المتشددون | حـ 3 | الخديوي اسماعيل والنهضة | أ.د علي جمعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدينا الكرام أهلاً ومرحباً بكم. لقاء يتجدد حول المتشددين، كيف يفكرون، وما الفرق بيننا وبينهم، ولماذا أدى بهم هذا الفكر إلى هذا المقام، وهذه الصورة التي تعطي انطباعاً مغلوطاً ولا شك عن دين الإسلام الحنيف. بالطبع نسعد دائماً بأن ننهل من علم ضيفنا الكريم العلامة الجليل. فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة الذي أرحب به دائماً والشكر له موصول، مرحباً بفضيلتك يا مولانا، أهلاً وسهلاً، مرحباً بحضرتك. أخذنا مجموعة حلقات في "الحقيقة" تحدثنا فيها عن ملمح تاريخي، وفضيلتك الحقيقة أمتعتنا بدءاً
من عبد القادر البغدادي وصولاً إلى إسماعيل باشا، لنصل إلى كيفية تطور الفكر والصورة الصحيحة للإسلام ثم... ظهور الفكر المتشدد يرجع إلى إسماعيل باشا وبعثاته إلى الخارج أو رغبته في إحداث نهضة في مصر بعد الخديوي عباس. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بنى إسماعيل القصور والحدائق واستورد مجموعة كبيرة من النباتات والزراعات إلى مصر وكذلك إلى... آخره صحيح فتح قناة السويس وما إلى ذلك، وكان قد تسبب حتى في تصرفاته إلى مديونية مصر، ولكن على الرغم من ذلك كان محباً لمصر وكان يريد أن يخدم هذه البلاد. المهم أنه عندما صدرت المجلة العدلية التي هي تقنين الفقه الحنفي في
اسطنبول وأُرسلت إلى البلاد، ورأى أن الالتزام بها سوف يكلف مصر مزيداً من التبعية التي ما كان يريدها وكان يعمل على عكس هذه التبعية. اختلفنا معه أو اتفقنا، هذا أمر آخر. اتفق معه الناس أو اختلفوا، هذا أمر آخر. لكن الذي يهمنا في علاج المتشددين أنهم يتهموننا بأننا نحكم بغير ما أنزل الله. صحيح، هذا هو الجانب الذي سنراه. في إسماعيل كيف كان، وهل صحيح هؤلاء صادقون أم هؤلاء مخطئون كاذبون بلغة قريش؟ على الأقل، ما هي لغة قريش؟ "كذب" تعني "أخطأ"، ولذلك قال سيدنا عندما وقع سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه في اليوم: "يوم الملحمة"، قال: "كذب، اليوم يوم..."
أي أخطأ. "كذب" هنا بمعنى أخطأ في... لغةُ قريش اليوم يومُ المرحمة، فهؤلاء - يعني كثيرٌ منهم - يفهمون خطأً أو نحن مختلفون معهم في القراءة. هو يقرأ بطريقة أخرى وأنا أقول له: هذا هو الفرق بيننا وبينكم، ثم بعد ذلك افعل ما شئت، فإننا لا سلطان لنا على أحد من العالمين، والهادي هو الله سبحانه وتعالى. إسماعيل جمعَ جماعة. العلماء لدينا هنا في مصر منذ أيام محمد علي، الحنابلة ليسوا موجودين بكثرة والمذاهب الموجودة بكثرة لدينا هي الحنفي والمالكي والشافعي. فكان عندما يأتي محمد علي ليشكل مجلساً للعلماء، يقوم بتعيين اثنين من الأحناف وواحد شافعي وواحد مالكي. لا يوجد حنبلي لأنه لا يوجد
عدد كافٍ منهم، فهم قليلون جداً، لكنهم علماء الحنابلة. الكبار المصريون، الشيخ حجازي والشيخ البهوتي والشيخ، كلهم مصريون. هل انتبهت؟ إسماعيل جمع كبار العلماء أو مشايخ المذاهب: الشيخ المالكي والشيخ الحنفي والشيخ الشافعي وغيرهم إلى آخره، وعرض عليهم مشكلة. ومن كان معهم؟ كان معهم قدري باشا. من هو قدري باشا؟ إنه كان وزير العدل (الحقانية). الذي هو وزير العدل يعرف التركية جيداً، ويعرف الفرنسية بطلاقة، ويعرف العربية بشكل ممتاز، وهو حنفي المذهب، وكان على رأس وزارة الحقانية (نظارة الحقانية حينئذ) التي هي وزارة العدل. وكان موجوداً رفاعة باشا وفلان باشا وغيرهم، أي كانوا موجودين في هذه
الجلسة لكي يقول لهم: "نحن في ورطة وأريد أن أخرج منها". كيف نخرج منها؟ فالنظرة لكل عين، والوالي يريد أن يسمع اقتراحات. فقال له أحدهم: "يا مولانا قدري باشا، أستطيع أن أخرجك من هذه الورطة. الحنفية لديهم أقوال في مذاهبهم، سأرى ما تقوله المجلة العدلية وأختار الرأي المناسب، فنكون قد أنشأنا مجلة تلتزم بالشريعة الإسلامية والمذهب الحنفي الصحيح وتخالف الأتراك، ولا نخرج عن الأصول." على ما تعودنا عليه من المذهب الحنفي الشائع والذائع في البلاد، فنعمل أي فن تصحيح. قال له: "والله هذا كلام أي شيء يعني؟" قال له: "خلاص، لكن هذا يحتاج إلى وقت". قال له: "أنا كفيل بعمل
هذا في ناحية الأوقاف وفي ناحية الأحوال الشخصية وفي ناحية أحوال الإنسان التي هي القوانين العامة". هذه عظيمته، قال له: "حسنًا، تفضل واعمل هكذا". على فكرة، عمل قدري باشا هذا وأخرج أربعة مجلدات في قوانين الأحوال الشخصية، ممتازة والعدل والإنصاف في قوانين الأوقاف، وأخرج في معرفة أحوال الإنسان ثلاثة كتب. طبعناها لكي يعرف الناس أن هذا ليس وهمًا وليس مجرد كلام، بل هو موجود. أهو ما المهم، الاقتراح الثاني كان غريباً قليلاً. قال له: "يا مولاي إسماعيل باشا، من الأندلس، والأندلس كانت مَلَكِيَّة، صار القانون أو الفقه المالكي إلى القوانين الخاصة
بلويس، لويس ملك فرنسا. والقوانين الخاصة بلويس أثرت تأثيراً بليغاً في كود نابليون الأول وكود نابليون الثاني ومجموعة ألف". ثمانمائة وعشرة التي أصدرها نابليون، فلو أننا ترجمنا قانون نابليون الأول والثاني، هذا مدني والتجاري، ستجد فقهًا ملكيًا يا سلام، وهذا بروك، هذه فكرة القانون الوضعي وأننا نعمل بقانون فرنسي واضح. سأقول لك ما هي مشكلتهم، إنهم لا يقرؤون، وعندما يقرؤون لا يفهمون، وعندما يفهمون يحرّفون. وعندما يشغل مركبته، وفي كل مرة يقول لك: "لكن أنا سمعت غير ذلك" أو "لكن أنا رأيت غير ذلك" وأشياء كهذه. لا، هذا خطأ لأنه لا يعرف أصل الموضوع. فلان الفلاني
قال كذا، وهناك تشويش وتخليط. صحيح، حسناً، لا بأس. فعندما تترجم كود ننبذه أول ثانية، ستجد الفرق بينه وبين الفقه المالكي. أشياء بسيطة نظيفة نحملها وتقع وتصبح بالشكل حتى نلتزم نحن بشريعتنا وبفقهنا. التزامنا بشريعتنا حررنا من هيمنة الأتراك لأننا اتخذنا المذهب المالكي. أصبح لدينا قانون، وهذا مهم جداً. أصبحت هذه أهم نقطة، أصبح لدينا قانون مصوغ يضع قدمه في القوانين العالمية لأنه أبو القوانين العالمية فرنسا، ولذلك أنا عندما أنا... آتي بقوانين مشابهة لقانون فرنسا في الصياغات ولكنها من المذهب المالكي، فأضرب عصفورين بحجر واحد: العصفور الأول أن
هذا فقه مالكي وشريعة، والعصفور الثاني أنني أواجه العالم بصياغات مفهومة صحيحة ولا أحيلهم إلى بحار التراث وبحار الفقه سواء كان مالكياً أو غير مالكي. قال له: "الله، حسناً، وهذه..." المقارنة التي ينبغي أن أعملها، كيف؟ قال رفعت بك: "ها هو جالس هنا يترجم لنا القانون مجموعة ألف وثمانمائة وعشرة الخاص بنا بليون". قال: "حسناً، ومن يراجعها على الفقه الملكي؟" قال: "مفتي الصعيد". "من هو مفتي الصعيد؟" "الشيخ مخلوف المنياوي". المنياوي، هل كان وقتها في الصعيد مفتياً أم في البحري مفتياً، أم هم تحت المفتي؟ العالم والمفتي العام هو سيدنا الشيخ المهدي العباسي عظيم،
فالمهدي العباسي هذا هو المفتي العام للديار، وقد بقي مفتياً لمدة خمسين سنة، ما شاء الله، وله قصة، أتعلم كيف؟ وكان حنفياً وتقياً ومُجمَعاً على جلالته، وبالمناسبة هو الذي منح العالمية لمحمد عبده، أي أنه أستاذ محمد عبده. محمد المهدي العباسي هو مفتي الديار هذا داخل انظر كيف انتبهت ومات ألف ثمانمائة خمسة وتسعين، حسناً محمد المهدي العباسي، لكن مخلوف المنياوي هذا مفتي الصعيد هو الذي سيراجع القانون بعد أن يتم ترجمته، يعني رفاعة باشا أسند الترجمة لواحد اسمه مجدي باشا، مجدي باشا هذا كان حجازياً. مصري يعني وكان مجدي باشا يعني وعائلته موجودة حتى الآن هل تنتبه، مجدي باشا هذا هو الذي ترجم القانون الفرنسي
من أجل أن يذهب به إلى سيدنا الشيخ مخلوف المنياوي لكي يعلق عليه ما الذي يوافق الشريعة وما الذي يخالف الشريعة وما ملاحظاته على هذا الشيخ مخلوف كلما يأتي. لديه مُلزِمة أو مُلزِمتين يعمل عليهما، أنجز منهما مجلدين وسماهما المقارنات التشريعية. والسيد مجدي باشا أنهى الترجمة وذهبوا، فكان إسماعيل قد نُفِيَ وجاء بعده ابنه توفيق. ذهبوا إلى توفيق وقالوا له: "لقد أنجزنا يا مولانا". فقال لهم: "ماذا أنجزتم؟" قالوا له: "أنجزنا الترجمة وكذا". فقال: "اخرجا أنتما الاثنان، أنا لا أعرفكما". فرأى
صعباً على رفاعة كل هذا المجهود، فقام بطباعتها في المطابع الأميرية مجلدين، وهما ترجمة القانون الفرنسي. إنهما موجودان يا مولانا، موجودان وموجودان في مكتبتي. لقد ترجمت القانون الفرنسي في مجلدين، فمن الذي ترجمهما؟ لم يكذب الذي راجعهما الشيخ مخلوف المنياوي، الشيخ مخلوف المنياوي، لأن الله سبحانه وتعالى هو الموفق. وجدنا... أنا والدكتور محمد سرج، هذان المجلدان موجودان في دار الكتب بخط الشيخ مخلوف المنياوي، فذهبنا وطبعناهما تحت عنوان "مقارنات التشريعية لمخلوف المنية والعدوية"، حتى لا يقول أحد أين مستنداته. هذا توثيق، نعم، هذا توثيق، توثيق. تفضل، هَمِّي
بمخلوف. كان يلعب مخلوف، كان، رضي الله تعالى عنه. وأرضاه كان إسماعيل أو مخلوف أو رفاعة أو مجدي أو غيرهم إلى آخره. أيريدون؟ أو قدري؟ أم كانوا يريدون أن يخرجوا من الإسلام؟ لا، حاشى الله، والله أبداً. وكانوا يبذلون كل المجهودات التي لا يبذلها هؤلاء إلا بالقتل والدم من أجل أن يقيموا الإسلام صحيحاً، ولكن بوجه حضاري، بوجه علمي، بوجه. يا مولانا، الرجل خرج، فلما خرج الذي اسمه إسماعيل، نعم، لم يمت للنافذة، توفي. لم يفعل شيئاً، وطبعها ووضعها في المكتبة. هؤلاء الناس ماذا سمعوا في حضرة الخديوي إسماعيل؟ سمعوا أن القانون الفرنسي أقرب ما
يكون من الشريعة الإسلامية. الشريعة الإسلامية صحيحة. قدري باشا يعرف. فرنسي جيد ذهب وكتب القانون باللغة الفرنسية، لم يأخذ القانون الفرنسي بل كتب القانون باللغة الفرنسية لأنه كان معه مستشار فرنسي قال له: راجع لي دقة العبارة والصور وما إلى ذلك، لأن هذا أقرب ما يكون للفقه المالكي. بعد أن ألّف مجموعته الحنفية، ذهب وكتب بيديه القانون الفرنسي، ما أروعه! وقال للجماعة. مترجموه أصبح فترجموه، وليس هو القانون الفرنسي. هو كتب القانون باللغة الفرنسية، انظر الفرق. أليس هو من ألف وكتب؟ نعم، واستعان بالقانون الفرنسي أو بالفقه الملكي كما
تفضلت فضيلتك. يعني كيف وضع القانون؟ من أين استلهم المواد والنصوص؟ من نص القانون الفرنسي ولكنه أضاف إليه. نعم تماماً. أضاف إليه ما لم يفعل، أي أنه قص ولصق كما هو. هذا ليس مجرد قص ولصق، لكن انظر إلى هذه المادة الأولى التي صاغها بالفرنسية هكذا وتمت ترجمتها. حسناً، في سنة ألف وثمانمائة اثنين أو ثلاثة وثمانين - ألف وثمانمائة ثلاثة وثمانين أصدروا... ماذا أصدروا؟ أصدروا قانوناً. اسمه القانون الأهلي سنة ألف وثمانمائة ثلاثة وثمانين، ثلاثة وثمانين. أستأذن فضيلتك نرجع هذا الحديث بعد الفاصل. فاصل قصير مشاهدينا الكرام نعود بعده لنغوص ونستكمل هذه الرحلة التاريخية
في الفكر الإسلامي والفقهي والقانوني مع فضيلة العلامة الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. نتحدث عن ملمح تاريخي للفكر الإسلامي. والقانوني والفقهي مرحباً بفضيلتك يا مولانا. وصلنا إلى العام ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين، بعد أن تم إصدار ما يُعرف بالقانون الأهلي. القانون الأهلي اشترط في أول مادة، عندما تفتحه هكذا تجد "بسم الله الرحمن الرحيم". حسناً، ما هي المادة الأولى؟ "يُنفَّذ هذا القانون بشرط ألا يتعارض في أي مادة منه مع..." الشريعة الإسلامية يا سلام بشرط أول
مادة عظيم وبقيت هذه المادة موجودة في القانون إلى ألف وتسعمائة وثمانية وعشرين. خمسة وعشرون سنة من ثلاثة وثمانين إلى ألف وتسعمائة وثمانية. أي خمسة وعشرون سنة. أيكون هؤلاء كفاراً؟ أيكون هؤلاء يخرجون ويمرقون من الدين؟ أيكون هؤلاء ليسوا... يبذلون قصارى جهدهم من أجل تطبيق الشريعة بطريقة عصرية موجودة منذ خمسة وعشرين عاماً يا أستاذ، والقانون مطبق ولم يشكُ منه أحد. في عهد محمد علي كانت هناك طائفة أصبحت فيما بعد تُسمى المحامين، وكان المحامي يُسمى حينئذ بالمزور، وهي
مشتقة من اللغة العربية "زوّر" أي جمّل من التجميل. ليس من تزوير بمعنى العدوان، فالتزوير هذا سمي بذلك عندما أقوم بتزوير الورقة أي أنني جملتها حتى خدعتك وظننت أن هذه الورقة هي ورقة نقدية في حين أنها ليست ورقة نقدية. لماذا سمي بالمزور؟ لأنه يحسن الحجة عند القاضي ويجملها ويدافع عن المتهم الذي هو موكله. حتى يظهر للقاضي أن هذا المتهم جميل وليس قبيحاً، أتفهم ذلك؟ فسمي بالمزور واستمر هذا الاسم ربما حتى بدايات القرن
العشرين وهو يُدعى بالمزور. فلم يقم مزور قط - الذي هو المحامي - بالاعتراض على هذا القانون. لم يوجد ولا شخص واحد قال: "يا إخواننا، هذه الكلمة مخالفة للشريعة السامية". على مدى خمسة وعشرين سنة، فلما جاءت مرحلة الإصدار سنة ألف وتسع مئة وثمانية، قالوا: إننا سنصدر القانون وسنحذف منه المادة الأولى، وذلك ليس كفراً ولا كراهية في الشريعة، وذلك لأنه لم يعترض عليه أحد خلال ربع قرن، فليست هي من المسلمات، وحذفوا هذه أيضاً لكي تتواءم الصياغات مع الصياغات. العالمية. حسناً، انتهينا. وفي عام ألف وتسعمائة وثمانية صدر قانون جديد لا توجد فيه
هذه العبارة التي كانت موجودة من عام ألف وثمانمائة واثنين وثمانين إلى ألف وتسعمائة وثمانية، والتي تقر بأن كل قوانيننا هكذا تحت سلطان الشريعة. أريد أن أعرف لماذا يكذبون علينا. أتعلم لماذا؟ لأنهم بعد ذلك أرادوا. الحكم وليس هناك مبرر لأخذ الحكم إلا اتهامنا بالكفر حاشا الله وإلا اتهامنا بأننا نحكم بغير ما أنزل الله والنص يقول "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وإلا بأنهم قد جاءوا ليعلمونا الإسلام الصحيح ونحن على إسلام غير صحيح ما شاء الله هذه هي القضية لو لم يقولوها. هكذا لم يكن لهم حجة في أيديهم لأن يفعلوا ما يفعلون لكنهم يضحكون على الإيمان لماذا ويجعلونهم يفجرون وينتحرون ويفعلون لماذا لأنهم يُفهمونهم أننا نحكم بغير
ما أنزل الله وأننا نحكم بالقانون الفرنسي وأننا نحكم بقانون الكفار وهكذا ولذلك يجب علينا أن نعيد الأمر إلى نصابه. ونحكم بما أنزل الله كيف إذن؟ أي ما هو الحكم بما أنزل الله بالنسبة لهم؟ يعني الشريعة هي الحدود وهم فقط القائمون عليها، فاختزلوا الإسلام في الفقه، واختزلوا الفقه في الحدود، واختزلوا الحدود في ثلاثة حدود أو أربعة حدود، وهكذا. وحولوا القتال إلى قتل. صحيح هذا يا إخواننا ونحن... ندعوهم أن السواد الأعظم من المسلمين ما زال على خير وأنه يحكم بما أنزل الله وأنه دائماً كان في نطاق الشريعة وفي سلطان الشريعة، وأن هذه المحاولة للرؤية الغربية هي محاولة للصياغة وليست محاولة لتغيير الأحجام، وسنرى حكاية هذه الحدود التي
لم تُطبق منذ ألف سنة، لا تكونوا كالقنصل. ابتعدي حتى لا يغضب الله سبحانه وتعالى عليكم وحتى لا تنسوا هذا الأمر المهم. ألف وتسع مائة وثمانية قالوا: يا جماعة، الرجل كتب الكلام بالفرنسية لأنه كان لديه مستشار فرنسي، فماذا يريد يعني؟ قال: هذه حجة، أي أننا نريد أن نتخلص حتى من ترتيب القانون الفرنسي، يعني ما علاقتنا ب... القانون الفرنسي لا ننقله ولا نصنع نسخة منه ولا نترجمه ولا نفعل كذا، فحدث ما يسمى بالدعوة إلى تمصير القانون عام ألف وتسعمائة وثمانية. استمرت هذه الدعوة وأخذ الناس يدعون في الصحف إلى تمصير القوانين. نريد أن نخرج يا جماعة حتى سنة ستة وثلاثين، ومازلنا نسير وندعو يا جماعة، إننا نريد شيئاً منا نحن. هكذا التي هي مثل قضية المعاصرة
والتأصيل، أو الأصالة والمعاصرة، وأشياء مثل ذلك. نفس هذه الدعوة كانت موجودة وتدعو إلى هذا، إلى أن تشكلت لجنة من اثني عشر شخصاً سنة ستة وثلاثين أو خمسة وثلاثين، ألف وتسعمائة وستة وثلاثين أو خمسة وثلاثين. من فضلكم ضعوا... قال لنا القانون: اجلسوا شهراً، شهرين، ثلاثة، في حيرة شديدة، غير قادرين على الفهم، وكلما كتبوا شيئاً جيداً. والفترة التي من ألف وتسعمائة وثمانية إلى ستة وثلاثين كان معمولاً بالقانون الذي هو الأهلي الذي صُدّق في ثلاثة وثلاثين. الأهلي لا، ولا أُعدّ المعدّل، المعدّل الذي أُزيلت فيه المادة الخاصة بالشريعة هذه وانتهى. أي نص هنا يخالف الشريعة لا يُعمل به، لا يُعمل به. خمسة وعشرون سنة كافية، أي نص أيضاً يخالفه ولكن من غير نص لأنه أصبح كأمرٍ مُسلَّم به، خلاص مُسلَّم به صحيح. طيب فجاء واحد من النوابغ القلائل في...
العالم وعلى مر العصور اسمه عبد الرزاق السنهوري باشا. طبعاً عبد الرزاق ذهب إلى فرنسا وكانت أطروحة الدكتوراه الخاصة به في ماذا يحل محل الخلافة الإسلامية. الخلافة الإسلامية سقطت في السادس من مارس سنة ألف وتسع مئة وأربعة وعشرين. ما الذي يوحد المسلمين بعد ذلك؟ واقترح شيئاً شبيهاً بمنظمة التعاون الإسلامي هذه. الذي في الواقع نعم شيء شبيه بها لكن ليس نفس الشيء لأنها نشأت بطرق أخرى وتُرجم هذا الكتاب على فكرة ورجع السنهوري باشا وهو متمكن يعرف عدة لغات ومتمكن من العلم، قال لهم: "حسناً، هل يمكنني أن أضعه أنا؟" قالوا له: "تفضل، أنت رجل كبير"
وكان رئيس مجلس الدولة ومجموعة. الآن يعني الجميع يمكن أن يقولها احتراماً، حسناً، هو أصل القانون عندما جاء ليضعه قال: أنا سأستلهم الفقه الإسلامي وسأراجع عشرين قانوناً في العالم منها القانون الهندي، يا سلام، ومنها القانون الفرنسي ومنها القانون البلجيكي ومنها القانون الإيطالي ومنها القانون الأمريكي ومنها ومنها ومنها عشرين تشريعاً حتى أضع تشريعاً. يضع قدمه وسط هؤلاء مع هذا الزخم القانوني في العالم مقيدًا بالفقه الإسلامي، محولًا الفقه الإسلامي كما تحول النحلة رحيق الزهور إلى عسل، وقام بها وأنجزها في اثنتي عشرة سنة. اثنتا عشرة سنة ظل يكتب
القانون المدني من سنة ستة وثلاثين إلى ثمانية وأربعين، وقدموه سنة ثمانية وأربعين. صافياً مصفّى، لست أعرف، ثمانمائة وبعض المواد، ما شاء الله. تفضّل، مجلس النواب جمع لجنة من كبار القانونيين وأساطير العلم ليراجعوا القانون. عندما راجعوا القانون لم يجدوا فيه أي هفوة، يا سبحان الله! حسناً، هذه... أي عندما نعلق على هذه، يتبين أنه هو الصحيح بعد المناقشات. حسناً، هذه يتبين... هو الذي صحيح أن يستوضحهم ويناقشهم. قالوا بعد ذلك يوجد شيء يسمى هكذا، يوجد شيء يسمى رجل يقدم قانوناً بلا شكل، يعني لا نعرف إن كان منزهاً عن الخطأ. يعني سبحان الله، ليس كتاباً ولا سنة،
يعني ليس معقولاً. فسمعوا بشخصٍ مستشار في محكمة النقض يقول إن لديه ملاحظات جذرية على القانون، ففرحوا كثيراً. واستدعوه قالوا تعال يا سعد المستشار، قالوا له: نحن الآن يا سعادة المستشار في ورطة، هذا القانون لا نجد فيه شيئاً، فلو سمحت قل لنا ما ملاحظاتك. قال لهم: لكنني لم أقرأه. قالوا له: إذاً أنت معترض على ماذا؟ قال: معترض على فكرة أن هناك من يضع قانوناً. قالوا قال له ماذا تعني كم تريد لجنة؟ قال: لا، هذا القانون الذي وضعه ربنا. من هذا؟ حسن الهضيبي! يا سلام، حسن الهضيبي. قالوا له: حسناً، شكراً لك يا سعادة المستشار والسلام
ختاماً. وفي سبتمبر ألف وتسعمائة وتسعة، هذا كان من الرأي الأول. طبعاً حسن الهضيبي... لا، سأحكي لك الآن. أنَّ هذه الحادثة هي التي اختارته مرشداً. حسن البنا اختاروا مرشداً بعدها. أخذت بالك سيادتك كيف من هذه الحادثة أنه يعترض لمجرد الاعتراض وهو لم يقرأ ولم يعمل وهكذا إلى آخره. حضرتك ما الذي بقي في القانون الذي تعترض عليه؟ مادة واحدة فقط تقول إننا سنعطي خمسة في. المائة زيادة للدين الذي لا أعرف ما هو والذي يسمونه الفائدة أو الفوائد، فالشيخ السنهوري هذا أو القائد المستشار عبد الرزاق باشا قام بتأليف ستة مجلدات لكي يفسر هذه المادة وأنها لا تعارض الدين. يا سلام على اجتهاده! اسمه "مصادر الحق"، موضوع كبير يا مولانا، لم يوضحوها. كبيرة وصلنا، اقتربنا
على حسن موضوعي الذي يؤلمني، وبالتأكيد أنه في أي يوم نرجع لبالك أننا نكفر من هذا، إنهم جالسون يكذبون. كان مهماً على الإطلاق، أشكر فضيلتك عليها. الحقيقة أوضحت لنا أموراً كثيرة تتعلق بكيفية وضع القانون مستوحى ويعني مواكب تماماً للشريعة الإسلامية، وليس كما يقول هؤلاء أننا لا نحكم بما. أنزل الله الرحلة الإيمانية متواصلة، ومحاولة فهم الفكر الإسلامي الصحيح بعيداً عن هؤلاء المتشددين مستمرة في حلقة قادمة من "المتشددون" بإذن الله. دمتم في أمان الله ورعايته، وإلى اللقاء.