ثلاث لا يمنعن | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قد منَّ علينا
بنعم كثيرة. قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالنظافة الظاهرية والباطنية، فأمرنا بالوضوء وبالاغتسال وبالتطهر من النجاسات وبتطهير الثوب والمكان. ولا تجوز الصلاة في مكان فيه نجاسة ولا في ثوب فيه نجاسة أو من بدن فيه نجاسة ولا تجوز الصلاة إلا بعد الوضوء أو بالتطهر بالاغتسال من الجنابة والحدث الأوسط والأصغر إلى آخره، وبالرغم من ذلك فإنه أمرنا أن نحافظ على هذا الكون وعلى هذه البيئة وأن لا نسرف، ولذلك "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل
مسجد وكلوا". واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. عظَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن الماء الذي قال الله فيه: "وجعلنا من الماء كل شيء حي". فالماء أمره مهم في دين الله، والماء نحتاج إليه في وضوئنا واغتسالنا وإزالة نجاساتنا، كما نحتاج إليه في حياتنا، وبالرغم من ذلك هو تحت... القاعدة الكلية "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" وأنه لا يحب المسرفين حقيقة إلهية ربانية أخبر الله بها عن نفسه أنه يكره المسرفين، وأنه لا يحب الإسراف والمسرفين سواء من أسرف في الأرض بالظلم والقتل والفساد
أو من أسرف في الأكل أو الشرب أو من أسرف في الماء أو من... أسرف حتى في الزينة التي أمرنا بها، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يُمنعن: الماء والكلأ والنار" رواه ابن ماجه. انظر إلى الكلام الذي يُكتب بالذهب "ثلاث لا يُمنعن"، لا يجوز لك أن تمنع الماء، تمنعه بأي صورة، بأي. صورة، فمن طلب منك أن يشرب فلا بد عليك أن يصل الماء إليه بأي صورة. عندما نقوم
بعمل الخير ونؤسس الجمعيات الخيرية والمؤسسات المجتمعية وما إلى ذلك، ثم ذهبنا إلى قرية ووجدنا أنها تحتاج إلى وصلة ماء، إياك أن تمنع هذه الوصلة أو تؤخرها باعتبارها شيئاً كمالياً أبداً، فالماء هو هذا الماء هو الدين، هذا الماء هو كل شيء، ولذلك ثلاثة لا تُمنع: الماء والكلأ، فإذا جاء شخص بقطيع من الغنم فلا تمنعه أن يأكل مما أخرج الله، والنار التي بها يُنضج الطعام، والتي بها الدفء في الشتاء، والتي بها النار. اكتشاف النار نقل الإنسان نقلة نوعية من عصر. من
العصر الحجري إلى عصر المعادن، كانت النار هي السبب التي بها علّم الله سبحانه وتعالى الإنسان هذا الشيء. ولذلك الناس شركاء في هذا، وما داموا شركاء فإن الماء هذا ليس ملكاً لك وحدك، وما دام الأمر هكذا، فلا بد أن تراعيه وأن تحترمه وأن تتعامل. معه تحت عنوان الاقتصاد وعدم الإسراف، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُمنع فضل الماء". رواه البخاري. "لا يُمنع فضل الماء ليُمنع به فضل الكلأ".
يعني عندما نمنع الماء، سوف نمنع الكلأ، وبذلك يكون كأننا تسببنا في مصيبتين أو ارتكبنا الماء ومنع الكلأ. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلإ والنار"، وثمنه حرام. ثمن الماء حرام ما دمت قادراً على أن تعطي الماء بلا كلفة، فلا تأخذ في مقابله أي أموال. أما إذا كانت هناك الماء يكلفني فعلاً بعض التكلفة، مثل الماء الذي يُعبأ في الزجاجات، فهو يكلف المصنع الخاص به الإنتاج والموظفين والنقل
وهكذا. يجوز هنا أن نأخذه لأنه ماء خاص وليس الماء الذي هو متاح لكل أحد، فليس هناك حرمة في شراء هذه الزجاجات المملوءة بالماء. وكذلك كان يُنهى عن الإسراف، عن عبد بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: "ما هذا السرف؟" أنت تستعمل ماءً كثيراً لماذا هكذا في الوضوء؟ فقال: "أفي الوضوء سرف يا رسول الله؟" إنني أتوضأ وأعمل شيئاً شرعياً، وما دمت أعمل شيئاً شرعياً إذن، فهل أترك الصنبور يغرق الدنيا وأستعمل مثلما... أنا أريد قول نعم، وإن كنت على نهر جارٍ، نعم، أنا على نيل أيضاً، هناك إسراف، لا تستخدم
أكثر من حاجتك من هذا النيل البحر الكبير، النهر الطويل العريض هذا، لا تفعل هكذا، نعم، ولو كنت على نهر جارٍ، إذاً يعني كلام واضح، وهذا رواه ابن ماجه وأحمد، كلام. ليس من عندنا ولسنا نؤلف ولا تأتي هذه الأيام واهتمامنا بالماء، هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد: "ما هذا السرف؟" قال: "أفي الوضوء سرف يا رسول الله؟" قال: "نعم، ولو كنت على نهر جارٍ". هذا الحديث في الحقيقة يجب أن نقف عنده وقفة ونتأمله ونتدبره. القضية أن هذه المعاني التي ركّزها النبي في قلوب
الأمة يجب علينا أن نعيدها، لأن كثيراً من الناس لا يلتفتون إلى هذا. رأينا نحن في بلاد غير المسلمين أن الصنابير تبقى مفتوحة هكذا، يعني تتقطر قطرة بسيطة، وكأن دماءهم تنزف. يأتون إلى الصنبور ويغلقونه كأنه دماؤهم هم التي تنزف. نعم شعورٌ رباه النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين الأوائل، لا أعرف لماذا نسيناه. لماذا ننسى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم؟ والماء هو أصل الحياة، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلويث الماء، فنهى أن يُبال في الماء الراكد حتى لا يتلوث، وكذلك نهى عن التبول في وهذا خطأ، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يفعل ذلك، واللعن كما ذكرنا
سابقاً دليل على أنه كبيرة وحرام. نهى عن أن يُبال في الماء الراكد، فيكون إذاً إفساد الماء جريمة، رواه مسلم. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ الطعام والشراب أيضاً. من طريق عدم الإسراف فقال: "أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب، وأوكوا الأسقية، وخمِّروا الطعام والشراب ولو بعود تعرضه عليه". خمِّروها: ضعوا عليها الخمار (الغطاء) حتى لا تتعرض للبكتيريا من الجو. يريدك أن تحافظ على الطعام، ويريدك أن تحافظ على الشراب، ويريدك أن تحافظ على الطاقة. أطفئ الأنوار وأنت
نائم شُعلة يده الشعلة عندما تبقى في الشمعة، ستصبح بعد ذلك والشمعة قد انتهت. أين الطاقة؟ إنك هكذا أهدرت الموارد. أطفئوا المصابيح إذا خلدتم للنوم، وأغلقوا الأبواب حماية للأطفال وحماية للناس. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتنفس في الإناء، وكان صلى الله عليه وسلم يشرب الماء على ثلاثة. دفعات كل هذا احتراماً للماء، كل هذا محافظة على الماء. هيا بنا مرة أخرى نرجع لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا كيف نتعامل مع الكون من حولنا، وأن الله لا يحب المسرفين، إنه
لا يحب المسرفين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.