برنامج مفاهيم إفتائية (26) - الفرق بين الحلال والحرام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مفاهيم إفتائية، يسعدنا ويشرفنا أن نكون مع حضراتكم في ضيافة فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. مرحباً بك يا مولانا أهلا وسهلا بكم إن شاء الله. مولانا، الحلقة الخاصة اليوم من المفاهيم الإفتائية، نريد أن نتحدث عن الورع والفرق بين الحلال والحرام والورع. نحن في الحلقة الماضية وصلنا مع فضيلتكم إلى أن البنوك ومعاملات البنوك مستحدثة وأنها ليست محرمة وليست ربا، وكنا طرحنا سؤالاً عن الذي وضع وديعة في البنك واليوم وضع... مائة ألف سيخرج زكاة مالهم اثنين ونصف في المائة من المائة ألف أو ما مقدار هذا من الحسابات التي تأتي له بأرباح؟ فنريد أن نعرف من فضيلتك. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هناك حسابان في البنك: حساب
يسمى بالحساب الجاري وحساب يسمى بحساب الوديعة أو حساب الوديعة يأخذ البنك الأموال ويستثمرها في مجالات مختلفة، بعضها تجاري وبعضها صناعي وبعضها زراعي وبعضها يخصص للاستيراد والتصدير وللخدمات وهكذا. فهذه الأموال لا تبقى في البنك وإنما تُقسَّم بتقسيمات معينة يُنص عليها في علم البنوك والنقود، وينص عليها علم إدارة البنوك بأن بعضها يذهب إلى المركز. وبعضها يستثمر تحت أسقف معينة بطريقة معينة إلى آخره، أي فالحاصل الآن أنها لم تعد نقداً هذه الوديعة، إنما هو مستعد في الحساب الجاري لأن يعطيك مالك فوراً وبدون أي تأخير، ولذلك يحتفظ باحتياطي عنده لمواجهة هذا الصرف الذي هو تحت الطلب إن صح التعبير، إذا كانت أموالك في...
الصورة الجارية هذه فعليها اثنان ونصف في المائة، وذلك لأنها بمثابة أمانة عند شخص آخر، أي كأنك وضعت أموالك في خزينة. نعم، فإذا كان الحساب الجاري عليه اثنان ونصف في المائة، نعم، أما حساب الوديعة فهي لم تعد مالاً إذ إنها دخلت في مشاريع كثيرة، نعم، ولذلك فهذه الوديعة قد تكون مدتها سنة. وقد تكون مدتها أكثر من سنة إلى آخره، وحينئذٍ يشبهها الشيخ عبد الله المشد رحمه الله تعالى، وأنا معه في هذا التشبيه، وكان رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف وعضو مجمع البحوث الإسلامية، بالأرض بالأرض، وهذا معروف عندنا في أصول الفقه بقياس غلبة الأشباه، أي وهو أن فرعاً ما يتردد. بين أصلين فنلحقه بأكثرهما
شبهاً، بأكثرهما شبهاً. فأصبح الآن الرقم المودع في البنك هو رقم واضع في البنك مليون ومائة ألف. هذا الرقم، هل هو مثل النقود فيحصل عليه مثل الحساب الجاري اثنين ونصف في المائة؟ أم هو مثل الأرض فيحصل على نتيجة العشرة، أي عشرة في المائة من الناتج؟ أي الواقع الذي نفهمه من البنوك أنه مثل الأرض، إنه أقرب شبهاً بالأرض. هو يشبه النقود في العدد وقدمت ستة أصفار، أي لكن في واقع الحياة هو يشبه الأرض. أي عندما فرض الله زكاة في شأن الأرض فرضها على الثمرة ولم يفرضها على قيمة الأرض ولا الأرض نفسها، لأن الأرض... غير مقدور أن
أخرج منها شيئاً، لكن الثمر أخرج منها شيئاً والزرع أخرج منه شيء، ولذلك فالزروع والثمار والزروع نخرج منها إما عشرة في المائة أو خمسة في المائة. إذن سنعتمد عشرة في المائة لأنه لا توجد تكلفة هنا تجعلني أدفع الخمسة في المائة، هذا فكر الشيخ عبد. الله، المشاد رحمه الله توصّى إليه بعد أن عرضت عليه سيدة عندها ثمانون سنة أنها كانت زوجة رجل عظيم وجيه أُحيل إلى التقاعد، وأخذ مكافأة من الجهة التي كان يعمل بها آنذاك في ذلك الزمن الأول مائة ألف جنيه. مائة ألف جنيه هذه كانت ذات قيمة كبيرة وطيبة، وهم أناس من... علية القوم، أي فوضعتها في الاستثمار، والاستثمار يدر
عليها ربحاً. وحصلت على اثنين ونصف في المائة من مائتين وخمسة آلاف من المائة ألف. عمولة المائة ألف كانت عشرة آلاف، كانت تضعها مع المعاش. عندما توفي زوجها، أصبح لها معاش من الدولة، فتضع العشرة آلاف مع المعاش وتعيش. نعم، لديها خادم ولديها سيارة ولديها كذا، يعني تعيش حياتها، إلا أنها لاحظت أن مصاريفها العادية التي طالما عاشت بها هي عبارة عن ألفي جنيه في الشهر، نعم، من أكل وشرب ولباس وعلاج، وبدأ العلاج كلما تقدمت في السن يعني تحتاج إليه، فتصرف في السنة أربعة وعشرين ألفًا.
نعم، العشرة التي تأتي من الوديعة والاثني عشر أو ثلاثة عشر تأتي من المعاش، ولديها قدر وإمكانية بأن تضغط على نفسها قليلاً في ذلك، ولكنها عندما بدأت سنة تمر وجاءت لتخرج الزكاة، لم يكن معها إلا أن تسحب من الوديعة اثنين ونصف في المائة. يعني ألفان وخمسمائة فسحبتهم فنقصت الوديعة إلى سبعة وتسعين ونصف، فنقصت الوديعة. نقصت عشرة هذه أيضاً بطريقة بسيطة هكذا، هو سبعمائة تلف قليلاً، مائتان وخمسون جنيهاً مثلاً، أي فأصبحت الآن الفجوة كبرت. نعم أولاً نقص الأرباح
كبّر الفجوة، أي وكبّر الفجوة أكثر وأكثر ارتفاع الأسعار، صحيح، وكبّر الفجوة. أكثر وأكثر احتياجها إلى أدوية إضافية لتقدم السن صحيح، فلما حصل هذا أصبحت الفجوة بدلاً مما هو مقدور على تغطيته أصبحت أوسع من هذا، أي مما اضطرها إلى أن تأخذ من المائة ألف، نعم، السبعة وثمانية من وصل الإيصال ومنه تأخذ قليلاً أيضاً لتغطي الفجوة. هذه الفجوة كانت ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف. نعم، سحبت، فسحبت الأربعة آلاف منها، ثم بعد ذلك ظهرت اثنان ونصف في المائة في السنة الثانية، فازدادت الفجوة، فظهرت كذا وكذا إلى آخره. وعندما وصلت إلى سن الثمانين، وهي ابنة الناس المستورة، لم يعد معها مال وتحتاج الآن
إلى صدقة. فأُرهقت خلال ماذا يعني؟ قُضي عليها خلال. سنوات مضت عليها خلال السنوات، فالشيخ قال: "لا يوجد شيء خاطئ، نحن نحسب أن هناك شيئاً خاطئاً في هذا الإسلام". يؤدي بالزكاة إلى هذا. ما الذي يحدث؟ أنت عندما فككت الوديعة كأنك بعت الأرض إذاً، فالوديعة كالأرض وليست كمقود. جميل ما شاء الله، الوديعة كالأرض، ولذلك لا نفك الوديعة [كأننا] نبيع الأرض. هذا، هذا يقول: الأرض كالعرض، يعني لا تفرط فيها، يعني لا بد عليك أن تحافظ على أصولها. إذاً هذا الوضع هو الذي دفع الشيخ عبد الله المشدل أن يبحث هذا البحث، وهو بحث جيد جداً لأنه متعلق بإدراك الواقع. دائماً نحن نبحث عن إدراك الواقع، ومتعلق بفلسفة الزكاة في الإسلام. وأنها ليست للإفقار، ومتعلق بأن هذا
أيضاً فيه دفع الزكاة، يعني بعض الناس بعد ذلك قالوا: "لا، ما دامت غير قادرة على دفع الزكاة فلا تدفع الزكاة بالمرة". لا، هي أنت تستطيع أن تدفع الزكاة ولا تفك الوديعة إذا قلنا إنه من نفس الإيراد تأخذ عشرة في المائة منه. تشبيهها لها بالأرض يعني جعلنا كل الشريعة طُبِّقت والفقير استفاد والمرأة لم تُضار أو الرجل أو أي شيء. فكثير جداً من إخواننا الذين يكون لهم مكافآت نهاية الخدمة يقولون لنا: "أنودع هذه في البنك ويكون علينا اثنان ونصف في المائة أم عشرة في المائة؟" فنقول لهم: "عشرة في المائة". بفتوى الشيخ المشد لأجل هذا الفهم وهذا الوضع، وإن شاء الله يكون وضعاً صحيحاً عند الله. ربنا يفتح عليك يا مهان. عشرة في المائة من الأرباح التي تخرج وليس اثنين ونصف من قيمة الاستثمار. ما دامت وديعة، وما دام الإنسان وضعها
من أجل أن يأكل منها، فهي تشبه الأرض لأن... واقعها أقرب إلى الأرض على سبيل قياسه. غلبت الأسباب ما شاء الله، ونحن هكذا استفدنا من علم فضيلتكم في الحلقات الماضية من مفاهيم إفتائية عن القياس والمفاهيم الإفتائية. وسننتقل لهذه النقطة، نذهب إلى الفاصل مولانا ونعود لنستكمل الفرق بين الحلال والحرام والورع، لأن بعض الناس لديهم تساؤلات كثيرة ولديهم أفكار ويسألون. بعضُ مَن يدَّعون العلم، من ضمنهم أنا، أعملُ في سوبر ماركت وأحياناً يبيع موادّ مثل الخمور أو البيرة، أو أعملُ في فندق. هل عملي حرام؟ ولا نعرف الفرق بينهم. من هنا بعد الفاصل إن شاء الله، فقط نعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله، عدنا إليكم من الفاصل الجزء. الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم
"مفاهيم إفتائية". قبل الفاصل وصلنا مع مولانا إلى أن إخراج زكاة المال على المال المستثمر في البنك هو عشرة في المائة من الربح، وليس اثنين ونصف في المائة من قيمة الاستثمار. يا مولانا، هناك بعض الناس يتساءلون: "أنا لدي محل أدوات منزلية وخردوات وما إلى آخره، وأبيع ملابس". داخلية للمرأة أو بنطلونات ضيقة أو أدوات مكياج، في بعض الناس يقولون أن هذا حرام لا تتاجر فيه. نقول له: فضيلتك ترد وتقول له ماذا؟ هناك قاعدة وضعها الفقهاء وهذه القاعدة تقول: الحرمة إذا لم تتعين حلت. الحرمة إذا لم تتعين حلت، أصبحت حلالاً، يعني أصبحت حلالاً لأنها لم... يتعين نعم، وسأذكر أن هذه القاعدة تعلمتها من الشيخ سعيد اللحدي نعم في الحرم المكي، وكان يدرس في المدرسة السلطانية القواعد الفقهية ما شاء الله. الحرمة إذا لم تتعين حلت. تطبيقها يفيد
إخواننا هؤلاء نعم الذين يأتون ويقولون: أنا أبيع الملابس الداخلية للمرأة، فهل هذا حلال؟ وليس حراماً، فما وجه الحرمة في ذلك؟ يقول: لعلها أن تخرج بتلك الملابس، يعني تستخدمها في شيء حرام. يعني لعلها... ما هذا؟ هذا هَتْر في اللغة العربية، والهَتْر هو الحُمق. نعم، لا، هي كلها استعمالان، فالعبرة فيه بالمستعمِل. كلها استعمالان، فالعبرة فيه بالمستعمِل. يعني السكين يمكن أن نستعملها في... أعمال المطبخ من تقطيع الزبد واللحم وما إلى ذلك، كلنا نستخدم السكين، ويمكن أن أقتل بها والعياذ بالله تعالى، فإذن السكين لها استخدامان، نعم صحيح وقبيح،
إذن هذا الذي يستخدمها، فالعبرة بالمستعمل، ويكون هذا الذي أخذها وقتل بها مسؤولاً عن فعلته. هي هكذا نعم، الشقة للإيجار. أن أؤجر شقة، نعم، يجوز أن أعبد الله فيها صحيح، وأن أحيي الليل بالركعات في الظلمات، ويجوز للإنسان أن يفسد فيها. إذا كانت الشقة مسكناً له استعمالات، استعمال قبيح واستعمال صحيح، فالعبرة بالمستعمل. ما مسؤولية صاحب البيت؟ ليس له مسؤولية صحيح، لأنني عندما استأجرتها له، استأجرتها على... أساس أنها سكن ولم أستأجرها على أساس أنها ملهى ليلي مثلاً أو بيت للدعارة أو ما شابه ذلك. إذن فكل
هذه استعمالات مختلفة، والعبرة فيها بالمستعمِل، لأن الحرمة إذا لم تتعين حلّت. جميل ما شاء الله. شخص يقول لي: حسناً، أنا أبيع أجهزة تلفزيون وأطباق استقبال فضائية وما إلى ذلك. التلفزيون إما أن أرى... فيه الخير وإما أن أرى فيه الشر. أحدهم يقول لي: أنا أبيع القلم الذي يمكن أن يُكتب به المديح والثناء على الله، ويمكن أن يُكتب به الكفر أيضاً. صحيح، فمن المسؤول إذن؟ بائع القلم أم الوراق؟ لا، الحرمة إذا لم تتعين حلت، بمعنى أن كل هذه استعمالات، فالعبرة فيها بالمستعمل، والمسألة في المستعمل. أي بعد إذن فضيلتك، العبرة في الاستخدام. أعني أنا أبيع له قلماً، أبيع له سكيناً، أبيع ملابس داخلية، أنا ليس لي ذنب في كيفية استخدامه لها، هو الذي سيُحاسب على استعماله. ما دام لها استعمال، ما دام لها استعمال جميل. فلو أن شخصاً جاء وقال لي:
نحن نريد أن نبني ثلاجة لحفظ الخمور نعم وهي لا تصلح إلا لحفظ الخمور، الخمور فقط فقط. هي مصنوعة بطريقة والآلية التي فيها لا تحفظ إلا الخمور فقط. يعني يكون حراماً أنهم يستعملونها كما علمتني فضيلتك. ليس هناك استعمالان، استعمال واحد واستعمال حرام. جميل ما شاء الله. طيب والمصمم لها حرام؟ طيب والباني لها حرام؟ حسناً، والرجل الذي يقول إن الحرام خلاص صار حلالاً لأنه استعمال واحد صحيح؟ شخص قال لي: "حسناً، أنا سأبني مطعماً، وهذا المطعم قد يُؤكل فيه الحلال وقد يُؤكل فيه الحرام، إذن، المال الذي سأستعمله في بنائه يكون جائزاً؟" جميل. وقال لنا آخر: "سأبني فندقاً، وهذا الفندق للسكن، لإقامة الناس، ولكن قد تُمارس فيه الفاحشة". صحيح. قلت له: "حسناً، بالضبط، يكون
هناك استعمالان، يكون استعمال، إذا كان بناء الفنادق حلالاً". أي واحد من المجرمين كتب عنواناً، أنا لم أقرأ ما تحته، أي قال إن المفتي يبيح - أظن - الدعارة أو شيئاً من هذا القبيل. إذاً هذا الرجل جاهل، جاهل عنده غباوة، لم يفهم الفقه ولم... يفهم الحياة ولم يفهم كذا إلى آخره فكتب ما كتب للأسف، وأن الحمد لله هذا يعني مثل ما تقول لا يلتفت إليه أحد، نعم والحمد لله رب العالمين، ولكن هذه العقلية هي العقلية التي أفسدت في الأرض لأنها لم تكن صالحة.
أنا أتذكر أن زميلاً لنا كان في كلية الشريعة أي وكان تركي، كان تركياً، وكان الشيخ يشرح لنا شيئاً في الفقه ويفصّله. التركي رحمه الله وانتقل إلى رحمة الله تعالى. التركي عندما سمع الشيخ، يعني خطر في باله أن هذا يعني قد يكون ليس فيه ورع، نعم. والشيخ رحمه الله أيضاً كان ضريراً، نعم. واعترض عليه وقال له. يا شيخ، ما هذا الكلام الذي تقوله؟ فثار الشيخ ثورة عارمة وقال له: نحن حفظنا الدين
يا جاهل. من المتكلم؟ خاف الولد وسكت. سكت لأن الشيخ ثار ثورة عجيبة غريبة لا أنساها أبدًا في الدفاع عن الدين، وأن هذا الشرع الشريف مبني على العلم لا على الجهل. ويقول... له كذلك يقول: "هذا علمٌ يا جاهل، هذا شرعُ الله يا فاسق". وقد تمادى في هذا من أجل غضبه لله تعالى. هذا الموقف أثَّر في الولد جداً، ودائماً كان يرويه ويحكيه بالرغم من أنه كان ضده، ويقول: "لقد تعلمت من الشيخ أن حفظَ الشريعة يجب علينا، وأن نسمع كلامهم حتى يرضى". الله عنا لا إله إلا الله، كان هذا
الزميل يقول هذا وقد مات، أظن أنه قد مات شهيداً لأنه مات في حادث سيارة وما إلى ذلك. أريد أن أقول إن العلم الذي تركه لنا العلماء لا ينبغي للسفيه والسفهاء أن يتلاعبوا به وأن يخرجوه عن حده. ما أراده الفقهاء الكرام أولاً من تطبيق الشريعة، وثانياً من تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وثالثاً من تعليم الناس أمر دينهم، وتسهيل الحياة عليهم، وتحقيق المقاصد الشرعية المرعية التي نصل إليها بالعلم، لا نصل إليها بالهوى وقلة الديانة. والتشدد يحسنه كل أحد، نعم صحيح، وتحرم على الناس ما... بين السماوات
والأرض ما هذا يُتقنه كل أحد وإنما العلم لا يُتقنه كل أحد. صحيح جميل هنا يا مولانا، فضيلتكم وضحتم لنا نقطة مهمة جداً. فكانت هناك تساؤلات نريد أن نطرحها على فضيلتكم، وقد أجبتم عليها تقريباً من غير أن نسألها. يعني كان هناك بعض الناس يتساءلون أو موضوع دائماً يُثار أن... إحدى النساء جلب لها حموها الجهاز، وجلب لابنه الجهاز وزوجها به، ثم اكتشفت أن هذا الموظف مرتشٍ وقُبض عليه متلبساً ودخل السجن. فأصبحت تفكر وتتساءل وتقول: لا أريد استخدام الأدوات المنزلية الخاصة بي وجهازي هذا لأن حمي جلبه لي من مال حرام، لأنه موظف مرتشٍ. هنا اتضح أن الحرمة إذا لم تُعَيّن. حلت صحيحاً مادام موظفاً فإذا كان يدخل له راتب، ثم أنه فاسق مرتشٍ، نعم فيدخله حرام، فهذا الذي أتى إنما هو من الحلال لأن الحرمة لا نعرف هي من أي شيء، فالأموال التي دخلت
له لا نعرف أنها من مكان معين، لا، هي مخلوطة، نعم فيها حلال وفيها حرام. حلال وفيها حرام والمحرمات إذا لم تتعين حلّت، وباب الورع أصبح باباً آخر. نحن في الحقيقة في عصر فتن، نعم، ولذلك نتمسك بحدّ الحلال والحرام. أما باب الورع فهو واسع، لكن كثير من الناس لو أنهم ولجوه في هذه العصور لأصيبوا بالوسواس. صحيح كان الصحابة يتركون سبعين باباً من... أبواب الحلال خشية أن تقعوا في باب من أبواب الحرام، أي الحلال الصافي تتركونه. عندما نأتي الآن مع هذه الفتن وتسارع الأمور ونحاول أن نطبق هذا، لا يستقيم لنا، ولذلك
قد يصل بنا إلى أمور منها الوسواس، وهو منهي عنه، وهو حالة نقص لا ترضاها الشريعة، وأمرنا الرسول صلى الله. عليه وسلم بألا نُدخل أنفسنا في الوسواس وقال: "هلك المتنطعون"، أي ولما مرّ أحدهم ونزل عليه ماء فقال: "هل هذا نجس أو كذا؟" فقال عمر: "بالله لا تجب هذا المتشدد، بالله لا تجب هذا المتشدد". لا، وقعت عليك، اعتبرها حلساً طاهراً أو بساطاً أو ما شابه ذلك، فإذا ما شاء الله يعني. باب الورع: الورع مطلوب ولكن على قدر، ليس أن تترك سبعين حلالاً كما كان يفعل سادتنا الصحابة الكرام، لأن هذا أمر يورث الوسواس في عصرنا الحاضر، ويورث تعطيل المصالح، ويورث العزلة، ويورث أشياء كثيرة جداً. ولذلك يجب
علينا أن نتمسك بالحلال والحرام، وأن لا ننكر على إخواننا إذا ما تمسكوا بالحلال. والحرام، فإذا تورع الإنسان في شيء أو شيئين، وإذا استطاع الإنسان هذا التورع من غير أن يترك فرائض دينه من الدعوة إلى الله، من تصحيح المفاهيم، من العلم، من فروض الكفايات؛ لأنه لو ترك هذا يكون آثماً. أما لو أنه أكمل دينه وتورع في الشيء والشيئين فلا بأس به، فالورع... لكن كونه يُظهر الورع حتى يهجم على الحلال والحرام بالبطلان، فهذا هو ما يُسمى الورع الكاذب الذي نُهي عنه. بارك الله فيك يا مولانا، الوقت مع فضيلتك يمر سريعاً. يعلم الله أننا نحبك في الله، وندعو الله أن يبقيك لنا كي نستفيد من علمك مرات ومرات. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة. الدكتور علي جمعة على موعد باللقاء
في حلقات قادمة إن شاء الله من مفاهيم إفتائية. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم.