برنامج مفاهيم إفتائية (19) - الاستحسان والاستصحاب

برنامج مفاهيم إفتائية (19) - الاستحسان والاستصحاب - مفاهيم إفتائية
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "مفاهيم إفتائية". يسعدنا ويشرفنا أن يكون مع حضراتكم، وفي ضيافته نكون نحن وحضراتكم في ضيافة فضيلة الإمام العلامة. الدكتور علي جمعة في هذا البرنامج، أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. أهلاً وسهلاً بكم. في الحلقة الماضية مولانا كنا نتحدث عن العرف، كان هو من أنواع الاستدلال، فنريد أن نستكمل الحديث عن العرف في مقولة تُقال أو قاعدة فقهية أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة. والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذه القاعدة تختص بالعقود فقط، فالعقود موجودة في بيئة معينة، فتُحمل ألفاظها على العرف
السائد في هذه البيئة. فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، يعني هو معروف ولذلك فهو مسكوت عنه، ولكنه كأنه مصرح به، أي كأننا كاتبين إياه في بنود العقد. كأنّنا كاتبين ذلك في بنود العقد، أي لنفترض أنني سأعمل بيني وبينك عقداً، نعم، وقلنا إن البداية بمائة ألف، لكن عندما أذكر مائة ألف ماذا؟ مائة ألف بيضة أم مائة ألف جنيه أم دولار أم يورو أم أي شيء آخر؟ هذا يُحدث فرقاً! نعم، القيم تختلف حقاً. فعندما قلتُ مائة ألف وسكتُّ... قام القاضي والحاكم بيننا يحمله على عرف البلد، على عرف البلد، ويقول
العرف. يا ترى أنتم صنعتموه أين؟ صنعناه في مصر. حسناً، وماذا صنعت مصر؟ الجنيه من غير منازع، وليس هناك منازع. يعني عندما تركب الحافلة مثلاً وتُخرج يورو وتعطيه كمثال لكي يقطع لك التذكرة، لن يرضى لأنه لا يعرفه. ما هذا؟ نعم صحيح، ولكن ما هذا؟ أعطيك بعض التذاكر باليورو، إذا كان هذا اليورو غير مستعمل. الدولار مرفوض، نعم، الدولار نعرفه ونذهب إلى الصرافة ونصرفه وما إلى ذلك، لكن ليس هو الذي نشير إليه عند الكلام. عندما يقول أحدهم للآخر: "بكم هذا؟" فيقول له: "بخمسة" مباشرة، فيفهمها أنها... خمسة جنيهات وليست خمسة دولارات، وإذا كان الدولار، فلابد أن يُقيد، فيقول خمسة دولارات، وكذلك لابد من تقييد الدولار لأن هناك عدة بلدان فيها دولارات، وكل
دولار يختلف عن الآخر، فيقول أمريكي، أي لا يقول الدولار فقط حتى لا يُظن أنه دولار كندي مثلاً أو ماليزي، أو ما يسمونه بالرنجيت لديهم، هذا هو. دولار إذا عندما تأتي العقود، يكون المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً. جميل، الوجه الثاني للقاعدة قضية ما يدخل العقود من خلل وفساد، ففيه أيضاً أن المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً. ما دام المجال الخاص بنا ما هي القاعدة؟ فمثلاً أنا آتي لأستلف منك، أقول: أنا أريد أن أستلف منك عشرة آلاف جنيه، وعملنا. عقد بيني وبينك على هذا، سواء أكان مكتوبًا أو غير مكتوب، هو عقد اقترضت منك فيه عشرة آلاف، بحيث أنني أردها لك بعد ستة أشهر. هذا
العقد هكذا جيد وليس فيه أي إشكال، إنما جرى العرف في هذا البلد الذي عقدنا فيه العقد على أنه لازم لازب، ولازم اللازب يعني الحتم، أي... إنني وأنا أرد لك العشرة آلاف أرد لك معها هدية، فالعرف هكذا، فأرد لك معها خروفاً، وأرد لك معها خمسة كيلوجرامات عسل جيدة من العسل الغالي، وأرد لك معها قفصين أو ثلاثة من المانجا، يعني لا بد أن أرد لك هدية. كل قرض جر نفعاً فهو ربا، هو ربا صحيح، قرض شرعي. طيب هذا العُرف الوحيد من غير إقراض ولا شيء كونُ أنني أُهديك، هذا حسنٌ، نتهادى ونتبادل الهدايا، لكن عندما يرتبط
هذا العُرف بالعقد ويُصبح كالمشروط فيه، بحيث أنني عندما أرد لك العشرة آلاف جنيه أقول لك تفضل، فتقول لي: وأين الهدية؟ أين العسل؟ أين المانجا؟ أين الخروف؟ يعني ما... لم أحضرهم، فنذهب إلى الناس، فالناس تعتبرني غير جدير، لا تقل لي إنني رجل أخذت عشرة وأوفيتها عشرة وأنا رجل أمين لأنني سددت الدين، لا، بل الناس تقول: الله قسى عليك، كيف لا تحضر الهدية؟ فمن المعروف أن كل من اقترض لا بد أن يقدم هدية، فلماذا كان قد أعطاك حملك إذن؟ نعم، أعطاك حملك هكذا. لوجه الله، نعم، لوجه الله. ويجب أن يكون لوجه الله. فانظر إلى عبارة "المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً" التي يمكن أن يبطل بها العقد، يبطل بها العقد. فقد كان مشترطاً أموراً مختلفة، لكن المهم أن تحضرهم لي ومعهم هدية، هدية جيدة هكذا.
فانظر كيف أن المعروف... "العرف كالمشروط شرطًا" قاعدة بليغة وهي تدخل في مجال العقود، أي فهذا هو معنى "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا". نعم يا مولانا، يقولون إن العرف إذا اختُلف فيه يجب أن نوضحه. يعني مثلاً، الخياط الذي أرسلت له القماش، هل بقايا القماش سآخذها منه أم أن العرف يقضي بأنه في حال كانت أشياء بسيطة يستخدمها هو؟ فيقولون إذا اختلف العرف يجب أن نحدده، أم أن ذلك ليس شرطاً. هذا نفس ما كنا نقوله الآن. لنفترض أنني أريد أن أبيع لك أو أنت تريد أن تبيع لي الشيء بمائة ألف دولار وليس جنيهاً، نعم. فلا يصح أن تقول لي مائة ألف وتسكت، نعم. ولذلك إذا... كان هناك خلاف حول المعروف، فلا بد أن توضحه بشكل جميل. فهناك صور كثيرة في الحقيقة في العرف. نعم،
فمثلاً الإمام الشافعي يقول ماذا؟ يقول إنني عندما أذهب إلى صانع - الذي ضربت به مثلاً كالخياط - لكي يفصل لي جلباباً أو يفصل لي جبة، لا بد أن يكون عقد الاستصناع هذا واضح المعالم. ويقول لي متى سيسلمني الكوب وكم سيأخذ فيه، فصمت هو وصمت أنا. قال: إذن لا أجر له، لا أجر له. كان متطوعاً بعمل، كان متطوعاً. فالعرف غير ذلك. نعم، هنا سيدخل العرف. نعم، يعني لا أجر له. هذا لو أن ما حدث هكذا، أن الرجل الصانع دائماً يقول نعم،
فعندما... جاء هنا ولم يقل، فهذا يعني أنه يريد أن يؤدي لها خدمة. لماذا؟ لأنه دائماً ما يُقال، أما إذا كان العرف أنه لا يُقال دائماً، فيجب علي أن أرد الجميل. حسناً، كم عليّ أن أدفع؟ هنا سننتقل إلى نقطة ثانية وهي أجر المثل. نعم، مثلما ذهبت لأعمل الجبة، نعم، وسكت. لأنه دائماً ساكت نعم، والمجتمع هذا يخجل أن يقول الأجر نعم، وعندما تأتي لتعطيه الأجر يقول لك ادفع ما تشاء مثلاً، مجتمع شكله هكذا، وبعد ذلك جئت وأخذت الجبة وقبلتها وبسطت منها، السلام عليكم إذاً، حسناً، فقال لي أين الأجر؟ قلت له: لقد سكتَّ، نعم، أنت لم تتحدث. لم تقل كم تريد، أنت لم تخبرني. قال: لا، العرف أنني أسكت. قلت له: حسناً، كم تريد؟ قال: يا هذا، أصبحت هكذا، أريد منك ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه.
نعم، الشيء لا يساوي إلا خمسمائة أو ستمائة جنيه، إذاً، فلنعد مرة أخرى. ونحن قد خصمنا، ندفع كم يعني؟ نحن لم نتفق، وأنت تقول لي أدفع الآن، فيجب أن ندفع أجر المثل أي [ما يساوي] السوق. ماذا في السوق؟ ما الذي لدى الخياطين في السوق؟ والله هذه المسألة فيها خياط يأخذ خمسمائة أو ستمائة أو سبعمائة، فيكون أجر المثل هو [ذلك]. متوسط هذا الأمر يكون حوالي ستمائة، وهذا حق. فهناك خياط يقول لك: "أنا رجل لست متفرغاً، وأنا رجل فنان، وأنا رجل آخذ ثلاثة آلاف". إذا وافقت أنا، فقد انتهى الأمر، وها أنا قد جهزتهم له بالفعل. لكن أن يأتي ويفاجئني ويقول لي: "أنا أريد الثلاثة آلاف" ونحن لم نتفق أصلاً. وأجر المثل مختلف عن هذه الثلاثة. سندفع أجر المثل، سندفع وسنفتي بأجر المثل تماماً. حسناً، فلننتقل إلى الفاصل يا مولانا ونعود لنتحدث عن
الاستدلال بالاستحسان. نعم، فاصل. نعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله. عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم "مفاهيم إفتائية". تحدثنا مع... فضيلة مولانا، في الجزء الأول تحدثنا عن العرف، ونستكمل الحوار إن شاء الله. يا مولانا، نريد أن نتحدث عن الاستحسان كاستدلال أو كأدلة مما يُختلف فيها. الاستحسان أيضاً، ما معناه؟ لأن الإمام الشافعي قال: "من استحسن فقد شرع"، أي أنه جعل موقفاً قوياً من الاستحسان إلى درجة أنه يرى أن من استحسن يعني... ما هي فهمها بمعناها اللغوي؟ نعم، الألف والسين والتاء تدخل لطلب الشيء. نعم، استحسن يعني طلب الحسن. الحسن يعني الحسن من عنده، أي هو الذي يقول هذا
حسن وهذا قبيح. نعم، هذا الكلام يقولونه للمعتزلة. نعم، وهو ليس موافقاً للمعتزلة، فقال: "من استحسن فقد شرع". يعني سيدنا الإمام الشافعي كان... يظن أن هذا الاستحسان هو قول المعتزلة الذين ينزلون الأمور بأهوائهم أو بما يراه حسناً في رأيه، فإنه يأخذه هو الذي يُحسّن وهو الذي يُقبّح، نعم، لكن الكلام الوارد عن أبي يوسف وعن سيدنا محمد بن الحسن الشيباني وهم يصفون سيدنا أبا حنيفة غير ذلك، قال: كان لأبي حنيفة تلاميذ كُثر. بعضهم قال وصلوا إلى ثلاثمائة تلميذٍ في الجلسة ما شاء الله، وكان يناقشه، فإذا وردت مسألة ناقشه، فإذا تكلموا في الأقيسة كادوا يغلبونه، كادوا يغلبونه. نعم، ماذا يعني ثلاثمائة عالم؟
صحيح ليس ثلاثمائة طالب علم، هذا ثلاثمائة، هذا مجمع، أي مجمع كبير، فهم يتناقشون في... الأقيسة هذه كلامهم وجيه وكلامهم قوي، يعرف قيسه. وقد قلنا قبل ذلك أن القياس هو بوابة الفقه وبوابة القياس والاجتهاد، وهكذا لدرجة أن الشافعي قال في الرسالة: "الاجتهاد هو القياس، والاجتهاد هو القياس". نعم، هو القياس هكذا، هو هو. طبعاً يقصد مثل: "الحج عرفة"، نعم، الاجتهاد والقياس. أي أن أهم شيء في اجتهاد القياس، فهؤلاء يبارونه في القياس تماماً. إذاً ماذا؟ عرف كيف يربيهم، عرف كيف يدربهم، عرف أنهم فعلاً هؤلاء تلاميذ أبي حنيفة. نعم، وكان إذا استحسن، لا يُبارَى. خلاص أصبح دخل في
الاستحسان، فلا يستطيع أحد من الجالسين أن يتحولوا إلى تلاميذ مرة أخرى، كانوا قبل قليل الند. بالندِّ وهو كلمة وهم كلمة ويتحدثون ويفهمون بعمق ويعرفون كيف يطبقون آلية القياس، أما إذا دخل في الاستحسان بدأوا يندهشون ويفكرون ويبدأون في حالة التلقي، هذا هو الفرق بين الإمام الأعظم والناس الذين هم كالأطفال في الفقه مقارنة بأبي حنيفة، كما يقول الإمام الشافعي، وبينهم على فكرة الإمام الشافعي ما... لم يلتق الإمام أبو حنيفة، ولكن عندما سمع عن هذه المجادلات والمساجلات والجلسات والمجامع العلمية، لم يستعظم الإمامة كثيراً. الإمام الشافعي يرى أن الاستحسان، وهو يعتبر أن كلمة الاستحسان معناها يكون
مرفوضاً لأنه طلب الحسن، ويكون هذا مرفوضاً. فكيف إذن بسيدنا أبو حنيفة الذي كان إذا استحسن شيئاً، لا، يُبارك له، ماذا كان يفعل؟ ماذا؟ العلماء جلسوا يبحثون بدقة عن الإجابة على هذا السؤال حتى توصلوا إلى الآتي: أن الأسفل الدنيء، نعم، هو مقياس خفي قوي جداً وجميل. انظر كيف يكون لدينا، نعم، شيئان متقابلان: جلي وخفي، قوي ودنيء، ودنيء ضعيف. يعني الدنيء، الدنيء... يعني الدنيء في مقابل القوة، قوة وضعف. وضوح وخفاء جميل. الخفاء
يعني ضعيف أيضاً قليلاً هكذا، لأن الجلي هذا يفهمه كل الناس. الخفي يحتاج شخصاً ذكياً الذي يفهمه. يأخذ القوي والجلي يأخذ الدنيء. ها فأصبح لدينا قياسان: أحدهما جلي دنيء والآخر خفي قوي. هذا فيه سلبية وإيجابية وذاك فيه سلبية وإيجابية. حسناً، ولكن أيهما نقدم؟ والله الخَفِيَّ لا يعلمه إلا الأذكياء، حسناً، لقد علمته خلاص لكن بقوة، وإذا كانت القوة تتقدم فهذا يعني أن القوة تتغلب على الجلاء، هذا الجلاء الذي يفهمه كل أحد، أي أنه ليس مبرراً أنني لأن الناس جميعها تفهمه أن أتخذه، إنما الذي يفهم هذا العمق، هذا العمق مطلوب.
وجد القوة، نعم، القوة مطلوبة. إذن إذا كان الاستحسان هو تقديم القياس الخفي القوي على القياس الجلي الضعيف، فهذا جميل ما شاء الله. والله، لو عرف الشافعي الاستحسان بهذا المعنى لقبله حقًا. ما الذي يجعله يتجه إلى قياس ضعيف لمجرد أن الناس جميعها تفهمه، ويترك القياس القوي الذي لا يفهمه إلا... الأذكياء لا يرى ماذا من الأذكياء الذي يفهمه بشكل صحيح، وهذا قياس وهذا قياس. إذا كان أبو حنيفة يضربهم على آلية القياس بالعبارة التي قلناها، نعم، ويجعلهم يتناقشون فيما بينهم ويتدربون إلى آخره، ثم يأتي لهم بالخفي القوي، نعم. فكان إذا استحسن لا يُجارى، جميل، ويُخرج
لهم الخفي القوي ويُظهره، فإذا بهم. يصمتون حقًا وإذا بهم لا يجادلون أصبح، انتهى الأمر، نحن معنا فقط، هذا ذكي جدًا وهذا قوي جدًا، فكان الاستحسان على هذه الهيئة هو قياسين في الحقيقة، أحدهما ظاهر يعرفه كل أحد والطلاب يعرفونه وكذلك، ولكن هناك شيء بالتأمل والتدبر والتوصل إلى حقيقته، فإنه لا يقول به ويأخذ به، فهذا. هو الاستحسان، ولذلك الاستحسان من المختلف فيه، ولكن إذا وصلنا إلى أننا عرفناه بهذا التعريف الذي عرّفه به المتأخرون واكتشفوه من المدرسة الحنفية، فالجميع يقولون به. تمام، فاضل يا مولانا بضع دقائق، فيمكن بعد إذن فضيلتك أن نأخذ الاستصحاب الذي هو أن
يبقى الشيء على حاله إلى أن يغيره شيء. هل هذا مرتبط يا مولانا بالمقولة "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"؟ الاستصحاب معناه استصحاب الأصل، نعم، يعني الشيء الذي نحن فيه نستصحبه معنا. إليك مثالاً بسيطاً، وبالمثال يتضح الحال. جميل، أنا صائم، نعم، فالصيام هو الأصل. هل غربت الشمس أم لم تغرب؟ أنا متحير، إذن... أفضل صائماً كما أنا ولا أذهب لأقول ما دمت متشكّكاً فلأفطر. لا، يجب أن أكمل الصيام مستصحباً الأصل إلى أن أتأكد، "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". ففي التبيّن أنني بعد المغرب أصبحت مفطراً، فأستصحب الإفطار حتى أتبيّن وأتيقن من طلوع الفجر.
لقد تسرعت وأكلت قبل المغرب. واتضح أن المغرب لم يُؤذَن بعد، فأعيد اليوم سرت على حالي هكذا وجلست آكل وأنا لم يتبين لي أن الفجر قد أذّن. وبعد ذلك اتضح أنه يبدو أنه قد أذّن فلا أعيد اليوم لأنني كنت مستصحباً بإفطار منتظراً أن يأتي الفجر. جميل، إذن هو استصحاب. الأصل يدفعني إلى أن أبقى صائماً إلى أن أتأكد من الغروب، ويجوز لي أن أبقى مفطراً حتى أتأكد من الفجر. جميل "حتى يتبين"، انظر كلمة "يتبين" هي التي جعلت هذا الحكم كذلك، أي يكون إذاً الاستصحاب استصحاب الأصل. يعني هناك كلمة نقولها معها "استصحاب الأصل"، والأصل هو الذي ماذا؟
الحالة. التي أنت عليها دائما نعم، حسناً، أنا أقيم في بيت وهذا البيت ملكي، خلاص هو ملكي، مستصحب الأصل إلى أن جاء شخص من الخارج وقال: "على فكرة، هذا البيت ملكي وملك أجدادي، لكنني كنت مسافراً وعدت". نعم، هنا تكون البينة على المدعي كما يُقال، واليمين على من أنكر. أنا هنا أستصحب الأصل. أنا أذهب إلى القاضي فيقول لي: من الذي يسكن فيه؟ فقلت له: أنا منذ أجيال وأنا ساكن فيه. لماذا؟ لأنني مكثت سنوات فيه، فعلينا أن نستصحب الأصل وندعه مقيماً فيه. تعال أنت الآن أيها المدعي، أنت الآن قادم من الخارج وتدّعي. قال: لكن معه الحق، وها هي الصور وها هي المستندات وها هي... العقود، وادي الشهادة، وادي كذا وكذا وكذا، يحكم القاضي حينئذٍ بالشيء الطارئ هذا الذي يحتاج إلى إثبات. جميلٌ! عجز عن الإثبات، فقال: "هذه مسألة منذ مئة سنة
والمستندات الخاصة بها ضاعت". يقول له: "والله لا أستطيع أن أحكم لك". جميلٌ! صحيح، يقول له: "حسنًا، أحلف لك". يقول له: "ما..." لا أستطيع أن أحكم لك، لا أستطيع. أنت يا أخانا الذي تجلس في البيت، هذا الكلام أنت موافق عليه؟ قال له: والله لا أعرف ولا سمعت عنه أصلاً، يعني أوافق أو لا أوافق. حسناً، فلنستصحب الأصل ويبقى الحال على ما كان عليه. شخص طلق زوجته ولا يعرف هل طلقها مرتين أم ثلاثاً. هما اثنان استصحابًا للأصل، والأصل هنا هو قيام الزوجية. جميل ما شاء الله، وهكذا آلاف الفروع تندرج تحت كلمة استصحاب الأصل. الناس لا تفهم هذا يا مولانا، وحتى يعتبرون الحكام ظلمة عندما يقولون يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء، يقول لك: ما هذا الظلم! مستولٍ على شقتى ويقولون لي ليبقَ الحال على ما هو عليه. فضيلتك وضحت لنا أن الاستصحاب الذي في داخل الشيء قبله سنوات، بالتأكيد هذا ملكه حتى يظهر دليل يخالف هذا الأمر. نعم، هي ليست بالتأكيد ملكه، فهي
تحتاج إلى... إذا عجز الآخر لا يستطيع القاضي أن ينصرك وأنت لا. تستطيع أن تنصر نفسك، جميل ما شاء الله. الفقه الذي لدينا يا مولانا مليء بخيرات كثيرة، لكن الناس تغفل عنها. الحمد لله رب العالمين، إنما العلم بالتعلم، ينبغي علينا أن نتعلم وأن نتعلم أيضاً. ما شاء الله، أيضاً مما حكم به الله سبحانه وتعالى. كثير من الناس تفضل مصلحتها ولا... علاقة لها لأنها غافلة هكذا مع نفسها عن شرع الله سبحانه وتعالى، نقول لهم: لا يا أخي تعال، ليس هناك أحلى من شرع الله ولا يوجد أهدأ للبال من الالتزام بشرع الله. نحن نريد أن نلتزم بشرع الله سبحانه وتعالى ونريد أن نهدأ له، فتجد أننا كلنا قابلنا بسعادة ولا يوجد. خصام أصبح بعد المنازعة، يكون فيه وقار وليس خصاماً. بارك الله فيك يا مولانا.
اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعد باللقاء في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم "مفاهيم إفتائية". فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته