برنامج مفاهيم إفتائية (4) - مراحل الإفتاء

برنامج مفاهيم إفتائية (4) - مراحل الإفتاء - مفاهيم إفتائية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "مفاهيم إفتائية"، يسعدنا ويشرفنا أن نكون مع حضراتكم في ضيافة مولانا العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً بك يا مولانا، أهلاً بك، أهلاً وسهلاً. في الحلقة الماضية، مولانا، تحدثنا عن الفتوى أنها تحتاج إلى تدريب، وكنت فضيلتك في آخر الحلقة قلت لنا أننا سنتحدث عن مراحل الإفتاء. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الحقيقة أنه ينبغي على... على المفتي إذا ما سُئل أن يقوم بعملية ذهنية قبل إصدار
الفتوى. نعم، عملية ذهنية، فلن أذهب مُجيباً كما يفعل الناس. وحتى لو تم هذا، فإن هناك أربع عمليات في هذه القضية حتى ولو كانت سريعة - أربعمائة بالتأكيد - لأنه من الممكن أن أفعل هذا بسرعة. لأنني مدرب على هذا، ولأن الأمر مكرر. مثلاً يعني السؤال بظروفه بكل شيء هو مكرر، فيسهل الإفتاء، وقد يكون غير ذلك. أول شيء تصوير الواقعة المسؤول عنها، تصوير الواقعة جميل. لا بد أن تستقر في ذهني صورة لهذه الواقعة. أي فلو جاءني شخص مثلاً وقال: قلت لهذه المرأة... جمعة امرأة ثانية أنت
طالق، فهل طلقت؟ فالتصوير هنا يقتضي فهمًا عميقًا، أعمق قليلاً من أن هذا رجل وهذه امرأة فقط. هي زوجته الأولى؟ أو هي زوجتك؟ نعم، هل هي زوجتك؟ نعم. فقال: لا، هذه بنت الجيران. نعم، هي متزوجة من جارنا، لكنني قلت له أنه طالق. فالسؤال الثاني... الذي لا بد علي أن أسأله حتى أستوضح كُنْهَ السؤال وأجيب عنه: هل معك توكيل مثلاً؟ هل وكَّلك زوجها؟ قال: يا سيدي، زوجها ميت. قلت له: طيب، إذاً ما العلاقة التي توجب أن تقول لها أن تطلق؟ صحيح، لا بد من وجود علاقة. قال: أنا اغتظت منها فقلت لها أن... تطلق؟ نعم. أنزلتها منزلة زوجتي؟
أغضب منها فأطلق. التي عندما أغضب منها أقول لها أن تخرج. نعم، أقول هذا عبث. نعم، هذا ليس سؤال فتوى إطلاقاً. هذا ليس سؤالاً، ولكن قبل هذا لا بد أن نتأكد من أمور، لأنه فعلاً أصبح هناك أشياء عجيبة غريبة تأتينا. يأتيني شخص يقول... أنا أريد أن أسأل مسألة الطلاق. نعم، يقول: طيب، تفضل. قال للسيدة هذه: أنا طلقتها أربعة عشر مرة، أربعة عشر مرة. هذا حدث بالفعل، هذا يحدث لأن المثال الأول كان من أجل أن نتبين أن المفتي يجب عليه أن يصور المسألة في ذهنه وقال لا يتعجل في استقرار هذه الصورة وأن... يبحث عن حقيقتها الواقعية الفعلية، نعم، لكن مما يحدث الآن يقول طلقتها أربعة عشر مرة، نعم، أقول له ولكن الطلاق ثلاث مرات، فهل تزوجت بعد كل ثلاث مرات وطلقت أو مات
عنها زوجها ومضت عدتها وفق الأحكام الشرعية؟ يقول: لا، هي زوجتي باستمرار، هكذا أطلق أربعة عشر حادثة. يعني أربعة عشر حارس طلاق، أقول له: "طيب، فلنسمه بغير الطلاق لكي أستمع إليك في النهاية". ويحتاج المفتي إلى صبر حقيقي وسعة صدر. لا نسميهم أربعة عشر طلقة، نسميهم أربعة عشر حادثة، نعم، هناك أربعة عشر واقعة حدث فيها شيء نريد أن نتبينه. فالحادثة الأولى ماذا كانت؟ فيقول لي... الحادثة الأولى: قلت والله لطلاقك لو فعلت كذا. قلت له: يا من هذا؟ نعم، إنه ليس طلاقاً. "والله لطلاقك" كما يقول لها، هو عن الطلاء وليس الطلاق. وفي المرة الثانية قال عن الطلاء، فقلت له: هذا في قوة اليمين، فليس طلاقاً. قال: في المرة الثالثة طلقتها فعلاً، قال لها: أنتِ طالق. أنت
طالق الصريح المريح الذي يقوله عليه وذهبت وسقت هذا الطلاق عند المأذون. جميل، قلت له: "حسناً، هذه واحدة وقعت". نعم، قالوا وبعد أن مضت العدة لم نرجع. قالت لي: "هل ترجعني أم لا ترجعني؟" قلت لها: "أنت طالق". نعم، قال لها: "أنت طالق" وهي ما زالت مطلقة. قلت له: "وهي ليست في..." عِدّتها أم في الطلاق؟ قال: نعم. قلت لها: أنتِ طالق. قلت له: لكن هذه ليست زوجتك! لكنني أول من يطلق شخصاً. أجاب: نعم، صحيح. قلت له: حسناً، هذا الطلاق لا يُحتسب لأنه في غير محله. في غير محله كما وضّح فضيلتك لنا، فهو يطلق زوجة شخص آخر. صديق زوجة شخص ما وآخر صديق، ومات وليس محلاً للطلاق. نعم، ليس محلاً لطلاقه صحيح. قال لي: "حسناً وبعد ذلك تزوجنا مرة ثانية". فقلت لها على سبيل المزاح أو التهديد أو لا أدري ماذا، ولم أكن أنوي الطلاق:
"اذهبي إلى أمك، ما بيننا قد انتهى وانفصل". قلت له: لا تكن كذلك. طلقه. نعم، هذه الكناية تحتاج إلى نية، تحتاج إلى نية، فإذا لم يكن هناك نية فإذن هذا ليس طلاقًا، ليس طلاقًا. قال لي: حسنًا، نحن بعد ذلك سافرنا إلى أمريكا وهناك قلت لها بالإنجليزية "أنت طالق"، بالإنجليزية "أنت طالق". قلت له: ما ينفع وكنت تعني الطلاق. هنا أصبح السؤال: هل لفظ... الطلاق باللغة الإنجليزية يقع إذا كان مصحوباً بالنية، فأنت كنت تصرخ كناية، أبداً، فهو كناية، نعم. ففي ست حالات لا يوجد أنه يطلق واحدة، وهكذا. فلا بد من ماذا؟ التصوير. لا بد من
تصوير المسألة حتى أفهم ما هذه الصورة، نعم. فانتهينا يا مولانا قبل أن نطبق هذه المقاطع، بعد إذنك. فضيلتكم، الأسئلة التي دائماً ترد إلى البرامج أو دور الإفتاء، كالذي يقول: "أنا قلت لها إذا لم تذهبي، أي إذا لم تذهبي مع والدتي في العيد سأطلقك" أو يقول لها: "على الطلاق بالثلاثة، والدتك لن تدخل البيت". هل حكمهم أنه يقع طلاق أم لا يقع؟ مولانا، لا، عندما واحد... يقول أنا سأطلقك، هذا وعد بالطلاق وليس طلاقًا. جميل عندما يقول: إذا ذهبت إلى أمك فأنت طالق، هذا شيء مختلف عما قلته الآن. يعني أنت تقول سوف أطلقك، هذا وعد بالطلاق فلا يقع. نعم، عندما... لا، طلاقك هذا يمين ولذلك يكفر عن يمينه ولا يطلقها. عندما يقول على الطلاق، فهذا في قوة اليمين، في قوة اليمين، في قوة اليمين. وكان الشيخ بخيت المطيعي
عنده هذه الفتوى. الشيخ بخيت كان مفتي الديار سنة ألف وتسع مائة وعشرين، تولى الإفتاء من أربعة عشر إلى عشرين. فكانت عنده هذه الفتوى. إخواننا في الشام، أغلب علماء الشام يقولون لك على الطلاق. هذا يقع به الطلاق، يقع به الطلاق عندهم. هكذا أنزل له يعني أنه قال هكذا، نعم يلزمه بأن يقع عليه الطلاق إذا - يعني إذا حدث - مع - يعني علاء - الطلاق معلق عليه. واعتبره تعليق مشيامين، اعتبره تعليق، إلا الشيخ أحمد الدومي. كان هناك شيخ في الشام اسمه الشيخ أحمد الدومي. فوجد أن الناس في بلدته يُكثرون من قول "على الطلاق" فهذه الكلمة على ألسنتهم كيمين؛ أي نعم. فيُقال أنه أتى بأحدهم وسأله: "أهل البلد التي هنا، هل يُكثرون من قول على الطلاق؟" وكانت عبارة "على الطلاق" يميناً لديهم. فأجاب الرجل: "على الطلاق أبداً"، فضحك الشيخ وقال له: "خلاص".
يصبح إذا على الطلاق هذه في السياق العامي لا تصلح لتكون هي اللفظ الشرعي الذي فيه هذا المفروض. نساء البلد كلهن سيصبحن مطلقات إذن مثلاً. نعم صحيح، إذا تم تحريف اللفظ فتصبح كناية، فمثلاً لو قال: أنت طالق، أنت طالق، طالق، طاء واحدة يعني أنت طالق، نعم أنت طالق. ولم يَعْنِ الطلاق فقط، بل لا بد أن يتم الطلاق وليس فاصلاً. نعم، فمثلاً من الأمور المضحكة حكاية الإفتاء والمتصدرين للإفتاء والذين ليسوا متصدرين للإفتاء، والفرق بين الفقه والفتوى وكذلك ما كنا نتحدث عنه في المفاهيم الإفتائية. قالوا إن الشيخ مفتي مصر يقول أنه لا يوجد طلاق يقع، لا يوجد. لا يقع طلاق، ليس هناك طلاق يقع، فهذه طبعاً مسألة مضحكة ناتجة من
الجهل. صحيح، ما هو الجهل؟ ما الذي جهلوه؟ جهلوا أن تحريف لفظ الطلاق ليس معناه أنه لا يقع به الطلاق، بل هو ينقل الطلاق من الصريح إلى الكنائي، فنحتاج إلى سؤال آخر، فإذا أقر بالسؤال الثاني فيقع الطلاق، إذا لم... يقر بالسؤال الثاني فلا يقع الطلاق. أهل مصر عندهم تحريف، يقول "أنت طالق"، القاف أصبحت همزة "طالق" نعم بالهمزة. إذا انتقل الكلام من الصريح إلى الكناية، الصريح الذي هو "طالق" بالقاف، هكذا بالقاف "طالق"، لا يوجد فيها شيء. ثلاث جدهن جد، لا يحتاج إلى نية. الصريح لا يحتاج إلى نية. أنتِ طالق بهذا الشكل بالعربي هكذا بهذا الوضع بالنطق كما نطقتُ هكذا أنتِ
طالق. نعم، فإذا كانت هذه الصيغة فإنها تُطلِّق حتى لو لم ينوِ، حتى لو كان غير قاصد، لأن هذا صريح، صريح. فلو قال لها: أنتِ طلقة، كما أفاد النووي في الروضة، أو لو قال لها: أنتِ تالك، أو لو قال لها: أنتِ... طارق طارق. نعم، لو قال لها أنتِ طالق بالهمزة. لو قال، انتقل الكلام من الصريح إلى الكنائي. فعندما يأتي مصري جميل ويكون من أهل القاهرة، نعم، ويقول: قلت لزوجتي أنتِ طالقة، أنتِ طالقة. نعم، أقول له: هل كنت تعني الطلاق؟ قال: لا، لم أكن أعني الطلاق. أقول له: لا يقع الطلاق. جميل، لماذا لا يقع الطلاق؟ لأنه كناية، هذه كناية. من أين هذا الكلام الجاهل؟ الشيخ الباجوري في الحاشية يقول: "ولو كانت لغة قومه"،
ولو كانت لغة قومه يعني تعود له. الطلاق بالعامية حتى لو كانت هي اللغة التي يتحدث بها قومهم، أيضاً يتحول إلى كناية. كناية يعني يا مولانا لأجل... أوضح للمشاهدين أعني أقصد لابد أن أعرف نيتك بماذا. لابد عندما يُقال لها أنتِ طالق ألا يأتي ويقول لي: أصلي لم أكن أقصد. بل وقع الطلاق بالفعل. جميل، الصريح وقع الطلاق. نعم، عندما يأتي ويقول لها أنتِ طالق، لابد أن أسأله سؤالاً آخر، لا أتركها هكذا وأقول له لم يقع الطلاق وانتهى الأمر. فأسأله فيقول لي لم أقصد الطلاق فلا يقع الطلاق. حسناً، ذهبت وقال لي قصدت الطلاق، وهذا يحدث كثيراً. دعنا نكمل يا مولانا بعد إذن فضيلتك بعد الفاصل موضوع الطلاق الكنائي والطلاق الصريح، هل يقصد أم لا يقصد. فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عدنا. إليكم من الفاصل حلقة من حلقات
