المتشددون | حـ 36 | الأوهام العشرة لجماعة الإخوان والتكفيريون جـ2 | أ.د علي جمعة

المتشددون | حـ 36 | الأوهام العشرة لجماعة الإخوان والتكفيريون جـ2 | أ.د علي جمعة - المتشددون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشاهدينا الكرام، هذه تحية لكم من عند الله طيبة مباركة. لقاء جديد يجمعنا بكم، و"المتشددون" هذا هو عنوان حلقات البرنامج الذي نسعد بصحبة حضراتكم من خلاله، ليلقي - كما سمعنا دائماً - فضيلة العلامة الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة رؤيته العلمية المنهجية لكثير من الأفكار التي تبنتها جماعات العنف والتي انبثقت جميعها من جماعة الإخوان. اسمحوا لي أن أرحب في البداية بفضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة. أرحب بفضيلتك مولانا، أهلاً وسهلاً بكم. الحقيقة أبحرتَ بنا في حلقةٍ سابقةٍ إجمالاً عن مجموعةٍ من الأوهام العشرة التي استقاها منظِّر الجماعة وبعض الجماعات كسيد إمام أو الدكتور. فضل وغيره وعدّدت لنا هذه الأوهام التي تؤدي في النهاية إلى تجهيل أو تكفير المجتمع، تحدثنا عن ثلاث منها، ولو
أذنت لنا فضيلتك نود أن نستكمل هذه الرحلة مع هذه الأوهام التي تعيشها جماعة الإخوان. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن. والله تحدثنا عن أن هناك أوهامًا عشرة منتشرة في كتبهم، وضربتُ هذا كمثال وليس تتبعًا لكلامه، وكلامه مردود عليه، يعني إذا كان موجودًا على الإنترنت وما إلى ذلك، لأن هؤلاء الناس لم يتعلموا عندنا ولم يأخذوا من مناهجنا، وهذا مما افتقدوه. نحن نتكلم لماذا قلبوا الهرم فمرة. هكذا نتحدث عن ما الذي حصل لهم، فقد افتقدوا أشياء كثيرة: افتقدوا إدراك الواقع، افتقدوا إدراك المآلات، افتقدوا إدراك الأدوات،
افتقدوا المشيخية - نعم، أي أن يكون له شيخ - افتقدوا العلوم المساعدة، افتقدوا أشياء كثيرة، ومن أجل هذا ظهر هذا النوع من البشر الذي يعتقد في نفسه الزعامة ويعتقد نفسه العلم وهو ليس كذلك هو أنه أمين على الإسلام وقيم على الدين، أي ثم نتج مما ذهبوا إليه الدم الذي يُراق على الطرقات وهم يستهينون بالدم لأنهم خلطوا بين هذا وبين معاني الجهات. عشر أوهام هي أن هذه المجتمعات موالية للاستعمار، هي أن هذه المجتمعات موالية لإسرائيل، هي أن... هذه المجتمعات ارتضت الفرق للوحدة، وكل هذا كذب، نعم لأن مشاريعنا، هذا كان البعث يقول لك ماذا؟ وحدة يبدأ بالوحدة، اشتراكية، حرية، هذا كان شعار
حزب البعث الذين هم يكفِّرون أيضاً. صحيح، عبد الناصر كان يقول ماذا؟ لا، حرية، اشتراكية، وحدة، وكنا دائماً نقلب الشعار هكذا، أنت تسير حرية. اشتراكية واحدة الوحدة في النهاية لأننا نكون قد تهيأنا لهذه الوحدة. هل تكون ناصرياً أم واحدة أولاً، ثم اشتراكية ثانياً، ثم حرية فتتحرر من الاستعمار في النهاية؟ هل انتبهت لما تقوله المبادئ الثلاثة؟ ماذا تقول هذه أو تلك طرداً أو عكساً؟ هي مبادئ، نعم. الحرية تعني ضد الاستعمار، والاشتراكية تعني الوحدة الاجتماعية طيب. واحدة، أي أن هذه هي الوحدة التي يتحدثون عنها. هؤلاء الناس واهمون، لأن ما حدث في الستين أو السبعين سنة الأخيرة كان ضد ذلك، والشعب كله كان ضد الاستعمار، والشعب
كله كان مع الوحدة، والشعب كله كان مع العدالة الاجتماعية. فمن الأوهام العشرة أن يقول لك: أنت لإسرائيل وأنت لا توجد وحدة ولا توجد عدالة اجتماعية ويوجد نهب للثروات وعدم الحكم بما أنزل الله من الناحية القانونية وعدم الحكم بما أنزل الله من الناحية الاجتماعية والولاء والبراء والجهاد والخلافة، لا توجد هذه الأشياء، إذن أنتم مجتمع جاهلي، مجتمع لا تحكمون فيه بما أنزل الله وبذلك سنرفع عليكم. السلاح جيد. تحدثنا في حلقة سابقة عن أوهام أننا استعمار، الاستعمار، وإسرائيل، وعدم الوحي، وعدم العدالة الاجتماعية. حسناً، كان عبد الناصر يحب الشيخ الغزالي محمد الغزالي السابق، لماذا؟ قال لأنه ألف كتاباً في
عز الإقطاع وفي عز الملك وفي عز الاحتلال وما إلى ذلك، اسمه "الإسلام وأوضاعنا الاقتصادية" ودعا فيه العدالة الاجتماعية، سيد قطب قبل الثورة في عام اثنين وأربعين وستة وأربعين ألّف كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وكان أول شخص من الإسلاميين يكتب عن العدالة الاجتماعية. فلما قامت الثورة وحدثت فتنة سنة خمسة وستين، قبضت الجهات الأمنية على المسجلين لديها، فقبضوا على الشيخ محمد الغزالي. فلما قبضوا على الشيخ... محمد الغزالي رحمه الله، جاء عبد الناصر قادماً من روسيا، والسائق قال لهم: "هل"، فقالوا له: "تمام يا سيدي، لقد قبضنا على الجميع. أنت... لقد أوقفنا هذا وأحكمنا الأمور". فقال لهم: "والشيخ
الغزالي؟" قالوا له: "لا، الشيخ الغزالي قبضنا عليه وهو موجود يتناول إفطاره الآن". فقال لهم: "فوراً يُطلَق سراحه يخرجوا الآن فوراً، اتصلوا بالسلك وبالأجهزة لقائد السجن. خرج هو الشيخ الغزالي فوراً. كان ناصر قد جاء متأخراً، فأصبحت الساعة الواحدة ليلاً، فأيقظوا الشيخ الغزالي من النوم وقالوا له: "اخرج، اخرج". قال: "ما الأمر يا رحمن؟ أهو سجن؟". في ظلام الليل الدامس. قالوا: "ما لنا دخل، الرئيس يقول لك خارجاً يكون أن تخرج خارجاً ويودعه الساعة الواحدة ليلاً، فظن الرجل رحمه الله أنه سيُقتل لأن هذه حركة غدر، أي حركة غير طبيعية. "أنا الآن سيرمونني في هذه الصحراء" وما إلى آخره. أنا أقول كل هذا من أجل العدالة
الاجتماعية يا جماعة الواهمين. كان عبد الناصر يريد عدالة اجتماعية حقاً. وصنع هكذا، وعبد الناصر لم يَهب سرواز، ثم بعد ذلك وللحسابات التي سيقع فيها أي حاكم دخل في اليمن فأخطأ، صحيح وقام بتأميمات، حسناً، أليست هذه التأميمات كانت من أجل العدالة الاجتماعية؟ صحيح. طيب أليس كذلك وهكذا، فلم تكن هناك عدالة اجتماعية. المهم أن الرجل يصلح الزراعة كلها، وأصبح كل قام بكل الإجراءات، كنت جالسة في... كيف أصبحنا كفاراً؟ فإذاً هذا كلام فارغ، كلام يجب أن يستيقظ منه. وعندما تُحضِر شخصاً وتقول له: تعال، أنتم تقولون أنه لا يوجد عدل اجتماعي، فيقول لك: وما شأني أنا بالعدل الاجتماعي؟ بعضها... ها، أنت لن تستطيع أن تعرف. أنا أرد على المائة شخص الذين سيخرجون ويقولون لي: "لا، نحن لا نقول هكذا، أنت الذي ضد الجماعة، نحن نقول عليكم جميعاً لأنكم جميعاً فتنة
شوهت الإسلام". الرجل ألقوه في سجن طرة، ثم أخرجوه أيضاً، وهو يحكي - رحمه الله، رحمة الله عليه - فيقول: "ظننت أنني سأُقتل هكذا، خصوصاً..." هل قال له أحد مثلاً في الجيش أو في سيارات المكرمة: اخرج حتى لا تجلب لنا مصيبة؟ لأنه يقول لك: خرج الشيخ الغزالي الآن. حاضر، خرج الشيخ الغزالي، أمر رئاسي. أشار إلى سيارة نقل تحمل رملاً، وركب معه حتى نزل في التحرير، وأخذه من التحرير إلى بيته. أين كان بيته؟ جانباً، مُصدّق هكذا، وبعد ذلك أخذ يطرق، واستمر حتى الفجر. بعد أن خرج الساعة الواحدة، وهنا ثلاث ساعات أو نحو ذلك في محاولته أن يجد سيارة، ثم يجد سيارة أخرى. وفي
الليل، زوجته - رحمها الله - عندما رأته أُغمي عليها. سبحان الله، كان - يعني - كان ظريفاً رحمه الذي لا توجد فيه عدالة اجتماعية وفيه نهب للثروات، نعم توجد أخطاء، والأخطاء يحاسبها القانون، والأخطاء تفضحها الصحافة، والأخطاء نحن لا نسكت عليها ونستمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أريد أن أفهم إذا توليتم الحكم ماذا ستفعلون أكثر من ذلك؟ لا شيء. إذاً دعوا حكاية التجريب بهم جانباً، فلهم عدة ليست في مصر فقط بل في دول مختلفة في كل العالم، ماذا فعلوا؟ لا شيء، والعامل الذي حكموه وما قبله في مصر، يعني كادوا أن يلقوا بالبلاد في موارد التهلكة. يعني النبي لم يقل لنا حكيم، صحيح أن ربنا قال يؤتي الملك من يشاء، ليس كما أنني
أنا الذي الملك من يشاء، إذا النبي لم يقل اذهبوا وابحثوا عن جماعة لتقيموا الخلافة وهي إحدى الأمور، أو أنكم تجاهدون، قال اعتزل تلك الفرق كلها، وقال الزم بيتك وكن حلساً من أحلاس بيتك، ولو أن يأتيك الموت وأنت تعض على جذع النخل، قال فكن أنت عبد الله المقتول. ولا تكن أنت عبد الله القاتل. قال: "فإن دخل عليك دارك فادخل بيتك، فإن دخل عليك بيتك فادخل حجرتك، فإن دخل عليك غرفتك فالزم مصلاك، فإن قتلك كنت أنت لك الخير". وقال: "ويكثر الهرج". قالوا: "وما الهرج يا رسول الله؟" قال: "الكذب والقتل". قالوا: "أكثر مما نقتل؟" قال: "أنتم تقتلون". المشركين وهذا يقتل أحدهم
أخاه وابن عمه وجاره قال وهو معهم وقولهم يومئذ يا رسول الله قال يومئذ يسلب الله عقول أهل هذا الزمان يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء وفي البزار وغيره وابن حبان يقول أخاف على أمتي من رجل آتاه الله القرآن حتى إذا بدت عليه بهجته غيره وخرج على جاره بالسيف ورماه بالشرك، فقالوا: "الرامي أحق بها أم المرمي يا رسول الله؟" قال: "بل الرامي". كل هذه الأحاديث هي التي تخبرني ماذا أفعل الآن، وليس أن أُشكِّل جماعة لأقيم خلافة، ولا لأجاهد بجهاد. وانظر كيف اختلفت أدوات الجهاد، فأصبحت بالطائرة والدبابة وغير ذلك. أنت لديك دبابة وطائرة ليست لديك، ولذلك يا داعش، من أين تحصل
على السلاح؟ من أمريكا التي تقول عنها إنها الشيطان الأكبر. إذاً، النبي كان حكيماً ولا يزال حكيماً وسيظل أسوتنا الحسنة الذي يقول لي: احذر أن تضع يدك لئلا تصبح ألعوبة في أيدي الآخرين. صحيح، وحضرتك الآن ألعوبة في أشياء كلها أوهام، وقد تحدثنا عن ذلك على فكرة في حلقة سابقة حول الحكم بغير ما أنزل الله، وكيف تمسك بالإسلام من بعده، وكيف تمسك عبد الرزاق السنهوري بالإسلام، وأنه ليس هناك ولا كلمة موجودة في القانون المدني مخالفة للإسلام إلا ما توهمه بعضهم من الخمسة في المائة. الفوائد الخاصة بالديون وأنكر ذلك في ستة مجلدات "مصادر الحق" لعبد الرزاق السنهوري، وقال: "الربا
هو عندي ربا الجاهلية، وهذا ليس ربا"، وكل هذا حدث قبل انتهاء غطاء الذهب بالطبع. إذاً أنا أمام أناس يحكمون بما أنزل الله. بالتأكيد، فاصل قصير نعطي السادة المشاهدين استراحة، ونعود إلى فضيلة العلامة الإمام نواصل الحديث عن هذه الأوهام التي سيطرت وأذابت أو أزالت عقول هؤلاء من الجماعة. نلتقي بعد الفاصل مشاهدينا الكرام. هذا اللقاء يتواصل في برنامج "المتشددون"، والحديث عن الأوهام العشرة التي تنتهجها الجماعات المتطرفة وبالأصل جماعة الإخوان، مما أدى إلى إنكارها
كثيراً من مقررات هذا العصر وثوابت الدين. فأساءت إساءات بالغة بالحجة والمنطق والمنهجية، يرد فضيلة العلامة الجليل الإمام الدكتور علي جمعة: "مرحباً بفضيلتك يا مولانا، أهلاً وسهلاً. أوهام عشرة تحدثنا عن قسم أو نصيب كبير منها، مثل مفهوم الولاء والبراء والخلافة وغير ذلك. بالنسبة للولاء والبراء، هذا كلام أنت تعرف أنه يعود قديماً إلى أيام سيدنا الإمام نعم، كلمة "الولاء والبراء" كانت سيئة السمعة، كان يُقصد بها شيء آخر غير التعريف الذي يأخذونه الآن. كان يُقصد بها شيء آخر، لكن نفس اللفظ هكذا، نفس اللفظ كان سيء السمعة. يا للعجب! وكان فيما أخرجه أبو يعلى في طبقات الحنابلة ينعي فيه
على أهل الولاء والبراء يعني. يقول أهل الولاء والبراء، والعياذ بالله، سبحان الله، يوقعهم في الكلمة القبيحة، لكن طبعاً بمفهوم آخر، لأننا عندما نأتي ونقول لهم: انظروا الإمام أحمد يقول - أعوذ بالله - عن أهل الولاء والبراء، يقولون: لا، كان يعني شيئاً آخر. حسناً، نحن نعلم، نحن نعلم أنه يعني شيئاً. ثانيةً لأن الأمور التي فعلتموها هذه لم تأتِ إلا بعد تقسيم التوحيد الغريب العجيب الذي لم يقل به أحد، والذي قسمتم فيه التوحيد إلى توحيد ألوهية وربوبية وصفات، وبناءً عليه جاء الجيل الذي بعدهم مثل أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، وصنعوا المصطلحات الأربعة. المودودي صنع المصطلحات الأربعة: الدين والرب. والله لا أعرف، إذ إنه كلام جديد، كلام لم يكن موجوداً، لن
أجده عند الباجوري، لن أجده عند الأشعري، لن أجده في تراث الأزهر. سأجد ابن تيمية فقط هو الذي قسّم هذا التوحيد المثلث الغريب العجيب لكي نستخرج منه الولاء والبراء، لكي نستخرج منه تكفير المسلمين، فيكون إذاً الولاء والبراء... هذه بدعة، من يكتشف بدعيتها قديماً؟ وكان رجل من الصالحين الكبار وكان من أهل العلم ومن العلماء الكبار في مكة المكرمة، نعم. وهذا الرجل يعني عاش في النصف الأول من القرن العشرين، اكتشف خطورة هذا الأمر وأنه بلاء قادم على الأمة، فذهب وألف كتاباً ماتعاً كبيراً وطبعه في الشام. اسمه براءة الأشعريين
نسبة إلى أبي موسى الأشعري وليس نسبة إلى أبي الحسن الأشعري، براءة الأشعريين. وفي براءة الأشعريين قال: "إن التقسيم التوحيدي هذا تقسيم كأنه إبليسي وسيؤدي إلى تكفير المسلمين ولا يعرفه أحد من علماء المسلمين عبر القرون"، يعني الأقوال التي تتهم ابن تيمية فعلاً بأنه كان. لديه أفكار خاطئة وأنه ربما أصل التكفير وما إلى ذلك، هذا أمر صحيح. وكما أقول لسيادتك، مثل الخطأ الذي يرتكبه حسن البنا، ينحرف خطوة لكن بعد تتابع الأجيال تتسع الخطوة بعداً عن الحق. ابن تيمية أخطأ خطأً لكن لو بنينا على... هذا الخطأ الذي ارتقى إلى مستوى الجريمة، فليس ابن تيمية هو المجرم، ولم يصحح بعدها مولانا، أو لم ينتبه،
لا أعرف، لم يعرف لأنه كان -يا عيني- مسيطرة عليه فكرة قبول النصوص على ما هي عليه. وهذا ليس صحيحاً، إنه غير قادر، ولذلك انتقى من التراث انتقاءً هكذا في الأغلب. ما له إلى التجسيم في حق الله تعالى، ولذلك العلماء غضبوا منه طبعاً، نعم، ولكن عندما نتناول تراث ابن تيمية ونقرأه كلياً بشكل متكامل، نجد أنه أخطأ، هذا صحيح، كلام مخالف للعلماء، شذوذات ابن تيمية بخروجه عن آرائهم، لكنها لم تصل إلى درجة الجريمة، والتكفير، ثم إراقة الدماء، ثم الفرقة، صحيح أن ابن تيمية لم يفعل ذلك، بل الأجيال المتتالية هي التي بنت على خطأ خطوة وسارت في هذا التوجه. آخرها
ماذا؟ أتنتبه؟ صحيح أن هناك شيئًا يسمى المذهب، وهناك شيء يسمى لزوم المذهب. فابن تيمية ارتكب خطأً، لكن هل يجب أن يكون هذا الخطأ هو الذي نراه؟ نعم، ولكن ابن تيمية لم يقل بهذه اللوازم إطلاقاً ونهائياً، ولذلك نستطيع أن نقول إنه أخطأ، لكنهم أجرموا بالفعل. نعم، فإذاً عندي هنا أن مسألة الولاء والبراء هذه مسألة منتهية، لأن العربي التباني عندما ألف كتابه "براءة الأشعريين" وطبعه في دمشق - وهو من أهل مكة - خاف على نفسه أن يُقتل هؤلاء الناس الذين يعتقدون هذه الاعتقادات يقتلون فوراً بالفعل، فذهب مسمياً نفسه أبو حامد المرزوقي في مجلد
كبير هكذا من جزأين تقريباً، ومن تأليف من؟ أبو حامد المرزوقي. من هو أبو حامد المرزوقي هذا؟ لن تجده، إنه الشيخ العربي التباني، وجلس هؤلاء الناس يبحثون عن من هو أبو حامد المرزوقي يرونه، يقتلونه، يفعلون به كذا، إلى آخره. إذا كان الأمر كما هي الفتنة التي نراها هذه، يقولون: "الله، هي هذه فجأة؟" لا، ليست فجأة، ليست فجأة. إنهم يخططون ويرتبون الأمور. فأبو حامد المرزوقي هذا هو براءة الأشعريين، ما زال يُطبع تحت اسم أبي حامد المرزوقي، على فكرة، وهو الذي المهم أن الشيخ العربي التباني أحس أنهم سيصلون إليه لأنهم ذهبوا إلى الشام وسألوا في
المطبعة وتقصوا أين هو وبحثوا كذا إلى أن وصلوا إلى الرابط الذي يدل على معرفته، فذهب إلى الحرم، إلى الكعبة، ودعا الله سبحانه وتعالى أن يتوفاه إليه غير مخزي ولا مفتون في دينه، فمات بعد دَعا على نفسه أنه ربٌّ، ليس دَعا على نفسه بمعنى أنه دَعا لنفسه بالخير، أي مثلما يُقال أو كما فعل الإمام البخاري. الإمام البخاري فعل ذلك ودعا لنفسه قائلاً: "يا رب إذا كانت الحياة خيراً لي فأحيني، وإذا كان الموت خيراً لي فأمتني"، فتوفي بعد ذلك. يوماً، سبحان الله، الشيخ العربي التباني الذي هو صاحب براءة العريين توفي، وقد ردّ فيها على موضوع الولاء والبراء هذا وأنهاه، ولكن يُخفى هذا الكتاب ولا يُعلن عنه، وتُشترى نسخه التي وُجدت في السوق. ما هذه
الحيلة؟ إنها حيلة حقيقية. هل تلاحظ كيف إذا الولاء... والبراء هذه كلمة تُعد بدعة، والحمد لله أنها كانت في ماضي الأيام كلمة سيئة، والحمد لله أنه تم الرد عليها بالتفصيل عند العربي التباني أبي حامد المرزوقي، والحمد لله أنها لا تمثل إطلاقًا لا في أصولها التي هي تقسيم التوحيد الثلاثي الغريب العجيب هذا، نعم، ولا المصطلحات الأربعة ولا غيرها. أي نوع من أنواع العلم المعتمد، إنما الأفكار والآراء والخواطر، حسناً، ليس من اختصاصنا التدخل فيها. نتحدث في قضية الخلافة، لدينا هذه الخلافة ليس نحن من أنهيناها، وليس نحن من سنقول هل
هي شيء يوافق عليه الدين أم لا. لماذا الوحدة؟ يعني لابد أن نتحد، فالدين موافق عليها، ولكنها انهارت، أحاول أن أنقلها وقد حدث: انهارت الخلافة الأموية فذهبوا آخذين الأمويين أنفسهم متجهين إلى الأندلس وأسسوا خلافة هناك، والعباسيون تولوا بغداد وبقية العالم صحيحٌ، وأصبح هناك خلافتان. انهارت الخلافة العباسية في بغداد بدخول التتار سنة ستمائة وستة وخمسين، فذهب الخليفة هارباً إلى القاهرة، وظل المسلمون بلا خليفة لمدة تقارب الثلاث إلى عشرة أيام قبل أن انتقل إلى القاهرة من بغداد وأقام نفسه خليفة في القاهرة، والحمد لله رب العالمين. وظل هذا الخليفة موجوداً في القاهرة إلى أن دخل سليم
خان التركي سنة تسعمائة وخمسة وعشرين، من ستمائة وستة وخمسين إلى تسعمائة وخمسة وعشرين، أي مائتين وخمسة وسبعين. سنةً أخذ الخليفة معه وعظّم له هكذا سليم خان، قال له: "مولانا الخليفة أنت رمز، فتعال معي". وأخذوه إلى اسطنبول وأكرموه وأعطوه هناك مكاناً جميلاً جيداً، قصراً يليق بمنصب الخلافة. وبقي الرجل هناك حتى توفاه الله. فأعلن سليم خان نفسه خليفة، وهكذا بدأت الخلافة العثمانية. حدث هذا الكلام بعد ربما عشر أو خمس عشرة سنة من عام تسعمائة وخمسة وعشرين، أي أننا سندخل في عام تسعمائة وأربعين. نصّب نفسه خليفة واستمر هذا الوضع حتى عام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين، في
السادس من مارس، فقام مصطفى كمال أتاتورك يقفز كالشخص المحاصر في النار، وظل يتحدث ستاً من أجل أن يتخلص التركي من أمرين: الأول كل الدول المحيطة بنا، والثاني الخلافة الإسلامية، فكر فؤاد في أن يصبح خليفة لكي يستعيد الخلافة التي سقطت في الرابع من مارس أو السادس من مارس سنة أربع وعشرين. فعقد مؤتمراً هنا سنة خمس وعشرين وجمع علماء المسلمين، لكنهم لم يتفقوا على نحن ضد الخلافة أم لسنا ضد الخلافة؟ نحن لسنا ضد الخلافة، لكن الواقع هكذا. لنرجع إلى سيدنا في المحجة البيضاء. يا سيدي، الخلافة ذهبت ولم نستطع إنشاءها مرة ثانية. حدث مؤتمر الخلافة في الهند فاحتله الإنجليز، وهنا كان
الوفد ضد فكرة تولي الملك أحمد فؤاد يا سيدي يا... رسول الله، الحال هكذا ونحن أصبحنا في عام ألفين وخمسة عشر، ماذا نفعل؟ قال لنا: اسكتوا. قال لنا: اسكتوا. لم يقل لنا افعلوا، لم يقل اقتلوا، لم يقل اقتلوا ولا افعلوا شيئاً. قال لي: اسكت، ارفع يدك من هذه المسألة. حسبنا الله ونعم الوكيل. أرى فضيلتك يا مولانا الحقيقة يعني. على كل هذه الأطروحات وهذه الأمور المبنية على علم ومنهجية ومنطق وفكر، لنوضح لأنفسنا وللسادة المشاهدين حقيقة هذه الأوهام والأفكار المتطرفة لجماعة الإخوان وغيرها. على خير نلتقي في حلقة قادمة بإذن الله، حتى ذلك الحين أشكر ضيفي الكريم فضيلة الإمام العلامة الجليل الدكتور
علي جمعة، أشكر حضراتكم ونترككم دائماً في... معي حتى اللقاء يا أجمل روح وأوثقها
    المتشددون | حـ 36 | الأوهام العشرة لجماعة الإخوان والتكفيريون جـ2 | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا