تعرف على اهتمام المسلمين بالعلم مع د. علي جمعة #10 | درجات المعرفة

تعرف على اهتمام المسلمين بالعلم  مع د. علي جمعة #10 | درجات المعرفة - التفكير المستقيم, درجات المعرفة
تحيةٌ لكم مشاهدينا الكرام في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج درجات المعرفة. اليوم نستكمل ما كنا بدأناه في حلقةٍ سابقةٍ مع فضيلة الدكتور حول العلم الفارق ما بين العلم والمعلومات. تحدَّث فضيلته عن هذا الفارق وكذلك معايير العلم. اليوم نتحدث عن العلم واهتمام المسلمين بالعلم وتحصيل العلوم عبر القرون والأزمنة. أرحب بفضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بفضيلتكم مولانا، أهلاً وسهلاً بحضرتكم مولانا. بناءً على ما سبق، كيف ثمَّن وكيف أعطى المسلمون للعلم قدره؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أشرنا في حلقة سابقة إلى أن هناك فارق
في مدلول الألفاظ ما بين الجانب اللغوي والجانب الفني والاصطلاحي، وفي الحقيقة هذا أسماه المسلمون بعلم الوضع. وعلم الوضع معناه عندهم جعل اللفظ بإزاء المعنى، وهذه الأوضاع لأنها ليست وضعاً واحداً، فهناك وضع في اللغة، لغة العرب التي كان يتكلم بها سيدنا النبي، التي كان يتكلم بها الصحابة. الكرام فمن بعدهم إلى يوم الناس هذا تسمى باللغة العربية وفيها ألفاظ بإزاء معانٍ من الواضع. عندنا أربعة أقوال في أصول الفقه حول من الذي وضع هذه اللغة. القول الأول أنه الله، وهو الراجح لقوله
تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها". نعم، القول الثاني أن البشر هم الذين وضعوا أن أسد هو... الحيوان المفترس هذا، سماء هي التي فوقنا هذه، أرض هي التي تحتنا هذه، من الذي وضع هذا وميّز هذا؟ الأول يقول: الله، الله هو الذي علّم آدم القصعة والقصيعة، الطبق والطبق الصغير. والثاني قال: لا، هؤلاء البشر. والثالث قال: الأصول من عند ربنا، يعني ربنا هو الذي وضع الأصول والقواعد، القواعد. أصبح أنه عندما تقول طبق، نعم، وعندما تريد التصغير تقول طُبَيق. فأنا وجدت كلمة حصان، فبدأت أستخدم عقلي بالمعلومات السابقة، فأصبح حُصَيْن، لأن حصان في تصغيره يصبح حُصَيْن، أي أنه هو الذي وضع القواعد وعلّمها لآدم، وآدم ماذا فعل؟ هذا يعني أنه لم يضع اللغة
كلها له، بل وضع أصولها وتفريعاتها. خاصَّتَها، ضعْ، ضَرَبَ، عندما، يَضْرِبُ، وضَرَّابٌ، وضَرْبٌ، وضارِبٌ، ومَضْروبٌ، ومِضْرَبٌ، كلُّ هذه الأشياء نحن الذين صنعناها وفقاً للقواعد. المذهبُ الرابعُ أننا لا شأنَ لنا بهذه المسألة، فلا نعرفُها، ويسمّونهُ مذهبَ التوقُّف، أي أننا لا نعرف، وليس من الضروري أن نعرف هذه المسألة. فيكونُ في واضعِ اللغة أربعةُ أقوالٍ، وأنا أختارُ. أن هو الله. لماذا كان مشايخنا يقولون لنا - يقولون لنا - إذًا من الذي جعل الله هو البشر؟ والبشر عرف أن هناك إلهًا؟ الله هو الذي وضع هذا وعلّمه للبشر. لم يخطر في بال البشر أن
هناك إلهًا إلا بتعليم الله له، وهذا مذهب الأشعرية. هل انتبهت سيادتك؟ هذه مثل لافتة هكذا. من أين أتيتم بهذا يا بشر؟ أيكون الله هو الذي قال لكم عنها؟ هو الذي أوحى إلى آدم بها، فآدم علَّمها لأولاده. إذًا، واضع اللغة هو الله عندنا. يعني لكن فيها أربعة أقوال. طيب، هذا مجال، أي مجال اللغة. في مجال الشرع "زكاة" تعني طهارة في اللغة. هل وزكاة في الشريعة؟ لا، هي تعني اثنين ونصف في المائة من المبلغ المدخر لمدة عام كامل. هذا معنى آخر. ولماذا سموها زكاة؟ لأنك تطهر أموالك بأن تخرج جزءاً منها لله على سبيل السنة أم على سبيل الفرض؟ لا، إنها فرض، وهي ركن من أركان الإسلام. نعم، هذا هو المعنى. ثانياً أيضاً تماماً
غير الطهارة الموجودة في اللغة، ماذا يعني وضوء؟ شيء وضيء هكذا يعني يخرج منه ضوء هكذا، نور يعني. حسناً، ولدينا لا تغسل وجهك ثم يديك ثم تمسح رأسك ثم تغسل رجليك، ما هذا؟ هذا شرع. إذاً الكلمة لها مكان في مجال اللغة ولها. نقطة أخرى في مجال ما هو الشرع، فهذا يكون المعنى الشرعي. عندما ألّفت الفنون فن الحديث، وبعد ذلك مسلسل، ماذا يعني مسلسل؟ يعني حديث يأتي على وصف معين هكذا، فتسلسل في سلساله وسلسلته. وماذا يعني مسلسل في اللغة؟ يعني شيء بعد شيء، لكن في الحديث مسلسل قُل ما على وصف. أتى مثل: أما والله ظهر الفتى كذلك، قد حدثني
قائماً أو بعد أن حدثني مبتسماً. فهذا مسلسل بالتبسم، وهذا مسلسل بالقيام، وهذا يكون مسلسلاً وهكذا. كلام آخر لا علاقة له باللغة. إذاً نحن لدينا ثلاثة ملفات: اللغة والشرع والعلوم المختلفة، ثم أضفنا إليها ملفاً رابعاً اسمه العرف. ما معنى "دبوس"؟ "دبوس" قالت: حرب، تجد كتلة هكذا هو، وفيها مثل مسامير هكذا وأشياء حادة، أشياء حادة هكذا، ولها يد، وبعد ذلك يمسك ويأتي ضارباً الذي أمامه بها، والعياذ بالله، يكسر رأسه. قالت: حرب مهلكة قاتلة. يعني طيب، وما هو الدبوس في العُرف؟ إنه دبوس الإبرة هذا، يقول لك. معك دبوس؟
الفتاة وهي محجبة تقول لك: "أليس معك دبوس لأشبك به وشاحي؟" وتتحول من إله قتل إلى وخزة دبوس. وخزة الدبوس في العكس. أما المرأة في المطبخ فتسمي الدبوس شيئاً آخر، فماذا يعني الدبوس عندها؟ يعني فخذ الدجاجة. نعم، صحيح. تقول لك: "أريد الدبوس الذي هو فخذ الدجاجة". ما هذا؟ إنها لغة. وهذا عُرف. أي إذا كان لدينا اللغة ولدينا الشرع ولدينا الاصطلاح العلمي الخاص بالعلوم والفنون المختلفة، فلدينا أيضاً العُرف. انتبه، هذا العُرف قد يكون عُرفاً عاماً مثل "دبوس"، فهذه كلمة في العُرف العام، وأنت في المكتب تقول "دبوس" وهو كذا وكذا إلى آخره. لكن هناك أيضاً عُرف خاص بالمطبخ وعند النساء اللاتي... هذا المتعلق بالدجاجة هذا عرف خاص، فأصبحنا خمسة أجزاء. من سيتعامل معها؟
هذا هو الإمام العضد، عضد الدين الإيجي، وينشئ علماً بذاته اسمه علم الوضع، ويقول: انتبه، هناك فرق بين اللغة والشرع والاصطلاح والعرف العام والعرف الخاص. هذا الوضع، هل انتبهت؟ هذا شيء رائع يا مولانا. هو طبعاً، وإلا لماذا ظلّ الناس مسلمين؟ لأنه يوجد تأسيس صحيح معمول لهم، وبهذا الشكل تصبح الكلمة لها معانٍ مختلفة في الملفات المختلفة. فلنرجع إلى مرجعنا لكي نجيب على سؤالك الأصلي: ما معنى "علم"؟ عندما تقول لي "علم"، ماذا تعني؟ أقول لك: أين أنت تقصد في... اللغة، أم تقصد في الشرع؟ نعم،
أم تقصد في الاصطلاح، أم تقصد في العرف العام، أم تقصد في العرف الخاص؟ تمام، تمام. حسناً، دعنا نتناولهم واحدة واحدة. لم يكن قصدي أياً منها، أنا أقصد العلم. هل أنت منتبه؟ ما قصدت أياً منها، فدعنا نتناول الآن واحدة واحدة. تفضل يا مولانا، ما هو العلم؟ عندما نرجع إلى اللغة، العلم يعني عَرَفَ، أي أن العلم هو المعرفة. شخص عرف شيئاً جيداً، والذي سَمَّوه بعد ذلك بالتصوُّر. وماذا يعني هذا التصوُّر؟ معناه الإدراك. وما هو الإدراك؟ إنه حدوث صورة الشيء في الذهن. ماذا يعني أيضاً؟ فأخذوا يتكلمون عن... الوجودات الأربعة، ولكي يفهموا بعمق ما هي هذه الوجودات الأربعة، قال: وجود في الأذهان، ووجود على اللسان،
ووجود في البنان الذي هو الإصبع، ووجود في الأعيان. الوجود الخارجي، إن لم تفهم: الشجرة، الشجرة موجودة هنا، مزروعة هنا، وتنتج مانجو، شجرة مانجو، فهذا هو وجود في الأعيان. أغمض عيني هكذا وأتخيلها. يصبح وجوداً في الأذهان سميتها شجرة، ويصبح وجوداً على اللسان كتبت شجرة (ش ج ر)، ويصبح وجوداً في البنان. يصبح في وجودات، كم وجود؟ أربعة وجودات. الذي حدث في الذهن هو ذاك الذي عندما أغمضت عيني وتصورتها أصبحت في عقلي، فيسمونه علماً. إذن، العلم هو حدوث صورة الشيء. في الذهن هذا أين هذا هذا في اللغة تماماً، أكمل لك الكلام. الخريطة، هل
يمكنني أن آخذ واحدة أخرى؟ يمكنك أن تأخذ واحدة أخرى. أقول لك هكذا، حسناً. والعلم في لغة القرآن الكريم الذي هو الشرع الشريف هو الموصل إلى الله. العلم في لغة القرآن الكريم نعم هو الموصل إلى الله. إنما يخشى... إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ. أتنتبه جيداً؟ "وفوق كل ذي علم عليم". لقد قلتَ سابقاً أن "العلماء" ليست جمع "عالم"، يعني أن "العلماء" هنا تعود إلى "عليم" وليس "عالم". "علماء" هي جمع "عليم" وليست جمع "خبير" أو أي شيء آخر. صيغة "فُعَلاء" هي جمع "فَعيل" وليست جمع "فاعِل". "فاعِل" صحيح؟ "عالِم" يجمع على "عالِمون". فتنبّه. يصبح فقيهاً خبيراً، فليخبروني هنا: العلم في لغة القرآن الكريم هو معرفة الله وما يوصل إلى الله.
حسناً، والذي لا يوصل إلى الله فهو جهل. ماذا يعني جهل مركب؟ قال حمار الحكيم توما - كان هناك حكيم بعمامة كبيرة هكذا سموه توما، فالحمار الخاص به نطق قائلاً: "قال حمار الحكيم توما لو أنصف..." في وقت الظهيرة كنت أركب، يعني كان قد جعل الحكيم توما حماراً وكان هو راكبه. فأنا جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب لأنه يعرف كلاماً فارغاً عن الواقع مخالفاً للواقع وما فيه، فهذا هو الجهل البسيط والجهل المركب. دائماً كنت أقول لك العبط البسيط والعبط المشتت، نعم هو هذا العبط المشتت. حسناً، أستأذن حضرتك. بعد الفاصل نتعرف على نماذج أخرى وربما مفهوم آخر للعلم بعد الفاصل إن شاء الله. ابقوا معي، أهلاً بحضراتكم مرة أخرى مشاهدينا الكرام، وأجدد الترحيب بفضيلة الأستاذ الدكتور علي
جمعة. أهلاً بفضيلتك مرة أخرى. أهلاً وسهلاً بحضرتك. العلم أصبح له أكثر من تعريف، العلم في اللغة هو حدوث صورة الشيء. في الذهن شيء بسيط جداً أن تغمض عينيك وتتخيل شيئاً ما؛ الألم، الشجرة، البقرة، الحجرة، المدرسة، القمر، أي شيء تتخيله في ذهنك. إن حصول صورة الشيء في الذهن هو الذي سموه فيما بعد في المنطق بالتصور. هذا هو العلم. العلم في لغة الشرع هو الوصول إلى الله، يعني الشيء. التي توصلك إلى الله، أو هو ذلك العلم في لغة الشرع الذي قلنا عنه أن الإنسان يتعلم بعمق ثم ينقل هذا العلم إلى القلب، فيستنير القلب، وهذا هو العلم المستنير، هذا هو العلم في لغة الشرع. والعلم عندما أرادوا أن يرسموا له خريطة
في الاصطلاح. قلنا إن الأمر الثالث هو الاصطلاح. اصطلاح الفقهاء، اصطلاح المحدثين، اصطلاح المتكلمين، اصطلاح المفسرين، اصطلاح اللغويين، اصطلاح كل العلوم. وأحياناً تختلف المصطلحات من علم إلى آخر. أما العلم فقد قالوا له معنى عام ومعنى خاص. العلم له معنى عام ومعنى خاص. ما هو المعنى العام؟ قالوا في اللغة أنه إدراك الشيء. إدراك صورة الشيء في الذهن هو المعنى العام. هذا الإدراك الذي يسمونه أحياناً علماً من أجل اللغة، ومن أجل اللغة ينقسم إلى قسمين. ارسم الخريطة في ذهنك: الإدراك ينقسم إلى كم قسم؟ قسمين: جازم وغير جازم.
الجازم يعني ماذا؟ يعني متأكد مائة في المائة، وأنت متأكد مائة في المائة. لماذا قال لي أراها بعيني وألمسها بيدي؟ هل جُننت؟ بالله لقد رأيت رؤيا، أنت الآن لم تكن معي، ماذا سأفعل لك يعني؟ أنا متأكد مائة في المائة. أنا جائع وأنت لا تعرف إذا كنت أنا جائعاً أم شبعان، فأقول لك أنا جائع. هذا علم ضروري عندي، ربما أنت لا لا تشعر به وربما لا تصدقه أيضاً، لكن هذا مؤكد بالنسبة لي، وغير المؤكد غير المؤكد، يعني أنني لست متأكداً مئة في المئة. ربما رأيته أو لم أره، لم أسافر معه، لم أدايِنه. قال، لا، قال. إذاً
لم تعرفه. أنت تقول لماذا يعني مئة في المئة درجة؟ أم أنك لم تفعل شيئاً على الإطلاق؟ يكون الإدراك إما أن يكون جازماً أو غير جازم، حسناً. الإدراك الجازم هذا قد يكون مطابقاً للواقع وقد يكون مخالفاً للواقع. إما أن يكون مطابقاً للواقع وإما أن يكون مخالفاً للواقع، وهو إدراك جازم مثل اعتقادات الناس. شخص ما يعتقد اعتقاداً تاماً أن هذا الوثن ينفع ويضر، هذا هو. مخالف للواقع لكنه جازم فيه مائة في المائة، هذا دينه هكذا، هذا من وجهة نظره، من وجهة نظره هو، إدراكه هكذا، نعم هو يراه هكذا، والآخر يقول لا إله إلا الله، هذا مطابق للواقع، مطابق للواقع، المطابق للواقع هذا قد يكون نشأ عندي عن
دليل وقد يكون نشأ. لدي علم ناشئ عن دليل يُسمى العلم. إذاً، ما هو العلم الذي أنت... السؤال الأول حتى لا نتوه: العلم هو الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ عن دليل. أرأيت كيف أصبح؟ ها هي مرسومة. ما هو العلم؟ العلم هو الإدراك، أهو جازم أم غير جازم؟ الجازم، أهو مطابق أم... غير مطابق المطابق للواقع عن دليل أو لا عن دليل الناشئ عن دليل، وهذا تعريف العلم في الاصطلاح صحيح. أتنتبه؟ بعد ذلك، افترض أنه غير ناشئ عن دليل فيكون اسمه تقليداً. افترض أنه
غير مطابق فيكون اسمه اعتقاداً فاسداً. افترض أنه ليس جازماً فيكون إما راجحاً. خمسة وخمسون في المائة أم خمسة وأربعون في المائة أم خمسون وخمسون؟ الخمسون وخمسون نسميه شكاً، والخمسة والخمسون نسميه وهماً، فيكونون ثلاثة أقسام هنا. هذه هي الحكاية، وقد رسموا هذه المعرفة بتقسيم العلم إلى جازم وغير جازم، والإدراك إلى جازم وغير جازم. والجازم منه مطابق وغير مطابق، والمطابق منه ناشئ عن دليل. ولا ويكون هو هذا العلم بالمصطلح الأخص أحياناً يا مولانا. عندما تفسر لي حضرتك كل هذه المفاهيم أو تذكر علينا كل هذه المفاهيم، المرء يتوقف متسائلاً: كيف كان يفكر الأولون؟ لماذا اهتموا بالعلم كل هذا الاهتمام؟ لماذا أفنوا حياتهم؟ وماذا كان الهدف؟
يعني لكي نصل اليوم إلى هذا التأسيس العقلي لكل... مصطلح يُقال: أولاً، فَهِموا عن البشرية مُرادَهم، عندما كانوا يدخلون الهند أو الأندلس أو أنطاكية أو مصر أو مدرسة الإسكندرية. فَهِموا ماذا تقولون، فَهِموا ماذا تقولون، هذه هي أول شيء. ثانياً، أحسنوا التعبير، عرفوا كيف يردون عليهم وماذا يقولون. ثالثاً، لم تأخذهم الفلسفات المختلفة والآراء المختلفة، لم يصبحوا سُذَّجاً. لا، هذا تفكير عميق مستنير، يعني وصَلَ إلى الاستنارة. إذاً، هذا هو الذي دفعهم إلى هذا التعمق. وهذه الأمور، كما تعلم، كانوا يدرسونها في أي مكان؟ ما زالوا في المرحلة الابتدائية، كل
هذا الكلام. فتُبدع إبداعاً حقيقياً، فلا تكون عقليتك عقلية هشة، بل تكون عقلية علمية ناضجة منطقية، وهكذا تكون بذلك نافعاً في... المستوى السطحي والمستوى العميق والمستوى المستمر وتغير بذلك سلوكك فتنفع بذلك دينك وصورته في الأرض. ولذلك انتشر الإسلام عن طريق التجار وعن طريق غير ذلك إلى آخره، ليس فقط بالدرس انتشر، بل بالممارسة وبالسلوك العملي كل يوم. لماذا؟ لأنهم فعلوا ذلك، هم فعلوا ذلك ابتغاءً لوجه الله وحتى يؤسسوا أن... يقفون بأقدامهم على أرض صلبة يستطيعون بها الفهم والأدب. نعم، طيب،
إذا انتقلنا مولانا عبر الزمن للعصر الحالي، لماذا - لا أعرف إن كنت حتى حضرتك تتفق معي أم لا - يعني قلّ إنتاج المسلمين، إنتاج المسلمين علمياً، المنتوج العلمي للمسلمين إذا ما قارناه بالقرون الأولى فقد قلّ، هل هذا طبيعي نتيجة؟ لاختلاف الأزمنة ولأشياء أصبحت معروفة فبالتالي ماذا يمكن أن يتم اكتشافه أو الوصول إليه لأنه قد سبقنا إليه الأولون؟ هل هذا هو السبب فقط؟ لا، لا، لا إطلاقاً. هذا لاحظه الصدمة عندما حصلت مع المحتل الفرنسي وقد جاء يحتل بلادنا، حدثت هذه الصدمة للشيخ عبد الرحمن الجبرتي، حصلت هذه الصدمة. للشيخ حسن العطار حصلت هذه الصدمة للعلماء في هذا الوقت عندما رأوا تنظيم الجيوش الفرنسية
مختلفًا عن جيش المماليك. نحن ابن الرماح أول من صنع البارود، لكنهم وجدوا أن تطور البندقية تطور هائل بحيث أن هذا التطور تجاوز الزمان. أدرك ذلك الشيخ حسن العطار ورآه، وكذلك حسن وعبد الرحمن بن حسن. وكانوا من كبار العلماء. كان حسن الجبرتي والده من كبار علماء الرياضيات، وكان الفرنسيون يأتون ليدرسوا عنده الرياضيات العليا. رأوا ذلك، فحسن العطار عندما جاء كان شيخاً للأزهر، وكان محمد علي قد بدأ بإرسال الشباب إلى إيطاليا أولاً ثم فرنسا ثانياً. ثم أرسلهم ابنه (حفيده) عباس إلى ألمانيا بعد ذلك في البعثات العلمية. فحسن أحضر رفاعة،
وكان رفاعة شاباً متميزاً وممتازاً جداً، وحافظاً وجيداً، وأزهرياً. قال له: اذهب مع هؤلاء الشباب لتراقب سلوكياتهم، وما إذا كان أحدهم سيضل أو سيذهب ليشرب الخمر أو سيمشي مع فتيات أو ما شابه ذلك. لا، أنت ماذا يعني؟ شاب معهم تمنعه من هذا وتكون مرشداً لهم، لكن أنا... لست أريدك أن تهتم بشيء آخر. قال له ماذا؟ قال له أريدك أن تهتم بهؤلاء الناس. معهم مفتاح، معهم سر. هؤلاء الناس معهم سر. أريدك أن ترى ما هو هذا السر وتبحث عنه. كيف أصبحوا هكذا؟ ولماذا أصبحوا هكذا؟ كيف ولماذا؟ هذه عملية معقدة للغاية تسمى الآن في دراسات الحضارة بالحضارة. المادية
لها علاقة برأس المال، ولها علاقة بالاقتصاد، ولها علاقة بالدين، ولها علاقة بحياة الإنسان والحضارة. المادية، انظر إلى هؤلاء الناس كيف أصبحوا في هذه الحضارة المادية. هناك شيء لديهم وأريد اكتشافه، مفتاح يشبه المعادلة الرياضية التي تحل بها المسألة. أريد أن أكتشف ذلك. قال له: "حسناً". قال له: "فصِف لي كل شيء: متى يستيقظون، متى ينامون، كيف يأكلون، كيف يشربون، كيف يمشون، ماذا يقولون". قال له: "حاضر". وأخذ يرسل إليه رسائل يصف فيها كل هذا. فلما أرسل إليه هذه الرسائل - وكان عنده صورة منها - ذهب وألّف بها كتاب "الإبريز في تلخيص باريس". هي.
عبارة عن الرسائل التي أرسلها رفاعة الطهطاوي إلى شيخه حسن العطار. كان حسن العطار مدركاً أننا لا بد من أن ننهض وأن نعمل مشروعاً لهذه النهضة. سنتحدث عن مشروع النهضة في حلقة خاصة، نتحدث فيها عن عبد القادر البغدادي ونتحدث فيها عن الشيخ المرتضى الزبيدي. كل هؤلاء ماتوا قبل. الحملة بكثير في واحد بمائة سنة وواحد قبل الحملة بثمان سنوات. مات حسن العطار الذي بدأ في الحوزة الأزهرية يحاول إرجاع النهضة هذه، وانتبه أن نابليون عندما جاء، جاء بناءً على معلومات من الطلبة الفرنسيين أنه "الحقوا هناك شيء يحدث في مصر" وهذا الشيء تأسس على اللغة
العربية وعلى قضية. التوثيق وعلى النظام الأخلاقي فالتحقوا هكذا ليدخلوا في الحضارة المادية. فكان نابليون يقتل خمسة كل يوم وهذا ما ذُكِر في مذكراته وذكرته السيدة الدكتورة ليلى عنان في كتابها عن الحملة الفرنسية مترجمًا من مذكراته أن هذا الرجل قتل خمسة وأشار إليها عبد الرحمن الجبرتي في نص السطر وكان ساري عسكر. يقتل خمسة كل يوم، خمسة علماء لمدة ثلاثمائة خمسة وستين يوماً، فيكون مجموع ما دخلنا فيه ألف وثمانمائة عالم. كان هؤلاء هم ثمرة مرتضى الزبيدي، ثمرة مدرسة عبد القادر البغدادي لإحياء ما هنالك من أجل الدخول إلى الحضارة المادية. ضربنا نعم، ولذلك عندما اطلع المفكرون على هذا بدأوا يقولون.
أشياء حتى مللنا منها يقول لك وسبب ذلك الاستعمار، هم صادقون، هذا ما نسميه "شماعة" فقط، نعم، الآن أصبح من مللنا، حسناً خلاص والاستعمار انتهى، لماذا نبقى قاعدين؟ لماذا تتباكون؟ لأننا أُصبنا ضربة سيئة جداً، أُصبنا بأنه تمت تصفية أجسادنا بالقتل، وقال نابليون في مذكراته أنه يقتل خمسة كل... يومٌ لا يصلح معهم إلا هذا، وقضى على النهضة الشرقية الحقيقية التي كانت تقوم على أسس للدخول إلى الحضارة المادية. بعد ذلك دخلنا في... تعرف عندما يتعثر المرء، يتعثر عثرات متتالية. جاءتنا بعد ذلك حرب محمد علي التي لم يكن لها داعٍ، ثم جاءنا بعد ذلك الإنجليز واحتلونا، ثم جاءنا بعد ذلك... الدخول مع الصهاينة
الذين احتلوا بلادنا في فلسطين، جاءتنا بعد ذلك الهزيمة النكراء في سنة سبعة وستين، ثم جاءنا بعد ذلك شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ونحن جالسون نحرر أراضينا ونستقل بإرادتنا، وهكذا يبقى الحال إذا مكثنا مائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة سنة ونحن جالسون نجادل الجدلية. هذه السخيفة ولكن حان الأوان أن نضع نقطة ونبدأ من أول السطر. لدينا كل المعلومات التي يمكن بها أن نعود مرة أخرى إلى الحضارة المادية عن طريق التأسيس العقلي والعلمي في هذه البلاد ولهؤلاء العباد. أشكرك شكراً جزيلاً على إنارتك لعقولنا بهذه المعلومات القيمة، شكراً جزيلاً مولانا. أهلا وسهلا، شكرا، بارك الله فيك، شكرا جزيلا، والشكر موصول لكم، نراكم.