تعرف على العقلية الفارقة مع د. علي جمعة #9 | درجات المعرفة

تحيةً لكم مشاهدينا الكرام وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج درجات المعرفة. تحدثنا مع فضيلة الدكتور في حلقات سابقة عن أنماط وأنواع للتفكير، وتحدثنا عن شكل من أشكال العقلية أو نمط من أنماط العقلية ألا وهو العقلية الهشة. اليوم نتحدث عن عقلية أخرى، والعكس تماماً، ربما تكون هي العقلية. الفارقة مصطلح في الحقيقة الدكتور علي جمعة دائماً ما يردده في أوقات معينة أو في مناسبات معينة، لعل هذه فرصة طيبة بأن نتوقف في وقت ربما يكون كافياً بإذن الله لكي نتعرف على هذا المصطلح. اسمحوا لي أن أرحب بفضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور، عليكم السلام، أهلاً بكم مولانا، أهلاً وسهلاً بحضرتك، أعتقد على العكس تماماً من العقلية الهشّة تأتي العقلية الفارقة التي دائماً ما ينادي بها مولانا أن يكون عليها الشخص المسلم أو العقلية المسلمة،
أليس كذلك؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، هذا الذي تربينا عليه في... أروقة الأزهر الشريف على يد الأساتذة الكبار الكرام، الفرق بين العلم وبين المعرفة العامة الثقافة. كانوا يسمونها لغة الجرائد. اليازجي عندما ألف كتابه وسماها لغة الجرائد السيارة التي تدخل كل البيوت فيقرأ كل الناس. هذه ثقافة لا بأس بها ولا بد منها أيضاً، ولكنها تقف عند الوصف السطحي للأمور. وليس العميق ولا المستنير في كثير منها حتى ما يتعلق فيها بالدين، ولكن كان مشايخنا يقولون لنا
عبارة هكذا تعبر عما نحن نأخذ فيه الآن، يقول لك: "العلم بالقطارة وليس بالكومة"، فهو ليس كومة هكذا تأخذها وتنتهي وأنت لا تعرف مكونات هذه الكومة، نعم العلم بالقطارة يا أبناء وليس. بالجملة لأن العلم بالقطرة، كنا نقف عند كل حرف وليس كل كلمة، فالكلمة تعتبر كثيرة، بل نقف عند كل حرف لندرس علاقة ذلك الحرف بما بعده، تلك العلاقات التي ليست مذكورة أمامي، وإنما نشأت من وجود ذلك الحرف مع تلك الكلمة، مع هذا الاسم مثلاً أو هذا الحرف مع هذا مثلًا، أو هذا الاسم مع هذا الفعل أو كذا، نشأت علاقة. أين هذه العلاقة
وماذا تقول وما يترتب عليها، ثم البحث في شبكة تلك العلاقات. الحقيقة أن هذا المنهج هو العقلية الفارقة، إنه منهج يأتي ليفرق لماذا ما بين ضرب، يضرب، ضربًا. ليس الكل واحدًا، لا، ليس واحدًا، هذه ضرب. هذا فعل ماضٍ، والفعل الماضي هو حدث وقع في الزمن السابق. حدث الحدث الذي هو الضرب. فما علاقة ضرب بضرب؟ إن هذا الحدث وقع في الزمن الماضي، فكلمة "ضرب" تحتاج إلى ضارب (فاعل) ومضروب (مفعول به)
وحدث بينهما وهو الضرب، وأن يكون كل ذلك في الزمن الماضي، إذن... أربعة عناصر بدلاً مما كانت ضرب هذه كلمة واحدة أقرأها هكذا كيفما اتفق وأوقفني عندها وأخرج لي منها الزمان وأخرج لي منها الفاعل وأخرج لي منها المفعول وأخرج لي منها الحدث ويجلس الآن يُعيشني في حكاية الحدث هذه ويقول لي هذا الحدث في الخارج أم في الذهن لا هذا الذي في الذهن صورته فبقي في حدث في الخارج الذي هو الضرب هذا الذي هو يد أتت على جسم
شخص آخر، ضارب ومضروب، فحدث ضرب، وبعد ذلك توجد صورة في الذهن، والصورة التي في الذهن هذه هي الأساس أم الحدث هو الأساس في الاشتقاق، في اشتقاق "ضرب" هذه، فيقول هذا البصريون. قالوا هكذا والكوفيون قالوا هكذا، فالكوفيون يقولون أصل الاشتقاق الفعل، والبصريون يقولون لك أصل الاشتقاق الحدث فسموه مصدراً. هل هناك فرق بين المصدر وبين الفعل؟ قال لي: نعم، إذن ما هو الفرق؟ ويُدرِّسوننا هذه القضية، وبعد ذلك يقولون: لماذا نخبرهم بهذا؟ يقول: لأن... العقلية الفارقة، كل هذا يؤسس للعقلية الفارقة. العقلية الفارقة لكي عندما أقرأ القرآن أميز بين الفعل الماضي وبين الفعل المضارع "يضرب" وبين المصدر "ضرب"
وبين علاقة ذلك بما هنالك، وكيف يبني هذا فهماً عميقاً ننطلق منه لاستنباط الأحكام. جميل، ننطلق منه لاستنباط نظام للأخلاق، ننطلق منه لاستنباط. نظام للتوثيق ننطلق منه لتقسيم الدنيا إلى ظني وقطعي، وبدأ الذهن يعمل على أن هناك فارقاً كبيراً بين الظن والقطع، وأن هناك فارقاً كبيراً بين الدين والتدين، وأن هناك فارقاً كبيراً بين العلم والمعلومات، وهكذا. فانظر إلى الفرق بين العلم والمعلومات، تجد أن أحدهم قرأ لك مائة كتاب ولكن ما... تعلّمُ العلم وهو أرى مائة كتاب. أرى الآن نمطاً من المثقفين أو من الأشخاص
يقول: "أنا قارئ في كل الموضوعات، فأعلم شيئاً عن كل شيء، وأنا بالتالي مثقف من حقي أن أدلي برأيي في أي موضوع حتى في الدين حتى فيما أنا غير متخصص فيه". كان لدينا قديماً في مجال الطب مجلة تصدر هنا في مصر كان اسمها مجلة الدكتور، وبعد ذلك بعدما أغلقت مجلة الدكتور - توفي أصحابها أو ما شابه ذلك وأغلقت - فقاموا بافتتاح مجلة أخرى اسمها طبيبك الخاص، وأظن أن جريدة الأخبار أو الجمهورية أصدرت الكتاب الطبي، وذهبت أنا وحفظت. كل هذا لماذا أصبح طبيباً؟ إنني أحفظه حفظاً. أنا أعرف أن فيتامين ب يدخل الجسم عند الأصيل، أنا أعرف ولا أعرف ماذا يفعل ماذا عندما ماذا. عندما تعرف هذه
معلومات وليست علماً. العلم منهج، العلم قواعد، العلم تدريب، العلم تربية، العلم يجب أن تذهب إلى... يد الطبيب لكي تعرف كيف يشخص، أول شيء التشخيص، لن تعرف هذه العلوم في هذه المجلات، ولا إذا حفظتها، ولا إذا استرجعتها، ولن تعرف كيف تجمع بينها. إذاً هل العقلية الفارقة لفضيلة الدكتور هي عقلية فقط لأهل العلم ولأهل الاختصاص؟ هل هي حكر عليهم أم أنها من الممكن أن تكون؟ عقلية تميز أي شخص مسلم على اختلاف مستواه التعليمي أو الثقافي، هم درجات عند ربهم، هم درجات المعرفة، درجات المعرفة، لأن هناك من يفهم أن العقلية فارقة فيقول لك: "أعط
الخبز لخبازيه"، طبعاً ويقول: "أهل التخصص"، فاذهب إلى الطبيب، تريد هندسة اذهب إلى مهندس، وهكذا بالرغم من أنني أعرف جسمي جيد جداً من ناحية الوقاية من الجراثيم والنظافة وما إلى ذلك، لكن هذه قضية أخرى غير قضية التطبيب. فالتطبيب له ترتيب ونظام وشبكة معلومات وهكذا. فالعقلية الفارقة، نعم، يمكن أن تكون موجودة عند كل شخص بدرجات مختلفة، أولها أنه يفهم أنه يجب. يذهب ويسأل أهل الذكر إذا كان لا يعلم، نعم، حسناً. المفترض أن العقلية المسلمة أو الشخص المسلم ابتداءً من الصغر وحتى الكبر يتعرض تقريباً لنفس المدخلات العقلية
ونفس المؤثرات المعرفية من الكتاب ومن السنة ومن حتى طريقة التنشئة أو التربية والتعاليم، ولكن نجد في مرحلة من المراحل أن هذا... يتمتع بشخصية فارقة وهذا يتحول إلى شخصية هشة، ما السبب في ذلك مولانا؟ نحن لدينا منظومة التعليم وهي الطالب والأستاذ والمنهج والكتاب والجو العلمي المحيط به، ودرجتها التربية والتعليم والتدريب، ولابد أن تتم هذه الأمور بهذه الكيفية، ولو حصل خلل في عنصر من العناصر كما لو كان الطالب لا يريد يكون طالباً أو صفاته ليست هي صفات الطالب المحترم المعتبر، أو كان الأستاذ كذلك كان جاهلاً مثلاً بمادته، أو كان غير محيط بطرق تربيته، أو كان الكتاب مختلاً، أو المنهج مختل، أو كذا. أي عنصر من هذه
العناصر أو أي درجة من هذه الدرجات الثلاث يحدث هذا الخلل على الفور. فمشكلتنا في التعليم سواءً كانت هذه المشكلة في الأزهر مثلاً أو في التعليم العالي أو في التعليم ما قبل الجامعي أو في التعليم العام كله، فيه مشكلة أن هذه الأنظمة قد تضررت وتوالى عليها الزمن في إضعافها، ولذلك نحن نقول لا نهضة لنا ولا قوة لنا ولا حراك لنا. إلا بالتعليم، وأمم كثيرة مثل شيلي وكوريا وجنوب أفريقيا وإسبانيا اهتموا بالتعليم وانتهى الأمر تماماً. إذن أنا رتبت هذه المراتب وعرفت، وكل شخص سيعرف حقه وسيرفض أن يتدخل في غير تخصصه ولا يدعي المعرفة مثل ذلك
المتطفل. حسناً، بالنسبة للمسألة التي ذكرتها أن البشر درجات أو العقليات درجات، كيف؟ الإنسان العادي الذي لم يتعرض منذ نعومة أظافره لفكرة الارتقاء أو التأسيس حتى يكون عقلية فارقة ويريد أن يتطور أو يطور من عقليته، كيف مولانا يمكن للإنسان أن يطور من عقليته لكي يصبح من أصحاب هذه النوعية من العقليات الفارقة؟ لا بد أن يكون له شيخ، لا بد أن يكون الذي نسميه الأستاذ، نعم الذي نسميه المربي المرشد، سمِّه كما تشاء، ولكن لا بد أن تنتقل المعارف وتتراكم. صحيح لو أن شخصاً أراد أن ينظر كما رأى أديسون إبريق الشاي وهو كذلك، فعرف أن للبخار قوة، سنبدأ من جديد ونحن نسير القطارات بالطاقة الذرية والطاقة الشمسية. وهكذا وكذلك، لا بد أن أرى العلم ما نهايته، وما هي الحالة التي يسمونها
الحالة الراهنة، وأنطلق من هذه الحالة الراهنة، لكن لو بدأت من البداية فلن أصل إلى شيء. نعم، فلا بد علينا أن نتخذ... أخي لن تنال العلم إلا بستة، سأخبرك عن تفسيرها ببيان: ذكاء وحرص واجتهاد. وبلغةِ وإرشادِ أستاذٍ وطوالَ الزمانِ انظر، ها هو الإرشادُ والأستاذُ ركنٌ من أركان هذا البناء للعقلية، وبدون هذا لا يمكن أن يتخرج طبيب، لا يمكن. وعلى فكرة، لو ادّعى الطب سيقبضون عليه بموجب القانون المعتبر في العالم كله، لأنك تمارس مهنة لم تُجَز فيها وليس لك فيها حق، حتى لو حتى لو نجح سيكون ذلك حقه في العقوبة وليس حقه في المدح أو الإطراء. نعم بارك الله فيكم مولانا أستاذ حاج، نخرج
لفاصل ونستكمل إن شاء الله معكم بعد الفاصل. أهلاً بكم مرة أخرى مولانا، قبل الفاصل تحدثتَ مشكوراً عن العقلية الفارقة وتأسيس العقلية الفارقة، هل تُبنى العقلية الفارقة فقط؟ على المعلومات أم على العلم وما الفرق بينهما؟ العقلية الفارقة هي حالة منهجية يستطيع بها الإنسان أن يميز بين المتشابهات. هذه متشابهات ضربنا مثالاً فيها ونعود إليه مرة أخرى: بين العلم والمعلومات. العلم شبكة، العلم منهج، العلم قواعد، العلم كتب معتمدة، العلم له جماعة علمية تُعَدُّ مرجعاً، يقولون بالإنجليزية "أثورتي" أُثوريتي تعني المرجع، يقول لك: أنت لديك مرجعية في هذه المسألة أم لا؟ فإذا كنت مرجعاً في هذه المسألة، فينبغي
أن يُسألك لأنك ستكون خبيراً ببواطن الأمور فيها، وبمسار طريقها. إذا لم تكن مرجعاً (أُثوريتي)، فلماذا تتكلم إذن؟ أنت تتكلم فيما لا يعنيك، لماذا؟ فالقضية هنا أن هذا هو العلم، والآراء وعرضها، لا، هذا فيه حرية القول، قل ما تريده فيها، وهم يعرفون هذه المسألة، وسيرتبون عليها قبولاً أو رداً أو عدم اعتبار، أو أنه يستمع إلى رأي جديد لعله أن يكون فيه خير، ويُعرض على المختصين فيعمل كذا وكذا فتاركين هذا، لكن هذا ليس عمدة، ليس معتمداً، إنما... هو موجود غير معتمد، أما هذا فموجود ومعتمد لا يمكن أبداً للطبيب. يعني مثلاً مرة أحد
الصحفيين غضب جداً: "لماذا تصنعون علبة الدواء فيها ثلاثون حبة مثلاً، ثم المريض يأخذ منها خمس عشرة فقط؟ أليس هذا هدراً؟" فردوا عليه أن هذا... إلى أن وصلنا إلى أن هذه تكون... ثلاثون، هذه قصة طويلة أنت لا تعرفها. قال: حسناً، ألم تخبرونا؟ أتدرك؟ انظر إلى الفرق بين الثقافة أو المعلومات وبين العلم. هم الذين يقولون: تعال وادرس في كلية الصيدلة علم الأدوية وأسس علم الأدوية وتقسيمات علم الأدوية، وأنت تعرف هذه الحكاية، وأنت هكذا، وكيف تتحدث؟ هذا ليس هدراً. إنه إذا تحدثنا، فلا تتكلم معترضاً، وإنما تكلم سائلاً. هذا صحيح، "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". لا تجعل نفسك تعرف كل شيء، ثم
