برنامج مع رسول الله | الحلقة الأولى | مصيبة فقدان الولد | أ. د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكم في حلقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نلتمس من أنواره ونأخذ من بركاته في هذه اللحظات حتى نعيش في الدنيا
على رضا الله وأن ننقلب إلى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة فيدخلنا الجنة، اللهم إنا نشهدك أننا نحبك وأننا نحب نبيك ونحب من أحبكما. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنسوة من الأنصار: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبهم رواية فتحتسبه إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: أو اثنين. صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذا الحديث رواه مسلم،
ومعنى كلمة فتحتسبه أي ترجو بصبرها في الدنيا ثوابا عند الله في الآخرة. هذا حديث عظيم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربينا على مواجهة المواقف وعلى الصبر على المحن التي قد تكون فيها منحة ربانية صمدانية إلهية لأن هذا الذي مات من أولادها وحب الأم لابنها حب شديد خلقه الله سبحانه وتعالى في قلبها لا هي تعرف لماذا تحبه ولا الناس يدركون لماذا هذا الحب فهو حب حقيقي لأن الحب الحقيقي هو الذي لا تسأل عنه لماذا
أو من أجل ماذا تحبه، إنها تحبه وكفى هكذا، ولذلك عندما تفقد الأم ابنها وكذلك الأب ولكن بصورة عقلية، أما هذه فإن كيانها كله يهتز، هذا هو الحب الحقيقي حب الأم لأولادها، فإذا مات منها الولد فصبرت فمات منها الثاني فصبرت منها الثالثة فصبرت فهي من أولياء الله الصالحين وهي مقربة حيث إن الله ابتلاها فنجحت وامتحنها فنجحت في الامتحان، نعم هذا حديث عظيم يبين لنا الصبر والصبر كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
يكون عند الصدمة الأولى ولذلك هذه المرأة مات ولدها فقالت حسبنا الله ونعم الوكيل يعني كفاية، ربي هو الذي وهبني هذا الولد وهو الذي أخذه مني وأنا مسلمة لقضائه وأنا راضية بأمره سبحانه وتعالى فإنها تكون على خير عظيم فإذا ما ابتليت ببلوى أخرى وجرحت جرحا آخر فوق الجرح الذي جرحته مع ابنها الأول فإنها تصبر وتحتسب وتجعل ذلك عند الله سبحانه وتعالى وهؤلاء الأولاد قد سبقوها إلى الجنة وهم يشفعون لها عند الله فيأخذون ابنها هذا بيدها فيدخلونها الجنة، هذه هي المحنة وهذه هي المنحة. المحنة
أنها قد اضطربت في نفسها، أما المنحة فهي أن ذلك كان سببا لرضا الله عنها وسببا لدخولها الجنة. والآخرة هي الحياة الحقيقية، هي الحياة الفعلية لأنها لا موت فيها يؤتى بالموت بين الجنة والنار فيذبح ويقال يا أهل النار حياة لا موت فيها يا أهل الجنة حياة لا موت فيها إننا إذن أمام خلق يحتاج إلى تربية كثير من الناس يخرج عن وعيه فيعترض على الله ولا ينظر إلى المنح الإلهية ولا ينظر إلا إلى الفقدان والمصيبة والوجدان، ولذلك ونحن في عصر فتن كثر فيه الهرج وقالوا ما الهرج يا رسول الله قال الهرج
القتل كثر فيه القتل حتى أن القاتل لا يدري من قتل وحتى أن المقتول لا يدري فيما قتل فإنا لله وإنا إليه راجعون في هذا العصر تخرج الأمهات بمثال صالح إنهن يصبرن على هذه البلوى وهذه المحنة صبرا يكتب لهن عند الله سبحانه وتعالى خاطب الله سبحانه وتعالى المرأة لأن حبها لابنها يمثل كيانها، فهي فقدت كيانها، وفقدت نفسها، ولذلك يخاطبها ويسليها ويقول لها إن الله مع الصابرين. كلمة مع تدخل في لغة العرب على العظيم فنقول جاء
الوزير مع السلطان. لا يجوز أن نقول جاء السلطان مع الوزير فتخيل أن الله سبحانه وتعالى يقول إن الله مع الصابرين، والله لا يقدر أن يقول هذا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي يقدر أن يقول هذا هو رب العالمين لأن الله عظم شأن الصابرين عظمهم حتى أنه أدخلهم معه مع يعني جعلهم في المعية وكان في لغة العرب أن نقول إن الصابرين مع الله هكذا يكون استعمال عربي صحيح لكن إن الله مع الصابرين تدل على أن هذا الكلام من عند رب العالمين لأنه ليس لأحد أن يعظم شأن الصابرين هذا التعظيم إلا من بيده
العظمة وبيده الجلال وبيده سبحان الله وتعالى، الأمر من قبل ومن بعد، هذا الحديث قد جاء في وقته. فقدت أمهات كثيرات أبناءهن، إما في فتن وإما في شهادة استشهدوا فيها وإما حتف أنوفهم وإما في حوادث وهكذا، وكل ذلك عند الله سواء. كل ذلك فيه فقدان ولا بد من أن يكون تعاملنا مع هذا بالصبر فإذا حدث الصبر والاحتساب والرضا رضي الله عنه ورضي عنه فإننا سنصل في النهاية إلى الجنة إذا كنت من أهل الجنة وأنت تمشي على الأرض فأنت في رضا الله سبحانه وتعالى مهما
حدث حولك من بلاء أو من محن يكفيك أنك في نظر الله هذه المدة القصيرة التي تقضيها في الدنيا ستنقضي والموت مكتوب على كل واحد منا، هذه المدة كم تقضي في الدنيا مائة سنة يعني ثلاث دقائق عند الله، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، لو قسمت خمسين ألف سنة على أربع وعشرين ساعة يصبح الساعة ألفي سنة أي الدقيقة ثلاثة وثلاثين سنة أي المائة سنة بثلاث دقائق عند الله تصور أن تصبر ثلاث دقائق ثم تدخل في الحياة الأبدية التي لا موت فيها الحمد لله الذي جعلنا
مسلمين وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته