#حديث_الجمعة | السنة الرابعة من الهجرة | ماحدث بعد غزوة أحد من أحداث | بئر معونة و حادث الرجيع

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات في تلك الفترة الحرجة التي تلت أُحُد، وكنا في أُحُد وهي في السابع من شوال سنة ثلاثة، وهي بعد ذلك. دخلنا في السنة الرابعة وفيها حدثت سرية أبي سلمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فلما رجع إلى المدينة مات، وبعد ما انقضت
العدة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة، فكان خير زوجٍ لها. وأيضاً عبد الله بن أنيس ذهب وأتى برأس خالد. حدث أن قبيلة اسمها قارة قادمة. وتسأل النبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، نعم نحن نريد بعثة تأتي إلينا لتعلمنا الإسلام". فقال لهم:
"حسناً، موافق". اختار، قيل سبعة، والبخاري يقول ماذا؟ عشرة. إذن قيل سبعة أفراد وقيل عشرة أفراد. والمحققون يقولون ماذا؟ أن ما في الصحيح هو الصحيح. وما في الصحيح الذي هو صحيح هو الأولى في هذه القضية وما في الصحيح هو الصحيح. الله! حتى هذه أيضاً. أهل الإسلام أهل توثيق، ونحن تركنا في عصرنا التوثيق وأصبحنا نصدق أي شيء. نفايات الإنترنت، نفايات البث الفضائي أصبحنا نصدقها حتى مسحت عقولنا وأصبحنا نصدق ما نسمع ولا
نصدق ما نرى. مصيبة سوداء، لا، ما... لم يكن المسلمون هكذا، بل كانوا أهل توثيق، وابتكروا علوماً لحفظ القرآن تُسمى علوم القراءات، ولحفظ السنة أسسوا علم الحديث درايةً وروايةً. حفظوها حفظاً متقناً، وعرفوا مَن هذا ومَن ذاك، وما فيه خلل في اللفظ أو في المعنى، وما هو معارض أو موافق، وما هو مؤتلف أو مختلف. عرفوا كل من الصعب أن تضحك على شخص مثل هذا، لكن الذي يجلس طوال النهار يستمع إلى الأكاذيب ويصدقها ويبني عليها حتى تذهب روحه فداءً لها، فداءً للكذب، فهذا قد مُحي عقله، مُحي عقله تماماً. ليس
هذا هو الإسلام، يكره الكذب، ومن ضمن الكذب المبالغة، مبالغة غير معقولة وغير مفهومة، يقول مات في ثلاثمائة متر ثمانية آلاف شخص. كيف يكون هذا؟ لو أرسلناهم لوصلوا إلى المطار. كيف يكون ثمانية آلاف؟ وهذا مكتوب، ليس غير مكتوب، الكتابة ثابتة، مكتوب في الجرائد. يعني هذا يصدق نفسه. تخيل أن يكذب الإنسان على نفسه حتى يصدق نفسه، ثم يبني على ذلك مواقف عقائدية وفساداً. في الأرض في ذمة من الدم الذي أُريق في ذمة الكذاب الذي ضحك على الناس
في رقبته يوم القيامة وليس في رقبة أحد غيره، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم يكثر الهرج"، قالوا: "وما الهرج يا رسول الله؟"، قال: "القتل والكذب". الله هذا حاضر معنا الآن صلى. الله عليه وسلم يا نور النبي، القتل والكذب حتى يقتلوا. قالوا: يا رسول الله، أكثر مما نقتل؟ قال: أنتم تقتلون المشركين، ولكن هذا يقتل الرجل أباه وأخاه وعمه وابن عمه. قال: ومعهم عقولهم يومئذ يا رسول الله؟ هم أولئك أناس ذوو عقول يعني؟ قال: يومئذ يسلب الله عقولهم. تمسك الولد الفتى مسلوب العقل، لا
تعرف من أين تكلمه. إنه مثل الحمير المقيَّدة، يضعون غطاءً على عيني الحمار والحصان ليسير في طريق واحد، ولا يلتفت يميناً ويساراً. لقد خلق الله لنا عينين لننظر هنا وهناك. أمر عجيب حقاً، ولذلك كبار المشايخ اعتزلوا وقالوا: اللهم سلِّم. نحن ماذا سنفعل في هؤلاء؟ إننا لو قلنا "لا نصدق" بل ربما كلامنا يزيد الأمر سوءاً، فذهبوا معتزلين إياه هرباً بأنفسهم من الفتنة. فكن حلساً من أحلاس بيتك. ففي الرجيع جاءه ناس من القارة وقالوا له: "نريد أناساً ليعلمونا الإسلام". قال لهم: "حسناً"، فأرسل معهم عشرة
كما في الصحيح وهو الصحيح أن تقول هكذا لأنه في السيرة يقول لك سبعة وفي البخاري يقول ماذا؟ عشرة. كما في الصحيح يعني في صحيح البخاري وهو الصحيح، أي هو الراجح الذي هو أفضل من السبعة. وجعل عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي. مرثد بن أبي مرثد هذا رضي الله تعالى عنه مات النبي صلى الله عليه وسلم والنبي عنه راضٍ، شيء آخر، فكل هؤلاء تعدهم من أهل الجنة، نعم. وقيل عاصم بن ثابت، أي قيل وقيل، ماذا قيل؟ مرثد وقيل عاصم
بن ثابت. هؤلاء الرجال من قبيلة قارة خانونا، تركوهم يمشون، وذهبوا وأخبروا أناساً: "اقتلوهم، اتبعوهم واقتلوهم". فتبعوهم وأتوا إلى مكان يسمى الرجيع هذه بين رابغ وبين جدة التي نتحدث عنها، جدة هذه ما اسمها؟ جدة. نعم، التحقيقات المُعدة في وجوب ضم جيم جدة. نعم، أي جدة البحر، شاطئ البحر. رابغ مدينة إلى الشمال قليلاً، ما بين المدينة، ما بين رابغ وماذا وجدة، الرجيع في هذا المكان وجدوهم بماذا؟ خارجين من... هنا وقادمون من هنا وقادمون من هنا
من الصحراء، أحاطوا بهم. رأوا لهم تلة فذهبوا صاعدين عليها، العشرة قالوا لهم: انزلوا، لأنهم لو كانوا فوق فإن من فوق يستطيع أن يهجم أفضل بالسيف وبالسهم، والفوز يكون لمن هم فوق. فالذي في الأسفل لو صعد سيضربونه بالسهم فيسقط، سيضربونه بالسهم لسنا نقصد شيئاً، نحن فقط سنتفاهم أو نأخذ ما لديكم. قالوا لهم: لا، عاصم قبل عاصم الذي إما أن يكون رئيساً للمجموعة وإما أن يكون نائب الرئيس يا مرشد يا عاصم. قال له: لا يا حبيبي، نحن لسنا من أصحاب هذا الكلام، نحن سنجلس هنا. ونقاتل، حسناً
انزلوا، لكن قالوا لهم: أبداً، قاتلوا. الذخيرة التي معهم ذخيرة سفر، ذخيرة يصيد بها أرنباً، يصيد بها غزالة، يصيد بها بطة، شيء من هذا القبيل يعني. ما هي ذخيرة قتال؟ فنفدت الذخيرة، تقول ماذا؟ نفدت، لا تقل نفذت. نفذ يعني اخترق من النافذة، نفدت يعني انتهت، فتقول ماذا؟ لا تقول نافذة، لا ليست نافذة، فهذه نافذة تعني مخرجاً، لكن نَفِدَ تعني انتهى أو فرغ، كالبحر الذي لم يعد موجوداً. حسناً، هم في الأعلى
نفدت ذخيرتهم، لا يوجد أسهم، لا يوجد شيء، لا يوجد أي شيء، جميعهم أصيبوا، قُتل منهم سبعة. إذن الآية الصحيحة، صحيح، قُتل منهم سبعة فبقي كانوا عشرة، لكن عندما تقول لي سبعة، ثم تأتي وتقول لي قُتِل منهم سبعة وبقي ثلاثة، فهذا لا يصح. لا يصح! كان هذا في الماضي، أما الآن فلا يصح. أصبح ما هو غير معقول يُقبل، أصبح ما هو غير معقول مقبولاً. كان في الماضي سبعة وثلاثة تساوي عشرة، نطرح سبعة حسناً، قُتِلَ سبعة. أصبح منهم خُبَيْب، وأصبح زيد بن الدثنة، وأصبح شخص ثالث
لم يُذكر اسمه، لا نعرف من هو رضي الله تعالى عنه وأرضاه. انزلوا، هكذا فقط، لأنك ربما تُضرب بالحجارة والصخور وأنت في الأعلى. أنتم في قوة فن الحرب حينئذٍ، هكذا انزلوا أنتم. أصبحتم ثلاثة ونحن نعطيكم العهد والوعد والميثاق، لن نفعل شيئاً، حسناً، نحن ليس في أيدينا سلاح. وبيّن أن الكثرة تغلب الشجاعة فننزل، فنزلوا فقيدوهم. فقال الآخر: هذا أول الغدر، عندما نكون نازلين للاتفاق وفي وعد وعهد، اتركونا لكن تقيدوننا فهذا يعني
أنكم غدرتم بنا، أنا لست ذاهباً. فجروه. من شعره وجروه من كتفه وسحبوه على الأرض. قال: "لن أذهب" أي لن أذهب. قتلوه وأخذوا معهم خبيباً وزيداً رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. نعم، خُبَيْب على صيغة التصغير، يعني خُبَيْب هذا هو وزيد بن الدثنة ذهبوا بهما وباعوهما في مكة. باعوهما في مكة، وكان أهل مكة غاضبين من الاثنين. هؤلاء مع عاصم بن ثابت الذي مات، الذي لم يرضَ أن يذهب إليه، فمات على التلة
فوق. يريدون هؤلاء الثلاثة: خبيب والرجل الثاني الذي هو زيد بن الدثنة وعاصم، لأن هؤلاء الثلاثة قتلوا عظماء قريش وآباء أبناء ما زالوا موجودين مثل صفوان بن أمية في بدر، فيريدون أن ينتقموا. منه فباعوهم في مكة وأهل مكة اشتروهم وقتلوهم، قصص طويلة فيها أن خُبيب هذا قال لهم: حسنًا، دعوني أصلي ركعتين قبل أن تقتلوني. فسنَّ لمن يُقتل صبرًا صلاة ركعتين. صلى الركعتين، فماذا فعل؟
جعلهما خفيفتين هكذا وقال: تعلمون، لولا أنكم تظنون أنني خائف من الموت، والله... كنتُ أطلتُ الحديث لكنني أقول لكم أنني لست خائفاً من الموت. تحدثنا عن ما حدث مع خُبيب وزيد، إذ قيل إن خُبيباً عندما حُبِس رُؤِيَ في يده قطف عنب. وجدوا في يده ماذا؟ قطف عنب، نعم. وسألوه:
من أين أتيت بهذا العنب؟ لا يعرفون. إنها كرامات الأولياء، لا يدركون من يظهر أنه كان من كبار أولياء الله سبحانه وتعالى. كان خبيب يحب الشعر، فنظم شعراً يعبر عن الموقف الذي كان فيه، حيث قال: "لقد أجمع الأحزاب حولي وقلبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمعي". لقد جمعوا كل القبائل ليقبضوا علي أنا فقط، الناس الذين كانوا في الطريق. بنو لحيان وبنو لا أعرف ماذا وهم يسيرون،
وقد قرَّبوا أبناءهم ونساءهم، واقتربت من جذع طويل ممنع، ربطوه في الجذع، جذع نخلة هكذا. إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي. انظر إلى هذا الموضع: "غربتي بعد كربتي"، لأنه غريب من مكة، وهؤلاء الناس جميعهم غرباء عليه. إلى الله أشكو غربتي بعد. كربتي وما جمع الأحزاب لي عند مضجعي يريدون تقطيعي إرباً بعد أن يميتوني ويقطعوني. يا
صاحب العرش، صبّرني على ما يُراد بي. يا صاحب العرش، فصاحب العرش في نداء هنا، والنداء الخاص بالمضاف والمضاف إليه يكون منصوباً. يا صاحب العرش، فصاحب العرش يعني يا رب، كأنه يدعو. لم يقل ذو العرش فيكون مبتدأ، ولكن يعني هذا أو خبر هذا (ذو العرش). لكن هنا يقول: "فذا العرش"، يعني: "يا رب صبرني على ما يُراد بي، فقد بضّعوا لحمي". بضّعوه يعني جعلوه أبعاضًا وأبضاعًا، أبعاضًا وأبضاعًا يعني أجزاء. وقد جعلوا طعامي والأكل الذي يحضرونه له شيء سيء.
كثيراً هكذا أي طعام رديء، ولذلك ربنا أرسل له قطف العنب، نعم، وقطف العنب هذا يعني شيئاً، كان العنب في تلك الأيام شيئاً آخر. أتذكرون قطف العنب الذي أحضره عداس لسيدنا؟ فأتى بقطف عنب من الطائف، وقد خيروني بين الكفر والموت دونه، خيروني الكفر لكن والله في... سماح! لن أنال الكفر أبداً، أموت ولا أكفر، والموت دونه. وقد خيّروني بين الكفر والموت دونه. فليذهبوا ويلعبوا غيرها. وقد
ذرفت عيناي من غير توقف، يعني في بكاء داخلي. أنه يا رب أنت وضعتني في هذه الفتنة لماذا؟ أأنت تشك فيَّ؟ حاشاك! سبحانه وتعالى يعلم ما في الصدور والسر وما يرفع درجته، فأنا أبكي فقط لأجل الفتنة التي وقعت فيها هذه، لكنني لن أكفر، يعني لن أكفر. ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جانب كان في الله مضجعي. ما دمت ستقتل مسلماً، فخلاص الحمد لله شهيد، وذلك في ذات الإله، يعني في سبيل الله، وإن يشأ يبارك. على أوصال جسد ممزق هو
منتظر أن يتقطع قطعة لكن ربنا يبارك فيه، وقد كان ومات رضي الله تعالى عنه، قتلوه ظلماً وغدراً وخيانة وانتقاماً. والله سبحانه وتعالى أرسل أحد المسلمين الذين لا يعلم الكفار أنهم قد أسلموا، فاحتال بحيلة وأخذ جسده بالليل فدفنه، أما زيد فأخذه صفوان. بنو أمية وقتلوه لأبيه الذي قُتل، أين قُتل؟ في بدر. قالوا: كان هناك شخص ثالث كنا نطلبه، أين ذهب؟ قالوا له:
لقد مات عاصم بن ثابت، مات على التلة هناك. عرفوا موقع التلة في الرجيع، وذهبوا يبحثون عنه ليحضروا جثته ويقطعوها ويمثلوا بها وينتقموا منه ويفعلوا [ما يريدون]. كلام جاهلين مملوءة قلوبهم بالفساد. فأرسل الله الزنابير على جثمان سيدنا عاصم بن ثابت فمنعتهم منه. كلما اقترب القوم من الزنابير تلسعهم فيجرون ويبتعدون عنها. فحمى الله سبحانه وتعالى عاصماً
منهم. ما هي قصة هذا الأمر؟ القصة المتعلقة به هي أن سيدنا عاصم بن ثابت كان معه حالة كهذه في علاقته مع الله، فذهب وقال: "عاهدتك يا ربي أن لا أمسّ مشركاً ولا يمسني مشرك". وهو يعيش هكذا، ولكن لماذا؟ من الممكن أن يأتي مشرك يريد أن يُسلم أو يريد أمراً آخر، فهناك مصلحة في ذلك. وقد أهدى النبي لعمر قطعة حرير، فأهداها عمر لأخٍ له تعامل يعني يوجد تعامل، والمدينة
فيها مشركون وفيها يهود وفيها منافقون وفيها مسلمون. يعني تعال وانظر ما هذا الحال مع الله. الذي يحفظك يا سيدنا عاصم أنك تقول هذا الكلام. ربنا الحال مع الله هكذا: "اللهم إني أعاهدك ألا أمس مشركًا ولا يمسني مشرك". يا سلام! هذه صعبة. في وسط المشركين والدنيا تضطرب وتتقلب بصعوبة ستجعلك تفقد بعض المصالح، حالٌ مع الله يسير في طريقه رضي الله تعالى عنه، فلم يمسسه أي مشرك. وصل هذا الخبر إلى سيدنا عمر، قالوا له: إن عاصماً
حدثت معه حالة غريبة جداً، إذ كانوا يريدون جثمانه كما يقولون "ائتوني به حياً أو". أليس لا بد أن أراه هكذا حتى يُمَثِّلوا به ولكي يفعلوا هذه الأشياء، فإذا بالدبابير اللاسعة تغطيه حمايةً. قال: سبحان الله، إن الله يفي للعبد المؤمن بعهده ميتاً كما يفي له حياً. انظروا، كل هذا من الصدق يا إخواننا. عاصم هذا كان صادقاً مع نفسه، دخل في حالٍ خالصة. هو صادق مع هذا الحال الذي عمله ولم يمس مشركًا،
ويمكن هذا هو الذي جعله لا ينزل. أنزل للمشركين؟ كيف؟ أليس سيسلم عليّ بيده هذه والسلام هكذا؟ أليس سنصنع مشاكل؟ لا، أنا سأقاتل في سبيل الله. صادق مع نفسه ومات. قوم، الله يكون... مؤيداً له واقفاً معه. إذا، نأخذ عبرة كبيرة جداً من الرجيع. وعندما وصل الخبر إلى رسول الله حزن حزناً كبيراً، فلما وصلوهم كذلك في بئر معونة حزن حزناً أشد لأن ذلك الضعف هو سبعون. سنرى أنه سمى هذا العام الذي هو سنة أربعة بعام الحزن. عام الحزن هناك في مكة عندما ماتت خديجة عليها السلام ومات أبو طالب وما إلى آخره، هنا عام حزن ثانٍ وهو
ما كان من نتيجة النكسة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.