#حديث_الجمعة | السنة الثالثة من الهجرة - استكمالاً لأحداث غزوة أحد - الجزء الخامس

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن تتنزل علينا الرحمات وأن تتنزل السكينة في قلوبنا وأن نستفيد من درس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. المشركون من
أحد عائدون إلى مكة، وصوّر لهم عقلهم أنهم قد أدوا ما هو مطلوب منهم وهو تحقيق النصر في معركة معينة وهي أحد. في الحقيقة أن هذه الهزيمة كان لها الأثر السيء في المسلمين بل وإلى يومنا هذا، لأن هذه الهزيمة جرت على المسلمين تجرؤ الضعفاء عليهم، وهذا ما الرابعة من يوم الأحد في السنة الرابعة من الهجرة، نحن الآن في شهر شوال في اليوم السابع، كان يوم
الأحد، لكن بعد ذلك حدث أن كل واحد يقول لصاحبه: "هيا بنا نهاجم المسلمين، فقد هُزموا". قال اليهود هكذا، وقال الأعراب هكذا، وقال المشركون هكذا، وكان هذا من أشد البلاء على حتى أن الله سمح لهم بالقتال الشديد والوقوف الشديد أمام هذا الانهيار، فكان ذلك درساً للمسلمين عبر تاريخهم من ناحية، لكن أيضاً استُغِل من قِبَل غير المسلمين بادعاء أن الإسلام دين عنف، فيكون أيضاً له أثر سيء. ولكن في المقابل، وفي مواجهة غير المسلمين، الإسلام ليس دين عنف، الإسلام هو إنما أنا رحمةٌ مهداة. الإسلام يبدأ بسم الله الرحمن الرحيم. الإسلام يبدأ بقوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". الإسلام دينٌ يقول فيه: "يا عائشة،
إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف". العنف يعني... إذاً هذا هو الإسلام، لكن أحدٌ يا أخي شوّش الحكاية فأصبح كل هذا أثراً. معصية الرماة لا تحقرن صغيرة، إن الجبال من الحصى. احذر أن تحتقر الصغيرة، ولا تقل "ليس هذا بشيء"، فأنت قد تشوه صورة الإسلام والمسلمين بفعلك هذا. وقد رأينا في عصورنا هذه من بادر إلى العنف وقتل وسفك الدماء ثم جاء يتوب وقال: "أنا مخطئ، أنا أجريت مراجعات"، ثم واحد منهم. فأصبح يعود مرة أخرى ليقول: لا، أنا لم أقل "لا نقتل"، بل قلت "لا نقتل الآن". هذا فساد في
الأرض ورؤية جزئية للدين، وهذه مصيبة يجب علينا أن نعي خطورتها. روح سيدنا النبي وأولاده، حمزة استشهد، ومصعب بن عمير استشهد، وغيرهم من الصحابة الكرام، عبد الله بن... توفي في جُبير سبعون شهيداً، فلما رجع إلى المدينة كانت النساء تبكي، منهن من مات أبوها، ومنهن من مات أخوها، ومنهن من مات زوجها، ومنهن من مات ابنها، وهكذا. لكنهن جميعاً كن يبحثن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمر على جماعة من نساء الأنصار
وهن يبكين، ويندبن موتاهن، يذكرون الخير الذي لهم، فيقول لك: "والله هذا كان رجلاً طيباً، هذا كان يحترمني، كان يُعاملني بلطف"، لزوجها مثلاً، أو "هذا أبي الذي رباني وأنشأني"، أو "هذا فلذة كبدي، هذا ابني، هذا كذا". قال: أما حمزة فلا مدافع له، فجلس يذكر فضل حمزة لأجل النبي. انظر إلى الدنيا كيف هي يريدون أن يرضوا النبي صلى الله عليه وسلم. سيدنا المصطفى عاد إلى المدينة وأعطى سيفه كما ذكرنا لابنته فاطمة لتغسله من الدم، فغسلته. وعلي كان معه فأعطى أيضاً فاطمة
سيفه لتغسله من الدم، وعالجته فاطمة بذلك. والنبي عليه السلام كان معه الناس السبعمائة الذين كانوا معه، قُتل منهم عشرة في المائة سبعين واحداً فاضل ست مائة وثلاثين، فكان عبد الله بن أبي بن سلول المنافق قد انسحب بثلاث مائة واحد من أرض المعركة وقال: نحن لا نعرف لماذا أتينا إلى هنا. طبعاً هذا كذب لأنه لو أراد ذلك لما خرج من الأساس، إنما هو يريد أن يهز المؤمنين في المعركة. لكن يبدو والله أعلم أنَّ عبد الله بن أبي ابن سلول هذا كان ماذا؟ كان في حالة اضطراب نفسي، يعني مرة هكذا ومرة هكذا، يعني هو في حالة اضطراب نفسي، لأنه صعب
عليه جداً أن المؤمنين انهزموا. شيء غريب جداً، أنت الآن السبب في الهزيمة ورجعت بثلاث مائة وغيرهم. لماذا؟ لأن هؤلاء الناس ليس لديهم مبدأ وليس لديهم خطة، إنها أحقاد نفسية يقومون بها عفوياً هكذا، ونفاق متأصل فيهم، والعياذ بالله تعالى. إنه عدم توفيق لأن نيتهم سوداء فقط، لكنه ليس مفكراً ولا مرتباً، بل هو أحمق، ولكنه مؤاخذ، وربنا سبحانه وتعالى أنزل فيه قرآناً شديداً. المهم... الخلاصة أن سيدنا النبي - وكما نعلم أن الرسل من صفاتهم الفطنة
والذكاء - فسيدنا النبي جلس مع نفسه هكذا وانكشف له حال المحللين الاستراتيجيين، لكن ليس مثل الذين يظهرون الآن في القنوات وفي برامج التحاور، لا، هذه مسألة أخرى من الصفاء والنقاء. قال: إن هؤلاء الناس جاءوا وكانوا قادرين ما دخلتْ الله، هؤلاء الناس انصرفت ولم تأخذ الغنيمة. الله، هؤلاء الناس جاءت لأجل غرض معين، وهذا الغرض المعين هو هزيمة المسلمين والقضاء عليهم واستئصال شأفتهم، ولم يفعلوا ذلك بعدما تمكنوا. الله، إن هؤلاء الناس ستفكر هكذا بعدما
ستمشي عشرة كيلومترات أو عشرين كيلومتراً أو ثلاثين كيلومتراً، وسيتداولون فيما بينهم. وسيقول هذا الجزء، فإذا فعلوا ذلك سيعيدوننا في اليوم التالي. نحن الآن في يوم الاثنين السابع من شوال، لا بل أصبحنا في الثامن من شوال. نخشى أن يعودوا، وإذا عادوا فنحن متعبون وحالتنا سيئة. انظر إلى النبوة، انظر إلى الفروسية، انظر إلى كل شيء، انظر إلى الجمال، فقام عند الفجر. صلى الفجر وقال لهم: "يا إخواننا، مَن تعرض للضرب البالغ بالأمس فليأتِ معنا اليوم، فنحن ذاهبون لنأخذ بثأرنا من أولئك
المجرمين المشركين. والله لا يصلح لهؤلاء إلا هذا الأسلوب. لو كنا فعلنا ذلك مع الصهاينة لانتهينا منهم منذ زمن بعيد. مَن يضربني ألماً لا بد أن أرد عليه بضربتين، وإلا سنة لم ننتهِ من ثمانية وأربعين حتى اليوم، يعني حتى سنة ثمانية. كانت كم سنة؟ ستون سنة، وها نحن داخلون سنكمل السبعين. لو كنا فعلنا هكذا لكانت فلسطين قد تحررت، لكن لا، لم نفعل ذلك. سنرى سيدنا رسول الله بعد الفاصل ماذا فعل مع أصحابه الكرام وكيف واجه هذا. وكيف نستفيد منه في معاملة الناس. بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع رحمات الحبيب الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جمع صحابته في فجر يوم الثامن، يوم الاثنين من شوال من السنة الثالثة للهجرة، بعد هذه المصيبة التي حلّت في الصفحة الثانية من صفحات أُحُد فسار بمن شاركنا بالأمس. الذي كان معنا أمس هو الذي يخرج، فعرض عبد الله بن أبي بن سلول أن يخرج معهم. الله! يعني أنت عندما جئت في الواسعة التي هي الانتصار وكل شيء تقول لا أنا راجع، وعندما تأتي في الخطورة هذه. القادمة خطورة شديدة لأنهم متعبون جسديًا،
فقام يقول له: اخرج معي، فأبى رسول الله وقال له: لا، يكفيك ما أنت تفعله فينا. نعم، لا أذهب وآتي. اجلس يا أخي، اجلس. وخرج صلى الله عليه وسلم، وإذا بما قدّره في نفسه يكون في قريش، ماذا قدّر؟ أنهم سيجتمعون. وسيقولون ويعيدون وسيرجعون ثانية. فعلاً، قريش عندما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، وهم بعد قليل قالوا: والله، حسناً، وماذا فعلنا الآن؟ لماذا ذهبنا وضربناهم وقتلناهم؟ كل شيء في أمان الله. ما فائدة أن يأتي لكم في السنة القادمة؟ أليست هذه السنة الحالية، ونكتفي بذلك؟ لا، هذا أمر غريبٌ! ما الذي أتى بي إلى
هنا؟ هيا نذهب ونعود مرةً أخرى. واختلفوا، فقال صفوان بن أمية لهم: انتبهوا، فمحمد ليس بسيطاً. وهزّ لهم رأسه هكذا: انتبهوا، سيحضر الذين لم يخرجوا وسيحضر من معه من حول المدينة، وأنا أخشى أن نعود ونتلقى ضرباً شديداً، وبعد ذلك لن تكون لنا قائمة. ها نحن قد قتلنا منهم سبعين وانتصرنا وسعدنا، فلنعد أرجوكم بهذه السعادة، وإلا فإنني أخشى عليكم. تناقشوا وتخاصموا، فقالوا له: لا، نحن لسنا راضين بهذا الكلام، نحن سنعود. فمن الذي جاء إلى سيدنا رسول الله؟ حدث له في حمراء الأسد، فسيدنا الرسول أتى إلى حمراء
الأسد وهو متيقظ هكذا، هم على بعد عشرة كيلومترات منه يأتي إليه مَن مِن عند الله؟ معبد بن أبي معبد الجهني. معبد بن أبي معبد: "السلام عليكم يا سيدي يا رسول الله". "وعليكم السلام". قال له: "إني أسلمتُ، أسلمتُ". "حسناً، طيب، هل أحدٌ يعلم؟" قال: "أبداً، إنني عندما وجدتُك هكذا أنت وأصحابك، أنا سمعت..." على الضرب الذي تلقيتموه، إن قلبي رق لك وأنا أسلمت. قال له: طيب، اخذل عنا أبا سفيان - أبو سفيان كان القائد الأعلى للقوات المشركة آنذاك قبل أن يسلم - اخذل عنا أبا سفيان. قال له: حسناً، اجلس أنت هنا فقط في حمراء الأسد ولا تغادرها،
وأنا سأذهب وألحق بهم. خاصّتُه وذهب فقال له: "يا أبا سفيان، أنا ناصحٌ أمين، أنا من قبيلة جهينة، هنا من جوارك. محمدٌ وراءك في حمراء الأسد". قال له: "ماذا؟" قال له: "نعم، محمدٌ معه جيشٌ عظيم، يحدّون أسنانهم لكي يأكلوكم، وسيقتلونكم، وسيفعلون بكم الأفاعيل. أقول لك إنني سمعتهم، سمعتُ هكذا أطراف كلام وشذرات حديث". ومعهم جيش لم أر مثله، وهم مقهورون قهراً يا أبا سفيان، مقهورون قهراً ويفعل به هكذا. أنا لم أر مثل هذا، فأنا رجل كبير في السن لكنني لم أر مقهورين
قهراً مثلهم. يريدون أن يأكلوكم أكلاً كما يأكلون ذراع الشاة. أبو سفيان ارتبك فقال له: لا، إنني لست... سأسكت. أنا حقاً أموت، وأنا... هل تظن أننا ضعفاء؟ نحن سنحاربهم أيضاً. قال له: على كل حال، أنا نصحت. عرف من نبرة الكلام أن الكلام قد أثر فيه، ولكن انظر، هذه الحرب الدعائية التي يسمونها الحرب الدعائية تستلزم الواقع، أي أنه... لن يقول له هكذا والنبي في المدينة، انتبه، فالنبي فعلاً في حمراء الأسد. هو ليس يقول له هكذا والنبي يعني أنه هو
وفريقه لا يساوون شيئاً، بل هم فعلاً في حمراء الأسد. فزع أبو سفيان وقال له: "أقول لك ماذا"، والآخر انظر إلى طريقته، لم يلح عليه. فقال له: "السلام عليكم، لقد نصحتك وانتهى الأمر"، ثم قام وانصرف. أي أنه لم يلح عليه: "لقد أخبرتك بالحقيقة وانتهى الأمر". فقال أبو سفيان لهم: "إلى الخلف دُر، فنحن لدينا بعض الأعمال في مكة سنذهب لننجزها، ثم نعود لنرى محمداً، يا سلام!". فمكث النبي في حمراء الأسد الثلاثة والأربعة أيام، والأربع قعد ثمانية وتسعة عشرة أحد عشر أيضاً، فيكون إذا كان
يوم الأحد سبعة، فالاثنين ثمانية، والثلاثاء تسعة، والأربعاء عشرة، والخميس انصرف، والخميس غادر حمراء الأسد. اطمأن أن أبا سفيان لن يعود وأن القضية انتهت، فقد تراجعوا ودخل المشركون مكة مرعوبين. وهذه كلمة "مرعوبين" هي الخلاصة كلها، داخلين. يجرون خشية أن الذين سيأكلونهم وراءهم، فإذا كانت هناك حرب وقتال وفروسية، لكن في الواقع لا تذهب وتترك يدك وتنام وترتاح ثم تقول "إن شاء الله"، فلو كان الله سينصرنا بمجرد قول "إن شاء الله"، لما جاء معبد
بن أبي معبد ولا رأيناه، ولكان أبو سفيان... رجع كانت الحكاية اختلطت كلها، فنحن نتحدث الآن في شهر شوال سنة ثلاثة. انظر كم مضى من الوقت، ولكن الغريب العجيب أنه مع كل هذه الأحداث والبلايا والمجهود، أنهم محافظون على الصلاة في المسجد. هل تنتبه؟ مع كل هذا وهو محافظ على قيام الليل، ومع كل ذلك هم محافظون على مع كل هذا العنت والبلاء وهذه الأمور كلها، إلا أن هؤلاء
الناس يزدادون. يعني لماذا تدخل الإسلام؟ هناك صعوبة في التكليف، يقول لك: صلِّ خمس مرات كل يوم، وهناك صعوبة في الناس الذين حولك الذين يقتلونه، والرأي العام ضدك، وهناك صعوبة في المعيشة. فلماذا ستدخل؟ إذاً... به قد فتح الله قلوباً غُلفاً، فيجب علينا أن نعترف بالتأييد الإلهي، وأن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى، وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها حيث يشاء، لأن الحسابات التي تُجرى
بالورقة والقلم تقول أنه يجب أن تنتهي هذه المسألة وتصبح مُجرد ذكرى في التاريخ في صفحات لا نعرفها، باليونانية بحاجة مثل هذه أن تصير أمة تضرب بجذورها في هذا العالم الغريب العجيب، وأن تصير ربع البشر، وهذا هو الغريب العجيب. كيف مع هذا التكوين يضرب هذا الدين من اليهود ومن المشركين، وبعدها من الفرس ومن الرومان، وبعدها من الصليبيين والتتار، وبعدها من الاستعمار الحديث في الشرق والغرب. ما هذا؟ ضرب تلو ضرب، لا توجد شتائم، يعني هكذا هو ضرب متتابع هكذا. أليس هناك راحة؟ حسناً، أريحونا
قليلاً. وفي النهاية رمتني بدائها وانسلت. أنتم، عنيفون لماذا هكذا؟ ها، لماذا تأخذون على أفواهكم وتقولون أي شيء؟ لماذا تضربون كل هذا الضرب؟ وبالرغم من ذلك نجد... إذا ضلَّ أحدكم والعياذ بالله وارتكب الإرهاب، فلا تقل لنفسك أنت الذي فعلته، أنت الذي صنعته، أنت الذي استغللته تحت وطأة كل ما يُفعل هذا، وحتى أنك لست راضياً أن تستجيب لنا. نحن الآن نقول لك هذا الوسط، هذا الذي يقول لك إنه وسطي، هو أشد على هؤلاء من... الإرهابي، خلاص. إننا نحارب، لكن هذا الذي سيحبب الناس في الإسلام والعياذ بالله. طيب، وبعد ذلك يكون
إذا نحن أمام فتنة، لن أقول مؤامرة ولا غيرها. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، نستفيد من دروس سيرة سيدنا صلى الله عليه وسلم في كل لمحة وسكنة وحركة، فإنه قد أُرسل رحمة. للعالمين إلى يوم الدين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته