندَ اللهِ كرائحةِ المسكِ مثلما تحدَّثَ عن خلوفِ فمِ الصائمِ وأنهُ عندَ اللهِ طيبٌ ورائحةٌ طيبةٌ. الخلوفُ ليسَ طيباً في مقاييسِ الدنيا ولكنهُ طيبٌ عندَ اللهِ. فكذلكَ هذا الجفافُ هو عندَ اللهِ أطيبُ، كما أنَّ الدمَ هو عندَ اللهِ مسكٌ وهكذا. ولذلكَ الفقهاءُ وكيفما كانوا. يفكرون برأي الشافعي كراهة استعمال السواك للصائم بعد الزوال حتى لا يزيل ذلك الخلوف الذي هو عند الله أطيب من ريح المسك، فكذلك هنا قالوا
إنه لا ينبغي أن تقوم بإزالة هذا الجفاف لأن حرارة الذكر وتجليات الذكر تتم أثناء هذا، فكم المدة التي يُطلب فيها هذا الجفاف هي مدة يعني قد تستغرق من عشر دقائق إلى ربع ساعة على الأكثر. هل العهد الذي يعطيه الشيخ للمريد في المنام صحيح وساري المفعول؟ وهل الإرشادات التي يقدمها الشيخ للمريد في المنام هي جزء من التربية؟ المنام ليس حجة عندنا ولا يُؤخذ منه شيء يقيني، المنام هو بشرى وهو نوع من أنواع إن شاء الله حتى في تأويل المنام فنرى
أن شخصاً برتبة الصديق أبي بكر أو برتبة الصديقة عائشة أم المؤمنين فإنهم لم يتم تأويل الرؤى على وجهها كما فهمها وكما عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فإن المنام لا يملك الإنسان فيه نفسه وقد يكون هذا المنام. هو نوع من حديث النفس، ولذلك المنام الذي ترى فيه توجيهًا أو تشعر فيه بأن هناك شيئًا زائدًا، فلتعرضه على شيخك أو على مقدمك. فإذا استطاع المقدم أن يدلك على شيء فبها ونعمت، وإلا فيُرفع الأمر للشيخ من أجل هذا التوجيه. إذن، فالمنام غير معتمد، وإنما
لو جاءت هذه التوجيهات... بصورة عامة، مثلاً أن أذكر الله أو أقول يا لطيف أو أقول يا باسط، فإنك تستطيع أن تقول هذا الذكر يوماً واحداً مرة واحدة لمدة مثلاً إن كان لفظاً كهذا تردده مائة مرة، وإن كان مثلاً تلاوة آية فلترددها إحدى عشرة مرة، وهكذا فنكون قد استفدنا من هذا. التوجيه وفي نفس الوقت لم نجعله ورداً دائماً وأساسياً لأن الورد الدائم والأساسي هو الذي علمنا إياه مشايخنا. يقول: ما الأمور التي تعيق سلوك المريد والتي قد
يغفل عنها الكثيرون؟ الذات، الأنا، الشعور بشيء من الكِبر وهو لا يشعر. هذه الأنا هي التي ينبغي أن نشتغل عليها حتى نكون... نستشعر أننا مثل الناس، بل إن الناس أحسن منا وأفضل منا. الذي يعيق المريد في طريقه إلى الله انتظار التجليات والإشراقات، والملتفت لا يصل. الذي يعيق المريد في التوجه إلى الله ترك الذكر وترك أوراده التي تعلمها. الذي يعيق المريد في التوجه إلى الله إهمال أو عدم الاهتمام بالفروض
وبالنوافل. كل هذه أشياء تعكر على المريض صفو طريقه فينبغي عليه أن يدرب نفسه وأن يستديم في السعي والسير إلى الله سبحانه وتعالى. أتابع أكثر من مُقدّم وأجد اختلافاً بين تعليمات هذا وذاك، وأحياناً بين كلامهم وكلام الشيخ، فماذا أفعل؟ يعني هذا خطأ يحدث أيضاً في المستفتي، يذهب فيستفتي هذا العالم. ثم هذا العالِم ثم هذا العالِم ثم يتحير، يعني لو استفتى عالِماً من كل مذهب من المذاهب، وعندنا من المذاهب المعمول بها ثمانية، فإنه قد يجد ثمانية أقوال وثمانية
أحوال. ولذلك يجب علينا أن نكون مع مقدِّم واحد. لماذا تفعل هذا؟ تتابع لماذا مقدِّم هذا والمقدِّم هذا والمقدِّم هذا؟ وتقارن بين هذا وذاك ليست هذه وظيفته، وكل مقدم له مشرب كما قالوا: كل شيخ له طريقة وطريق الله واحد، ولكن الخلاف من جهلة المريدين. فقضية الاتباع ومتابعة مقدم معين هي نوع من أنواع الخطأ. لا بد علينا إذا استفتينا أن نستفتي شخصاً واحداً نثق في علمه ونثق في دينه. نثقُ في إدراكِه للواقعِ فقط لا غير، ولا نذهبُ لمُقدَّمِ الآخرِ
لأنَّ الأحوالَ متتاليةٌ ومختلفةٌ، ولكلٍّ اجتهادُه ولكلٍّ مشربُه، فينبغي علينا ألا نفعلَ هذا، وهذا يؤدي إلى تلك الحيرةِ. ولكن إذا استحكمَ الأمرُ فارفعْ أمرَكَ إلى الشيخِ، يعني إذا أُصِبتَ بالوسواسِ وعندكَ هذه النقطةُ التي لا تستطيعُ تجاوزَها، فحتى تتجاوزَها للشيخ واتبع ما يقول، وفي حال اختلافهم عن كلام حضرتك اتبع المقدم لأنه متابع لحالتي. ولا تتبع كلام حضرتك، ولا تتبع الحيرة التي تعاني منها، لأنك أنت تُحيّر نفسك وتدور حول ذاتك في دائرة مفرغة لا معنى لها ولا قيمة. كل المداراة من الإيمان
وفيها يخالف الظاهر الباطن، وهو ضد أنت تفهم الصدق فهماً خاطئاً. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مداراة الناس من الإيمان"، يعني هناك ما يسمى بالواجبات الاجتماعية التي سُمِّيت فيما بعد باللياقة واللباقة والإتيكيت. ليس من الصدق أن تكون كما يقول العوام "فجومياً"، والفجومي هو الذي يؤذي الناس بكلامه ويقول: "أنا صريح، أنا لا أخاف". أحداً أنا أقول للأعور أنت أعور في عينه. على فكرة، أنت لو قلت للأعور إنك تطعن في عينه فقد ارتكبت إثماً. فالقضية هي لين الكلام، هي قوله لعائشة: "يا عائشة، إن الرفق ما دخل في شيء إلا
زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، وإن الله لا يعطي على الرفق". ما لا يُعطى بالعنف فقضية الصدق ليست أن تقول كل ما يخطر في بالك ظاناً أنه الحق وظاناً أنه هو ما ينبغي أن يكون، فهذا نوع من أنواع التكبر. ولذلك، دارِ الناس وابتسم في وجوههم حتى لو كنت مشتعلاً من الداخل، فهذا تكليف وليس نفاقاً. فالنفاق ليس هو أن يخالف. ظاهرك باطنك، النفاق هو أن تكذب على نفسك مع الله سبحانه وتعالى، أما هذا فأنت تفعله لله. فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما
وصاحبهما في الدنيا معروفاً، وبالرغم من ذلك قد يدعوانك إلى الشرك بالله، ولكن الله سبحانه وتعالى أمرنا ألا نقول لهما أقل ما يؤذيهم حتى لو كنت في. أحمل في قلبي خلافاً لمعتقدهم وخلافاً لأوامرهم، فهذا أمر يجب علينا أن نغير مفهومنا فيه، وبتغيير المفهوم تُحل هذه المسألة. ليس الأمر هو أن كل ما يخطر في بالك مما تظنه صدقاً أن تقوله للناس، فإن هناك من الأمور الحق ولكن لم يأتِ زمانها، فإذا جاء زمانها لم يحضر أشخاصها، حضر أشخاصها
فليس هذا مكانها، هكذا يقول سيدنا علي وهو يعلمنا في هذه النقطة بالذات أن يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. يقول بعضهم مؤكداً على أهمية أخذ عهد الطريق بصيغة معينة من شيخ الطريقة، فهل هذا شرط أساسي؟ هو مرحلة من مراحل الطريق. دوائر فهناك دائرة الانتساب وهي دائرة شبه تجريبية فالإنسان ينتسب إلى هذه الطريقة فيجرب أذكارها ويرى هل وجد راحته وقلبه فيها، فإن كان هكذا فينتقل إلى الدائرة الثانية
بأخذ العهد، فإذا أخذ العهد فلا يستطيع أن يخرج من الطريقة لأن المريد ابن أول طريق، ولذلك فيصبح هو مريداً في هذا الطريق فلا يستطيع أن يخرج في العصر الذي نعيش فيه مع كثرة الفتن وتقلب الناس وشيوع الجهل واختلاط الأمر احتجنا جداً إلى هذه الدائرة الأولى فإذا أراد الإنسان بعد مدة سنة سنتين ثلاثة أن يخرج فليخرج لأنه ما زال منتسباً ولم يأخذ العهد بعد ولكن إذا أخذ العهد ثم بعد ذلك استمع إلى كلام فلان وعلان وقلبه مال لهذا وحمل من شيخي
في هذا، وهذه الفتن التي نراها من قلة الديانة بل وقلة الحياء بل وقلة العقل بل وقلة العلم، فإن هذا كله يؤكد احتياجنا إلى هذه الدائرة الأولى. بعض الناس ينظر في الكتب ويريد أن يطبق ما في الكتاب على الواقع دون أن يدرك تغير العصر ودون أن يدرك أحوال الناس ودون أن يدرك واقع الخلق، ولذلك يتعجل فيما لنا فيه. أنا ونحن نعبد الله سواء كنا منتسبين أو قد أخذنا العهد أو قد لبسنا الخرقة أو قد أصبحنا في مراتب الترقي مع الله سبحانه وتعالى كيفما يكون. حاول أيها الابن
البار أن تخلص العبادة لله، حاول أن تعلم أننا في عبادة سواء أكنّا في أي دائرة كانت، فالأصل هو العبادة، والأصل هو أننا نحاول الإخلاص عسى الله أن يتقبلنا عنده سبحانه وتعالى. هل عدم رؤية المريد ولو لمرة واحدة بشيخه وعدم معرفة شيخه به يعتبر أيضاً من تلاميذه ومريدوه، نعم، وهذا الذي حدث بيننا وبين سيدنا النبي، فنحن أقوام لم نره ولكننا من أتباعه وأحبابه لأننا نسير على منهجه، ولأننا آمنا بالإله الذي بشرنا به وأمرنا بالإيمان به، الواحد الأحد الفرد
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ذلك الخالق العظيم الذي له الأسماء الحسنى: آمنا بأن الله قد أنزل كتاباً وأنه القرآن، وأنه أنزله على ذلك القلب الصافي الوافي، قلب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مرسل من ربه، والله جعله أسوة حسنة للعالمين. "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو". الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً، ومن هذا المنطلق نحن لم نرَ بأعيننا ولم تكن لنا شرف الصحبة له صلى الله عليه وآله وسلم، ولكننا أتينا بعده فآمنا به حتى لو لم نره، وحتى
في حياته صلى الله عليه وسلم هناك أناس آمنوا به مثل أويس القرني وهو من أعلى التابعين لأنه حضر زمن النبي ثم شغلته أمه عن الالتحاق بالنبي فلم يره فعُدَّ من التابعين بل من سادة التابعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عمر بأن يلتمس أويساً في الحج، فكان كلما جاء وفد اليمن التمس فيهم عمر أويساً حتى وجده، فأراد أويس أن يكون تقياً نقياً خفياً، فسافر إلى العراق حتى لا يلتف حوله الناس وحتى لا يتصدر فيما لا يريد أن يتصدر فيه، رضي
الله تعالى عنه وأرضاه. يقول: "يعتقد بعضهم أن الطريق إلى الله هو زيارة البيت والأولياء، وليس قطع ولبس قطع الفضة المكتوب عليها طلاسم وأحزاب ونحو ذلك، فهل هذا..." صحيح هذا من الحب وليس هو الطريق، وإنما هو لمّا وجد أنه يزور أهل البيت فوجد عندهم الراحة ووجد عندهم استجابة الدعاء ووجد عندهم تغيُّراً في نفسه، فإنه يرى أن هذا كمدخلٍ لهذا. أما الطريق فهو معروف: الذكر والفكر والتخلية من القبيح والتحلية بالصحيح، هذا هو الطريق، وأن ملتفتاً لا... يصل وأن الله مقصود الكل وأننا نسير
بهذه الأمور الأربعة عن طريق أيضاً قلة الطعام وقلة المنام وقلة الأنام وقلة الكلام نسير إلى الله سبحانه وتعالى ولكن زيارة البيت أو لبس الفضة المرسوم عليها الحروف النورانية التي بدأ الله بها صور القرآن والتي جعل فيها أسراراً والشعور بالأمن والأمان والشعور بالترقي والشعور بالمعونة والشعور بالهدوء النفسي، هذه أمور تدفع هؤلاء الناس لأن يتمسكوا بها. إذاً، فليس هذا هو الطريق، ولا هم يعتقدون
أن هذا هو الطريق، إنما يعتقدون فيها بركة، يعتقدون فيها راحة نفسية، يعتقدون فيها ما قد جربوه، والتجربة هنا هي الأساس. يقول: عندي مجموعة من الطلاب من... الوافدين وأحياناً يسألني بعض الطلاب عن طريق التصوف وكيف سلوكه قبل أن... فهل أخبره بالتواصل مع أحد من المقدمين؟ نعم، أخبره بالتواصل مع أحد من المقدمين. هل يجوز لي أن أرشدهم أو أبين لهم الأساس والوظيفة وكيفية المحافظة عليها؟ أيضاً هذا لا يكفي، بل لا بد عليك من توجيهه للمقدمين. كيف أعرف واجب الوقت الخاص بي؟ فكثيراً ما تزدحم الواجبات ولا أستطيع ترتيب الأولويات في حياتي.
أهم شيء في حياتك هو الذكر، والذكر هو واجب الوقت الذي نحن فيه، لأنه كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". الذكر بأسماء الله الحسنى والذكر بالصلاة على... النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة الاستغفار وكثرة الكلمات العشر الطيبات، كل هذا الأمر لا يحتاج منا إلى أوقات، ويمكن أن نذكره أثناء عملنا في أي مجال وفي أي مكان. ولذلك فالذكر هو واجب الوقت. بعد ذلك هناك واجبات لا يمكن أن ننساها ولا نفرط فيها كالفرائض من صيام. من صلاة، من
حج، من عمرة، من شهادة، من زكاة ونحو ذلك، ولكن واجب الوقت الذي هو بعد الفرائض المفروضة هو كثرة الذكر. يقول: أشعر برغبة في القيام بنشاطات تعود بالنفع عليّ وعلى المجتمع الذي حولي، لكن سرعان ما أتراجع ظناً مني أن هذا هو زمان الفتن والعزلة وخير من... الخلطة فما هو الصواب وافعلوا الخير لعلكم تفلحون والصبر وأخرج البستي في العزلة أن من خالط الناس وصبر على أذاهم فهو خير ممن لم يختلط بهم ولم يصبر على أذاهم. أريد أن ألتزم بالورد وأرغب في ذلك بقوة ولكنني لا ألتزم بسبب الكسل وهذا
يدفعني إلى اليأس والابتعاد أكثر عن اكسل كما شئت ولكن لا تقطع المحاولة دائماً. كل يوم ابدأ من جديد في المحاولة ولو تكرر هذا منك ألف مرة فلا تيأس من المحاولة ودُم فيها، فهذا هو الذي يصلك بالله سبحانه وتعالى. وكما يُقال في بعض المزاح والنكات أن أحدهم أراد أن يضرب الرقم القياسي في أي شيء. فحاولَ في مجالاتٍ كثيرة حتى فشلَ في مائةِ مجالٍ، فأصبحَ هذا الرجلُ بعدَ تلكَ المحاولاتِ الفاشلةِ
المائةِ معدودًا في الأرقامِ القياسيةِ لأنه لم ييأس، ولأنَّ أحدًا لم يتجاوزْ تسعينَ محاولةً وهو قد تجاوزَها وأصبحتْ مائة، فتحوّلَ الفشلُ إلى نجاحٍ وتحوّلَ الفشلُ إلى الوصولِ إلى الهدف. يذكّرني هذا بهذهِ القضية. إياك أن تتوقف عن المحاولة وحينئذ سترى أنه ستأتي نقطة معينة في حياتك ينتهي فيها الكسل تماماً وتجد همة زائدة تماماً، وذلك عندما يرى منك هذا الإصرار والتصميم على الوصول إلى مراد الله سبحانه وتعالى من الذكر. هل
يستطيع الصوفي أن يستغل التطور في مجال التكنولوجيا وبرامج التواصل الاجتماعي في هذه العلوم أم أن الدخول في هذا العالم سلبياته أكثر من إيجابياته؟ هذا سلاح ذو حدين، يمكن أن نفعل هذا ولكن بشروط، وهذه الشروط كثيرة لا يستقل الإنسان بنفسه فيها. فمن يريد أن يفعل هذا فليراجعني وأنا أبين له ما الذي يفعله وما تلك الشروط الكثيرة التي ينبغي أن [يلتزم يلتزمها حتى نصل إلى نفع الناس وحتى نتقي الضرر بالناس سواء كان في عصرنا أو ما نتخيله فيما بعد عصرنا. أنا شخصية مندفعة جداً، فإذا التزمت بشيء أتعبت نفسي به جداً وإلا تركته تماماً.
كيف التوصل إلى التوسط في الأمور؟ أنت بالذات لن تتوسط في الأمور لأن هذه صفة ومرض. مكتوب في علم النفس ويسمونه "البرفكشن" أي مرض الكمال، إما أن أعمل هكذا أو لا أعمل شيئاً على الإطلاق. فليهدك ربنا ويهدئ بالك. هل الانشغال بطلب العلم يغني عن الالتزام بورد الوظيفة الزروقية؟ وهل يمكن إكمال الأسماء الحسنى دون أوراد الصباح والمساء؟ "اتقوا الله ما استطعتم"، هذا هو عنوان المسلم. في كل شيء، أي ما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله، فافعل ما تستطيع ولا تنسَ ما تركته، بل حاول مرة والثانية والثالثة إلى أن تصل إلى مبتغاك. أحياناً أنقطع عن الورد
اليوم أو يومين أو ثلاثة، ليس كسلاً، لكنني أشعر بتشبع في هذه الفترة من عبادة أخرى غير الذكر. هذا خطأ، لا تنقطع عن الورد، لا تكن مثل فلان الذي كان يقوم الليل ثم تركه. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". فليكن ذكرك ووردك قليلاً، فهو خير من أن تتركه يوماً واثنين وثلاثة ثم تعود إلى آخره. ولما نصح عبد الله بن الله عنهما فإنه نصحه بهذه النصيحة بالنسبة لحضور مناسبات ومجالس بعض العلماء، هل يتطلب حضور مثل هذه المناسبات إذناً خاصاً؟ نعم، خاصة في أول الطريق. إذا كنت في أول الطريق فإن
تداخلات أمواج الطرق المختلفة قد تشتت المريد، ولذلك فعليك أن تستأذن خاصة وأنت في بدايات الطريق. ما معنى التقي؟ مكر الله وماذا نفعل حتى نكون بصحبة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم؟ مكر الله يعني لا تستجلب الغيب، أي لا تكن متأكداً مما سيحدث غداً، بل تقول إن شاء الله. وربنا أشار إلى هذا: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله". فالتسرع والتأكد من أن... سوف يأتيني مال فأنفق لأنه سيأتيني، هذا نوع من أنواع الحمق والخروج عن الحكمة.
فاتقِ مكر الله، يعني أنت لست مسيطراً على الله حتى تأمره أن يفعل فيفعل. وإذا كان الأمر سيحدث غداً فسوف يحدث غداً إن شاء الله، ولكنه قد لا يحدث، ولذلك لا تبنِ عليه تصرفاتك ولا تعتمد. عليه بقلبك وإلا دخلت في تجربة مريرة، أما صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكثرة الصلاة عليه، فمن صلى عليه عشراً صلى الله عليه بها مائة حتى تصل إلى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما معنى القلوب الضارعة؟ القلوب المتعلقة بالله، يعني قلب لا يشغله إلا الله، يرى في الكون إلا الله، لا يرى شيئًا في الكون إلا الله، وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد. فهو قلب ضارع ملتجئ بيد الله سبحانه وتعالى، يناجيه ولا يعلم شيئًا في هذا الكون إلا من خلال الله. هو الذي فعل، الله هو الذي قدر، الله هو. الذي رزق الله هو الذي حمى الله هو الذي قضى وهكذا، هذه هي القلوب الضارعة. هل ذكر المريد لأوراده دون التركيز فيها أو ذكره وهو يجلس مع أشخاص ويستمع لهم تؤتي ثمرتها بقدر التفاته لمعناها؟ ولكن الذكر باللسان معتمد، والذكر باللسان مع القلب أقوى أثراً وأقوى تأثيراً. فإذا كان الأثر... مائة في المائة عندما نذكر بألسنتنا وقلوبنا معاً فإنه
باللسان ثلاثين في المائة فقط أو عشرين في المائة فقط وهكذا، فينبغي علينا أن نلحظ هذا وأن نذكر الله على كل حال. سبحة الحديث هي من الخير، أحب الأعمال إلى الله سبحة الحديث. قالوا: وما سبحة الحديث يا رسول الله؟ قال: يتكلمون والرجل يسبح فهو معهم نعم ويستمع إليهم ولسانه يلهج بذكر الله سبحانه وتعالى، لكن هذا الذي هو سبحة الحديث، القلب أيضاً ملتفت إلى الله وإلى فعل الله في هؤلاء الناس الذين حوله وإلى معنى الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. إذا أذنب المريد ووقع في معصية هل يتضرر شيخه؟ لا. يتضرر الشيخ بذنب
المريد، وهل يعلم الشيخ بما فعل إذا أراد الشيخ؟ إذا كان يريد أن يطلع على هذا فالله سبحانه وتعالى يطلعه عليه، ولكن غالباً الشيخ منشغل عن ذنوب الناس وعن نواقص الناس وهكذا. والله سبحانه وتعالى إنك حيي ستير تحب الستر، فاعفوا عنه، الله ستير يستر على. عبادة ولذلك ليست المسائل هكذا ولكن هناك ما يسمى بالتوفيق، إنك عندما تذهب إلى الشيخ فيثبت به يتكلم عن ذنبك الذي تفعله، هذا توفيق. ليس من الشرط أن الشيخ يعلم، وإنما هذه رسالة من الله سبحانه وتعالى أجراها ربنا على لسان هذا الشيخ من أجل أن تعدل من تصرفاتك
ومن. سلوكك ومن أفعالك، هل من الممكن أن يُطلِعني أحدٌ باطنياً عن سيري إلى الله وكيف نتفادى ذلك؟ هناك مخلوقات كثيرة حولنا: الملائكة والجن والروحانيات والمواد والأشعة والومضات. يقول الإمام الشعراني إن هناك مائة وأربعة وعشرين ألف عالم حولنا. أحياناً نكتشف هذا مثل الراديو والتلفزيون والرادار، وأحياناً لا نكتشف. إنه في شيء موجود هو الكهرباء، اكتشفناها وسخّرناها لأفعالها التي تؤدي دورنا بها الآلات، أضأنا بها
الحياة، ولكننا لا نعلم المائة والأربعة والعشرين ألفاً هؤلاء. فمن الممكن أن تتداخل أمور في أموره، وأن تحدث أشياء كونية تعطل من هذا، ولكن من كرم الله سبحانه وتعالى أن جعل الشيخ - يعني ويصدُّ هذا، فهل مِن طريقة؟ نعم، أستأذنُ الشيخ: كيف نتفادى ذلك؟ بإذن الشيخ، فإذا أذِنَ الشيخ فهو يكون عنده بصيرة، يستطيع أن تبتعد عن هذه المؤثرات. نفسي بالرغبة في الترقي إلى مقام معين في طريق أهل الله، فكيف أتخلص من هذه التعلقات النفسانية؟ لا تلتفت إليها يعني. لا تفكر فيها، أي
تجاوزها واتركها جانباً. وعدم التفكير فيها هو ما نصح به المشايخ من أجل تجاوز هذه الحالة. كيف أوحد ربي توحيداً خالصاً؟ وكيف أتعرف على شيء من الحقيقة المحمدية؟ وهل أقرب طريق إلى الله هو الصلاة على رسول الله؟ إن الصلاة على رسول الله أمر عظيم لأنه الله عليه وآله وسلم، ولذلك كلما أكثرنا من الصلاة على النبي كلما رأينا عجائب في أحوالنا وفي قلوبنا وفي أرزاقنا وهكذا. ولكن التوحيد الخالص هو أن تؤمن بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله، وذكرنا مراراً أن
كل الحكمة العطائية إذا أردت أن تقرأها وهي أكثر من مائتي حكمة كلها. تدور في تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله"، كما أخبر سيدنا النبي، أنها كنز من كنوز العرش، أي أنها تلخص تقريباً كل قضية الكون. وعلى ذلك فينبغي علينا أن نهتم بمعنى "لا حول ولا قوة إلا بالله"، أي لا يكون في كونه إلا... ما أراد يعني أن الأمر بيد الله، يعني ارضَ وسلِّم وتوكل، لأن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي بيده الخلق، لأن حتى وجودنا إنما هو مستمد من الله سبحانه وتعالى، ومن هنا نرى
أن "لا حول ولا قوة إلا بالله" هي التي تصلنا إلى التوحيد الخالص، أما الحقيقة المحمدية. فالحقيقة المحمدية معناها أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق خلقه من أجل العبادة "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، من الذي يمثل النموذج الأتم الأكمل لهذه العبادة من ناحية الفعل ومن ناحية الاعتقاد ومن ناحية الروح ومن ناحية النفس ومن ناحية الجسد ومن ناحية أنه موضوع في الزمان وفي المكان وفي الأشخاص والأحوال التي يوضع فيها البشر جميعهم هو سيد للنبي. "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو
الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا". هذا هو معنى هذا الكلام الذي اختصره المسلمون وقالوا: "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك"، أي لولا هذا النموذج الأتم للعبادة ما الأفلاك. أنا خلقت الأفلاك من أجل أن يعبدوني، وما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. والنجم والشجر يسجدان، كل الكون يسجد وكل الكائنات تسجد وتعبد الله وتسبح الله. ومن الأتم في هذا هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحقيقة المحمدية معناها أن الله تجلى على هذا المخلوق الذي هو سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته فكان رحيماً وكان رؤوفاً وكان
قوياً وكان عادلاً، تجلى الله سبحانه وتعالى عليه بسائر صفاته فكان هو الحقيقة المحمدية. نردد الأذان مع المؤذن: اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم صلاةً كاملةً تامةً. يقول: سمعت مولانا يقول. بجواز التوسل بالسيدة مريم لأنها صديقة، فماذا لو أحببت أن أدعوها بالقرب من مقامها، أبحث عن مقامها وأين دُفنت وآتيها وأتوسل إلى الله بها، يقول كما نفعل بسيدنا الحسين، لكنه هنا يقول كما ندعو سيدنا الحسين، نحن لا ندعو سيدنا الحسين، وهذا
هو الذي جعل السلفية أو الوهابية. أو كذا يظنون هذا الظن الخاطئ، نحن نطلب من سيدنا الحسين الدعاء، أما الذي هو فاعل فهو الله. "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"، لو استغفر سبعين مرة. قال: "والله لو علمت أن الله يغفر فوق السبعين لاستغفرت". فنحن لا ندعو النبي ولا ندعو الولي ولا ندعو مريم أو ندعو أحداً من الخلق، نحن نسأله الدعاء فهو يدعو الله والله يستجيب أو لا يستجيب. إذا كان سيد الخلق من على رأس القائمة يقول له ربه استغفر ولن أغفر، إذاً فالأمر بيد الله. فنحن
نذهب إلى النبي ونطلب منه أن يدعو. ربنا أن يغفر لنا وقد يفعل النبي، ولكن الله أنَّى له إلا يستجيب حتى لحضرة النبي المصطفى. إذاً فمريم هي من أولياء الله الصالحين الكبار حتى أن الله أنزل فيها قرآناً يُتلى، فقال: "وأمه صدِّيقة كانا يأكلان الطعام". فإذاً هذه الصدِّيقة نطلب منها ونتوسل بها إلى الله، اللهم بحبك لهذه. الصالحة الكاملة كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، فهي امرأة كاملة، والسيدة خديجة، والسيدة فاطمة، وامرأة فرعون.
كل هؤلاء كَمُلن، فهن من كبار أولياء الله الصالحين، بل إن السيدة مريم نصَّ الله على أنها صديقة، فنتوسل بها أو إذا جئنا إلى... قبرها فلنطلب منها الدعاء أن يعفو الله عنا أن يغفر الله لنا إلى آخره، إذًا فنحن لا ندعو الحسين ولا ندعو غيره من الخلق حتى سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو حبيب الرحمن وخاتم المرسلين وسيد النبيين وإمام المتقين، حتى هذا المخلوق الأتم الأكمل الرباني، حتى هذا لا. ندعوه بل الدعاء لله مخلصين له
الدين ولو كره الكافرون، وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً، فهذه هي عقيدة أهل التصوف. هل للمريد أن يطلب الخلوة أم أن هذا أمر يأتي من الشيخ؟ إذا حنَّ قلبك إلى الخلوة، استأذن الشيخ فقط لا غير، وهو يرى إنك... ما زلتُ يعني غير مؤهل لها فيقول لك لا، أو إنك مؤهل لها، أو أنه يجوز ذلك لمدة معينة، خلوة يوم أو ثلاثة أيام وما إلى ذلك، وبعض الناس يصل بها إلى الأربعين يوماً. فالشيخ يكون عنده شيء من التوفيق الرباني ليرشدك إلى ما فيه صلاحك. ابني عنده عشر سنوات كل ليلة يصرخ ويقول اتركوني وهذا الموضوع له فترة معه. لا
أعرف ماذا أفعل. اقرأ في منامه الآيات الأربع الأخيرة من سورة الكهف كل يوم، فتزول هذه الحالة منه. مع التطور السريع للأحداث من حولنا لتحقيق خطة المليار الذهبي، هل دخلنا في أحداث نهاية الزمان؟ وما الواجب علينا فعله؟ لا شيء. الواجب علينا عمله هو ما كان واجباً على أبي بكر وعمر لأن الدين لا يتغير. بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. أُمرنا أن نفشي السلام ونطعم الطعام وأن في الليل والناس نيام تدخلون جنة ربكم بسلام. أمرنا أنه والله لا يؤمن من بات
شبعان وجاره جوعان وهو يعلم. أمرنا أنه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. يعني الذي أمرنا به رسول الله من أوله إلى آخره هو الذي نفعله الآن. أما بالنسبة للمليار الذهبي أو ليس الذهبي، كل هذه أمور وأحداث، كل يوم نرى ما هو أجد مما كان قبل ذلك. هذا مصطلح ظهر أول ما ظهر عند الشيوعيين في روسيا وفي الصين، ينعتون فيه خطة الغرب. واسمعوا أن المليار الذهبي هي حالة الاقتصاد التي تقوم على سرقة الغرب للدول الفقيرة، وأنه
في الدول في الدول الفقيرة يعمل الناس أكثر مما يعملون في دول الغرب، ولكنهم ما زالوا في فقر، وهؤلاء يزدادون غنىً وهؤلاء يزدادون فقراً، وذلك لأن النظرية الاستعمارية التي أسسها الغرب واستعمروا بها العالم وأخذوا ثروات البلاد والعباد وبنوا بها بلادهم ما زالت قائمة وما زالت مستمرة، وإن هذا المنتج وإن كان أرقى وإن كان أكثر إتقاناً مما يكون في الغرب، إلا أن الغرب يأخذه بدراهم معدودة، مثلما كانت تفعل إنجلترا مع مصر؛ إنها تأخذ القطن بملاليم وتبيعه مرة
أخرى بعد تصنيعه بملايين. هذا الفارق الذي اكتشفته الماركسية فيما يسمى بالقيمة المضافة هو الآن الذي يُسمى بالمليار الذهبي، فالمليار... الذهبي هي وضعية للغرب يدَّعي أهل الشرق عليهم أنهم يسرقونهم وأنهم بالعولمة وبالقوانين التجارية وما إلى ذلك يحاولون أن يمتصوا خيرات الشرق لصالح الغرب. على كل حال، بدون الدخول في هذه النظرية، صدقها أو كذبها، كم منها صادق وكم منها كاذب، هذا أمر لا يعنينا، لكن السؤال
هنا يقول. فهل نحن في آخر الزمان؟ إن آخر الزمان ليس مبنياً على المليار الذهبي ولا على ما يحدث فيها. إن آخر الزمان وضع له النبي صلى الله عليه وسلم علامات، وهذه العلامات ذكرها السفاريني في كتابه شرح منظومة الآداب، نحو سبعين علامة كلها حدثت في القرن التاسع عشر وبدأت ببحيرة طبرية. وعين زغر التي هي البحر الميت ونخل بيسان مثل هذه الأشياء التي نجدها في البخاري حدثت. فإذاً كلما تقارب الزمان كلما اقتربت نهاية العالم. لا علاقة لنا بذلك، ولذلك المهدي عندنا أهل السنة لا يسمى بالمنتظر، لأننا
لا ننتظره، إنما هو سيخرج من عند الله سبحانه وتعالى ويجمع الله قلوب. أمة محمد عليه، فهذه الأمور لا نلتفت إليها ولا نقف عندها، نحن نطبق ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل الدواء. هكذا انتهينا من نحو ثلاثين سؤالاً من تسعين، وعلى ذلك فيبدو أن هناك لقاءين آخرين، وأرجو أن يكون ذلك قبل رمضان، ورمضان قد قرب. فإنْ شاء اللهُ نلتقي بكم في هذه المسافة حتى نُجيبَ على التسعين سؤالاً التي أُرسِلَتْ إلينا. شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يُعينكم على ذِكْرِهِ وشُكْرِهِ وحُسْنِ عبادته،
وأن يجعل القرآن الكريم ربيعَ قلوبكم وجلاءَ همِّكم وحُزنِكم ونورَ أبصارِكم وصدورِكم، وأن يُعينكم على رمضان. وفي رمضان وبرمضان حتى نخرج منه وقد غُفِرَت لنا ذنوبنا وهُيِّئنا للقاء الله سبحانه وتعالى مخلصين له الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.