تعامل أبو هريرة مع أمه | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

تعامل أبو هريرة مع أمه | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر الكريم ومع السيرة النبوية وحال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النبي العظيم المصطفى الكريم الذي علمنا ولكن أكثر الناس جهلوا تعاليمه ولم يتأملوا
في نصائحه وكثير منهم لم يستطع أن يحول هذه النصائح إلى حياة نعيشها وإلى سلوكيات نلتزم بها وإلى مناهج نتبعها وإلى بناء مؤسسات تقوم بما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعمر به الكون والأخلاق التي نهانا عنها، نهانا عن العنف ونهانا عن التدمير ونهانا عن الضغينة. رسول الله صلى الله عليه وسلم له حديث مع أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أبو هريرة جاء من ناحية البحرين وأبو هريرة
كان دوسيا من دوس قبيلة من قبائل العرب وأبو أبو هريرة جاء فجلس في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الصفة فيها مجموعة من الصحابة تفرغوا لتلقي العلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم منحة لهذا التلقي، ودعا لأبي هريرة بالحفظ فحفظ بمجرد السماع، وكان سيدنا أبو هريرة أيضا واسع المعرفة لمخالطته ومجالسته واستمراره المجالسة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأبو هريرة إذن من أهل الصفة وهم أولئك الذين تفرغوا للعلم وتفرغوا للعبادة أيضا وهو ممن لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممن دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحفظ حديثه بعض الناس من أولئك الذين يريدون معاداة السنة وتجنبها حتى يعني يفوت عليهم خير كثير وكنز كبير، بعض الناس يشككون في روايات سيدنا أبي هريرة وكانت
هذه الروايات محل دراسات واسعة ورأينا العجب أن أبا هريرة لم يتفرد بشيء يؤخذ عليه، فكل أحاديث تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعلم الأحكام ليس فيها شيء يخصه ليس فيها شيء لمنفعته الشخصية ليس فيها شيء يعادي به أحدا من الناس، ولذلك فإن أبا هريرة ذلك الصحابي الجليل كان أكثر الصحابة رواية وأكثر الصحابة حفظا للأحاديث، فمنسوب إليه أكثر من خمسة آلاف حديث حفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو
هريرة كانت له أم وكانت هذه الأم مشركة وكانت فيها خصلة قبيحة وهي أنها تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتحدث عنه بغير اعتناء وبغير توقير ولا ما يستحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله نبي لكنه شريف هاشمي مكي بجوار الحرم الذي يحج إليه العرب، فيعني سيدنا رسول الله كان عالي المقام قبل النبوة ثم أنه كان نبيا ثم أنه أصبح في المدينة رئيسا للدولة فهو
من كل جانب سواء النبوة أو المكانة الدنيوية أو النسب والتاريخ كل ذلك يجعله رجلا عظيما لكن هذه المرأة اختلط عليها الأمر وكانت تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتحدث عنه بما يسوء أبا هريرة هما والداك وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ولذلك فإن أبا هريرة ذهب إلى أمه هذه ولما سبت ولعنت وما إلى ذلك كان قد عرض عليها
الإسلام فسبت ولعنت على عادتها فرجع يبكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما يبكيك يا أبا هريرة وكان رسول الله يتفقد أصحابه ويسأل عنهم وكان دائما يراقبهم من أجل التربية فقال يا رسول الله ذهبت إلى أمي أدعوها إلى الإسلام وأنهاها عما تفعل فأسمعتني ما يسوؤني فيك فادعوا الله سبحانه وتعالى عليها يعني أبو هريرة يريد أن يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم وطريقة الاعتذار أنه يقول والله أنا بريء منها يدي عليها فما أنا لم أعرف فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده
إلى السماء فقال بعض الأصحاب هلكت ورب الكعبة سيدنا رسول الله مد يديه إلى السماء لأنه سيدعو على أم هريرة، فتكون أم هريرة هذه أم أبي هريرة قد هلكت عندما يدعو عليها نبي، فمد يده وقال اللهم اهد أم أبي هريرة، أي بهذا الشكل لم يكن التوقع في محله، أي أنه لم يدع على أم أبي هريرة بالويل والثبور وعظائم الأمور بل دعا لها اللهم اهد أم أبي هريرة، بعد ذلك ذهب أبو هريرة إلى أمه كي
يبرها وفهم هذا من القرآن ومن السنة أن الأب والأم مكانهما البر حتى لو دعانا للشرك الذي هو ظلم وللشرك الذي هو باطل وأمرنا ربنا ألا نطيع الأب والأم في الشرك ولكننا بالرغم من ذلك نستمر في برهما وإن جاهداك على أن تشرك بي جاهداك يعني بذل الجهد القوي والمستمر والذي فيه شدة وعنف أيضا لا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إليه هذه موعظة لقمان لابنه وهو يعظه ذهب أبو هريرة إلى هذه السيدة أمه
فوجدها يعني طرق فلما طرق الباب قالت من؟ قال أنا أبو هريرة، فلبست درعها ونسيت أن تلبس الخمار لأنها لما سمعت أنه أبو هريرة أرادت أن تفتح له سريعا، فأول ما فتحت قالت احملني إلى محمد، قال لماذا؟ لكي تسبيه مرة أخرى؟ أما يكفيك أنك تسبينه ونحن حاضرون، أتريدين أن تسبيه أمامه أيضا؟ ستحملني إلى محمد فقال احملني إلى محمد حتى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله فجاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال ما يبكيك يا أبا هريرة قال استجاب الله دعاءك يا رسول الله وأسلمت أمي فحمد رسول الله صلى الله عليه دعا لها بخير ففرح الصحابة وفرح أبو هريرة وكان يبكي من شدة فرحه، هذه المرة الأولى كان يبكي من شدة حزنه وهذه المرة كان يبكي من شدة فرحه، فحمد الله وأثنى عليه سيدنا رسول الله، حمد الله وأثنى عليه وقال خيرا،
يعني مواقف متكررة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أنه يجب علينا أن نقتدي به، هناك بعض الناس الآن فهموا أن المفاصلة بين الإيمان وبين الكفر تدعونا إلى أن ندعو دائما على الناس، ولذلك تجد في دعائهم اللهم أهلك الكفار والمشركين وأعداءك أعداء الدين، هذا الكلام لم يكن موجودا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لو أهلك الكفار لما أمكنت الهداية يعني الآن لو فرض ربنا أهلك كل من في الأرض من المشركين ومن الكافرين وما إلى
ذلك فأين الدعوة إلى الهداية هذا كلام متناقض ولذلك الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام يقول له ماذا يقول له لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت، طيب فلماذا ستهلك كل الناس الذين تظن أنهم ليسوا معك عندما أهلكتهم فماذا عملنا إذن؟ لكن هنا سيدنا رسول الله يقول اللهم اهد أم أبي هريرة فاستجاب الله له وهداها وأرجعه فرحا وأرجعه وقد حمد الله وأثنى عليه وقال خيرا فاللهم يا ربنا علمنا مراد نبيك ومرادك في كونك ومن وحيك وأقمنا
على الحق وأقم الحق بنا وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.