برنامجكم "مفاهيم فقهية". كنا قبل أن نخرج إلى الفاصل مع مولانا العلامة الدكتور علي جمعة. كان مولانا يحدثنا عن الطلاق بلفظ "أنت طالق" الذي هو الصريح المريح، وكلمة "أنت طالقة" التي يسمونها كناية. تفضل يا مولانا. فإذا الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية، يقع بنفسه. إذا أتاني أحدهم وقال لي: "أخبرتها أنت طالق"، حكمنا عليه بالطلاق. الطلاق بالكناية يحتاج أن أسأله مرة ثانية وأقول له: "أنت قلت لها أنت طالق بالهمزة هكذا؟ حسناً، هل كانت نيتك الطلاء؟" فكثير من الناس يقول لي: "نعم، كانت نيتي الطلاء". نحسبها عليه طلاقاً واحداً. وإن قال لي: "لا، لم تكن". نيتي الطلاق، أنا كانت نيتي التهديد فقط، أنا كانت نيتي الإغاظة، أردت أن أغيظها، كانت نيتي أن أُظهر لها أنني غاضب جداً، لكنني لم أتخيل أننا سننفصل، أن بيتنا سينهار، أنها
ستذهب بالأولاد وتحتضنهم عندها، لا يمكن أن أفكر في ذلك، فعندها أقول... له إذا هذه كناية ولم تنوها فلا يقع الطلاق. من المضحكات المبكيات أن يأتي شخص ويقول إن مفتي مصر قال إن "أنت طالق" لا يقع بها الطلاق. لكن "أنت طالق" هذه كناية عند الشافعية. يقول البيجرمي: "ولو كانت لغة قومي". ويقول البجوري في حاشيته: "ولو كانت لغة قومي" ويؤلف. الإمام السيوطي في كتاب الحاوي رسالة ممتعة في تحريف لفظ الطلاق، فيما لو قال لها كما ذكرنا "تالك" أو "طارق" أو "طالق"، وكل هذه الأشياء تنقل المسألة من الصريح
إلى الكناية. الخبرة في هذه الأمور كانت موجودة، فقد كان لدينا شخص - رحمه الله - كان من كبار المشايخ، وكان يُلقب بـ"مفتي الطلاق"، كان هذا اسمه. الشيخ مبارك وكان قد قرأ كتابي "أسرار البلاغة" و"إعجاز الإعجاز" لعبد القاهر على الشيخ محمد عبده، وكان معمّراً هذا الرجل. وكان يقول إن كثيراً من الناس لا يفهمون شيئاً، صحيح أن كثيراً من الناس في مسائل الطلاق لا يفهمون شيئاً. نرجع مرة أخرى للمراحل الأربعة، بعد المرحلة الأولى نريد التصوير. بعد أن صورت المسألة وفهمتها، ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي تكييف المسألة. تكييف أنني خلاصة فهمت ما هي القضية، قال لها: "أنت طالق" بالهمزة، ولم
يكن يعني الطلاق، فتكييفي للمسألة أن هذا طلاق كناية. هذا هو التكييف، نعم. ثم المرحلة الثالثة: الحكم. حسناً، ما هو الحكم؟ أي على أنت على. هذا التكييف، على هذا التكييف، نعم على هذا التكييف. ما الحكم؟ ما الحكم؟ إنه لا يقع. جميل. طيب، ما الفتوى؟ هل هناك فرق بين مرحلة الحكم ومرحلة الفتوى؟ قال: نعم، جميل، لأنني أراعي في الإفتاء الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. تُسمى الجهات الأربعة، نعم، الجهات الأربعة للتغيير. الفتوى... نعم، أحد من إخواننا أيضاً ظنَّ أن الجهات الأربعة: الشمال والجنوب والشرق والغرب لا بأس بها. أمرنا إلى الله. على قدر معلوماته - أمرنا
إلى الله - الإمام القرافي يسمي الجهات الأربعة: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. حسناً، فأنظر هل ما سأقوله الآن من الحكم وأُظهِرُه مناسبٌ للزمان وما فيه من أعراف. مناسب للمكان، مناسب للحال، وهل هو حال ضرورة أم حال عادي؟ هل هو مناسب للأشخاص؟ هل هو شخص اعتباري أم شخص طبيعي؟ وأنظر هل الحكم مناسب أم يترتب عليه ضرر أو يضيّع مصالح أو يسبب فتنة بين الناس إلى آخره. أقوم بالتفتيش يعني الفتوى هذه آخر مرحلة. مرحلة بعد التصوير أن أنتبه إلى الجهات الأربع، حتى لا يكون هناك اضطرار. لنفترض أنك صورتني وقلت لي هذا شيء اسمه ويسكي، نعم، وبعد ذلك تكيفت مع هذا
الويسكي. قلت: حسناً، وما هو هذا الويسكي؟ بحثت عن حقيقته، وتبين لي أن كل شيء فيه خمر، فما حكم الخمر؟ ماذا حرام ما افتيش يقول حرام! إنني يجب أن أدخل عنصر، هل هناك اضطرار أم لا؟ فالذين لا ينفقون ضديرابقين ولا عادل فليقف معنا أو مضطر. يعني كان هناك مجاعة، نعم نعم. يعني أنت قلت لي: إنني كنت عطشاناً في السضيته، العطش في السحر وليس عنده غيرها. ما هذا؟ ماذا يجري به؟ قلت له: اشرب. نعم، اشرب الحرام، هي حرام. نعم، اشربها لكي تنقص حياتك. نعم، لكي تنقص حياتك. أن تشرب يعني إذا كانت الفتوى قد تغيّرت عن الحكمة. نعم، لحالة الاضطرار. نعم، ظللت أتوصل للمسألة وحكمت بأن هذا حرام. نعم، ولكنه يقول لي: الله، أنت... لو قلت لي هكذا الآن سأرتكب ما هو أكثر حُرمةً منه، أقول له: لا، ارتكاب
أخف الضررين واجب. أفعل ذلك، ارتكب الحرام الصغير حتى لا تقع في الحرام الكبير. إذاً أنا أُجري القواعد الفقهية في النهاية وأراعي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، ولا أستطيع أن أحوّل الحكم إلى فتوى إلا بعد إجراء... هذا التعديل الذي قد أحتاج إليه حتى أحافظ على مقاصد الشريعة ومصالح الناس ومآلات الأفعال ولا أخرج عن الإجماع ولا اللغة العربية ولا القطع من النصوص. إذاً، ما هي مراحل الفتوى التي يمر بها الفقيه؟ التصوير، ثم التكييف، ثم الحكم (معرفة الحكم)، ثم الإفتاء، أي إيقاع هذا الحكم. بما يناسبه من فعل أو عدم فعل على الواقع بعد مراعاة الجهات
الأربع: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. هذه صناعة، إنها عملية مركبة، عملية مركبة وتحتاج إلى دربة، تحتاج إلى دربة وأنت تستمع للسؤال وتصنفه وتتعمق فيه وتصل إلى حقيقته وما الأسئلة التي يجب أن تذكرها حتى تساعد المستفتي على العرض. قضيته كما هي ثم تنتقل بعد ذلك إلى التكييف، فلو كيَّفتها شيئاً ما فقد تصل بها إلى الحرام، ولو كيَّفتها شيئاً آخر فقد تصل بها إلى الحلال. هذا أمر جيد، فلا بد عليك من الالتزام بما هو موجود من التراث والالتزام بالقواعد الفقهية والالتزام بمآلات الأفعال والالتزام بحقائق الأمور والمصالح وأنت في عملية [العمل]. التكييف والالتزام
بمصالح الناس وبطبيعة العصر وبالأعراف، قال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين". وبعد أن تقوم بهذه عملية التكييف تعرف هل مثل هذا في الشريعة حلال أم حرام أم مكروه أم مندوب؟ حسناً هو مندوب، نعم، لكن هذا المندوب إذا فعلناه يترتب عليه فتنة عارمة، لا. لا تعملوه لأنه مندوب، فالمندوب ليس فرضاً ولا واجباً. إنه الآن حرام، ولكن الامتناع عنه يوقعنا في حرام أشد منه. ارتكاب أخف الضررين واجب. هو حرام وليس هناك مانع من تحريمه، فحرِّمه فوراً لأنه حرام. هو واجب وليس هناك مانع من وجوبه، فأوجبه فوراً. لا بدّ من فعله فوراً، وهكذا منظومة معقدة مركبة
تحتاج إلى إدراك المصادر وإدراك الواقع بعوالمه الأربعة والوصل بينهما، تحتاج إلى هذا الشخص المتعلم المتربي المدرب الممارس المتمرس. وبعد كل هذا نقول: يا رب سلّم، يا رب سلّم. فإذا أخطأ فله أجر لأنه اجتهد، لأنه بذل كل هذا وبذله مخلصاً. ولا بد من الإخلاص، إنما الأعمال بالنيات، فإذا كان قد فعله لهوى، فحسيبه ربه، وإذا كان قد فعله لمصلحة شخصية، فحسيبه ربه، صحيح، وإذا كان قد فعله استهانةً، فحسيبه ربه، نعم، فهذا هو الإفتاء بمراحله. ونعم بالله يا مولانا، لقد أحببنا علم
فضيلتكم، فقد كان جميلاً جداً، ووضحت لنا. في هذه الحلقة بالذات تحديداً وفي الحلقات الماضية، إن الإفتاء هذا عملية مركبة، يعني إذا جاز التعبير كأن شخصاً يركب آلة كبيرة أو يطور سيارة، ليس مجرد أن يمسك مفكاً ويفعل هكذا فيصبح ميكانيكياً. المفتي لديه أشياء كثيرة لازم يدرسها ولازم يتعمق فيها ولازم يتدرب عليها قبل أن يُفتي، نعم. وهذا ردٌ على أي شخصٍ يقرأ كتاباً ويعتبر نفسه مفتياً. أنا عندما توليت دار الإفتاء المصرية، والحمد لله، كان لدي قرارٌ لا رجعة فيه، والحمد لله، ووفقني ربنا في أن أحول دار الإفتاء إلى مؤسسة... إلى مؤسسة جميلة. يعني ليس هناك شخصٌ يفكر برأسه هكذا، فدربت علماء ما شاء الله. للبحث والتقصي ومعرفة الأمور سواء كان هذا في المصادر أو كان هذا في إدراك الواقع، خاصة وأن هذا
الواقع يزداد كل يوم تغيراً ويزداد كل يوم تعقيداً ويزداد كل يوم اتساعاً. جميل أي في البداية كنا نحن معنا هنا، لكن بالاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة أصبحنا نعيش في قرية واحدة إذاً. في الإفتاء ينبغي أن يكون أيضاً سعيٌ للخروج من السلطة الفردية والعلم الفردي إلى المؤسسية، إلى أن يكون هناك مركز أبحاث يقول لي شيئاً، ومركز أبحاث يدرس لي الواقع، ومركز يحاول أن يعطيني حقائق الأمور والمآلات والمقاصد، حتى تكون الفتوى أقرب ما تكون لرضا الله سبحانه وتعالى ولا تخرج عن... الشرع الشريف أبداً ما شاء الله، ونحن نشهد يا مولانا أن دار الإفتاء على يدي فضيلتك تغيرت تماماً، والخط الساخن مائة وسبعة، والمواقع التي على الإنترنت
يعني ما شاء الله جهد مشكور، نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك يا مولانا، آمين يا رب العالمين. اسمحوا لي باسم حضراتكم نشكر معنا. فضيلة العلامة الدكتور علي جمعة العالم الأزهري الجليل وفضيلة مفتي جمهورية مصر العربية على هذا الجهد، على وعد بلقاء في الحلقات القادمة إن شاء الله من مفاهيم فقهية. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.