برنامج مفاهيم إفتائية (3) - الإفتاء يحتاج إلى تدريب

برنامج مفاهيم إفتائية (3) - الإفتاء يحتاج إلى تدريب - مفاهيم إفتائية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "مفاهيم إفتائية"، يسعدنا ويشرفنا أن نكون مع حضراتكم في ضيافة مولانا العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً بك يا مولانا، أهلاً بك، أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً مولانا. إننا في الحلقة الماضية مولانا توقفنا عند أن الفتوى تكليف وليست تشريفاً، ونحن في الزمن المعاصر نرى أن أي شخص قرأ كتاباً أو كتابين يتصدر للفتوى في الفضائيات. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا. رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، هناك - والعياذ بالله تعالى - شهوة عند بعض الناس لم يُقِمْهُ الله سبحانه وتعالى في هذا،
فتراه يعني لم يدرس الدراسة الشرعية التي تؤهله لهذا، لأنه ليس كل دراسة شرعية تجعل الإنسان قادراً على الإفتاء. جميل، ليس كل دراسة شرعية تجعل الإنسان قادراً على الإفتاء. نعم، ولذلك عندما كان الأكابر ينشئون جامعة الأزهر، وطوال تاريخ العلوم الشرعية فيها كانت متخصصة، فجعلوا هناك كلية للغة العربية وآدابها، وكلية لأصول الدين يُدرس فيها العقيدة والتفسير والحديث، وكلية للشريعة يُدرس فيها أصول الفقه والفقه والسياسة الشرعية وغيرها. لم يجعلوها كلية واحدة، بل جعلوها بهذا التنوع من أجل هذا. التخصص لأنه عادة الإنسان وإن كان عالماً وكبيراً
إلا أنه يكون أميل إلى فرع من فروع العلم يختلف عن بقية الفروع، هو لا بد عليه أن يكون عنده معلومات في كل العلوم ولكن بالرغم من ذلك إلا أنه ليس هو صاحب هذا العلم، أي يعني بعد إذن فضيلتك نستطيع أن نقول. أن أي طبيب يستطيع أن يكون ممارساً عاماً للطب الباطني، ولكن الذي يُجري العملية الجراحية لابد أن يتخصص في الجراحة. ولذلك تنوعت التخصصات في الطب حتى اتسعت جداً، وأصبح الأمر ليس مجرد أنه طبيب عيون، بل أصبح هناك من يُجري الليزر في طب العيون، تخصص ليزر، وهذا التخصص جميل. التخصص، التخصص نعم، وليس كل أحد، أي وهناك من يبرز من أولئك المتخصصين الذين يعملون هذا الليزر، فيقول لك: لا، هذا فلان، هذا الأستاذ، المستشار الخاص بهذه المسألة. إذاً هي درجات
عند الله، يعني هناك درجات عند الله سبحانه وتعالى. فلست طبيب عيون، نعم، بلى، اعمل لي. أصبحت عملية الليزر، يقول له: "لا، أنا لم أُجرِ الليزر". يقول لي: "حسناً، أي شخص يمكنه إجراء الليزر". قال: "لا، حالتك أنت بالتحديد تحتاج إلى كذا". وبعد ذلك أيضاً يقول لك: "هذا غير متوفر لدينا في البلد، اذهب إلى ألمانيا، اذهب إلى فرنسا، اذهب إلى اليابان، اذهب إلى إسبانيا، اذهب..." ما هذا؟ ما هذا الاحترام؟ هذا... احتراماً للعقل البشري وللإنسان، فهل الأبدان أصبحت أولى عندنا من الأديان؟ لا إله إلا الله! لقد كان الصحابة الكرام عندما يذهب بعض التابعين لسؤالهم، يُحيل كل منهم السائل إلى من بجواره، إلى أن يطوف على جميعهم حتى يرجع إليه الأول، والكل يتحرج
من الفتوى ومن الإجابة، ويرى أنه لو أدلى بقول فإنه يعني ويُخرج هذا القول. يوجد شيءٌ من الخطأ، فيقول أبو بكر الصديق - الصديق، ها الصديق، الصديق يعني ماذا؟ يعني سيد الأمة، يعني الصديق، يعني حبيب الرحمن، يعني حبيب سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام. أي أرضٍ تُقلّني وأي سماءٍ تُظلّني إن أنا قلتُ في كتاب الله ما لا أعرف. لا إله إلا الله، هذا. من هذا الذي يكون عربياً فيتقن اللغة العربية بالطبع، وليس محتاجاً للتعليم، وهو صاحب رسول الله، صاحب الرسول، الثاني الذي كانا في الغار، ما شاء الله، هذا هو الصديق الذي سماه ربنا صديقاً، أي أنه أبو بكر يا إخواننا، الذي كان مع النبي عليه [الصلاة والسلام]. الصلاة والسلام، قال في "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من
بعدي"، هذا يعني أصبح وكأنه مصدر من مصادر الشريعة. جميل، وبعد ذلك يقول: "بقلمي أنا لن أستطيع أن أتكلم، فأنا لا أعرف. الناس الذين يتكلمون هكذا قبل الدراسة ليسوا مؤهلين لإدراك الشريعة ولا لإدراكها". مقاصدها ولا لإدراك الواقع ولا للوصل بينهما ولا لتلك المسؤولية ولا لمعرفة المآلات ثم بعد ذلك يتصدر قبل أن يتعلم، وقالوا: من تصدر قبل أن يتعلم كمن تزبب قبل أن يتحصرم. العنب أصبح زبيباً قبل أن يصبح حصرماً، قبل أن يصبح عنباً أصلاً، ولذلك يصبح من الخارج هلا هلا ومن... في داخله يعلم الله حقاً، أي من الخارج كالزبيب تأتي لتأكله فتجده مراً. حقاً إن هذا الزبيب حلو، وإنني أتعجب
حقيقةً من هذا الأمر إلا أن تكون هناك شهوة. حسناً يا مولانا، إذا كان هناك فرق بين الإفتاء وبين الوعظ أو بين الدعوة إلى الله، لأن الناس دائماً يقولون... رسوله قال عليه الصلاة والسلام بلِّغوا عني ولو آية. طبعاً فيقولون: إذاً نحن نخرج ونفتي الناس، ها نحن نقول للناس لأن الرسول أمرنا بذلك. هناك فرق بين الدعوة وبين الإفتاء. الإفتاء هو بيان الحكم الشرعي وهو يحتاج إلى تعلم المصادر وتعلم أيضاً ليس المصادر فقط لأنه يمكن على فكرة أن أتعلم. المصادر فأصبح مؤلفاً جيداً، مؤلفاً جيداً، ولكن لا أُصبح مفتياً، لا أستطيع أن آخذ هذا المصدر وأضعه على هذه الحالة، لا أستطيع، ليست عندي هذه القدرة. جميل، يمكن أن أصبح مفسراً أو لغوياً أو نحوياً أو أي عالم من العلماء واسع العلم، لكن لا أستطيع أن
أفتي. القضية في الإفتاء تحتاج إلى ليس فقط تعليماً بل أيضاً تربية، لأن المفتي لا بد له أن يكون صبوراً حليماً متأنياً، يستمع أولاً إلى القضية ثم يغوص فيها ويتخيل مآلاتها، ثم بعد ذلك يتكلم. وأيضاً تحتاج الفتوى إلى تدريب، فلا بد للإنسان أن يتدرب على كيفية تلقي السؤال وفهمه ومساعدة السائل لأن ينقل ما يعتقد لا ما. هو واقع فعلاً وكيف تفرق بينهما وهو أمر دقيق للغاية، يعني كيف يأخذ المعلومة من المستفتي؟ المستفتي لا يكذب، نعم، ولكن من الممكن أنه فاهم لكنه ينقل شعوره وينقل وجهة نظره هو، فكيف تتصور أن
تدرك أن هذه وجهة نظره وأنها ليست هي الحقيقة؟ فلا بد عليك من الثاني. وهذه الضربة تحتاج إلى تدريب فعلاً، وليس إلى أن تمر عليك مرة واحدة أو مرتين أو أكثر إلى آخره. لذلك يا مولانا دائماً يُقال - يعني عندما يسأل أحد عن الطلاق في البرامج التي تظهر فيها فضيلتك أو أحد من علماء الإفتاء - يقولون أو حتى عندما نتصل بالخط السريع هذا. تقول دار الإفتاء إنه يجب أن يحضر الزوج حتى نتحدث معه ونسأله، وليس عبر الهاتف. صحيح أن هذا لأن فضيلتكم لا ينتبه إلى أمور كثيرة. نحن نسأله عن الحال والزمان والمكان والأشخاص وعن أشياء كثيرة جداً، ثم نسأله عن الأملاك وعن الإدراك، ونسأله حتى وهو... لا يشعر نعم بل يتعجب من بعض الأسئلة، يعني مثلاً عندما يأتي شخص وبعدها أقول له: "أنت كنت واقفاً أم جالساً؟ أنت كنت في أي مكان؟" هذا ليس بالموضوع.
يقول له: "نحن لا يهمنا أنا واقف أم لا، أنا أريد أن أرى هل هو مدرك أم غير مدرك، لأن لدينا شيء يسمى الإدراك والإملاك والفقد". الإدراك ولم يفقد أو فقد الإملاك ولم يفقد الإدراك، أعمال كبيرة متراكمة ليست بالهين السهل، لأنك عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء، فالتصدر من غير علم الحقيقة هو بلاء كبير نحن نعيش فيه في هذا الزمان. ليس فقط غير المتخصص هو من كان مشتغلاً بالهندسة أو بالطب ثم تعرض للفقه عَرَضاً. لا ليس هذا فقط، هذا موجود، هذا نوع موجود، بل أيضاً حتى من درس شيئاً من الشريعة أو العلوم المساعدة لها كالمنطق والفلسفة واللغة بكل فروعها
والحديث والتفسير، ليس له أهلية للإفتاء إلا بعد أن يدرب نفسه وبعد أن يتربى على يد المشايخ، لأن هذه التربية تحتاج إلى شيوخ، يعني مثلاً. عندما كنت في سنة ثلاثة وتسعين وضعني الشيخ جاد الحق رحمه الله شيخ الأزهر في لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف. حينما دخلت وأنا أستاذ في الجامعة، نعم، وأدرس الفقه وأصوله وما إلى ذلك، والقواعد الفقهية، وكنت في ذلك الوقت أحفظ كتاب "الأشباه والنظائر" للسيوطي حفظاً كالقرآن، وبالرغم من ذلك عندما دخلت وجاءتني المرأة تشكو زوجها أو
البنت تشكو أباها، وقعت في حيرة واستعنت واستغثت بمشايخي. نعم، الذين سبقوك فضيلةً. أنا في هذا منذ أربعين سنة أو خمسة وأربعين سنة، وهم منذ خمسة وثمانين سنة ما شاء الله. فكان معنا الشيخ مسلم، وكان الشيخ مسلم عندما تأتيه مسألة وهو... حريصٌ على أن يُربيني وأن يُعلمني وأن يُدربني. أي، عفواً بعد إذنك يا مولانا، لأن هذا الموضوع يحتاج إلى ساعة من الوقت والوقت قد حان. سننتقل إلى الفاصل ثم نعود لنرى ماذا فعل الشيخ مسلم مع فضيلته إن شاء الله. فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا. فاصل ثم نواصل. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عُدنا. إليكم من الفاصل معنا
مولانا العلامة الدكتور علي جمعة فضيلة المفتي، وكنا قبل أن نخرج للفاصل، كان مولانا يحكي لنا عندما ضم فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق مولانا للفتوى في الأزهر الشريف سنة ثلاثة وتسعين، وكان لفضيلة الشيخ موقف معين مع فضيلتكم. تفضل يا مولانا، كان رحمه الله تعالى. وكان قريصاً عضو مجمع البحوث ومن كبار العلماء وعضو لجنة الفتوى، فكان إذا أتاها السؤال يقول لي: تعالَ اجلس هنا، ويقول للسائل: قل للشيخ. نعم، ويجلس متابعاً، يشاهد ويتابع من بعيد، بمعنى أن الرجل أو المرأة أمامي للسؤال وهو جالس حاضر في الكاميرا، وأتلقى السؤال وأجيب. ثم يقول بعد الإجابة: "صحيح، صحيح"، يعني هذا اعتماد، أي أنه يعلمني.
وأنا طبعاً أستاذ في الجامعة، ولكن هذا جديد عليَّ بهذا الشكل وبهذا القدر. حضرتك حاصل على الدكتوراه وأستاذ في الجامعة، لكن لا. وأنا أفتح للشخص، للسيدة أو الرجل، أنه لا يقول: "شيخ صاحب يقول صحيح"، لا. لا يجب أن يكون الرجل صحيحاً في رأيه، جميل. فكنت أذهب إليه دون سؤال، يعني إذا كان بعيداً أقوم لأذهب إليه وأقول له: في حالة معروضة عليّ تقول كذا وكذا وكذا وكذا، ماذا أفعل فيها؟ فيقول لي: لا، لا تُجب عليها، لا تُجب عليها. نعم، يعني من جزء من الإفتاء أنك لا... ألا تجيب، قلت له يعني أن أسكت، كيف أسكت؟ أوضح أن هذا جزء من الإفتاء. قال لي: هذا نزاع قضائي، والنزاع القضائي يذهب إلى القاضي وليس إلى المفتي. هذا أتى يريد أن يأخذ فتوى ليدعي أن الحق معه. نعم، حسناً، جميل، هذا يريد
أن تفتي ولكن يجب أن تعرف. أصبحت أطراف القضية كلها، ولا بد أن يأتي الطرف الثاني، ولا بد من كذا وكذا وكذا، فبدأت أتنبه إلى الفرق، وهو على فكرة موجود في الكتب، لكن معلومتك من الكتب تختلف عن معلومتك هكذا من الواقع. من الجميل أن هناك فارقاً بين الإفتاء وبين القضاء، وأن هناك فارقاً بين الاستفتاء وبين طلب قضية لرفع النزاع والخصام. يأتيني واحد فيأخذ مني الفتوى ثم يطلب مني التدخل لحل هذه الفتوى، وهذا أمر آخر. أنا لست محكماً، أنا مفتٍ، يعني الذي أقول لهم أن الحكم الشرعي يقول هكذا. لا أستطيع، نعم، بهذا أزيد العلاقات الاجتماعية تعقيداً. وكوني آتي يجب أن يدعوني الطرفان لكي أحكم بينهما، لكن هو... عندما يأخذني،
سيكون الأمر كأنه أخذ محاميه، أخذ محاميه وأخذني أنا في جانبه، نعم. فأصبحت متحيزاً دون أن أريد هذا التحيز ودون أن أقصده. إذاً لا تفعل هكذا، لا أفعل هكذا، لا، هذه قف عندها، لا أنفذ ضربة. كان لدينا الشيخ عبد الرازق ناصر رحمه الله. تعالَ في لجنة الفتوى، وكان عندما يأتي ليغادر يقول: "هيا إذن، لنذهب يا أبناء، سأذهب الآن"، وينظر إلى الساعة لأن لديه اليوم مجلس تحكيم في البلدة. أهل البلدة يُحكِّمونه، يستفتونه ويجعلونه يحكم في حل النزاعات وما إلى ذلك، ولا يذهب أحد في هذه البلدة أبداً إلى القضاء. للشيخ عبد الله ناصر لماذا يحل لهم الأمور بالعدالة وبالشريعة وبغير ذلك إلى آخره؟ هذه ضربة كبيرة طبعاً
والأخلاق كيف يتقبلون الأمور الاجتماعية العجيبة الغريبة. أنت هنا في هذا المكان قد تطلع على عورات الناس، قد تطلع على قواعد المجتمع تماماً مثل الطبيب، فيجب عليك أن تحفظ السر جميل وأن... أن تكون مَن لا يَخرُجُ الإنسانُ من عندك منتحراً لأنك سددت الدنيا في وجهه وجعلتها سوداء، بل يجب عليك أن تهدئ باله. يجب وهو جالس أن تعطيه الأمل، يجب ولا بد. أنت لا تخالف الشريعة، أنت لا تفرط فيها، ولكن ترحم الخلق، وتوجد لهم بقدر قدرتك الحلول، وتنزلهم منزلة "أنا منكم" مثل الوالد. للولد يكون متأسياً برسول
الله صلى الله عليه وسلم في رحمته بالعباد وبمن حوله، هذه تحتاج إلى ضربة، ليس هذا مجرد كلام، إنها تحتاج إلى قضية فيها تدريب مدربين في الخارج على شيء آخر غير الاتصال الجماهيري، وهذا غير القضية هذه. إذاً فهناك فرق بين الإفتاء وبين القضاء، وبين الإفتاء وبين... الفقه وما بين الإفتاء وما بين الموعظة والوعظ والإرشاد والتسكين بالله والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نتخلص من ذنوبنا ونخرج من دائرة نقمة الله وغضبه إلى دائرة رضاه ورضوانه. اللهم انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك. فإذاً الإفتاء شيء آخر، الإفتاء مسؤولية، والإفتاء علم، والإفتاء تربية، والإفتاء... التدريب والإفتاء
تكليف وليس تشريفاً، وهو ما بدأنا به الكلام في أول الحلقة. من عرف الإفتاء عرف فيه المسؤولية، وعرف فيه الهم، وعرف فيه محاولة الإتقان، وعرف فيه معاني كثيرة جداً، وأنه ليس هزلاً ولعباً، وأنه ليس كل شخص يخرج ويتكلم هكذا على الهوى والناس تسأله وهو يفتي، ليس كذلك. يا مولانا، في الأثر يُروى أن إجراءكم على الفتيا إجراءكم على النار، نسأل الله السلامة آمين. الذي يحدث الآن أنه غافل عما يفعل في نفسه، ويخرج ليغلق على الناس أبواب الرحمة، وهو يعتقد أنه يُحسن صنعاً. أعوذ
بالله، يعني إذا نحن لا نريد أن نتلو الآية حتى. يعني الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. الضال هو الذي يضل ويُضِلُّ، فهو ضال ويضل الآخرين. نعم، فنحن نسأل الله لهم الهداية، ونسأل الله لهم أن يدركوا ما الذي يفعلونه، ونقول لهم: يا جماعة، إن الله سبحانه وتعالى يقيم من شاء فيما... شاء فهل أقامك أنت في هذا ترى أحدهم يعمل في البقالة، هذه البقالة هي تجارة صحيح ولها قانون مهنتها، كيف يقطع الجبنة وكيف يصنع كذا وكيف أتقنها يا أخي، وكن تاجراً صادقاً تدخل الجنة صحيح، لكن ماذا
أنت الآن تأتي وتفعل هذا العدوان على المسلمين وعلى الشريعة وعلى العلم ثم بعد ذلك تظن أنك رافع اللواء وأنك رافع البلاء، لا أبداً، بل أنت بهذا الشيء منكس اللواء وواضع البلاء. إذاً مرة كنت أقول أتمثل في بيت الشعر وربِّ أبنائنا عليه، وأنهم ينبغي أن يكونوا مسؤولين. تصدر للتدريس كل مهوس بليد تسمى بالفقيه المدرسي، فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت. قديم شاع في كل مجلس "لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها"، وسامها كل مفلس، أي أن كل شخص مفلس يأتي ويقوم بهذا العمل. فإذا بأحدهم يرفع قضية علي أمام المحاكم
لأنه ظن أنه المقصود بهذه الكلمة. يا له! لا إله إلا الله على سوء الفهم! كيف يظن أحدهم أنه المقصود بهذا؟ ماذا نقول عن الناس في هذا العصر العجيب الغريب؟ نقول إنا لله وإنا إليه راجعون. يعني أنت ظننت أن هذا الكلام - مع أننا لم نذكر اسماً إطلاقاً وما حدث ولم نذكر أي شيء - لكنه أحس وكأن الكلام عليه، فرفع هذه القضية المضحكة التي ينجينا الله سبحانه وتعالى منها وهو حسبنا. ونِعْمَ الوكيلُ ونِعْمَ باللهِ. إذا هذا هو الإفتاءُ، نعم هو متميزٌ وله مراحلُ، لعلَّ الوقتَ يتسعُ لنا في الحلقةِ القادمةِ إن شاء اللهُ. مراحلُ الإفتاءِ يا مولانا التي هي التصويرُ والتكييفُ وبناءُ الحكمِ والإفتاءُ. نعم، هذه مراحلٌ يمرُّ بها الفقيهُ المفتي، الفقيهُ المفتي
يمرُّ بها عندما تُعْرَضُ عليه واقعةٌ. من التي تحتاج إلى إفتاء، لكن الإفتاء هو متميز عن الوعظ والإرشاد وله رجاله، متميز عن الدعوة إلى الله ولها أسلوبها ورجالها، متميز عن الفقه، متميز عن القضاء، متميز أيضاً عن الحياة بمعنى النصيحة والأمور الاجتماعية. وكثير من الناس لخلطهم بين هذا حتى يسألون المفتي في أمور اجتماعية أو... يسألون المفتي في أمور سياسية يعني يجب أن يكون فيها نقاش اجتماعي من الأحزاب السياسية، فيسألون المفتي في أمور فكرية أو في نقد أدبي وهذا لا علاقة للإفتاء به، ويلومونه إذا امتنع
عن الإجابة لأنه ليس لديه هذه الإجابة من ناحية، أو لأن له رأياً شخصياً. سيكون ليس إفتاءً، ومن هنا فإن هناك فارقاً كبيراً بين الفتوى وبين الرأي الذي قد أعبر عنه من وجهة نظري كمواطن، أي في السياسة، في الاقتصاد، في الاجتماع، في الفكر، في الثقافة، في الشعر، في الأدب، في أي كان، في أمور الحكمة، في أي شيء، لكن هذا ليس فتوى. لكنَّها ليست فتوى. جميلٌ أن أُعبِّر عنها في مقالة. فرقٌ ما بين الموعظة التي أعظ بها يوم الجمعة في الخطبة وأنا خطيب، وبين الفتوى. جميلٌ الفرق بين رأيٍ تبنيته في أصول الفقه في كتبي وبين الفتوى. هناك فرقٌ ما بين رأيٍ أتبناه لمواجهة أمرٍ في الدعوة العالمية في سفرياتي وما شابه ذلك. إلى آخره وبين الفتوى،
لذلك يا مولانا وجدنا في حضرة فضيلتك في هذا البرنامج مفاهيم إفتائية سنُعلِّم الناس إن شاء الله، أو الناس سيستفيدون بعلم فضيلتك، ويعرفون ما الفرق بين هذه الأمور كلها وبين الفتوى، مع وعد إن شاء الله باللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله. اسمحوا لي، إلى ذلك الحين نشكر أولاً فضيلة مولانا العلامة الدكتور علي جمعة على هذا الجهد وعلى هذا العلم، على وعدٍ باللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله من مفاهيم إفتائية. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.