برنامج مفاهيم إفتائية (12) - القياس والإلحاق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "مفاهيم إفتائية"، يسعدنا ويشرفنا أن نكون مع حضراتكم في ضيافة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا، أهلاً وسهلاً بكم. تحدثنا يا مولانا في الحلقات السابقة، وفي آخر حلقة تحدثنا فيها عن القطعية والظنية. كنا تحدثنا عن الأصول الفقهية، الحجية، الثبوت، الفهم، قطعية وظنية الدلالة. اليوم إن شاء الله نتحدث عن الإلحاق. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا. رَسُولُ اللهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، الشَّرِيعَةُ كَمَا يَقُولُ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِينِيُّ جَاءَتْ بِنُصُوصٍ مَحْدُودَةٍ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ إِنَّ النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ المُتَعَلِّقَةَ بِالأَحْكَامِ العَمَلِيَّةِ قَلِيلَةٌ،
حَتَّى أَنَّهُمْ حَصَرُوا فِي الكِتَابِ نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةِ آيَةٍ فَقَطْ تَتَكَلَّمُ عَنِ الأَحْكَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فِي العِبَادَاتِ وَفِي المُعَامَلَاتِ وَفِي القَضَاءِ وَفِي العَلَاقَاتِ. الدولية تُستنبط من هذه الآيات التي عُرفت فيما بعد وأُلِّف فيها تحت عنوان آيات الأحكام، وهناك في السنة وقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، هناك الذي استدل به الفقهاء من هذه الأحاديث الكثيرة يؤول إلى ألفي حديث، وعدد الوارد من الأحاديث نحو ستين ألفاً. حديث منهم ألفان فقط للأحكام لكل الفقه الإسلامي من أوله إلى آخره والبقية هي في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق
يقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". اثنان من ستين يعني واحد على ثلاثين، يعني ثلاثة في المئة، أي ثلاثة في المئة للأحكام. الشرعية كلها وسبعة وتسعون في المائة للأخلاق والعقيدة، ما شاء الله، هذا هو الإسلام دين الأخلاق، وهذه العبادات والأحكام إنما هي تصب في قضية الأخلاق التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون على أعلى مستوى والمثال الصالح والشهادة الطيبة للعالمين، فيقول أبو إسحاق الإسفراييني: إذا فالنصوص محدودة وهذه النصوص. المحدودة مهمتها أن تعطي الأحكام لأحداث وأفعال البشر غير المحدودة، ولماذا أفعال البشر غير محدودة؟ لأن
الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مثلاً وحضروا حجة الوداع مائة وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، والآن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم مليار ونصف، انظر إلى الفرق بين مائة ألف ومليار ونصف. كان هذا في الجزيرة العربية، آمن به العرب، وكان الذين آمنوا به من غير العرب أفراد مثل صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي، هكذا. ولكن الآن أمم كثيرة جداً دخلت بعاداتها وتقاليدها وتاريخها وثقافاتها. انتشر الإسلام في كل بيت وفي كل ركن من بيوت العالم وربوعه، إذاً هذه التنوعات. في
الزمان وفي المكان وفي الأشخاص وفي الأحوال المتقلبة على الناس هذا العدد الضخم، كل هذا يحتاج إلى أحكام شرعية تسأل عنها الناس. أي هذه الأحكام الشرعية التي تسأل عنها الناس، كيف نجدها بالنص في ثلاثمائة آية وفي ألفين من الأحاديث؟ فيقول الإمام أبو إسحاق الإسفراييني أن النصوص محدودة. والوقائع غير متناهية لأنها تتجدد بتجدد الزمان وباختلاف المكان وبانتشار الأشخاص وبتقلب الأحوال، فكيف نفعل؟ فاخترعوا ووضعوا هذه الآلة التي تمكنهم من معرفة رأي الشرع الشريف وحكم الله سبحانه وتعالى من
هذه النصوص المحصورة في الوقائع المتجددة. واسم هذه الآلة أو المفتاح أو الأداة - سمها كما تشاء - القياس، وبعضهم سماها... الإلحاق ولذلك فنحن نمتلك أداة علمية رصينة نعرف تفاصيلها جيداً ونستخدمها فيما بين النصوص والواقع من أجل أن نخرج بحكم، هذا الحكم لا يكون منصوصاً عليه وإنما يكون من نسيج هذا النص لا يخالفه كأنه خرج من رحمه بشكل جميل، وُلد منه، ولذلك نطمئن إلى أن الشرع
هو الذي أراد هذا قياساً على ما ورد فيه من نصوص جميلة. نضرب مثالاً أو أمثلة، فبالمثال يتضح المقال كما يقولون. صحيح أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن أن يبيع أحدنا على بيع أخيه، وأن يخطب أحدنا على خطبة أخيه حتى يذر، يعني حتى يدع هذا الأخ البيعة أو... حتى يدع هذه الفتاة ويترك خطبته فأتقدم أنا بعده لأنال هذه البيعة مثلاً أو أنال هذه الفتاة. وقد تأمل العلماء في هذا النص ووقفوا عنده وسألوا أنفسهم سؤالاً -
وها نحن قد بدأنا في عملية القياس والإلحاق - مفاده: لماذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل؟ لماذا حرّمه؟ أنا عند شخص يشتري كتاباً وأنا دخلت المكتبة فإذا بي نظرت إلى الكتاب وطمعت فيه وليس هناك إلا هذه النسخة وأريد أن أشتريه، فإذا بي أريد أن أبيع على بيع أخي. فإذا كان الكتاب بعشرة أقول للرجل: "هل يمكن أن تأخذ أحد عشر وتعطيني إياه؟" فيقع في نفس أخي الذي كان ممسكاً بالكتاب وواقفاً في... الطابور لأجل أن يدفع الألم ويحدث بيننا وقد يحدث نزاع وخصام وشقاق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسد منابع النزاع والشقاق بين المسلمين. يمكننا القول إنه
كأنه لا يريد من أحدنا أن يظهر بهذه الصورة الفجة التي يؤلم بها أخاه من غير داعٍ لهذا الألم ولا دافع شرعي له قد. يكون هذا وكذلك نرى أن الإنسان ذهب لخطبة فتاة، فإذا بالآخر يذهب من أجل أن يعكر عليه الأجواء أو أن يظهر في الصورة اثنان وتبدأ نفس الفتاة تحتار بينهما أو الأهل يحتارون بينهما أو ما شابه ذلك. وسيدفع شبكة أكبر، وسيدفع أكثر وأكثر، فتصبح مساومة، ويصبح الأمر خصاماً. ونزاع. أي ويعقد العقد العلماء من هذا أن سبب هذا النهي هو التصرفات التي تؤدي إلى النزاع والشقاق، فكل تصرف. أعطِ القياس، أعطِ الإلحاق. نحن الذي في الحديث ماذا؟
البيع والخطبة فقط، فقط صحيح. فكل تصرف مثل الإيجار مثلاً، أي أنا ذاهب لاستئجار شقة، فإذا بأخي يذهب لاستئجار هذه. الشقة وينازعني فيها ويخاصمني عليها، حسناً، إنها هي بالفعل، صحيح أن الإيجار - وإن لم يكن منصوصاً عليه - يكون مثل البيع والخطبة، لأنه سيؤدي إلى نفس المنهي عنه وهو النزاع والشقاق. فيأتي شخص ويقول لي: "والله النبي لم يقل لا يستأجر أحدكم على إيجار أخيه، إنما قال البيع والخطبة". أقول له: لا، فالاستئجار على الاستئجار حرام أيضاً، مثل إلحاق الإيجار الذي ليس منصوصاً عليه بالنص الموجود معي فعلاً في كلام رسول الله صلى
الله عليه وسلم أو في كلام الله. هذا هو ما يسمى بالإلحاق. ما الذي... حدث عندما ألحقت هذا الإلحاق الحقيقة أنني قد وسعت النص بدلاً مما كان في بندين جعلته في ثلاثة وأربعة وخمسة وستة ويمكن جعلته في عشرة، ولذلك أجيب على الوقائع المختلفة وأحرِّم كل ما يوقع البغضاء والخصام والنزاع بين المسلمين، ويكون هذا على سبيل القياس والإلحاق بالنص اليقيني الذي نهانا عن. ألّا نؤلم إخواننا في البيع بمنازعتهم أو في الخِطبة بمنازعتهم،
فإذا كان هذا سيحدث - مثلاً - في وظيفةٍ وأنا ذاهب لأخذها، فإذا بي وجدت أخي يريد أن يستولي عليها ويأخذها. ولذلك وجدنا المسلمين عندما امتثلوا لهذا يقول أحدهم: "يا أخي، إنها أرزاق، هذا رزقه"، فلا، هذا هو. أحق بها لأنه سبقني إليها، وهكذا أصبحنا يمكن أن نسميها - إذا جاز التعبير - روح النص. يعني الفقهاء يأخذون الحديث أو الآية، يأخذون روح النص ويطبقونه على الحالات المتشابهة. وفي الأدبيات الحديثة، كما ورد في تعبيرات وأدبيات القانون، نعم يقولون "روح القانون" الذي هو روح النص، أين هو؟ يعني وهو الناتج. عن سؤال لماذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الشيء، فالإجابة
على كلمة "لماذا" تعطيني العلة، وعندما أُسأل مرة ثانية "لماذا" تعطيني الحكمة، وعندما أُسأل ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً، ولا تتناهى الأسئلة بـ"لماذا" إلى أن نصل إلى البدهيات. نُسميها الأسئلة الممتدة لأنني أقول لماذا لماذا لماذا لماذا دائماً. يعني بعد إذن فضيلتكم نستكمل الأسئلة الممتدة بعد إذنكم إن شاء الله. فاصل نعود إليكم فابقوا معنا. بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عُدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامج ما فيه مفتاحية. عن الإلحاق والقياس، تفضل يا مولانا، قبل أن نخرج كنا نتحدث عن الأسئلة لماذا، لكي نستنبط التساؤلات
من روح النص، نسميها إذًا الأسئلة المتتالية المتتالية، جميل. فلديك مثال، مثلًا يقول لك الفقيه يجلس ويفكر هكذا، ولقد بذل المجتهدون الأوائل هذا الجهد كله، أي وسنجده مبثوثًا في كتبهم، فوفروا علينا. أشياء كثيرة جداً، ولذلك الاطلاع على التراث والتمسك به وتدريسه وحفظه وفهمه مسألة ضرورية لكي نستمر ولكي نعيش. إن نبذ هذا التراث انتحار، ولذلك لا بد أن نقرأ هذا الفكر المبدع الجميل الذي قام به المجتهدون المسلمون عبر العصور. لا نقف عند مسائلهم لأن الدنيا تتغير، وإنما نفهم. مناهجهم وكيف يستعملون هذه المناهج في تطبيق الشرع الشريف
في الواقع المعيش جميل، وهذه نقطة مهمة جداً. لا يوجد نبذ للتراث، ولا يوجد وقوف عند مسائل التراث، ولكن سنظل في المسائل التي لم تتغير نعيش فيها، الثوابت نعيش فيها، والمناهج نستعملها لمواجهة عصرنا ولمواجهة كل عصر سوف يأتي، وسنعيش بذلك في... فقه مرن صالح لكل زمان ومكان. اللهم اغفر. كان يجلس الفقيه ويفكر: "يا رب لماذا حرمت الخمر؟" سؤال هو - على فكرة - خلاص هو عرف أن الخمر حرام، معروف هذا، لكن السؤال لماذا؟ وهذا هو البحث الذي يحتاج إلى الجواب: لماذا حرم الله الخمر؟ يقول: "يا رب لماذا حرمت الخمر؟" من
أجل لونها؟ حسناً، ألا يشبه الشراب لون الخمر؟ والشراب حلال والخمر حرام. لا، ليست هي. حسناً، من أجل رائحتها؟ قال: لا. حسناً، ألا يشبه الخل رائحة الخمر؟ لكن هذا حلال، وقد قال: "نِعْمَ الإدام الخل"، وهذا ليس حلالاً، هذه خمر حرام. قال: حسناً يا رب، لماذا؟ المهم وصل لصفة من الصفات لأنها سائل مثلاً والماء سائل وحلال، فيصبح إذا لخاصية الإسكار، لخاصية أنها تُسكر، فتكون الإجابة على "لماذا" ونستطيع أن نضع عليها رقم واحد، لماذا الأولى؟ لماذا رقم واحد؟ لإسكارها، نعم. طيب السؤال الثاني: ولما كانت يا رب صفة الإسكار موجبة للتحريم، نعم، فيأتي الجواب بعد ذلك. البحث والتأمل والتدبر
وربط نصوص الشريعة بعضها ببعض واستعمال اللغة العربية والمعيشة في جو الشريعة لذهاب العقل لأنها مذهبة للعقل. يقول بعض الناس: "يا رب، لماذا كان ذهاب العقل هذا أو ذهاب العقل موجباً للتحريم؟" لقد ذُكر أن العقل يذهب، ولذلك فهي حرام. ولكن لماذا كان هناك ربط؟ ما بين ذهاب العقل والتحريم فتأتي الإجابة بأن العقل مناط التكليف، أي أنه متعلق التكليف، فلا أستطيع أن أكلف من ليس عاقلاً. ولذلك رأينا في الشريعة أنها لا تكلف المغمى عليه، ولا تكلف من هو تحت تأثير البنج في عملية، ولا
تكلف الصبي الصغير الذي لم يعقل، ولا تكلف. النائم لا يُكلّف، وكذلك المجنون والمعتوه. إذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد جعل العقل هذا مهماً جداً، فذلك لأن العقل هو مناط التكليف. فيأتي ويقول لك: "طيب يا رب، لماذا حين كان العقل مناطاً للتكليف؟" فيقال له: نعم، إذا كانت هناك أهداف لهذه الحياة، أولها العبادة، والعبادة لا تكون إلا من... عاقل ثانيها العمارة، والعمارة تحتاج إلى ترتيب لا يمكن أن يصدر إلا من عاقل. ثالثها تزكية النفس، وتزكية النفس لا يمكن أن تصدر إلا من عاقل. أين إذاً يا رب أن هذه الدنيا أصلها العبادة، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
فيقوم بالبحث، يدور ويجد. ويفهم أن معنى قوله تعالى "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" أي طلب منكم عمارتها، فالمقصود هنا هو الإعمار. وفي المقابل، "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها"، فهذا ضد الإعمار، "ويهلك الحرث والنسل"، فهو ضد ذلك. العمارة، والله لا يحب الفساد إلى آخره. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. إذا اتضح لنا أن الله سبحانه وتعالى أراد من الإنسان العبادة والعمارة والتزكية، ولذلك فلا بد أن يكون عاقلاً، ولذلك فقد حرم عليه كل ما يقدح في هذا العقل. نعم، يأتي
قوم يقولون طيب كل... ما يقدح في هذا العقل هو الخمر والإسكار وكذلك أي شيء يدعو الأمة إلى عقلية الخرافة. إننا انتقلنا إلى شيء آخر تماماً، فالعقلية العلمية هي التي تعمر الأرض وتحافظ عليها. أما العقلية الخرافية الأسطورية والدجل والشعوذة فهي حرام، وتُعَدُّ عدواناً على العقل، عدواناً على... العقل طيب، قل لي: تريد ألا يتعلم الناس؟ ونقول له: لماذا؟ قال: يا أخي، ما المشكلة؟ فالنبي كان أميًا. يا أخي، هل تدرك أننا أمة أمية؟ نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، فما المشكلة؟ أنا لن أعلم أولادي، سأذهب بهم إلى الغيط الذي هو الحقل الذي هو الأرض.
لكي يزرعوا ويفلحوا ويُدخلوا لنا إيراداً، أو أُرسلهم ليتعلموا صنعة، لأن الولد عندما يذهب لتعلم صنعة وهو صغير يتقنها، سواء كان نجاراً أو ميكانيكياً أو غير ذلك. أو أنا وهكذا لن أعلمهم. قال: لا، لن أعلمهم، هذا عدوان على العقل، وهذا ضد الشريعة. من أين أتوا بهذا الكلام؟ من الإلحاق الذي تحدثنا عنه أنه... أساس من أسس تطبيق الشريعة وفهمها، فنرى أن أي دعوة تدعو إلى الاستهانة بالعقل، إلى تعطيل العقل، إلى عدم تعليم الإنسان، إلى حرمانه من هذه الأوامر الإلهية الربانية "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وبعد ذلك يقول له "اقرأ وربك الأكرم" يكرر القراءة مرتين "قل
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا". يَعلمون إنّما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ ويقول ربِّ زدني علماً إلى آخره. ولذلك الإمام السيوطي له كتابٌ ألّفه لحادثةٍ تتعلق بهذا. نعم، الإمام السيوطي تُوفي سنة تسعمائة وإحدى عشرة هجرية، يعني مرّ عليه اليوم خمسمائة سنة. سمّاه "تنزيه الأنبياء عن تشبيه السفهاء"، انظر إلى هذا الاسم الجميل: "تنزيه الأنبياء عن تشبيه". يقول السفهاء أنه حدثت حادثة في قلعة الكبش - وقلعة الكبش موجودة عندنا حتى اليوم في السيدة زينب - أن رجلاً كان يجادل أخاه أحد أصحابه، فقال له: "يعني أنت ابن من؟ أنت ابن غنام، أبوك يسوق الغنم". فرد عليه
الرجل وقد حزن من هذه المعايرة وقال... قال له يا أخي إذا كان أبي يرعى الغنم فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يرعى الغنم أيضاً، ورفعوا الأمر إلى العلماء هل يجوز هذا؟ يقول له: يا أخي، إن أباك جاهل لا يقرأ ولا يكتب. فيرد عليه: يا أخي، حسناً، ألم يكن النبي أمياً؟ نعم، فهل يجوز هذا؟ فاتفق العلماء على أنه... لا يجوز، على أنه لا يجوز، لا يجوز. نعم، قالوا هذا النبي معجزة، جميل رعايته للغنم، أميته صلى الله عليه وسلم، هذا قطع الطريق لمن يقول أن هذا الرجل عالم علامة تربى على الكتب وفتش فيها وعرف اللغات وأتقنها، لأن معجزة القرآن هذه تزداد إعجازاً عندما
يكون الذي نقلها لنا. وصدر منه صلى الله عليه وسلم بعد وحي ربه إليه أمي لا يقرأ ولا يكتب، فهو ليس له علاقة "ليس لك من الأمر شيء"، "ما على الرسول إلا البلاغ"، يعني هو صلى الله عليه وسلم يرى الوحي "وإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه"، أنت ليس لك علاقة، فالنبي. صلى الله عليه وسلم كانت الأمية في حقه معجزة، لكن في حق الآخرين هذه منقصة ونقص وجهل. عدم صحة وجهل من قال أن الأمية يُفتخر بها، الأمية لا يُفتخر بها. الأمية وردت للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة، لكنها نقص في أي شخص من أتباعه، ولذلك كان حريصاً على... أن يزيل أميتهم، وفي أسرى بدر جعل كل واحد
متعلم للقراءة والكتابة يعلم عشرة. أي وهذا القرآن "وقل رب زدني علماً"، ويقول: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة". حسناً، لقد انتهى الوقت يا مولانا، يمكننا أن نستكمل في الحلقة القادمة موضوع أن الأمية في حق الأمي. والآخر منقصة، لكن في حق سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام تعتبر مواجزة. عليه الصلاة والسلام، عليه الصلاة والسلام. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على هذا الجهد، على وعد باللقاء في حلقات قادمة إن شاء الله من مفاهيم إفتائية. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم. وخواتيم
أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.