المسؤولية المجتمعية | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم روى سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه كما ورد في صحيح الإمام البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة
في هذا الحديث يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسؤولية الاجتماعية التي تندرج تحت خلق التعاون الشعور بالانتماء، الشعور بأن العالم أنا في حاجة إليه وهو في حاجة إلي، ولذلك اغرس غرسا أو ازرع زرعا فتخرج نخلة مثمرة يأكل بلحها ناس يقتاتون به أو يأكل ثمرتها طير أيضا يقتات بها، فإن الله سبحانه وتعالى يحسب لنا كل ذلك صدقة، إذن
الصدقة ليست ليس بالمال فقط تكون الصدقة، بل أيضا بفعل الخير، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. كان هناك أحد الولاة يدعى محمد بك أبو الذهب. محمد بك أبو الذهب أنشأ مسجدا بجوار الأزهر وهو ما زال قائما حتى الآن، وهو المسجد المطل على باب الأزهر الرئيسي الذي يسمى بباب المزينين. إذا نظرنا إلى المئذنة التي فوق مسجد محمد بك أبو الذهب وجدنا أربعة صوامع كان يضع فيها القمح أو الشعير من أجل طيور السماء فطيور السماء تأتي إلى
هذا المكان وتلتف حوله وتأكل منه لأن في إطعام هذه الطيور صدقة فانظر إلى هذه المعاني أنا أزرع أو أغرس الزرع يكون في الأرض من ما لا جذور له ولا جذع له ولا كذلك والغرس يكون للنخيل وللأشجار المثمرة وما إلى ذلك فسواء كان الغرس أو الزرع أنا أفعل ذلك بنية إفادة الإنسان بل وإفادة الطير والحيوان يعتبر صدقة إذ أن الصدقة ليست فقط بهذا المعنى الضيق من إعطاء المال بل إن التبسم في وجه صدقة، بل
إن الدال على الخير كفاعله، بل إنك تدل المسترشد يعني واحدا يسألك عن عنوان أو نحو ذلك فتدله فلك بذلك صدقة، وهكذا نرى هذه القيم الاجتماعية لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده ولا يستطيع أن يستغني عن الآخرين ولا أيضا يأمره الدين بأن ينعزل ويترك الخير فلا للآخرين بل لا بد له أن يفيد وأن يستفيد أن يأخذ وأن يعطي عن أبي سلام قال أبو ذر على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة
يبقى علي أن أتصدق كل يوم كيف هذا وأنا ليس معي من المال ما يكفي في كل يوم طلعت فيه الشمس صدق على نفسه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك قال قلت يا رسول الله من أين أتصدق وليس لدينا أموال قال إن من أبواب الصدقة التكبير أي عندما يجلس الإنسان يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ويذكر ربه تكتب له صدقة وسبحان الله عندما يسبح تكتب له صدقة والحمد لله ولا إله إلا الله واستغفر الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر
وتزيل الشوكة عن طريق الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تكتب مثلا مقالة صالحة تأمر فيها بالمعروف وتنهى عن المنكر في جريدة متداولة فإن لك بذلك صدقة إذن مفهوم الصدقة مفهوم واسع يشتمل على هذه التصرفات قد تكون سياسية وقد تكون اقتصادية وقد تكون دينية وقد تكون غير ذلك وكل ذلك من دين الله وإزالة الشوكة عن طريق الناس تعد صدقة وإزالة الشوكة عن الطريق والعظم والحجر الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن
الطريق الناس والحياء شعبة من شعب الإيمان، تخيل أن هذا من شعب الإيمان أن تزيل وأن تفسح الطريق وأن تنظف الطريق. إذا الذي يلقي بالقاذورات من سيارته والذي يأكل الموز ويرمي القشر حتى يصيب الناس في أبدانهم هو من شعب غير الإيمان، وغير الإيمان هذا ماذا يعني؟ غير الإيمان سيكون من شعب الكفر كل المعاصي من شعب الكفر وكل الطاعات من شعب الإيمان، نحن لا نكفر من يفعل ذلك ولكن نقول له أنت ارتكبت شيئا قبيحا ينبغي عليك أن تقف وأن تراجع نفسك وأن لا تفعل ذلك بعد هذا لأنه من شعب
الكفر، أي هل الكفر جميل؟ الإيمان هو الجميل وهو الذي يثيبك عند الله وتزيل الأشواك عن طريق الناس والعظام والأحجار وتهدي الأعمى وتوصل الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه وتدل المسترشد على حاجة الله قد علمت مكانها وتسعى بقوة ساقيك إلى المتلهف المستغيث وجدت واحدا يصرخ ولذلك نجد كثيرا هذه النماذج الطيبة شرطي قتل أثناء اشتباكه مع من أراد أن يمنع اغتصاب فتاة فهذا
يعد إن شاء الله من الشهداء، شخص يغرق فينزل آخر وينقذه، لصوص يعتدون على أحد من الناس فيأتي المواطنون وينقذونه فإذا أنقذ هذا الإنسان من أولئك اللصوص، الشهامة التي كان يضرب بنا المثل فيها وابن الحي وابنة الحي وما إلى ذلك هذه الشهامة من دين الله وتسعى بشدة ساعية إلى المتلهف المستغيث، أي بشدة سعيا، أي بسرعة تجري لأن هناك أحدا قال أنقذوني، وليس يقول له ما شأني، ليس لي علاقة يا عم اتركني. كل هذا التهاون والاستهانة والاستهتار،
كل هذا لا يعرفه خلق الإسلام. يا بني شخصية متوازنة قوية. تسعى بشدة بساقيها إلى المتلهف المستغيث وترفع بقوة ذراعيك مع الضعيف في مأزق أو حال، والذي يريد من يحمله فيقول لك ساعدني، ولكن أنتم هكذا على ظهري أو على كتفي أو ما شابه ذلك إلى آخره، فيساعدونه، قال لك بأن هذا صدقة، حتى هذه الحركة لك بها صدقة، كل ذلك منك على نفسك وبعد ذلك ينتقل إلى ما هو أدق من ذلك فيقول له ولك في جماع زوجتك أجر قال أبو ذر يا رسول الله كيف يكون لي أجر في شهوتي فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كان لك ولد فبلغ ورجوت خيره فمات أكنت تحتسب به قلت نعم، قال فأنت خلقته؟ قال بل الله خلقه، قال فأنت هديته؟ قال بل الله هداه، قال فأنت ترزقه؟ قال بل الله يرزقه، قال كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر. إذن فالعلاقة بين الرجل والمرأة أساسها الزواج وكل علاقة خارج الزواج هو علاقة يقرها الشرع الشريف فقال له أنت تقضي
شهوتك نعم ولكن تقضيها في الحلال وإذا بهذه العلاقة تأتي بالولد وهذا الولد ليس عليك خلقه وليس عليك رزقه وليس عليك حياته وليس عليك شيء ولكن جنبه الحرام وقد جنبته لأنه ولد في زواج وفي نكاح صحيح وليس في سفاح فجانبه وجانبه الحرام فأنت أتيت به من الحلال وجانبه الحرام يعني أن شأن التربية مهم ولذلك فهذه الشهوة تأخذ عليها أجرا وفي حديث آخر أرأيت لو وضعتها في حرام أكنت تأثم قال نعم يا رسول الله كنت آثم قال إذن فإذا وضعتها في حلال فأنت تثاب إذن فرسول الله صلى عليه وسلم يبين لنا أن فضل الله واسع وأن جميع الأخلاق مرتبطة
بالعقيدة ارتباطا عضويا كلها لا تصلح إلا بعد أن نؤمن بالله سبحانه وتعالى ونتمسك بإيماننا ونتوكل عليه حق التوكل ونخلص نياتنا له سبحانه وتعالى ونجعل كل هذه الأفعال له سبحانه وتعالى فالإيمان بالله أمر مهم أما الكفر به والإلحاد به سبحانه وتعالى فهو أمر جد خطير جد خطير يقضي على الاجتماع البشري بالبطلان ويدمر المجتمعات ويذهب الإنسان فلا يبقى منه شيء أماتوا الله في نفوسهم فأماتهم الله ثم أماتوا الإنسان أمام الإنسان فلم يبق إلا قطعة لحم لا معنى لها بدون الأخلاق ولذلك استغاثوا مرة أخرى بهذه
الأخلاق أخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، إلى لقاء آخر غدا، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.