اللقاء العام الخامس | ملحق #2 | أ.د علي جمعة

اللقاء العام الخامس | ملحق #2 | أ.د علي جمعة - الصديقية الشاذلية, اللقاء العام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا هو اللقاء الثالث حول الإجابة على أسئلتكم التي تلقيتها منكم، وكنا قد أجبنا على أسئلة كثيرة وصلت إلى نحو سبعين سؤالاً في يوم الثاني من إبريل وفي يوم... الثامن من أبريل وهذا اليوم هو يوم اللقاء الثالث. الثاني عشر من أبريل.
يسأل قائلاً: دائماً أصلي فترة ثم أنقطع، وأرغب في المواظبة، لكن هل يجوز الورد مع ترك الصلاة؟ وهل عدم انتظامي في الصلاة هو سبب ضيق الحال؟ إن انقطاعك عن الصلاة يعد معصية وأيضاً علامة على أن الله سبحانه وتعالى لم يوفقك. للطاعة، الصلاة ركن من أركان الدين، والصلاة واجبة في ذمة كل مسلم ومسلمة، والصلاة هي عماد الدين وهي ذروة سنام الدين. ولذلك هي الصلة التي بينك وبين ربك، فالانقطاع فيها أمر في غاية الخطورة. دائماً علّمنا المشايخ أننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن من كان يفعل خيراً
نأمره بذلك. الخير أن يستمر فيه حتى لو لم يستطع أن يفعل الخير الآخر أو حتى الواجب الآخر، ولذلك لا أستطيع أن أقول لك أوقف الأوراد، لعل ذكرك لله سبحانه وتعالى أن يَمُنّ الله عليك بطاعته وبتوفيقك للرجوع إلى الصلاة. دائماً إذا كان الإنسان يرتكب معصية ويرتكب طاعة، ودائماً ننهى عن المعصية ونأمر بالاستمرار في الطاعة، فهذا هو حالك الآن. يجب عليك أن تواظب على الصلاة وأن تعتبر هذا أمراً في غاية الأهمية، وأنه أمر يصل إلى
حد ركن الدين، يصل إلى حد أن بعض الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل يُكفِّر من ترك الصلاة، ولذلك فالصلاة عماد الدين والصلاة ركن. الدين والصلاة ذروة سنام الدين فهي في غاية الأهمية، فعليك أن تتمسك بها تمسكاً بدينك، ولا تقبل إطلاقاً أن تترك الصلاة أو ألا تواظب عليها، وانظر لماذا تفعل هذا، فإنه يمكن لك كما في حديث مسلم الذي رواه ابن عباس أن تجمع بين الظهر والعصر حتى لا تترك الصلاة، وبين المغرب والعشاء حتى. لا تترك الصلاة وصلِّ الفجر في وقته، فوقت الظهر والعصر كأنهما
وقت واحد، ووقت المغرب والعشاء كأنهما وقت واحد، ولكن لا بد عليك من المحافظة على الصلاة. هل هذا يعني سبباً لضيق الحال؟ قد يكون هذا سبباً لضيق الحال. السؤال الثاني يقول: جاهدت نفسي كثيراً ولكن لا جدوى، وهذا أمر. لماذا يسبب المشكلات ويقلق من حولي، علماً بأنه لا يمكنني تغيير بيئة الضغط التي أعيش فيها؟ كيف أتعامل مع هذا الموضوع، فهذا يشعرني بالفشل الدائم. طبعاً هو هنا يتكلم بصورة عامة في غاية العمومية، وابن القيم رحمه الله تعالى له كتاب لطيف في قضية
تكرار الذنوب وما شابه اسمه "الجواب الكافي". لمن سأل عن الدواء الشافي وأوضح أن الدعاء والاستمرار فيه والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ينهي هذه المشكلة، فليجرب الدعاء والمداومة عليه. كيف أسلم نفسي إلى خالقها كي يربيها؟ التوكل على الله سبحانه وتعالى يقتضي أمرين: التسليم والرضا. والتسليم هو أن تترك أمرك لله سبحانه. وتعالى أما الرضا فهو ميل قلبي لا تتبرم فيه ولا تعترض فيه
على مرادات الله سبحانه وتعالى. لا تقل كما يقول بعضهم: "لماذا يا ربي هكذا؟". لا، هو الله سبحانه وتعالى حكيم عليم عادل قوي فعّال لما يريد. هناك آخرة سوف يعطيك فيها الثواب، سوف يرفع فيها الدرجات، سوف يُغبَط فيها على الناس حتى في المشهد العظيم، المتحابون على منابر من نور. هناك أصناف سيكونون تحت ظل عرشه، هناك من يدخل الجنة بلا حساب، هناك من يشفعه الله سبحانه وتعالى في أهله. إذاً، كل حركة وسكون في هذه الحياة الدنيا مرتبطة بالآخرة، مرتبطة
بأن الله يفعلها من أجل زيادة. الثواب من أجل غفران الذنوب، من أجل رفع الدرجات، من أجل المنح والمنن التي يعطيها الله سبحانه وتعالى. وأعلى منحة يعطيها الله لأهل الله هي النظر إلى وجهه الكريم. والنظر إلى وجهه الكريم هو نوع من المتعة ليس فوقه متعة، وليس فوقه ثواب، وليس فوقه عطاء، فإذا النظر إلى وجه... الله الكريم، هذا أيضاً من الإغداقات الربانية الإلهية والمنح الربانية الصمدانية التي يمن الله على عباده بها. لو اطلع الإنسان على هذا أو عرف هذا، لهانت عليه
الدنيا وما فيها بمن فيها، وهانت عليه الحياة التي لا تزيد عن دقائق معدودة. "كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم". إذا فاستحضار هذه المعاني ليوم القيامة أولاً ثم لحال الجنة بل والنار ثانياً، استحضار هذه المشاهد ليوم القيامة والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى في أكثر من نصف القرآن، أكثر من ثلاثة أرباع القرآن يتحدث عن يوم القيامة واصفاً ومحذراً ومحفزاً، وكل هذا من أجل أن تستحضر هذه المعاني فيسهل. عليك أن تسلم نفسك إلى باريها من أجل أن
يكون رباه ربه. هل هناك فرق بين الكرامة والكشف؟ الكرامة خارقة من خوارق العادات حتى قالوا إن كرامة الولي هي مندرجة تحت معجزة النبي. يعني عندما يأتي شخص متبع لنبي من الأنبياء، هذا الشخص له خارقة من خوارق العادات، خارقة من... خوارق العادات بدون تحدي لأنه لو تحدى لكانت معجزة، وهو لا يتحدى بأمام شيء. يعني النبي يأتي فيتحدى بهذه المعجزة دلالة على صدقه وحتى يسلم الناس إليه، لأن الذي يخرق العادة هو رب العادة، هو الذي خلق القوانين وخلق السنن الربانية الإلهية الكونية، وهو الذي يقدر على
خرقها فإذا... كان هناك خرق للعادة فهو من عند الله سبحانه وتعالى، أما أن يكون منحة لولي وإما أن يكون معجزة لنبي. الكشف هو نوع من أنواع الجلاء، يعني الصفاء، يعني الانكشاف. مثل بالضبط، وهذه على سبيل الأمثلة فقط، عندما يكون أمامك التلفزيون مغلقاً ثم فتحته فانكشف لك ما وراءه، عندما تكون... النافذة مغلقة ثم فتحتها فرأيت ما وراءها من منظر، هذا هو الكشف. فيحدث هذا مع الروح في عالم ليس هو العالم المنظور بل ما هو وراء المنظور، فترى
الروح أشياء في عالم اليقظة كأنها نوع من أنواع المنامات، يعني مثل ما ترى النفس الناطقة في المنام أشياء وتحدث بعضها أو... ولكن هذا الكشف ليس معصوماً، ولذلك قالوا: الكشف يخطئ، وكذلك حال النائم ليس معصوماً، ولذلك لا نأخذ منه أحكاماً شرعية. لكن لو كان فيها توجيهات وإرشادات، مثل أن يصلي ركعتين لله، أو أن يختم ختمة أو ختمتين في رمضان، أو أن يدعو بالدعاء الفلاني، ودعاء سليم خالٍ من البدعة. ومن الشرك كل هذه الأشياء، أشياء طيبة وأصل
الشريعة أمرت بها، ولذلك عندما يرى الإنسان هذه الأشياء في المنام فيفعلها؛ لأنها مندرجة تحت الشريعة. فالفرق بين الكرامة والكشف أن الكرامة من حيث الموضوع أوسع، والكشف من حيث الأداة أوسع؛ لأن الكرامة تشمل أي فعل من الأفعال يكون خارقاً للعادة. ضربوا أمثلة حتى... أي أمثلة قوية كالطيران في الهواء والمشي على الماء، مثل هذه الأشياء، وحتى قالوا: إذا رأيت الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فاعرض أمره على الشريعة، فإن وافقها فذاك وإلا فهو شيطان. أي أن الشيطان يستطيع أن يفعل مثل هذه الأفعال بأن يمشي على الماء
أو بأن، يعني... يطير في الهواء. الكشف هو انكشاف صفاء، وهو يمكن أن يقال إن الكشف هو نوع من أنواع الكرامة. هل من الممكن أن يأتي الله في وارد أم أن هذا يكون من الشيطان فقط؟ يعني طبعاً أنا لا أفهم السؤال نفسه "أن الله يأتي في وارد"، يعني رأيت شيئاً وظننته أنه الله. الله. بخلاف ذلك، كل ما خطر على بالك فالله بخلاف ذلك. هل هذا الشيطان؟ قد يكون من نفسك ومن تصورك، وقد يكون من إلقاء الشيطان، لأن الله سبحانه
وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. بعض الناس لو سمع هذا فإنه يعني... يسير وراءه وهذا خطأ، فماذا يعني "رأيت الله"؟ "رأيت الله" يعني رأيت فعل الله سبحانه وتعالى في هذا الكون، رأيت أن الله وراء كل آية من الآيات وكل حركة وسكون في هذا الكون، لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، لأنه لا يكون في كونه إلا ما أراد، لأن... الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد هكذا، ولكن كونه رأى الله، وبعد ذلك بقليل يقول: "والله
إنه قال لي" بعدما يعتاد على رؤية ما يرى، قال لي كذا وفعل لي كذا، وأنا مُرسل من عند الله، وسنبدأ الآن في الانحراف الشديد، ودائماً نذكر هنا ما كان. تَرَكَهُ لَنَا الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيلَانِي أَنَّهُ دَخَلَ الخَلْوَةَ وَكَانَتْ لَا ضَوْءَ فِيهَا فَأَنَارَتْ بِنُورٍ عَجِيبٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَشَعَرَ هُوَ بِالقُشَعْرِيرَةِ فِي جَسَدِهِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَالَ مَا سَمِعْتُ أَحْلَى مِنْهُ قَطُّ. انْظُرْ، إِذًا المَرْئِيَّاتُ وَالمَسْمُوعَاتُ وَكَذَلِكَ حَالُ البَدَنِ كُلُّهَا تُؤَكِّدُ أَنَّ شَيْئًا مَا مِنَ المِنَحِ. أو المنن سيأتيه وسمعت صوتاً
يقول: "يا عبد القادر، لقد أحببناك" فذبت كما يذوب الملح في الماء. "وقربناك" فقلت: "لبيك لبيك" "وأحللنا لك الحرام". قال: "اذهب يا لعين". خلاص. قال: فانطفأ النور وسمعت حشرجة ما سمعت أسوأ منها من قبل وهو يقول: "علمك نجاك يا عبد القادر، أخرجت بمثلها سبعين". ولي من ديوان الولاية يعني إذا يمكن أن يحدث هذا للأولياء ويمكن أن يُفتن الولي من جهله ولأنه لم يكن عنده علم. عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه كانت عنده الأمور واضحة وثابتة وما كان في قلبه أن يكون مثل هذا، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق قال أفلا. أكون
عبداً شكوراً وزاد في العبادة حتى تورمت قدماه، فيأتي شخص يعني معتاد هكذا ولي أو شيء من هذا القبيل، ويقول له: أُسقطت عنك التكاليف. فقال له: لا، إذا أُسقطت عني التكاليف فأنت الشيطان. وخرج من هذا الحال. ما الخطوة؟ ما خطوات الإقبال على الله؟ أولها أن تتمسك بالفرائض. لأن الفرائض هي الوعاء الذي سيضع الله لك فيه كل التجليات والفتوحات والخيرات، وما الوسائل التي اتخذتها للإعراض عن الدنيا؟ كل سلوك بشري مرتبط بمفهوم قائم
في الذهن. لو عرفت أن هذه الدنيا إلى زوال، ولو عرفت أن هذه الدنيا ليست دار بقاء، ولو عرفت أن هذه الدنيا ليست دار. سعادة ولا هناء، ولو عرفت أن هذه الدنيا دار امتحان وابتلاء لزهدت في الدنيا. وكن في الدنيا كعابر السبيل، كأنك غريب أو عابر سبيل، أخرجه البخاري من رواية حماد بن شاكر. ويقول: ونحن في الطريق إلى الله، هل نشتغل بالعقل أم بالنفس أم بالروح؟ إن النفس هي التي عليها الحساب وعليها... الترقي هي التي منها اللوامة والأمارة بالسوء واللوامة والملهمة والراضية والمرضية
والمطمئنة والكاملة. فهل يعني هذا عدم تعارض بين الأخذ بالطريقة الشاذلية والنقشبندية حيث إننا نسلك بالشاذلية التي أجازوني فيها بالرواية وبالتسليك وبالعطاء هي الشاذلية، أما النقشبندية فأخذناها على سبيل التبرك ولم يؤذن لنا فيها وأخذناها من عدة. طُرُقٌ أخذناها من الشيخ عبد الفتاح أبو سنة عن الشيخ نجم الدين الكردي لكنه لم يأذن لي بإعطائها لمن بعدنا. أخذناها
أيضًا من السيد أحمد مرسي عن طريق السيد أحمد حمادة لكنه لم يأذن لنا أن نعطيها لمن بعدنا. وكان الشيخ البغدادي الذي هو شيخ أحمد حمادة وأحمد مرسي قد أعطاهم. الطريق وأمرهم ألا تُعطى لأحد، فهناك طرق منتهية الأسانيد. فإذا أخذ الطريقة شيء وإعطاء الطريقة شيء آخر. فالشاذلية هي التي أجزنا بها بهذه الروايات من قبيل السيد الشيخ عبد الله الصديق الغماري، ومن طريق محمد زكي إبراهيم رضي الله تعالى عنه، ومن طريق حسن عباس زكي رضي الله تعالى عنه. وكلهم أجازونا بالتسليك
وأجازونا بإعطاء الطريق لمن بعدنا. تحدث سيدي عن قلة المنام، ومن الدراسات الطبية علمت أن قلة النوم تؤثر سلباً على الجسم وترفع من هرمون الضغط العصبي مما يضر بصحة الجسم وتتسبب في زيادة الوزن، فكيف يتفق هذا مع تعاليم السادة الصوفية؟ هذا الذي قرأته في الطب إنما... يَحْدُثُ عِنْدَمَا يَفْعَلُ هَذَا السَّهَرَ بِطَرِيقَةٍ فَجَّةٍ وَبِطَرِيقَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدْرِيبٌ وَبِطَرِيقَةٍ لَيْسَ فِيهَا رِفْقٌ، وَالنَّبِيُّ يَقُولُ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأْمُرُنَا
بِذَلِكَ الرِّفْقِ: "قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا". فَإِذَا وَضَعَ خِيَارَاتٍ، هَذِهِ الْخِيَارَاتُ... ترسم برنامجاً لتعويد الجسم على قضية السهر، فالسهر شيء وقلة النوم شيء آخر، فإن لك في النهار سبحاً طويلاً، يعني يمكن أن تنام في النهار. فكون الجسم يحتاج إلى ثمان ساعات من النوم في اليوم، يستطيع الجسم أن يعود نفسه على ست ساعات، ولكن ليس فجأة وإنما بخطوات متدرجة بعد ذلك. يستطيع
إلى أربعة بل ويدوم على ذلك فينام في اليوم أربع ساعات من غير خلل في الصحة العامة وأُعطي كل بدن مع قوته فهناك فرق بين قلة النوم وبين السهر الذي يحاول أن يلتمس مواطن استجابة الدعاء ومواطن فضل العبادة من قراءة القرآن أو من الذكر أو من الصلاة وغيرها. ذلك من أسرار الليل، وبالرغم من ذلك فإن المنام يمكن أن يتم في النهار، في الضحوة، في القيلولة. وكان العلماء ينامون في القيلولة، كانوا يدرسون بعد الفجر
إلى الساعة الحادية عشرة، والقيلولة من الحادية عشرة إلى الثانية عشرة، وهذه القيلولة تعين على قيام الليل وتجعل الجسم أكثر عطاءً وأكثر نشاطاً. هناك فرق بين السهر وقلة النوم. قلة النوم أو السهر تعني عدم تمكن النوم من الإنسان. هذا أمر يجب أن يتم بهدوء وبتدريب وعلى مدى زمني يجعل الجسم قد اعتاد عليه فلا يكون هناك أي ضرر. كيف تكون المداراة من الإيمان وفيها يخالف الظاهر الباطن؟ مداراة الناس من... الإيمان لأنه
نوع من أنواع اللياقة واللباقة، نوع من أنواع التبسم في وجه أخيك صدقة. لا يأتي شخص ويقول: "لا، أنا صريح، فلا بد أن كل ما يحدث في ذهني وفي قلبي أن أُظهره للناس"، من أجل أن يقول للأعور إنك أعور وللأعمى إنك أعمى في وجهه. هذا ليس من الإيمان. نوع من الجفوة ومن قلة الذوق والأدب، فالمداراة في الحقيقة هي نوع من الأدب. معاملة الناس يجب أن تكون بالرفق ويجب أن تكون بالحسنى. ولما كان اليهود يحاولون أن يسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون: "السام عليك يا محمد"، أي الهلاك عليك، والسام
قريبة من كلمة السلام. يعني الإنسان يقول إنه لم يسمع هذا الحرف الذي تركوه. فكانت عائشة تسبهم، فيقول لها رسول الله: "يا عائشة، ألم تسمعي ما رددت عليهم؟" كان يقول: "وعليكم". فقالت: "ألم تسمع ما يقولون يا رسول الله؟" قال: "إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه". وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف أو العنف، كلاهما لغتان. إذاً، فهذا هو الذوق العالي في المعاملة باللياقة واللباقة. وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة، لكن كل واحد يريد أن يُخرج ضغائنه ووجهة
نظره التي يعتقد أنها صحيحة، وقد يتبين له عدم صحتها فيما بعد، فهذا هو. قلة الذوق وقلة الأدب والمداراة ليست أي نوع من أنواع النفاق. النفاق منه عملي ومنه اعتقادي، فالنفاق هو أن تُظهر الإيمان وتُبطن الكفر، وهذا ليس كذلك. بل المقصود هنا أن تُظهر الإيمان وأن تُظهر الأدب وأن تُحسن معاملتك مع الناس، وخالق الناس بخلق حسن. كيف أفهم قوله تعالى: "إلا المصلين"؟ الذين هم على صلاتهم دائمون والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون.
في ضوء ما تعلمته من الثقة برحمة الله ووعده للمؤمنين بالجنة، نحن نعبد الله سبحانه وتعالى بالحب وأيضاً نعبده بالرهبة والخشية والخوف، فإن الله له جمال لكنه له جلال، والله سبحانه وتعالى نعبده بكل. من الأمرين ولكننا نغلب كما غلب في البسملة جانب الجمال على جانب الجلال لأنه لما واجهنا بالبسملة قال بسم الله الرحمن الرحيم ولم يقل بسم الله الرحمن المنتقم مثلاً ولو قالها لقلنا إن هذا بين الترهيب والترهيب أو بين الحب والمهابة والخوف لكنه سبحانه وتعالى قال بسم الله الرحمن الرحيم إذا
رحمته وسعت كل شيء ورحمته سبقت غضبه ونحن نلتجئ بجمال الله سبحانه وتعالى من جلاله، ماذا نفعل في حال القبض خصوصاً مع ما يصاحبه من ثقل في النفس وفتور في الهمة؟ نذكر "يا لطيف" وعددها مائة تسعة وعشرين مرة، وهذا الذكر يفيدنا في فك القبض. يقول الشيخ أبو الحسن... الشاذلي: مَن تعلَّق بأسماء الله من جهة المسمَّيات فالشرك موطنه، فكيف بمَن تعلَّق بأسماء نفسه؟ أين أنت من التوحيد الحق المجرَّد عن التعلُّق بالله وبالخلق؟ وكل اسم يستدعي نعمة أو يستكفي نقمة فهو حجاب عن الذات وعن التوحيد بالصفات. فما المقصود بالتعلُّق بأسماء الله من جهات
المسمَّيات، وشرح معنى التوحيد؟ الحق عند سيدي أبي الحسن الشاذلي، هو عند سيدي أبي الحسن الشاذلي. حسناً، على كل حال، هذا مثل كلام رابعة العدوية وهي تقول: "ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك"، يعني هذه عبادة فيها نوع من أنواع المنفعة والمصلحة. إنما نحن نعبد الله سبحانه وتعالى لأنه يستحق العبادة ولأنه... عظيم بعظمة لا يتصورها الإنسان، وعند تدبر القرآن وتدبر الأكوان تظهر لنا بعض هذه العظمة، فيخر الإنسان ساجداً حباً فيه، رهبة منه،
استحقاقاً للعبادة. هذه الحال هي التي يتكلم عنها سيدي أبو الحسن الشاذلي هنا. الاسم علم على الذات، والمسميات هي المعاني التي أطلقت عليها، فأنت إذا عبدت الله. سبحانه وتعالى أو تعاملت مع أسمائه على أساس أن وراءها رحمة تريد أن تحصلها، فقد غاب عنك جلال ربنا سبحانه وتعالى وحصرت الأمر في علاقتك بالرحمة. ولكن الله أكبر من هذا، الله أحبك وخلقك ورزقك، الله استجاب دعاءك، الله سبحانه
وتعالى أحن وهو الحنان المنان منك عليك، ومن هنا كان. يجب عليك أن تذكر هذه الذات العظيمة المتصفة بالصفات ولا تقف عند استفادتك من هذه الصفات، بل يجب عليك أن تعلق قلبك بالله ضراعة وحباً ودعاءً، لا أن تتعلق بالصفات في ذاتها ومن ناحية مصلحتها لك. أي أنك تريد الرحمة وتريد الرزق وتريد الحياة وتريد الحنان وتريد الأمان، وكل
ذلك من خلالك. أنت فأنت ترى نفسك ومن هنا سماه أن هذا نوع من أنواع الشِرك، لكن الآخر يرى الله ولأنه يرى الله يعلم حقيقته، يعلم حقيقة ذاته فيخرُّ أمام هذه الذات غير المتناهية في تلك الصفات: رحمن، رحيم، محيي، مميت، فعّال، خالق، هادٍ، لكن بصفات تحتاج إلى تدبر وإلى تأمل حتى... نصل إلى الفهم الصحيح لهذه الصفات وليس أن نقف عند تلك
الأسماء التي تدل على هذه المعاني. ما معنى قول سيدي أبي الحسن "لا تسرف بترك الدنيا فتغشاك ظلمتها"؟ يعني أن يجلس الشخص جائعاً أو يُجوِّع نفسه باعتبار أن الطعام من الدنيا، أو يسهر حتى يُصاب بخلل من هذا السهر. ولذلك قال رسول الله: "ألا إني أصوم وأفطر، ألا إني أقوم وأنام، وأتزوج النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني". فالدنيا لها مقتضيات، إياك أن تترك هذه المقتضيات، ثم بعد ذلك يضطر جسدك وبقاؤك في هذه الحياة الدنيا إلى أن ترتكب
المعصية من أجل أن تنام، وأن ترتكب المعصية فيضيع. عليك ما قد فرضه الله عليك. بعض العباد في بعض الأزمان كان يصلي النافلة حتى يضيع الفرض، هذا خلل، هذا خلل كبير أن الإنسان يصلي مثلاً من العصر فيظل يصلي ويصلي ويصلي ويصلي، وبعد ذلك يضيع عليه العصر ويدخل المغرب فيضيع عليه المغرب، لكنه يصلي ويصلي برأسه، هذا خلل هذا. كأنك تريد أن تعبد الله كما تريد أنت، والله يريد أن تعبده كما يريد هو. يسهر ويُجهد نفسه فينام فيضيع عليه الفجر، هذا خلل
وخلل كبير. أن تعبد الله كما تريد هذه قضاء شهوة وليست عبادة. العبادة لا بد أن تشتمل على الطاعة، فصم وأفطر، كُل وامتنع عن الأكل بنظام. متوازن فهذا هو معنى الكلام وهذه هي ظلمة الدنيا. قال: وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها، يعني كان جسمك لا يتحمل هذا الجوهر ولا يتحمل هذا السهر ولا يتحمل هذه العزلة ولا يتحمل هذا السكوت، فيذهب إلى الطرف الآخر بنوع من أنواع الفجور والعصيان. هل من علاج لمشاعر الوحدة؟ الذكر
بكلمة. يا واسع وعددها مائة سبعة وثلاثين، ما معنى نهاية أقدام الأنبياء بداية أقدام الأولياء؟ الأنبياء لهم مشارب، وهذه المشارب يقف على أطرافها وعلى أساسها - على بدايتها - لأن القدم هي سموها الأساس، ويقولون من الأساس إلى الرأس، من الأساس الذي هو القدمان اللذان هما الأساس وإلى الرأس، فالبداية للإنسان هي في الحقيقة. في القدمين وهي أدنى شيء في الإنسان لأنه يقف رأسه فوق وقدماه تحت. نهاية البداية هذه التي للأنبياء، التي هي آخر
الأنبياء، التي هي القدمان. يقف نهاية الأولياء، فالأولياء عند أقدام الأنبياء. الله سبحانه وتعالى قص علينا القصص وذكر لنا بعض الأنبياء من أجل اقتدائنا بهم عندما تكون مشاربنا كمشاربهم. فأولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، فأنبأنا عن نوح وعن إبراهيم وعن موسى، ولكن أنبأنا أيضاً عن عيسى. كل واحد له مشرب، فإذا رأى الإنسان نفسه في مشرب معين، قلَّد واتبع ذلك النبي الذي له نفس المشرب. هل يجب أن يكون الرجاء مقترناً بالخوف؟ يكون أكمل لو اقترن الرجاء بالخوف.
منعتَ نفسك من المعصية ورجوتَ ثواب الله سبحانه وتعالى فيكون ذلك أكمل وأرجى. هل أقول بين الناس أنني صوفي أم أن هذا سر بيني وبين ربي؟ يعتمد ذلك على من هم هؤلاء الناس. بعض الناس الآن يكره هذه الكلمة لما لاقته من هجوم شرس من بعض النابتة ومن بعض الأغبياء الذين خلطوا بين الأمور. والذين لم يتنبهوا إلى حديث جبريل عليه السلام وهو يأتينا ليعلمنا أمر ديننا ويذكر مرتبة الإحسان، هؤلاء الناس بذلوا مجهودات وأموالاً وأوقاتاً - والعياذ بالله تعالى - لمحاربة ركن الإسلام الذي هو الإحسان، أن تعبد
الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، من أجل بعض العبارات وبعض الشطحات وبعض الانحرافات. وجمعوا كل هذا من أجل الحرب الشعواء التي أقاموها وهم يجهلون ولا يعلمون أنهم يهدمون جزء الدين الأهم. هل حُرمنا من اللقاء بشيخنا في المسجد بسبب ذنوبنا وتقصيرنا؟ الله عندما ينزل هذه الأحوال فما استكانوا لربهم وما يتضرعون. يحتاج الأمر منا أن نستكين وأن نتضرع وأن يدفعنا هذا الحال إلى... مزيد من الضراعة وإلى مزيد من الدعاء، هذا هو الحال دون
الدخول في تفاصيل لا نعلمها. هل نحن مذنبون أم لا؟ لكننا أُمرنا بالاستغفار على كل حال، إما من قصورنا وإما من تقصيرنا وإما من ذنوبنا وإما من غير ذلك. سمعت كلام مولانا عن فقه حب الحياة ولكن لا. أستطيع أن أحب الحياة ونحن في زمن كهذا، لا، أنت هكذا تريد أن تحب الدنيا. الحياة التي قصدناها هي التي تشتمل على الدارين: الدنيا والآخرة، "وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون". نحن نتكلم عن حياة الإنسان سواء في هذه الدنيا فنحن نحبها ونسعى إلى سعادتها، أو سواء كانت... في الآخرة فنحن نحبها ونرجو الله سبحانه وتعالى فيها المزيد
والمزيد هو النظر إلى وجه الله الكريم هناك. يقول: أتمنى من شيخنا أن يسجل لنا مواقفه مع مشايخه وكيف تعلم منهم. حاضر إن شاء الله، سيكون ذلك في قادم الأيام. ولكن هنا، ما معنى "نستكين"؟ لا، أنا لست فاهماً. السؤال يعني في الشأن الذي يقوله: يقول نستكين ونتضرع إلى الله. نعم، نستكين يعني نهدأ. نستكين يعني... هذا هكذا، العربي لم يعد يُفهم تماماً. حسناً، فلنتكلم بالإنجليزية: "Take it easy"
يا عزيزي، ها نحن قد تكلمنا بالإنجليزية. يعني استكن، استكن يعني اهدأ، اهدأ، لأن الهدوء سيمكنك من... التأمل ومن التدبر ومن اتخاذ القرار الصحيح استكين، وهذه السكينة التي نحصل عليها في الاعتكاف ونحصل عليها في الخلوة ونحصل عليها في بقائنا ساكنين هكذا بعد الذكر لكي يحدث وارد أو ما شابه ذلك أو بعد الصلاة، فأُمرنا أن نختم الصلاة، كل هذه الأمور من أجل الاستكانة. الاستكانة تعني الهدوء الذي يمكِّن الإنسان من أن يتفكر. قبل أن ينشط، قبل أن يعمل شيئاً، يفكر أولاً. هل النشاط أولاً أم الفكر أولاً؟
الاستكانة تجعل الإنسان يفكر ثم ينشط. مشكلة العصر، كما يقول عبد الواحد يحيى، الذي نعيش فيه هي أننا ننشط قبل أن نفكر. يعني نحن نعمل مثل الآلة ولا نفكر فيما الذي... سيترتب على هذا العمل - دعنا نعكس الفكرة - سنصل إلى حالة الاستكانة. الاستكانة معناها الهدوء الذي يؤدي إلى التفكر قبل النشاط، فلا نكون آلة في يد الدنيا، ولا تكون أفعالنا ناشئة من غير تفكر ولا تدبر سابق. والضراعة هي الدعاء والذكر
والمناجاة التي نستعين فيها بالله سبحانه وتعالى في هذه الأنشطة التي... سوف نفعلها "إياك نعبد وإياك نستعين"، فنحن نستعين بالله سبحانه وتعالى دائماً، وكان موسى يسأل الله في ملح طعامه، وهكذا فالاستكانة معناها الهدوء الذي يسبق التفكر الذي يسبق النشاط. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، وكل عام وأنتم بخير، وندعو الله أن يتقبل منا صالح أعمالنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.