تأتي وتستنكر وتستهجن هكذا. اسأل أولاً قبل أن تستهجن. نعم، اسأل أولاً. فانظر، العلم يؤدي إلى ما يسمونه بالبروتوكول، فلا تصلح الفظاظة. تُؤاخذ قانوناً إذا أجريت هذه العملية، تخسر مادياً، وتؤدي إلى أذية طبية. لكن بناءً على القواعد المرسومة بالطريقة المحددة، أصبح هناك علم يُسمى علم الصيدلة، وهذا العلم هو الذي بمقتضاه نضع في العلبة كمية معينة أو لا نضع فيها كمية معينة، أو نستعملها بعد فتحها لمدة... ما المدة أو متى تاريخ الانتهاء؟ وقد تكون الفعالية لا تزال موجودة، لكن تاريخ الانتهاء هذا وُضِع وفقاً لماذا؟ أليس
خسارة أن نرميه؟ لا، ليس خسارة، بل يجب عليك رميه بعد أن يتجاوز تاريخ الانتهاء. والعرض وكيفية التخزين وكيفية النقل وكيفية الاستعمال، كل هذه الأمور محسوبة وكلها علم ولها علماء. فعندما تأتي لتعترض على معلومة، فأنت ليس لديك عقلية مميزة تفرق بين العلوم والعلم والمعلومات. كذلك، العقلية المميزة تفرق ما بين العام والخاص، وتفرق بين القطعي والظني، وتفرق بين الدين والتدين، وتفرق ما بين النص ومفهوم النص. هناك فرق كبير بين النص وبين مفهوم النص. أحياناً الناس... يعترضون على النصوص، نعم، فهمهم هو الذي فيه الاعتراض، أو يعرف النص ولا يعرف مآله، ولا يعرف الغرض
منه، ولا يعرف علاقته مع النصوص الأخرى، فينكره أو لا يدخل عقله كما يقول صحيح، لكن لو أنه سأل أهل الذكر عن هذا الأمر، فإنهم سيوضحون له، وبذلك أكون أنا... ينبغي بالعقلية الفارقة ألا أعترض وألا أهدم العلوم، بقدر ما يجب عليّ أن أسأل وأستفسر عن كل ما يُشكِل عندي وكل ما يثور في ذهني، حتى تزول هذه الصورة القاصرة أو الصورة المشوهة أو الصورة الخاطئة التي قامت في ذهني. هذه هي العقلية الفارقة، وتأسيسها في النهاية يؤدي فعلاً... الفرق بين العلم والمعلومات، حسناً، يوجد بعض الأشخاص يا مولانا يحاولون أن يبنوا عقليتهم أو يبنوا ثقافتهم على التراكم المعلوماتي فقط
دون أن يحصلوا على علم واحد بشكله الأكاديمي أو بشكله المتعارف عليه، فهل من الممكن أن هذا التراكم المعلوماتي يمكن في النهاية أن يحل محل... العلم ومحل التخصص والدراسة والدراية التامة بكل التفاصيل لا يمكن إطلاقاً أن تكون السيارة المفككة على صورة أجزاء موضوعة في صندوق تؤدي مثل السيارة المركبة الجاهزة للاستعمال. هذه هي القضية، هذا هو العلم والمعلومات. فنحن مثلاً في بلاد تستورد السيارات، فتأتي السيارة مفككة من الخارج على صورة صندوق، ماذا أفعل؟ بهذه السيارة كيف أصل إلى مشواري؟ لن ينفع أن تُجمع، بل
لابد أن تُجمع. هذا التجميع هو الذي يُنشئ هذه السيارة. هذا أصبح العلم. هنا أصبحنا قد وصلنا إلى العلم. فإذا كنا سنستطيع بما في الصناديق أن نصل، أو أنه في يوم من الأيام سيُكتفى بالصناديق، فإذاً سنجلس نبكي بجوارها. ولن نصل إلى هدفنا ولا إلى مكاننا الذي نريده. صحيح أن السيارة مصنوعة للنقل، لنقل الإنسان ولنقل البضائع ولنقل الحاجة من مكان إلى مكان بحركة منتظمة آمنة سريعة، لكن ما في الصناديق هذا لا يصلح، لأنه وإن كان ذا فائدة أنه يمكن أن يكون مهيأً لهذا، وإن كان ذا فائدة. أنه يمكن استعماله كقطع غيار، لكن مع هذه الفائدة إلا أنه ليس علماً، ليس سيارة، ليس موصلاً للهدف. الذي يوصل للهدف
هو العلم، هو السيارة، هو الصورة الكاملة وليس الصورة المفرطة لذات نفس المادة. طيب، إذاً مولانا أرجوك أن توضح لي مفهوم العلم إذا كان ليس مجرد. مكون معرفي أو مجموعة معرفية من المعلومات ليست مجرد كل المعلومات التي أجمعها في شأن من الأمور، فإذاً أنا عالم في هذا الأمر أو لدي علم في هذا الموضوع. ما هو في حاجة تسمى الاصطلاح، هو الذي سيفك هذه المسألة. فنحن لدينا دلالات للألفاظ، فما هو العلم في اللغة؟ المعرفة هي الإدراك هذا في اللغة. حسناً، عندما ننتقل إلى الفنون
والآداب والعلوم المختلفة، أصبحنا في الطب، أصبحنا في المحاسبة، أصبحنا في الهندسة، أصبحنا في علم النفس، أصبحنا في كذا إلى آخره، ما معنى العلم هنا؟ فالعلم يمكن في اللغة أن يكون على المفردات هذه، لا يوجد مانع لغةً، لكن اصطلاحاً لا بد أن يكون هيكلاً وشبكة من القواعد والمناهج والمقالات والمصطلحات والكتب المعتمدة والجماعة العلمية إلى آخره. فالعلم هنا غير العلم هناك. فعندما آتي وألعب هذه اللعبة وأتحدث بالكلام اللغوي في الكلام الاصطلاحي، يصبح الأمر مخلوطاً. مثلاً كلمة "الصلاة" ماذا تعني في اللغة؟ تعني أن
الصلاة هي الصلة. العلاقة بين اثنين، والعلاقة بين اثنين هذه غير أنه أكبر، واقرأ واركع وأقوم وأسجد وأعبد ربنا هكذا، أقم الصلاة. فيأتي شخص يتغابى ويقول: عملت هكذا الباطنية، قال لك الصلاة هي ماذا؟ هي شيء صلة بين اثنين، حسناً أنا بيني وبين ربي عمار، ولا يصلي الظهر ولا العصر، يتلاعب فيما بين. المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي سيضيع الدين ويضيع الدنيا معاً في معانٍ كهذه. هناك شيء يسمى دلالة الألفاظ. المعنى اللغوي شيء، لكن المعنى الاصطلاحي شيء آخر، وإن كانت بينهما صلة كالصلة بين المعلومات والعلم، لكن مع وجود هذه الصلة
إلا أن هذا ليس هذا، وهذا هو التلاعب الذي هم... طوال النهار يجلسون يتلاعبون بقضية المصطلحات، وهي في الحقيقة ناتجة عن التفلت. فهو يريد أن يتفلت ويريد أن يتكلم ويعتبر نفسه قادراً على القول في كل شيء، ويعتبر نفسه أن هذا ليس من قبيل العلم. بل هو من قبيل العلم، وكل جانب من هذه الجوانب فيها علم وربنا. يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. ربنا في القرآن يتحدث عن العلم المستنير، العلم الذي يؤول في النهاية إلى ضراعة القلب لله سبحانه وتعالى. نعم، بارك الله فيكم مولانا. شكراً جزيلاً لحضرتك. والشكر موصول لحضراتكم. إلى