المسؤولية | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر المبارك المعظم العظيم. قيمة المسؤولية قيمة يجب علينا أن نلتفت إليها وهي قيمة من القيم العالمية التي يحتاج الناس إليها ودائما يتحدثون عن المسؤولية والحرية فالحرية لا تكون حرية إلا إذا كانت الوجه الآخر للمسؤولية
وكما يقولون المسؤولية والحرية وجهان لعملة واحدة فأنا أمنحك الحرية ولكن أمنحك معها المسؤولية أن تكون مسؤولا أمام نفسك مسؤولا أمام أمتك ومجتمعك مسؤولا أمام الله قبل ذلك في تصرفاتك التي أعطيتك حريتها كما يعطي أحدنا ابنه أو ابنته الحرية ولكن مع المسؤولية كذلك السلطة والمسؤولية وجهان لعملة واحدة إذا أردت أن تعطي أحدهم سلطة فلا بد أن يكون مع هذه السلطة مسؤولية ومساءلة ولذلك فتربية النشء على المسؤولية أمر في غاية الأهمية
وهو أمر مطلوب في العالم كله، هل عرفنا المسؤولية في السيرة النبوية؟ عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تأملوا هذا الحديث أساسا من أسس الرقابة على النفس، أساسا من أسس استقلال الرؤية، أساسا من أسس المسؤولية. حديث
واضح وجلي يأمر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يكون أحدنا أو نكون جميعا إمعة. الإمعة هو الذي لا رأي له، هو الذي يسير كما يسير الناس، فإن أحسنوا أحسن وإن أساءوا أساء فليست له رؤية شخصية ولا يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه وطنه وتجاه قومه ولذلك فهو في غاية السوء إن أردنا أن نأتي بلفظة عامية لكلمة إمعة وهو الذي يقول أنا مع الناس فاللفظة العامية هي لفظة قبيحة ويشتم
بمثلها يقال تابع فلان هذا تابع يعني لا رأي له ولذلك فهو مع كلمة "ترتور" في العامية هي تساوي "مع" هذه التي في العربية والتي أتت من كلمة "مع" الناس يقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا وفي رواية بالفرض إن أحسن الناس أحسنت وإن ظلموا ظلمت لا رأي لك يعني لا موقف لك يعني أنت تتحدث كلاما من عندك هكذا، ولذلك فقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هيئوا أنفسكم، هيئوا أنفسكم. دخلنا في التربية، هيئوا أنفسكم.
إذن فنحن قد دخلنا في شيء آخر وهو التعود، نراقب أنفسنا. وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، والتواب هو الذي يكثر من التوبة والرجوع. النبي صلى الله عليه وسلم عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من
فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا. هذا الحديث يسمى بحديث السفينة وهو من الأحاديث الأساسية في قضية المسؤولية، حديث غريب عجيب يمثل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحالة من المسؤولية الاجتماعية وأننا جميعا مسؤولون. عن أنفسنا وأننا لا بد علينا أن نأخذ بيد الظالم وأن نوقفه عند حده وإلا فإنه يهلك ونهلك معه شبه
الأمر بسفينة هناك عملوا قرعة والقرعة التي هم اقترعوا يعني عملوا قرعة فأناس جاءت قرعتهم فوق في السطح وأناس جاءت قرعتهم في القاع السفينة، هؤلاء الذين في قاع السفينة يحتاجون إلى الماء من أجل الغسيل ومن أجل مسح الأرض ومن أجل أشياء كهذه ومن أجل الوضوء، فيصعدون إلى الأعلى ويأتون بالماء من البحر بالدلو، وعندما أحمل الدلو هكذا أحيانا يتناثر
هنا ويتناثر هناك فتسقط المياه على الناس الذين في أعلى السفينة الناس الذين في الأسفل أناس طيبون ولكن مع هذه الطيبة هم مغفلون وليس بحسن النوايا تبنى الأمم وإنما بالعمل والصواب والإخلاص فتكلموا معا فيما بينهم قالوا نحن هكذا نؤذي إخواننا الذين في الأعلى إخواننا الذين في الأعلى نذهب نأخذ المياه فترتش المياه عليهم ما رأيكم بدلا من أن نصعد وننزل الناس الذين في الأعلى ولكي لا نؤذيهم نثقب ثقبا في السفينة من الأسفل في نصيبنا هذا ونأخذ منه الماء، هؤلاء الناس أناس مغفلون لا يعرفون حقائق الأمور،
لا يعرفون أنه عندما يثقب ثقبا في الأسفل ستغرق السفينة بالماء، لا يعرف هذه الحقيقة البسيطة، قد يكون لديه إخلاص أو لديه طيبة لكن هذه الطيبة وهذا الإخلاص لا يصلحان في هذا المقام، فإذا كان الجماعة الذين في الأعلى قد تبين أنهم هم أيضا مغفلون وتركوا هؤلاء الناس بحرية في نصيبهم فإنهم سيغرقون جميعا وسيهلكون جميعا، لكن لو منعوهم وضربوا على أيديهم وقالوا لهم لا تفعلوا هذا عيب، لنجا من في الأعلى حالة نراها كثيرا وأخذنا منها نظرية مهمة في الفقه وفي القانون،
هذه النظرية يقال عنها التعسف في استعمال الحق، أي أن استعمال الحق جائز، فحقي ملكي أتصرف فيه كيف أشاء، ولكن في هذه الحالة أصبحت مسؤولا عن آخرين، أصبحت مسؤولا عن زملائي في السفينة، هذه المسؤولية تحتم علي ألا أستعمل من أول نظرة أنه حق له ممنوع أن تستعمل حقك لأنه سوف يضر ويؤذي الآخرين يضر الآخرين بالأذى ويضرهم بل إنه قد يضر نفسك أنت أيضا ومن هنا نظرية التعسف في
استعمال الحق فيها منع الإنسان من استعمال حقه لأنه هذا ملكهم تحت ملكهم ولكن هذا التصرف يضر بهم ويضر بالآخرين في غاية المسؤولية، ولذلك النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه البخاري عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا بحديث السفينة، وهو من الأحاديث المهمة التي ينبغي أن نقف عندها وأن نستنبط منها ليس فقها فقط وليس قانونا فقط وليس علاقات اجتماعية فقط بل أيضا رؤية شاملة وتربية على قيمة المسؤولية وأن المجتمع كله في سفينة واحدة وأنه يجب علينا أن نفهم هذا الفهم وأن
بعض الناس يحاولون أن يصنعوا ضجيجا بجهل وأن الأمور لا بد أن تبنى على العلم لا على الجهل وأن ذلك كله متعلق بالمسؤولية كما قال مثل القائم على حدود والله والواقع فيها إذا ربط هذه المسألة وهذه التربية بقضية حدود الله وحدود الله بعضهم يفهمها أنها قطع يد السارق أو جلد الزاني أو الرجم أو أخذ القصاص أو كذلك إلى آخره مما سمي في الفقه الإسلامي بالحدود والأمر ليس كذلك حدود الله هي ما أمر الله به وما نهى الظلم الذي يحدث في ميراث
البنات والشائع في ريف مصر نظلم البنات ولا نعطيهن نصيبهن من الميراث هذا تعد على حدود الله، الظلم الذي يقع بين الرجل وزوجته هذا تعد على حدود الله، الظلم الذي يحدث بين الحاكم والمحكوم هذا تعد على حدود الله، الظلم الذي يحدث من الكذب على كذبا أن يحدث بكل ما سمع هذا من حدود الله الاستهانة بحقوق الآخرين هذا من حدود الله ولذلك القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا عملوا قرعة على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو نحن أحدثنا
في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا بحسن نية ولكن مع الجهل فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا حتى لقاء آخر من الغد أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته