#حديث_الجمعة | السنة الثالثة من الهجرة | غزوة أحد | الجزء الثاني

#حديث_الجمعة  | السنة الثالثة من الهجرة | غزوة أحد | الجزء الثاني - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا به في الدنيا والآخرة. كنا قد توقفنا عند أُحُد، ففي غزوة أُحُد صار المشركون ثلاثة بعير يقصدون المدينة حتى وصلوها في السادس من شوال في السنة الثالثة. في
جانب المشركين كان العباس رضي الله تعالى عنه يقيم بمكة، وكان قد أسلم يوم بدر على الراجح. أرسل العباس من يُخبر سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بخبر قريش وأعطاه فرساً، كان فارس المسافة ما بين المدينة. ومكة تبعد حوالي خمسمائة كيلومتر، فقطعها هذا الفارس في ثلاثة أيام. هم يقطعونها في كم؟ الأربعين كيلومترًا كانوا يقطعونها في يوم واحد، والأربعون كيلومترًا تسمى
مرحلة، وهي بالضبط اثنان وأربعون كيلومترًا ونصف. سموها المرحلة، ومرحلتان تساوي خمسة وثمانين كيلومترًا، وهؤلاء يقطعونها في يومين وليلتين. فالمرحلة اثنان وأربعون كيلومترًا ونصف، وبالتالي معناه عشرة أيام أو اثنا عشر يوماً، معقول يعني لو كان اثنا عشر يوماً وبعد ذلك هو اختصر الطريق وأسرع قليلاً فأحضرهم في عشرة أيام، لكن هذا سبحان الله أحضرهم في ثلاثة أيام، فيكون هذا الرجل يعرف أهمية الرسالة التي معه لأنها ستجعل النبي يستعد. وصلت الرسالة لسيدنا صلى الله وسلم كان يصلي في مسجد قباء ووصل الرجل وقال له: "هذه الرسالة من عمك العباس، انظر واقرأها". النبي لا يعرف أن يقرأ،
فأميته معجزة. نعم، أميته معجزة. كيف أتى بكل هذا وكيف يكون نبياً نحسب له؟ فأميته ليست نقصاً نحاربه، لكنها في حقه هي معجزة صُنعت له خصيصاً حتى لا يقول ولا يعيد، إنما الأمية الخاصة بنا أصبحت نقصاً وقلة أدب وجريمة ومعصية. لا يأتي أحد ليقول لي أنا أمي والنبي أمي، أعوذ بالله. لا، فأميته هذه معجزة، والأمية فيك يا من هو بعيد عني هي نقص ومعصية. لقد قال لك اقرأ وقال لك اكتب وقال لك تعلم وقال لك هذا تحدٍّ لله
هكذا. من يقرأ له الرسالة؟ أُبي بن كعب، سيدنا أُبي، وكان من القراء. نعم، فالذي قرأ له الرسالة في قباء قال له: قل لي وأرني ماذا يقول العباس. كان سيدنا أُبي بن كعب قد قرأ له الرسالة، وعرف النبي منها ما هنالك أن هؤلاء الناس قادمون وأنهم الكلمتان اللتان قلناهما مرة في حلقة سابقة أنهم باعوا العير بخمسين ألف دينار، وأن الخمسين ألف دينار صُرفت في تجهيزات الجيش، وأن الجيش كان معه ثلاثة آلاف بعير للأمور اللوجستية، وأنهم لم يكونوا يعرفون اللوجستية حينذاك، هذا ما نقوله، وأن هناك سبعمائة فارس تحت قيادة خالد بن الوليد. وأنهم
أخذوا ماذا؟ الطرف الغربي إلى آخره، قباء بجوار المدينة. فالنبي عليه الصلاة والسلام عاد بالرسالة إلى المسجد وذهب ليجمع المجلس العسكري الأعلى هذا، وفيه سيدنا عمر وسيدنا أبو بكر وسيدنا علي وسيدنا حمزة وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأُسَيد بن حضير وهكذا، والحباب بن المنذر كان في... المجلس القيادي الأعلى وهؤلاء الأشخاص المتخصصون في الحرب، أي أنهم مُدرَّبون
ويعرفون كيف تُدار الحرب. فقال لهم: "يا جماعة، هؤلاء كثيرون، ثلاثة آلاف، ونحن - بغاية ما نرجوه من رب العباد - إذا جمعنا قواتنا سنجمع ألفاً معهم السلاح والسيوف وما شابه ذلك للقيام بهذا الأمر. فألف ضد ثلاثة آلاف في معركة بدر كانوا ألفاً ونحن ثلاثمائة وثلاثة عشر، والآن هم ثلاثة آلاف ونحن ألف. إنها نفس النسبة، ولكني أرى أنه من الأفضل أن نبقى في المدينة، ثم نجعل النساء والرجال موجودين في البيوت وندعهم ينتشرون هكذا، ونغلق عليهم أول الطريق وآخره،
ونهاجمهم من كل جانب حتى ننتصر. المُجهِّزين ماءً ساخناً ونرميه عليهم هكذا. وهذه الخطة استخدمها المسلمون في المنصورة وفي رشيد عندما هزموا الفرنجة. لقد طبقوا الخطة النبوية التي كانت مُعدَّة للمشركين في غزوة أحد، وبالفعل حققوا النصر بها. فعلينا أن نهدأ ونتظاهر كأن المدينة ليس فيها أحد، نتظاهر بالنوم، ونكون مستعدين كل واحد في مكانه، وكل أي شيء هذا؟ على فكرة، هذا الأمر يحتاج إلى إدارة، يحتاج إلى إدارة جيدة. متى تضرب؟ مَن تضرب؟ كيف تضرب؟ هكذا قالوا له: "يا رسول الله، حمزة"، فقال
لهم: "نحن نريد أن نخرج، من الأفضل ألا يقولوا عنا... أنا أعرفهم وأعرف كيف يفكرون، سيقولون عنا جبناء، ونحن ليس لدينا جبل ونعطيهم الضربة الكاملة ونعود، لكن الذي تقول له هذا، نعم، يعني هو عسكرياً مناسب، ولكنهم سيتحدثون عنا بسوء هكذا. لا أريد أحداً أن يتحدث بسوء عن سيدنا، ولا أحد يتحدث بسوء عن سيدنا. أريد الغاية أن ننتصر، وعندما ننتصر ماذا سيقولون؟ لقد انتهى الأمر، ماتوا وذهبوا، انهزموا. فقال له سعد: يا رسول الله، نعم والله يا رسول الله، أنا مع حمزة، والآخر هذا، الأغلبية جاءت مع حمزة. أصبح حمزة متحمساً وهكذا، قال لهم: حسناً،
موافق، لن يحدث شيء، فلنخرج. فلما دخل شخص قال لهم: يا جماعة، أنتم هكذا ضغطتم على سيدنا، ضغطتم على سيدنا، وأنا لست مسروراً من هذا الضغط. كنا نقول له "حاضر"، نحن ما شأننا به؟ إنه رجلنا الكبير، وكيف لا يرشدنا لنفعل؟ لكنه ضغط ضغطًا شديدًا حتى قال لكم "طيب"، وهذه الـ"طيب" ماذا أفادت منه؟ ماذا تعني؟ كأنه متضايق منها أو غير راضٍ عنها تمامًا. قالوا: ماذا يعني؟ هل ارتكبنا ذنبًا بهذا؟ هل نحن هكذا؟ أشرارٌ نحن! لقد ضغطنا على سيدنا حتى غضب علينا. يعني، لا نعلم كم كانوا يحبون سيدنا
كثيراً. وجلسوا هكذا يتشاورون مع بعضهم. ثم دخل هو وتجهز، وارتدى درعين، أخذ بالأسباب، ولبس الخوذة والدرع، شيء يغطي الأذنين وغير ذلك، لا أعرف ماذا، والسيف والترس، وخرج قال لهم: "أنا تجهزت". فقالوا له... يا رسول الله، نحن آسفون، يبدو أننا ضغطنا عليك، وهذا الضغط عليك استعبناه وقلنا إنه عيب، ونحن نترك الأمر إليك. سنبقى في المدينة، سنبقى في المدينة ونجهز الأمور وكل شيء حاضر. قال لهم: "ما كان لرسول أن يلبس لأمته ولا لنبي أن يلبس لأمته ثم يخلعه، وإذا
عزمت فتوكل". على الله، هذا درس ليس له حل، وهو أنني رأيت في المنام خيراً وأقول خيراً، يعني هو يعلم ما سيحدث. إنني رأيت في المنام خيراً، وهو الذي يقول خيراً صلى الله عليه وسلم. "رأيت بقراً يُذبح، ورأيت ثلمة في سيفي، ورأيت يدي وقد أدخلتها في درع حصين"، يعني رأى الرؤيا. هكذا الرؤيا فيها رمز، رأى الثلاث قطع هذه في المنام فأوَّلتُها
أن البقرة يُقتل بعض أصحابي. رأى بقراً يُذبح فقال هكذا هؤلاء بعض أصحابي، لأن البقر هذا يعني مثل ماذا؟ له قيمة وله وضع وهكذا، وهو للخير. البقر دليل الخير، أتذكرون أنتم رؤيا يوسف وهكذا دليل خير فعندما يصبح. يكون صحابته، ويُصبح ثلمة سيفي أن أحداً من أهل بيتي يموت، الذي هو سيدنا حمزة. بعد ذلك والدرع أوّلتها المدينة، يعني ليتنا كنا في المدينة، كانت تكون درعاً لنا وحماية بدلاً من أن نذهب شمالها في أُحد ونفعل هكذا. بعد
الفاصل نواصل جانب المسلمين قبل أُحد. بسم الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نستمر في قصة معركة أُحد وفيها رأينا سيدنا صلى الله عليه وسلم وهو يتوكل على الله، وأنه إذا عزم لا يتردد، لأن التردد يصيب الأمور بأسوأ من الإقدام، فلا بد على
من عزم أن الله وأن يشرع حتى لو كان في ذلك شيء من النقص أو من التأخر ارتكاباً لأخف الضررين، لأنه لو لم يفعل ذلك لأصاب الدنيا ضرر أعمق من الضرر الذي ناله. النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا في هذا ما ذكرناه قبل الفاصل أن الرؤية لا يؤخذ منها حكم شرعي لأنه رأى شيئاً وأَوَّلَهُ على الظن الصحيح أنه بان أنه كما أوّل صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يُؤخذ منها حكمٌ شرعي، وهو محل اتفاق بين المسلمين
أن الرؤية والمنام لا يُؤخذ منهما حكمٌ شرعي. نتذكر رؤية إبراهيم التي بنى عليها، وهم يقولون إن رؤيا الأنبياء حق، ولكنه لا يُؤخذ حكم شرعي: حتى لو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نصَّ الإمام ابن حجر في "الفتح" على أن المحفوظ في رؤية النبي إنما هو الصورة دون الصوت. الصورة فقط هي التي محفوظة، هل انتبهت؟ قال: "من رآني فقد رآني حقًا"، ولم يقل "من سمعني فقد سمع حقًا". قال... من رآني فعلّق الأمر بالمرئي لا بالمسموع، لا يأتيني أحد ويقول لي: "إنني رأيت النبي في المنام وقال لي"، ويقول لي عن معصية: "لا يجوز"، أو "قال لي افعل
كذا وكذا"، وأنا أفعل لأجل ذلك. وكثير من الناس ضلوا من هذا، من أنهم لا يعرفون هذا الجزء المحفوظ في الرؤية. المشاهدة لا السمع، ليس محفوظاً. طيب، عندما خرج عليهم خرجوا. خلاص، أقروا بأنهم لازم يذهبوا إلى أُحُد. فقسَّمهم ثلاثة ألوية: لواء وضع عليه سعداً، ولواء وضع عليه أُسَيداً، ولواء وضع عليه الحُباب بن المنذر. ثلاثة ألوية سارت، الثلاثة ألوية في الطريق من المدينة إلى أُحُد، وهي شمال المدينة، وهم وجد
أن ثياب سلاحهم تلمع، وهم يرتدون دروعاً محكمة عليهم جداً، ويمسكون سيوفاً رائعة تخطف القلوب. إنه سلاح متقن وتجهيز مميز، والواحد منهم لديه أسلحة كاملة: معه الخنجر، ومعه الحزام، ومعه السيف، ومعه الدرع، ومعه العديد من الأدوات. نحن لسنا كذلك، والألف الذين معه لم يكونوا كذلك أيضاً. خارج بعكاز والثاني خارج بسيف والثالث خارج بدرع والرابع هكذا، يسيرون. ويقال أنه لم يكن معه فرس في إحدى الروايات، حيث
