المساجد مصانع الرجال | خطبة جمعة بتاريخ 28-7- 2006 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد
في العالمين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم
أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله النار وبعد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ومما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن بيوت الله في الأرض المساجد ومما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه المساجد إنما هي مصانع الرجال مصانع الإنسان
وإن الساجد قبل المساجد فهذه المساجد إنما هي لذكر الله وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وأن هذه المساجد إنما هي دور للعلم ودور للعبادة والذكر ودور لتطهير الإنسان مع خالقه سبحانه وتعالى حتى يبيع نفسه إليه حتى يصبح معمرا لا مدمرا حتى يعبد الله سبحانه وتعالى عن حق وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فطلب منكم عمارتها
أمر الله مصانع للإنسان وكما قلنا فالساجد قبل المساجد ومن هنا فإن الإنسان قبل البنيان فالإنسان هو الهدف والإنسان هو الغاية والإنسان هو الأساس قال رسول الله عليه وآله وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأينما أدرك أحدكم وقت الصلاة فليصل فنحن والحمد لله رب العالمين أمة تسجد لربها ولا توجد أمة على وجه الأرض تسجد لربها سوى هذه الأمة فالحمد لله الذي جعلنا من المسلمين ربنا
سبحانه وتعالى يقول في شأن المساجد في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب، هذه البيوت لا بد في إنشائها من نية خالصة لا بد في إنشائها من أن تكون بتلك النية التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فاللهم يا ربنا أخلص نياتنا في إنشاء هذه المساجد حتى تخرج هؤلاء الرجال الذين يرضونك ويرضون رسولك يا أرحم الراحمين وهناك من يبني المساجد لغير ذلك الغرض والله سبحانه وتعالى يتحدث عنهم والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا ثم قال لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق
أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين، فيه رجال يحبون أن يتطهروا ظاهرا وباطنا، والسيدة نفيسة العلم عندما توفي الإمام الشافعي سئلت عنه وأرادت أن تمدحه غاية المدح فقالت: كان رحمه الله يحسن الوضوء، لأن الوضوء هو بداية تصحيح الأعمال التي تنتهي بعد ذلك في نهاية الآيات بالجهاد في سبيل الله وعدم خوف لوم لائم فيه سبحانه وتعالى وبعد ذلك لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق
أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين هذا هو الأساس وهذه هي البداية الصحيحة تصحيح بدايات الأعمال يؤذن بتصحيح النهايات ومقصود الكل هو الله ونهاية الطريق إنما إلى الله فإذا صح أول العمل صح آخره ونصرنا الله سبحانه وتعالى وكف أيدي أعدائه عنا عن تدميرنا وعن قتل أبنائنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا كما هو حاصل على الساحة الدولية فاللهم يا ربنا ارفع أيدي الأمم عنا واجعلنا يا ربنا نبلغ دينك كما أردت
بلغوا عني ولو آية وطهر أعراقنا ونياتنا وقلوبنا لك حتى ترضى عنا وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك في نهاية هذه الآيات يقول ربنا سبحانه وتعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. نعم، بداية المساجد صناعة إنسان الحضارة الذي يصد العدوان والذي يرد الطغيان والذي يدافع
عن نفسه، ولذلك كان القتال إنما هو في سبيل الله لا في سبيل أرض نريدها ولا في سبيل مصلحة نحصلها. وإنما كان القتال في سبيل الله، أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين، أي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، نعم هو ذلك الفريق الذي أسس بنيانه على التقوى والتقوى يؤمن فيها الإنسان بربه ويخاف يوم الآخرة
ويخاف حسابه ويريد عمارة الدنيا وتزكية النفس ومن أجل ذلك إنما يجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى، لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم، نعم لأنه ما دام هذا القلب قد نشأ على غير تقوى الله وعلى الشك والريب وعلى الإلحاد كما هو حاصل يدعون الناس إليه بالليل والنهار فإنه لا يزال كذلك في قلوبهم والله سبحانه وتعالى بين لنا أن ذلك قد تلبس بهم بحيث أنه لا فائدة من الكلام معهم نعم العدوان بالليل
والنهار على أقطار المسلمين وعلى أطفالهم ونسائهم يذاع أمامنا في كل ساعات اليوم ولا بد للأمة مرة أخرى أن ترجع إلى نفسها وإلى رشدها وأن تنكر المنكر وأن تجاهد في سبيل الله لا في سبيل شيء سواه أيها المسلمون فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون أيها المسلمون ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم تنبهوا
يرحمكم الله وعلقوا قلوبكم بربكم وادعوه يستجب لكم ادعوه بالنصر وبأن يرفع أيدي الأمم عنا وأن يرجعنا إلى سنة المصطفى نعبد ربنا نعمر كوننا نزكي أنفسنا على ما تركنا عليه من محجة بيضاء ادعوا ربكم الحمد لله والصلاة
والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم يا ربنا صل وسلم عليه وعلى آله الكرام وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار كما يليق بجلالك عندك أن يكون يا رب العالمين، يا ربنا نسألك يا ربنا بركته في الدنيا وشفاعته في الآخرة، اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا
ولا مفتونين، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت العزيز الكريم، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عفو يا غفار، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، رد علينا القدس يا أرحم الراحمين ردا جميلا. اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل بكلمتك يا رب العالمين الشرك والمشركين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم ادفع عنا العدوان والطغيان والبغي يا أرحم الراحمين، اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك، اللهم إنا مظلومون فانتصر لنا، اللهم يا أرحم الراحمين
ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا، اللهم تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، ووحد قلوب أمة سيدنا محمد على الخير من مشارقها إلى مغاربها يا رب العالمين، واستجب دعاءنا اللهم يا رب. اللهم يا رب العالمين أيد المجاهدين وسدد رميهم، اللهم احمهم يا أرحم الراحمين وتولهم برعايتك، اللهم يا رب العالمين ألحقنا بالشهداء على خير واجعلهم شفعاء لنا يوم القيامة، اللهم يا رب العالمين اغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم ارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا
ذاكرا، واجعل القرآن الكريم همنا وحزننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.