المتشددون | حـ 38 | الجماعات المتطرفة التي تولدت عن جماعة الإخوان جـ 1 | أ.د علي جمعة

ورحمة الله وبركاته مشاهدينا الكرام، لقاء جديد يجمعنا وحلقة جديدة من برنامج "المتشددون". مازلنا نواصل هذه الرحلة الفكرية التاريخية الإيمانية مع فضيلة العلامة الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، والحديث عن الفكر المتشدد الذي أصاب الإسلام وأعطى انطباعًا سيئًا للغاية في ظل تصدي بعض الجماعات للحديث باسم الله إن صح التعبير وتقديم صورة سلبية عن صحيح الإسلام، نتحدث عن الإسلام الصحيح ولا نقول المعتدل أو الوسطي لأن الأصل في الإسلام هو الاعتدال والوسطية. اسمحوا لي بداية أن أرحب مجدداً
بفضيلة العلامة الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة، مرحباً فضيلتكم يا مولانا. أهلاً بك، أهلاً وسهلاً ومرحباً بك يا الحقيقة تناولنا حلقات كثيرة مع سيد قطب ومع الأفكار المتشددة ومع حسن البنا ومع بعض التصرفات التي لا تتسق مع العقل والمنطق والعلم والمنهجية ولا حتى الإسلام. اليوم أود أن أتوقف مع فضيلتك عند بعض الجماعات التي خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين وخطورة ذلك على الصورة الكاملة للإسلام في... بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الإسلام كما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. إنه يرفض فكرة الجماعات، نعم، ويرى أن هذه الجماعات تشتت ولا تجمع، وتقدح
في... وحدة الأمة، ولذلك كل آيات القرآن الكريم وكل الأحاديث النبوية المتكاثرة تدعو إلى عدم التشرذم وعدم التفرق وعدم إحداث جماعات، واجتياز جماعة هو في حد ذاته مثير لسؤال: أأنت جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟ أي جماعة ستتكون سيترتب عليها هذا السؤال، وحينئذ ولو بدأت وقالت: نحن جماعة من المسلمين. كما حدث في جماعة الإخوان المسلمين فإنها ستؤول إلى الفرقة بعد ذلك وإلى التشرذم. الفرقة والتشرذم قد يكونان صادرين من الجماعة مباشرة، وقد تكون هذه الجماعة بتشرذمها الداخلي أنشأت جواً في البلاد
والعباد يتيح التشرذم، وهذا هو ما حدث مع الإخوان المسلمين في تجربتهم المصرية. في تجربتهم المصرية اصطدموا مع... الحكومة واصطدموا مع الملك وقتلوا أحمد الخزندار وقتلوا أحمد ماهر وقتلوا سليم زكي وقتلوا النقراشي باشا وقتلوا وحاولوا قتل عبد الناصر إلى آخره، وبناءً على هذه التصرفات الساذجة نشأ سيد قطب الذي دعا إلى عمل جماعة تعلّم الناس المسلمين حيث إنّ الإسلام فُقِدَ منذ قرون، وهي الكلمة التي جارت على لسان أبي بكر البغدادي في خطبة الجمعة التي ألقاها أن الإسلام لا وجود له في الأرض منذ قرون. هذه الكلمة هي كلمة سيد قطب لكي نعرف فقط الأثر والتأثر. الإسلام لا وجود له منذ قرون على الأرض، إذن فالديار
المغربية ديار كفر، والديار السعودية ديار كفر، والديار الباكستانية كذلك. ديار، وهكذا يعني لا يوجد إسلام على هذه الحاشية. سيد قطب بانحرافاته الفكرية وهشاشة عقليته ونفسيته وشخصيته أصبح هو المرجع لدى كثيرين. وقلنا إن عبد الناصر أخطأ خطأً بليغاً عندما منحه شهادة الشهيد التي استغلوها بعد ذلك. هو ليس شهيداً ولا شيء، لأنه يعترف على نفسه بأنه مجرم. جميع الأنظمة لكن هذه الأنظمة جاهلية وهذه الأنظمة كذا، لا يهم، هذا تأويله وهذا وضعه، وتكلمنا في هذا بالتفصيل. سُجنت الجماعة في سنة أربعة وخمسين لجريمة محاولة الانقلاب، وسُجنت في سنة خمسة وستين لهذه الجريمة. تولدت منها ومن داخلها جماعات أخرى، حُبس معهم ولأنهم
كانوا منتمين إليهم واحد كان صبياً. في كلية الزراعة اسمه شكري مصطفى، وشكري مصطفى هذا هو من الإخوان المسلمين فقُبض عليه في سنة خمس وستين. تربى في الجماعة، وهو عندما دخل الجماعة دخلها بتربية أو بنفسية خاصة؛ فأبوه كان عمدة قرية في الصعيد، وماتت أمه فتزوج الأب امرأة أب قاسية كانت تضربه وتهينه وتعذبه، فكان يخرج. كما هو يحكي إلى بعض الأشجار في الشرق يضرب بالفأس من غيظه صادق صديق حميم اسمه منيب، نعم، والاثنان دخلا جماعة
الإخوان المسلمين والاثنان قُبض عليهما، وكان حينها في السنة الثالثة بكلية الزراعة، أي شاب صغير. شكري مصطفى في السجن الحربي، الشاب عنيد ومنيب أكثر عناداً منه، غير راضيين أن لم يكونوا راغبين في التحدث والاعتراف، وأثناء التعذيب قُتل منيب أمامه، قتلوا منيب، نعم، فعندما قُتل منيب أمام شكري اختلت نفسيته تماماً وأصبح مختلاً. أنا أحمّل المسؤولية للإخوان طبعاً. الإخوان أسست جماعة تخيل أنها لم تُؤسس، ولو كان الناس هكذا لما حدث إطلاق نار، ولما حدث النظام الخاص. ما كانَت
حدثت تلك الجرائم وما كانت وقعت هذه المصيبة أنَّ الشاب الذي يُعذَّب ويُقتَل، نعم، لأننا غير قادرين على انتزاع اعتراف منه. يعني مثلاً، نعم، كل هذه مصائب، كلها مصائب، حتى من جانب الحكومة التي تتيح لأتباعها أن يعذبوا أو يضربوا أو شيئاً من هذا القبيل، وهذا ما نرفضه. التطرف في الناحيتين مرفوض وهذا غير إنساني وغير شرعي وغير كل شيء. نعم، انتهى الأمر. مَن سببه؟ أليست هذه الجماعة؟ ألسنا نحن الذين نقول هكذا؟ فجماعة الأزهر والناس الذين لا يعجبونهم يقولون هكذا: لماذا تصطدمون مع الحكومة؟ لماذا تثيرون الفتنة؟ لم تصل إلى هدفك، حتى هدفك الذي نحن غير موافقين عليه أصلاً، نعم أنك أنت تحكم. يعني لا وصلت إلى هدفك، ولا عندما وصلت إلى هدفك أصبحت شيئاً، ولا
نجحت. والحقيقة صحيح أن الشاب منيب قُتل أمام الشاب شكري مصطفى. شكري مصطفى رأى منيب يُقتل أمامه، فقال: "أهذا كلام؟ حسناً، هؤلاء الناس مسلمون؟ قال: والله ليسوا مسلمين. ها قد بدأت آفة التكفير. يساعد في ذلك أفكار سيئة طبعاً، تلك التي تقول أن الإسلام لا وجود له. إنه التوهم إذاً. آهٍ من ذوي القلوب عندما نُحضِر الشباب أفراد الإخوان، الناس الذين تربوا على أن يصلوا، أن... يكون صائماً أن يكون ملتزماً بالفعل، لم تكن لديه مسألة التكفير هذه وكان يستغربها وكان على هذا المذهب أولاً مصطفى مشهور، نعم الذي كان مرشداً في الثمانينات، كان في الثمانينات مرشداً ولكنه تحول إلى القطبية. كان يرغب كثيراً أن يصبح
رئيس الجمهورية مصطفى مشهور، مصطفى المشهور. نفسه تماماً كان في الجلسات الخاصة، مصطفى المشهور ينكر التكفير وينكر على سيد قطب وأشياء مثل ذلك، وبعد ذلك عندما جاء عمر التلمساني، أصبح قبل أن يكون مرشداً صاحب منصب، وأصبح بعد ذلك مرشداً للإخوان المسلمين، ولم ينل مراده، ومسكين لم يصبح رئيس جمهورية، فرئاسة الجمهورية دنيا وليست ديناً، هذا إنا لله وإنا إليه راجعون. إنها الدنيا حقاً وليست الدين، إنها الدنيا، والدنيا تطلب بسذاجة في ظل عباءة الإخوان المسلمين. وفي السجن تكونت عند شكري مصطفى فكرة تكفير أصحاب الذنوب أو من يرتكبون ذنوباً، فهم كفار داخل السجن. وبدأ يبحث في القرآن الكريم عما
يؤكد له هذا حتى يحصل على. الآية الكريمة التي تقول: "والكافرون هم الظالمون" فقال: إذا أي شخص ظالم يكون كافراً، لكن الآية ليست هكذا. الآية حددت ذلك حتى للعامة، للتوضيح، أن "والكافرون هم الظالمون" وليس "الظالمون هم الكافرون". عطاء بن أبي رباح كان يقول: "الحمد لله الذي قال والكافرون هم الظالمون ولم يقل والظالمون هم الكافرون". لأنه لو قال "والظالمون هم الكافرون" لكان معنى ذلك أن أي شخص ظلم نفسه أو ظلم غيره يصبح كافراً، لكن الذي قيل هو "الكافرون هم ظلموا أنفسهم" وليس أن كل من ظلم نفسه يصبح كافراً، فالصياغة كانت هكذا "والكافرون هم الظالمون" واستدل من هذه الآية على أن كل ظالم كافر سيدنا يونس سيدنا يونس يقول
إني كنت من الظالمين، فاضطر أن يقول إذن يونس كفر وأسلم، وبدأ من هنا بتزوير ما يسمى بسوبر تكفير، يعني هناك تكفير لا يكفر الأنبياء، وهناك سوبر تكفير يكفر الأنبياء. سوبر تكفير، سوبر تكفير، هذا فعلاً أُطلق عليهم هكذا، وكانت هناك مجموعة بعد ذلك قُبض في ثمانينيات كان اسمها سوبر تكفير. التكفير هو الذي يكفّر الناس العاديين، أما سوبر تكفير فقد وصل إلى تكفير النبيين المعصومين، الذين يوحى إليهم. يعني ورطة دنيا وضلال، هذا ما حدث. نحن نريد فقط أن نوصل للناس ما الذي حدث. الناس حائرة، ما الذي حدث؟ الذي حدث أنه... الأستاذ منيبت قُتل أمام الأستاذ شكري. الأستاذ شكري ومعه أربعون شخصاً من قوة
التعذيب هذه، وقد كفَّروا الناس جميعاً. ظل شكري يغير في رأيه مراراً، وظل هؤلاء الأربعون يتناقصون شيئاً فشيئاً لأن الوضع قد هدأ، وانتهت القضية. القضية. في كتب يقرؤونها خاصة بشيء لا أعرفه، استفاقوا من ورطة هذه القصة. شكري لم يستفق هو وثلاثة أو أربعة، ظلوا في غيهم وضلالهم. وعندما خرجوا من السجن، أنشأوا شيئاً اسمه "التكفير والهجرة". كانت تسمى "التوقف والهجرة"، توقف قليلاً، وفي النهاية أصبحت "التكفير والهجرة"، لكن في البداية كان... التوقف والهجرة، وشكري كان يقول: "يا جماعة، من معي فهو مسلم"، توكلنا على الله مرة أخرى،
"ومن ليس معي فهو كافر"، ما شاء الله! فالقضية أنني أدعوكم إلى الإسلام، فإذا وافقتم وجئتم معي، الحمد لله رب العالمين، تكونون قد دخلتم الإسلام. حسناً يا شكري، معنى هذا أنك أنت... شرطٌ من شروط الإسلام، قال: نعم. حسناً يا شكري، معنى هذا أنك أنت تقول: أنا مجتهد ويجب أن يكون كل من حولك مجتهداً. قال: نعم. حسناً، فهل أطفال بائعي الفجل والخضار الموجودون في السيدة زينب الذين اتبعوه مجتهدون؟ قال: نعم. إذاً أصبح الاجتهاد جزءاً من الإسلام، وهذا الذي... سنراه لاحقاً في الجماعات التي تولدت من الإخوان المسلمين والتي انتهى بها الأمر إلى داعش وبيت المقدس وغيرها، حيث يتحدثون عن عشر مصائب يعتبرونها مبرراً لخروجهم وإزالتهم. هذا
من ضمن التقليد، أن أقلد الشافعي أو مالك أو أبا حنيفة، أن أقلد العلماء، "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم". لا تعلمون. طيب، أنا أستأذن فضيلتك لحديث متواصل في نفس النقطة: خطورة الجماعات، وما هي الجماعات التي تولدت من جماعة الإخوان. في هذه الحلقة بعد الفاصل، مشاهدينا الكرام، ابقوا معنا. نحبكم مشاهدينا الكرام، ونتواصل معكم في برنامج "المتشددون". الحديث مع فضيلة العلامة الجليل الإمام الدكتور علي جمعة عن الجماعات التي من عباءة جماعة الإخوان، بدأ شكري مصطفى يُكفِّر الناس، ووصف كل من معه بالإسلام
وغير ذلك من الكافرين. يا مولانا، كل الناس كفار إلا إذا صدقوا بما يقول. وكان في الحقيقة ضعيفاً جداً في اللغة العربية، وكان ضعيفاً جداً في الفقه، ليس لديه اطلاع على فقه ولا على أصول. كذلك ولم يكن لديه الوقت حتى لهذا. كان يواصل، أي يصل الليل بالنهار في الحديث مع عامة الناس حتى أصبح معه نحو ثلاثمائة شخص لا يزيدون عن ذلك، وبدأ في تكفير المجتمع. لقد التقيت به وقلت له: "يا شكري، سأسألك سؤالاً. أنا رجل شافعي المذهب، أعرف الإمام الشافعي جيداً". أنا عقيدةً وفقهاً وأصولاً وشريعةً، يعني بالصورة. نعم،
فأريد أن أسألك سؤالاً: الشافعي كافر أم متوقف في حكمه أم مسلم؟ فقال لي: ولماذا هذا السؤال؟ كان شكري يُناظر كثيراً ويُناقش كثيراً ويُسجل نقاط الضعف ويغيرها، فكان مذهبه يتغير تقريباً كل يوم. كل يوم عندما تقابله بعد أسبوع تجده يتكلم كلاماً مداخل أخرى غير التي تكلم بها أولاً جميل فقال لي: ولماذا هذا السؤال؟ قلت له: السؤال مهم لأطمئن على نفسي، هل أنا مسلم أم متوقف في إيماني أم كافر؟ لا بد أن تنظر في هذه المسألة. قال لي: أنا أفضل شخص دافع عن الإمام الشافعي وما إلى ذلك. قلت له: لا تدافع، أنا أريد أن أسألك سؤالاً معيناً. قال لي
مسلم، بعد أن قال لي مسلم، فقلت له: حسناً، إذن أنا مسلم لأنني أتبع الإمام الشافعي بالضبط. هل انتبهت حضرتك إلى منهجه وآرائه وعقيدته وشريعته وأصوله وفقهه وترتيب أدلته وكل شيء والذي سيقول... الآن لديّ صورة من الإمام الشافعي وأنا راضٍ، فهو مسلم وأنا أيضاً مسلم، فما الفرق؟ ما الفرق؟ قلت له: ماذا تعني؟ فقال: "الشافعي لم يرني". إلى هذا الحد من المهازل وصلنا، هذه مهزلة. يعني حضرتك، شرط من شروط الإسلام؟ قال لي: أنا أدعو إلى الإسلام، هذا الإسلام. ما أعتقده أنا، ومن هنا هذه النقطة دقيقة جداً في ما يحدث في داعش. ما يحدث أن الناس تستغرب لماذا يفعل هؤلاء هكذا؟ لماذا يفجرون أنفسهم هكذا؟
أحقاً الناس غبية أم ماذا؟ إنه يرى نفسه فقط أنه هو المسلم، فقط أنه هو المسلم، هكذا هو الإسلام يعني. قلت له: "حسناً، هذه ورطة أنت واقع فيها الآن". قال: "ماذا؟". قلت له: "القرآن الكريم وصل إلينا ليس من المصاحف، بل من المشايخ، صحيح من الصدور، من الصدور". قال: "نعم، ماذا تعني؟". قلت له: "حسناً، أنت بالنسبة للشيخ الحصري، كان الشيخ الحصري عاش، والشيخ فلان، وفلان، وفلان"، وذهبت وقلت... منهم الناس الذين تلقينا منهم القرآن، كان الشيخ محمود برانق والشيخ عيسى برانق والشيخ عامر والشيخ، يعني ما شاء الله، أكفار أم متوقف في أمرهم أم مسلمون؟ هؤلاء الناس الذين قرأوا القرآن، هؤلاء من طبقة الشيخ الهمداني
الذي تلقينا عليه. هل أصبح هؤلاء الناس كفاراً، فيصبح القرآن في... إذا كان سنده خلف وليس مسلمة، فكلامك كله خطأ، وإن لم تتوقف عندهم فسنتوقف. فماذا أفعل الآن؟ قال: لا، القرآن شيء سهل، هناك قرآن زهر في اليمن يا سيدنا. قلت له: القرآن زهر في اليمن؟ ماذا يفعل؟ قال: الزهر في اليمن - الله - ألم تقرأ هذا أم ماذا؟ في القرآن الذي أزهر في اليمن قلت له: "وماذا فعلوا بهذا القرآن الذي أزهر في اليمن؟" قال: "لا، هناك قرآن أزهر في اليمن بهذا الشكل" أمام أتباعه. الحوار كان في حضور أتباعه. بعد هذه الحوارات، واحد من أتباعه تركه وذهب إلى شخص آخر لأخبرك أن المشرب هو...
أصبحت البلد في ذلك الوقت أربعة وسبعين تزدحم بالجماعات. كان في البلد نحو مائتي جماعة، بينما رصدت المباحث في وقتها منهم بضعة وتسعين. جاء مستشرق وأخذ بيان البضعة والتسعين هؤلاء وعمل لهم جدولاً، والكتاب موجود "الجماعات الإسلامية في مصر". لكن كان كل خمسة أو ستة أشخاص يشكلون جماعة، وكل هذا نتيجة خروج الإخوان المسلمين من المعتقلات وعدم وجود الرابط والضابط وغياب المؤسسة الرسمية في هذا الوقت، فالأزهر لم يضع يده في هذا المجال. يعني إضعاف الأزهر أو
غيابه بدأ منذ فترة طويلة وليس حديثاً يا مولانا. أنا أتذكر في سنة أربعة وسبعين أنني ذهبت إلى الشيخ. جليل شيخي وشيخي بعد ذلك أيضاً شيخ جليل من علماء الأزهر يعني كبير جداً. فبعد أن انتهى من الدرس في الأزهر، مشيت معه حتى الباب وقلت له: "سيدنا، أنا كنت أريد أن أسأل سؤالاً"، فقال لي: "نعم" وتوقف. فأنا قلت: انظر إلى العلماء وانظر يعني شيء جميل جداً. قال لي، هل الكلام الذي يقوله سيد قطب هذا صحيح أم خطأ؟ نظر إليّ هكذا
ثم أدار وجهه وانصرف، أعرض عني ولم يجب، لم يتكلم ولا كلمة واحدة. شعرت بالخجل وأدركت أنني وقعت في خطأ كبير، لكنني لم أحصل على الإجابة. هل سيد قطب هذا على صواب أم على خطأ؟ وذهبت. الشيخ الثاني في البيت قلت له أنا حدث موقف هكذا، أنا متضايق، لكن هذا يدل على أن المؤسسة الرسمية غير موجودة في هذه المنطقة خلاص، يعني هذا كأنها سياسة، والسياسة نجاسة، ونحن ليس لنا دعوة بها، صحيح. فعندما ذهبت للشيخ الثاني هذا في البيت قلت له: يا مولانا أنا أريد أفهم هؤلاء الناس، يعني يكتبون وما إلى ذلك، ولديهم أتباع كثيرون، وبدأ انتشارهم. هل هم صحيحون أم مخطئون؟ فقال لي كلمة ما زالت ترن
في أذني حتى الآن: "لم يقرؤوا الخريدة، التي للشيخ الدردير". قلت له: "لم يقرؤوا الخريدة؟ يعني هذا هو سبب كل البلاء الذي نحن فيه، أنهم قوش الخريدة معروش الخريدة قال لي أه، قلت له: "الخريدة فيها ماذا؟ ماذا تقول؟ ماذا تقول يعني؟" فقال لي: "تقول أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة صحيح ثم الجواز ثالث الأقسام، فافهم مُنحت لذة الأفهام". قلت له: "أقسام حكم العقل الثلاثة الواجب والممكن أو الجائز والمستحيل". قال: لي نعم، هم لا يعرفون ذلك، هم مضطربون، يا سلام مضطربون،
نعم، ولكن وكذب رحيم بهم أيضاً حتى في الرأي، يعني مضطربون. قال لي إذا صحت البدايات صحت النهايات بالتأكيد، وإذا فسدت البدايات فسدت النهايات، مقدمات تؤدي إلى نتائج، يعني قال لي وقتها في هذه الجلسة وهو كأنه يربت علي. السيدة نفيسة قالت عن الإمام الشافعي رحمه الله: كان يُحسِن الوضوء. يا سلام على الوضوء يا جماعة! هؤلاء الناس لم تصح بدايتها فلم تصح نهايتها. أنا اكتفيت بهذا كإجابة، لكن هذا كان في البيت وليس في الجامع. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الجامع كان
ساكتاً والعالِم لا يعرف الفراغ، وهذا هؤلاء يُفسحون الساحة لهذا الفكر وينتشرون. نعم، يمكننا أن نفرد في حلقات قادمة استكمالاً لهذا الموضوع إذا أردت فضيلتك، وننتقل أيضاً إلى بعض الجماعات الأخرى مثل السلفية والأفكار الوهابية وما إلى ذلك. إن هذا موضوع خطير جداً، يعني من المهم أن نعرف من أين خرج كل هذا الفكر، وهذا شيء هذه الأفكار وخطورة فكرة الجماعات في الإسلام يا مولانا، لو أذنت، إن شاء الله نلقاكم في حلقة قادمة بإذن الله، حتى ذلك الحين نترككم في أمان الله ورعايته.