أنهم خرجوا إلى أحد وليس معهم فرس. ويقال لا، بل كان معهم مائة وخمسون فارساً. هناك سبعمائة مع خالد. الجيش خارج على باب الله هكذا، فلما رأى هذه الكتيبة من هؤلاء؟ الله! هم تابعون له. يظهر والله أعلم أن الكتيبة وهو يسير كانت تؤدي التحية العسكرية، فوقفوا جميعاً وما إلى ذلك. لست أدري ما هو. فعرف أنهم معنا وليسوا ضدنا. من هؤلاء؟ قالوا: "هؤلاء يهود جاؤوا لقتال المشركين". تدبير آخر، لا تفهم ماذا حدث. قال: "أسلموا". ذكي جداً
سيدنا، جداً ها إنه السلاح مغرٍ، هذا شيء لا يُفوَّت، وهم ما زالوا يخدعوننا به إلى يومنا هذا. انتبهوا، العالم كله يخدعنا في أمور كهذه. يعطوننا شيئاً يبدو رائعاً، فنحن - مع الأسف - نجري وراء هذا الشيء، ثم يتبين أنه خدعة. ففهموا عندما اصطفوا هكذا أنه شيء مغرٍ جداً. إنني أخو هؤلاء، ماذا؟ واضح عليهم من لباسهم وأسلحتهم أنهم متقوون. سأل: من هؤلاء؟ قالوا: يهود جاءوا ليقاتلوا المشركين. قال: أأسلموا؟ حتى؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: لا حاجة لي بهم، لا حاجة لي
بهم. نعم، هؤلاء كان وراءهم ماذا؟ هؤلاء سيأتون في الأمر ويأتون. ينسحبون أثناء المعركة ويضيعون دولاً، أو نجدهم أيضاً في أكثر من انسحاب أنهم انضموا إلى المشركين لكي يقضوا على المسألة أو ما شابه. قال: لا ليس هكذا يا سعد، تُرَدُّ الإبل. لماذا تواجهني وتنظر إليّ في منتصف الطريق؟ لماذا لم تقل لي من هناك؟ لماذا لم نتفق؟ حسناً، هناك أمور. علاماتُ استفهامٍ لا تمرُّ هكذا، وإنما ما هذا الصفاء في الذهن والنفس والعقل والروح الذي يملكه سيدنا الذي يلتقطها هكذا على الفور، فقال:
"لا حاجة لي بهم"، وتركهم وذهب إلى أُحُد على ثلاثة ألوية: لواءٌ عليه سعد، ولواءٌ عليه أُسَيْد، ولواءٌ عليه الحُباب، نظَّمهم وقال لهم: "أنتم اجلسوا هنا". ونحن هنا وهذا هنا وجاء عند جبل الرماة وكان عليه خمسون فارساً، كان خمسين رامياً، وقال لهم: "أنتم الآن في نقطة الضعف في المشهد كله، لا تتركوا هنا حتى لو انتصرنا، لا تتركوا هنا حتى لو متم، لا تتركوا هذا المكان، ومهما حدث لا تهتموا بنا إطلاقاً". أننا هزمنا بفضل دعوة، وانتصرنا بفضل دعوة. أنتم
موجودون لتأمين هذا المكان فقط لا غير، خمسون رجلاً. هذا الجبل معروف حتى وقتنا الحالي، عندما تذهب ويمنّ الله عليك عند أُحد، يسمونه جبل الرماة، وهو موجود ومعروف باسم جبل الرماة. بعد ذلك، هؤلاء الناس عندما رأوا المسلمين قد انتصروا وأخذوا يوزعون ونحن لن نأخذ، فقال لهم الرجل الذي معهم: "عيب، النبي قال لكم لا تتحركوا". نزلوا وبقي معه تسعة. خالد التف وقتل التسعة، والذين نزلوا ماتوا أيضاً. هذه هي المعصية هكذا، ولذلك يجعل الجيش الجندي يطيع فوراً: "قف هنا، ليس لك شأن". لا تُشغل
عقلك، فنحن لا نريد في هذه المواقف تشغيل العقل، بل نريد الطاعة قبل ذلك. ولو فعلوا لانتصر المسلمون وانهزم المشركون وانتهى الأمر. ماذا حدث في أُحُد؟ إلى لقاء قريب إن شاء الله. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.