#حديث_الجمعة | السيرة النبوية | الأيام الأخيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سنة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات عسى الله سبحانه وتعالى أن ينزل علينا من السكينة والرحمة ما يثبت به الإيمان في قلوبنا. فاللهم حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره لنا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين
يا أرحم الراحمين. قبل خمسة أيام وفي يوم الخميس من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث انتقل يوم الاثنين، فإنه حصر ما عنده فوجد سبعة دنانير فتصدق بها وأتى بغلمانه ومن تحت يديه في ذمته من أهل اليمين ملك اليمين فأعتقهم، وكانت درعه مرهونة كما في البخاري عند يهودي في وسق من شعير فتركها، وكان صلى الله
عليه وسلم يقول: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة"، فخرج من ملكه المنقول وبقي عنده أرض في فدك وهي التي أدخلها أبو بكر بعد ذلك. في بيتِ زكاةِ المؤمنين على أساسِ أنها صدقةٌ جاريةٌ كالوقفِ، وهذا نزاعٌ حدثَ بينهُ وبين فاطمةَ عليها السلام، لأن السيدةَ فاطمةَ لم يبلغها الحديثُ، فكان خلافاً كما يُعبَّرُ عنه في أدبياتِنا الحديثةِ بالخلافِ الدستوريِّ، خلافٌ في تفسيرِ النص. هل هذا النصُّ، وكلاهما
يريدُ أن ينفذَ ما قالهُ سيدنا النبيُّ هو. معناه أن فدك أيضاً من الصدقات أو أن فدك هي من ميراث السيدة عليها السلام. انتقلت السيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره فأسرّ لها بمقولة، وكان يترصد أن يكون في بيت عائشة فاستأذن في ذلك فأذنت له النساء: أم سلمة وجويرية وميمونة وصفية وزينب بنت جحش كلهن. أذِنَ للنبي أن يذهب إلى عائشة، وهي أصغرهن وفتية، وكان يرتاح
النبي لخدمتها حتى أنه انتقل وهو بين على صدرها رضي الله تعالى عنها. دخلت فاطمة فحدثها النبي بحديث فبكت، ثم حدثها بآخر فضحكت. فقالت عائشة: ما أعجب ما رأيت! بكاء وضحك قريب، يعني ليس بينهما وقت طويل، ماذا حدث؟ قال لكِ رسول الله؟ قالت: ما كنتُ لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرتها بعد الوفاة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "إن هذا هو مرض الموت"، فبكت. قال: "لا تبكي، فإنكِ
أسرعُ أهلي لحاقاً بي"، فضحكت. وكان كما قال صلى الله عليه وسلم، فماتت. السيدة [فاطمة] توفيت بعد انتقال النبي بستة أشهر، وكانت أكثر الناس من أهله - زوجاته أو بناته أو غيرهم - لحاقاً به، لأنه ليس له إلا هذه البنت، ليس له أولاد آخرون، هي الباقية فاطمة. لكن أيضاً زوجاته توفين بعد ذلك. السيدة عائشة في عام سبعة وخمسين، توفيت سنة سبعة وخمسين، يعني بعد... سبعة وأربعين سنة من وفاة النبي أو ستة وأربعين سنة، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لحقت به السيدة فاطمة بعد ستة أشهر، فالنزاع لم يطل لوفاة السيدة عليها السلام، ومن
هنا أخذ الشيعة هذا الموقف وملؤوا الأرض ضجيجاً وأراقوا الدماء وأفسدوا حتى جعلوا مخالفة أبي بكر وكأنها هي المنقذ. من الضلال ومخالفة أبي بكر هي عين الظلام. النبي صلى الله عليه وسلم مر، وفي الأيام التالية قام فصلى، وآخر صلاة صلاها في الجماعة هي الظهر من يوم الأحد، فصلى الظهر مع أبي بكر. كان مرة قد دخل فسبح الناس وفرحوا بمقدم رسول الله وهو يتهادى بين اثنين: العباس
وعلي. حتى وقف، فتأخر أبو بكر فقال: "مكانك يا أبا بكر". فلم يرضَ أبو بكر وتأخر، وبعد الصلاة قال: "ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم". ومن هنا أخذ العلماء تقديم الأدب على الاتباع إذا كان لا ضرر في تقديم الأدب على الاتباع فيها. تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحترام لقدسيته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم. آخر صلاة صلاها رسول الله بالمسلمين أو مع المسلمين كانت صلاة الظهر من يوم الأحد، وصلى
العصر والمغرب والعشاء والفجر، فجر يوم الاثنين، أي أربع صلوات في بيته. ودخل يوم الاثنين فانتقل رسول الله صلى. صلى الله عليه وسلم ضحَّى قبل صلاة الظهر فلم يُصلِّ في الجماعة أربع صلوات، وآخر صلاة صلاها رسول الله، عندما يسألك أحد: ما هي آخر صلاة؟ قل له: في الجماعة أم منفرداً؟ في الجماعة آخرها الظهر، ومنفرداً آخرها الفجر. لذا عندما تجد الإجابة على هذا السؤال مختلفة، فشخص يقول لك الظهر وشخص آخر... يقول لك إن الفجر لهم ليست مختلفة ولا شيء، الظهر كانت آخر صلاة في
جماعة، والفجر كانت آخر صلاة مطلقاً وهو في بيته صلى الله عليه وآله وسلم. دخل عبد الرحمن على السيدة عائشة ومعه سواك فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب السواك، إذاً هو في... حالة من الإرهاق تمنعه من الكلام، ليس مجرد ارتفاع في الحرارة وصداع، بل إنه أيضاً غير قادر على الكلام صلى الله عليه وسلم. فأخذته عائشة ووضعته في حجرها، فاستاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك قال: "إلى الرفيق الأعلى، إلى
الرفيق الأعلى"، فأشار بيديه ومال رأسه الشريف على صدرها. فقالت: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صدري ونحري" - أي في هذا المكان - فوضعته وأبلغت أباها عن طريق أخيها عبد الرحمن. قالت له: "اذهب وأبلغ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي". والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ستعزون أنفسكم به" أي... قال أولاً: إذا كان النبي قد مات يا
أخي، وبعد ذلك أصبح هناك شخص عزيز، فالنبي قد مات ونعزي أنفسنا به صلى الله عليه وسلم. بعد الفاصل نرى كيف كان في الأيام الثلاثة بعد يوم الاثنين: الاثنين والثلاثاء والأربعاء. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه. ومن والاه خرجت روحه الشريفة بيسر وظل جسده طيباً مطيباً صلى الله عليه وسلم، وجاء أبو
بكر وجاء عمر، ودخل أبو بكر عليه فقبَّل وجهه وقال: طبت حياً وميتاً. أما عمر فقد شهر سيفه وقال: من قال إن محمداً قد مات ضربت عنقه. فخرج أبو بكر وقال له: وما محمد. إلا رسولٌ قد خلتْ من قبلهِ الرسلُ أفإنْ ماتَ أو قُتِلَ انقلبتمْ على أعقابِكمْ ومنْ ينقلبْ... وأكملَ الآيةَ. فقالَ عمرُ: وكأنّي لم أسمعْها إلا الآن. هو حفِظَها ولكنّهُ ذَهَلَ عنها. نعم، صحيحٌ، موجودةٌ معنا هنا. واحدٌ لم يلتفتْ فأُغْمِيَ عليه،
لم تَحْمِلْهُ رجلاه فوقعَ. وبدأ الإعدادُ لكيفيةِ دَفْنِ النبيِّ. وأين ندفن النبي؟ فبعضهم قال: مع شهداء أُحد، وبعضهم قال: في البقيع. فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُدفن النبي حيث ما مات". ومن هنا اختار المسلمون أن يُدفن النبي حيث ما مات. في اللحد أم في الشق؟ اللحد هو أن ننزل هكذا بحفرة وبعدها... نلحد هنا هكذا، نعمل حفرة ثانية ونضع الجثمان في الشق. إننا ننزل هكذا بحفرة
وانتهى الأمر. قالوا: قالوا الله يختار لرسوله. فكان هناك شخص يعمل الشق وآخر يعمل اللحد، فأرسلوا لهما. فأتى من كان يصنع اللحد قبل صاحب الشق. تأخر صاحب الشق وصاحب اللحد هو الذي جاء، وكان يسمى... أبو طلحة الأنصاري، فسيدنا أبو طلحة هو الذي صنع اللحد الخاص بسيدنا النبي. جاء أولاً الرجل الذي يصنع الشق، ثم جاء بعده. لم يكن لنا تدخل، فقرروا اللحد. نزل أبو طلحة وصنع اللحد. أين كانت هذه الحفرة؟ كانت تحت سرير النبي الذي توفي
فيه. صنع الحفرة تحت السرير بالضبط ووضع السرير مرة أخرى. ثانيةً السرير رُفِعَ هكذا وأُعِدَّت الحفرة هكذا، وبعد ذلك يوم الاثنين ذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة وعيَّنوا أبا بكر، وهذا في تاريخ أبي بكر سنفصِّل فيه تفصيلاً. انتهيتَ يا أبا طلحة؟ انتهيتَ؟ انتهى حفر اللحد تماماً. كنا في صباح يوم الثلاثاء، حينئذٍ دخل عليه أهل بيته. من هم أهل بيته؟ كان عليٌّ يقول... له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وكان يقول
له: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وكان يقول له: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وكان يقول له وهكذا كان سيدنا علي، إنه شيء آخر، والعباس وكان النبي يقول فيه: عم الرجل بمثابة أبيه يعني. كان العباس هو أبوه لأنه عمه، وقثم ابن مَن؟ العباس، والفضل ابن مَن؟ الفضل ابن العباس، فيكون العباس وولداه مع سيدنا علي رضي الله تعالى عن الجميع، ومعهم مَن؟ معهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعهم
شخص آخر، فقثم والفضل والعباس يقلبون الجسد الشريف وشكران مع... الرجل الثاني ما اسمه؟ هذا الرجل الثاني ربما كان يصب الماء، وكان سيدنا علي هو الذي يتواجد تحت مكان صب هذا الماء، والغسل كان من فوق الثياب. انتبه جيداً لهذه النقطة: النبي لم يتعرَّ، بل كان الماء يمر على جسده الشريف من فوق الثياب، فكان يدلك بيده من فوق الثياب هكذا. سيدنا علي وكل
قليل هو يمسح كأنه حي، فقال: "طبت حياً وميتاً". الكلمة التي قالها أبو بكر: "ما أطيبك حياً وميتاً". كان سيدنا علي جالساً يقول هذا الكلام وهو متعجب، كأنه في حرارة وليس هناك برودة، والجسم الشريف باقٍ كما هو. هذا بعد أن أنهوا الغسل، والغسل أحد المهام. مع المتوفى نغسل ونكفن ونصلي وندفن، هذه الأربع أمور واجبة على كل من استهل صارخاً عندما نزل من بطن أمه، أي أننا نفعل معه هكذا إذا مات. النبي صلى الله عليه وسلم وضعوه
في ثلاثة أثواب، وكان أحدها ثوب حبرة، وهو ثوب مخطط. أدخلوه فيها إدخالاً، هذا الذي موجود في الكتب. ماذا يعني أدخلوه فيها إدخالاً؟ أنهم دفنوه بثيابه، أي كفنوه على الثياب حتى لا يكشف أحد عن عورته صلى الله عليه وسلم. أصبح الجسد الشريف الآن جاهزاً للصلاة عليه. كان أهل المدينة حينئذ عشرين ألفاً، فبدأوا بالرجال، ودخل
الرجال على قدر حجم. البيتُ البيتُ الغرفةُ التي هو فيها ثلاثةٌ ونصفٌ في ثلاثةٍ ونصفٍ، فكانوا يُدخِلون الرجالَ أولاً، وبعد أن انتهى دخولُ الرجالِ بدأت تدخلُ النساءُ، وبعد أن دخلت النساءُ بدأ يدخلُ الأطفالُ، ومجموعُ مَن صلّى على النبيِّ وهم فُرادى عشرون ألفاً. هكذا وصلنا إلى ما بعد عشاءِ يومِ الأربعاءِ، أبو طلحةَ الأنصاريُّ مُجهَّزٌ. اللحد دخله سيدنا علي والعباس وقثم وفضل ومعهم شقران وسفينة، وهم
الذين حضروا. وجاؤوا ونزلوا إلى القبر، فسيدنا علي وقثم والفضل نزلوا إلى الأسفل، وسيدنا العباس وشقران أوصلا الجسد الشريف. فجاء أوس بن حولي من الأنصار وقال: "نصيبنا من رسول الله، أنتم تريدون دفنه، أنتم أهل البيت، ونحن لا بد لنا من المشاركة"، فسمح له علي بالنزول. نزل أوس بن حَوْلي نيابةً عن أهل المدينة من الأنصار إلى القبر، ودفنوا سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
خرجوا من الحفرة وأهالوا التراب بعد أن سدوا عليه اللحد قبل ذلك. وهم ما زالوا، أي أول ما خرجوا، وقف المغيرة بن شعبة فألقى خاتمه وقال: "خاتمي تحت، سأنزل". قال له علي: "حتى تقول كنت آخر عهد برسول الله، انزل يا سفينة واحضره". فنزل سفينة وأحضره للمغيرة بن شعبة. والحمد لله على كل حال، إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.