ثلاث مهلكات وثلاث منجيات | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

ثلاث مهلكات وثلاث منجيات | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة - تصوف, حديث, مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان، أيتها الأخوات المشاهدات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر المبارك العظيم مع سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا. سيدنا محمد في شهر القرآن هذا معه في أخلاقه وفي مواقفه وفي تعليماته وفي حياته، نريد
أن نصل إلى درجة أن نعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أن نعرف كيف كان فقط، ولا أن نؤمن بما كان فقط، ولا أن نسلك ونقلد ما كان عليه فقط، بل نريد أن نرقى إلى أن نعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم ستنور قلوبنا حينئذ، سيتضح لنا الطريق، سيفتح علينا في عقولنا وفي قلوبنا وفي أرواحنا وفي سلوكياتنا، سنرى ربنا سبحانه وتعالى بعين بصيرتنا في هذه الدنيا. إن أن نعيش رسول
الله صلى الله عليه وسلم هو أن نتخذه أسوة حسنة في حلقة ماضية عن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه "ثلاث منجيات وثلاث مهلكات"، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عدد الثلاث المنجيات بأنها تقوى الله في السر والعلن، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر. وكنا تكلمنا عن هذه الثلاثة المنجيات ونسأل الله. سبحانه وتعالى أن ينجينا وأن يوفقنا لصالح الأعمال
وأن يقينا المهلكات. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأما المهلكات فهوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه". وهذه يعني هذه الأخيرة وهذه الصفة وهذه أشدهن، ثلاثة أسباب للخزي في الدنيا، للسير على غير هدى، لعدم تحقيق النتائج، لعدم تحقيق النجاح. لعدم التوفيق الإلهي ثلاثة
مهلكات. يُضاف إلى هذا النكد في الدنيا من عدم التوفيق وعدم النجاح والاضطراب أيضاً أنها مهلكات لأنها يُعاقب عليها في الآخرة، ولأنها تُغضب ربنا سبحانه وتعالى، ولأنها مما يكرهه الله سبحانه وتعالى. وثلاث مهلكات: هوى متبع، ومعنى الهوى هذا الذي تمليه عليَّ نفسي من... غير الرجوع إلى الحق أو إلى العلم أو إلى الواقع الصحيح هوى. لماذا تفعل هكذا؟ قال
له هكذا يعني ماذا يفعل غير سبب. أنا أريد هكذا، أرتاح هكذا. ورأينا راحته في المعصية والمخالفة والأذية والإضرار. هناك قواعد مكونة للعقل المؤمن، منها لا ضرر ولا ضرار، منها إماطة الأذى عن. طريق الناس شعبة من شعب الإيمان، أدناها إماطة الأذى عن طريق الناس. ومنها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. إنما صاحبنا يفعل كل ذلك هكذا، أي بهذه الطريقة، مثل هذا ومثل ذاك. لماذا تفعل هذا؟ لا إجابة، ليس هناك سبب، ليس هناك علة.
ليس هناك دليل، ليس هناك مستند، هو يفعل هذا لأنه يحب أن يفعل هذا، ولذلك فالهوى نوع من أنواع الضلال. ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾، إذًا الذي اتخذ إلهه - يعني الذي يطيعه ويتبعه ويأتمر بأمره - ماذا اتخذ؟ هواه. ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾، أفأنت وَكِيلُ هذه الأسئلة الربانية يعني أَخْبِرْنِي عن هذا الذي اتخذ إلهه هواه وأضله الله
على علم، هو يعلم الحق لكنه يحيد عنه. هل تكون أنت عليه يا محمد، أو يا من وَرِثَ محمداً من العلماء والفقهاء والحكماء، وكيلاً عليه؟ إذن، اتباع الهوى هو الخروج عن المستند والدليل، والخروج عن الخلق من أجل الشهوة، من أجل هوى النفس، الهوى المتبع من المهلكات، عدم توفيق في الدنيا، أذية وضرر واضطراب، وعدم توفيق في الآخرة، وشح مطاع. وهنا الشح المطاع يعني أنه
أصبح هو السمة العامة دائماً، وهو يفكر في عدم الإنفاق، لا يفكر في الإنفاق، يفكر في الانسحاب والاختفاء، لا يفكر. في العطاء والبذل والنفع لمجتمعه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع". لا يمكن أن نرضى في مجتمعنا هذا بظاهرة أطفال الشوارع. لا يمكن أن نرضى في مجتمعنا هذا بظاهرة البطالة. لا يمكن أن نرضى في مجتمعنا. هذا بظاهرة الأمية يمكن أن نرضى في مجتمعنا هذا بالفقر المدقع الذي
نرى أناساً تحت مستوى الفقر وتحت مستوى الكفاف في مجتمعنا لا يمكن، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وآخذ أموالهم صدقتهم من أغنيائهم فأردها على فقرائهم". وإذا حسبنا مقدار الزكاة وحدها تخرج بموجب الأرقام الأقل. وبموجب الأرقام المسجلة وبموجب شروط الزكاة في الفقه، هناك حوالي سبعة مليارات في مصر. فكيف -بالله عليكم- يعيش أغنياء لا يؤدون الزكاة؟ وغاية
ما يجمعه بنك ناصر مثلاً -وله أكثر من خمسة آلاف فرع في المساجد تتلقى الزكاة من الأغنياء- لا يزيد عن مائة مليون جنيه، أي واحد من سبعين يجب إخراجه للناس، فما بالك وأنَّ في المال حقاً غير الزكاة، إن في المال حقاً غير الزكاة في الحديث الصحيح. الشُّح المُطاع هو حل المسألة، الشُّح هو الذي أصبح مُطاعاً، والشُّح يعني البخل، أي تنفق أو لا تنفق، على الدوام قرار جاهز ومسبق أنني
لا أنفق فلا بد. علينا أن نرجع إلى المسارعة في الخير، "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ". المسارعة في الخير وفي المعروف وفي الإنفاق هي التي تنجينا. الثالث من المهلكات هو إعجاب المرء بنفسه، وهذا - والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله - قد شاع في كثير من الناس، في نفسه أنه سلطان من غير أن يراجع نفسه مع ربه ومع الناس ومع الأخلاق التي تركها فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن، أشد
من الهوى المتبع الذي يمكن أن نعرف له طريقاً نعالجه به، والشح المطاع الذي يمكن أن نعرف طريقاً آخر نجعل فيكون لديه عطاء أو نجعل هذا ولو على مضض يعطي، لكن إعجاب المرء بنفسه يصم أذنيه ويغمض عينيه عن الحق. وإعجاب المرء بنفسه يتسبب في مسائل كثيرة جداً في حياتنا ترجع إلى إعجاب المرء بنفسه. وإعجاب المرء بنفسه أودى بكثير من الناجحين إلى المهالك عندما وجد نفسه وتكبر في نفسه إعجاب المرء بنفسه
بداية الانهيار، ولذلك نرى في علم الإدارة القيادة المشتركة، ونرى في علم الإدارة القيادة بالأهداف والإدارة بالأهداف. ولذلك هذه أشدهن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت هوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه وشحاً مطاعاً ودنيا مؤثرة فعليك بخاصة نفسك". نفسك وَدَعْ عنك أمر العامة، بمعنى أنك لا تتبع أحداً أبداً في هذه المصائب ولو شاعت وذاعت في الناس. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.