#حديث_الجمعة | السيرة النبوية | الثلث الأخير من السنة التاسعة هجرياً

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة الشريفة المنيفة نعيش هذه اللحظات عسى أن تتنزل علينا الرحمات وأن ينزل الله السكينة في قلوبنا فبذكره وذكر سيرته الشريفة تتنزل الرحمات وتتنزل السكينة
وصلنا إلى أن المدينة المنورة في الثلث الأخير من السنة التاسعة امتلأت بالروايات والأخبار والإشاعات عن إعداد هرقل لجيش عظيم قوامه أربعون ألف مقاتل، وأنه قد ضم إليهم قبائل لخم وجذام من العرب مع من والاهم من الغساسنة، وأن الغساني شرحبيل بن عمرو أيضاً كان يدبر أمراً ما. أهل المدينة متوجسون من هذا العدد. كان
سكان المدينة عشرين ألفاً هم الذين صلوا على سيدنا النبي في يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى. وهؤلاء القادمون المقاتلون عددهم مرتين عشرين ألفاً مع الصبيان والبنات والنساء والشيوخ وغيرهم. عشرون ألفاً، فهذا العدد كالجراد، ماذا سنفعل به؟ والكثرة تغلب الشجاعة. فكانت الحالة... متوترة في المدينة وبدأت أجهزة الأمن في المدينة تتأكد من الأخبار، هل هذه الأخبار صحيحة أم إشاعات أم ماذا؟ حتى تأكدوا، تم التأكد من هذا وعُرض الأمر على
رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان رسول الله في هذا الوقت غاضباً من زوجاته فذهب وجلس في العوالي في... مشربة له يعني في خلوة هكذا فظن بعض الصحابة أنه قد طلقهم أو طلقهن، قالوا: "الله، إن النبي طلق زوجاته" لأنه ابتعد عنهن، هو لم يطلق أحداً في هذا، هو فقط ماذا يعني؟ كان غاضباً فذهب هكذا وجلس شهراً وهو غاضب هكذا، فمما يروى عن عمر بن الخطاب أنه كان له أخ من الأنصار يتبادلان الأخبار، هذا يقول له قليلاً وهذا يقول له قليلاً، فكان
إذا غاب أحدهما حضر الآخر، وإذا حضر أحدهما غاب الآخر، ويريان ما الذي يحدث ويعود إليه في آخر النهار ليقول له حدث كذا وكذا اليوم، حتى يبقى في أجواء الأحداث، مثل وظيفة الصحافة جاء يَطرق باب سيدنا عمر وكان يبدو أنه سيدخل في النوم، ففزع وقال: "ما الذي حدث؟ أجاءت الروم؟ أجاء الغساني؟" فوراً ما كان على طرف لسانه الروم والغساني. قال: "بل هو أكثر مصاباً... أكثر مصاباً من أن أربعين ألفاً يأتون إلى المدينة وهي أصلاً لا تستوعب إلا عشرين ألفاً" يعني فيها للركب هكذا ماذا قال طلق رسول الله زوجاته
عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك ذهب عمر إليه خاصته لا أعرف ماذا ليس لنا شأن بذلك لكن بعد ذلك بعد هذا المشهد بدأت الأخبار تتوثق أن الروم فعلاً يحضرون وفعلاً أربعون ألفاً وفعلاً كل هذا الكلام صحيح لكن ما زالوا يجهزون الصلاة والسلام قرر أن يحرك الجيش، وجمع الصحابة الكبار وقال لهم: "تعالوا، نحن في ورطة. ما هي الورطة؟ ليس معنا أموال، ولا بد أن نتحرك وإلا سيأتون إلى هنا ويقتلوننا. لكن عندما نذهب إليهم في بلادهم، فالحرب سجال: نضرب ونُضرب، نغلب ونُغلب، أي أن لنا ظهيراً نرجع
إليه". لكن إذا جاؤوا هنا فلن نستطيع تسييره، لذلك سنحرك الجيوش. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوري (يُظهر خلاف ما يُبطن) إذا أراد أن يذهب إلى مكان ما. فإذا كان متجهاً إلى الشمال يقول: "إنني ذاهب إلى اليمن"، فيفهم الناس أنه ذاهب إلى اليمن بينما هو متجه إلى الشمال في تبوك قال لهم: "على فكرة، نحن ذاهبون إلى تبوك، من يتبرع؟" فسيدنا عثمان قال: "أنا أتبرع". كم؟ مائة جمل. مائة جمل هذه كمية كبيرة جداً، كانت هذه دية شخص واحد.
مائة جمل. النبي فرح، ومن أيضاً؟ سعد بن أبي وقاص خارجاً، وأبو بكر قد ادخر أربعة آلاف للزمن، أحضرها كل العمر جمع لأربع أو خمس آلاف، أحضر نصفها عبد الرحمن بن عوف، هاتان اللتان يسمونهما زلعة الكنز، هذه ثلاثة أو أربعة. فعثمان جالس قال: ما هذا؟ ثلاث زلع من الذهب؟ لا، هذا لا يصلح. المائة التي دفعتها، سندفع كم أخرى؟ مائة أخرى.
فدفع مائتين، فبدأ الصحابة يحضرون الأموال واحداً جلب تسع مئة وسق من التمر فقال له: "لماذا؟ لماذا؟ هذه المئتان لا تكفي"، فرفعها إلى ثلاث مئة. المهم، لا أطيل عليكم الكلام، دفع تسع مئة من الإبل، فلما دفع تسع مئة - مئة في مئة في مئة - تسع مئة، كان أكثر واحد دفع، فقال النبي: "ما ضر افعل بعد اليوم واحذر، فنحن في مواقف تبني الإسلام. ما ضرّ ابن عفان ما فعل، أي يفعل ما يريد، سيدخل الجنة. فما زاد ذلك ابن عفان إلا تقوى، وما زاد ذلك ابن عفان إلا رحمة،
وما زاد ذلك ابن. ابن. عثمان إلا حياءً من الله، وهكذا أناس تربوا تربية صحيحة. عندما قال له: ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم، لم يذهب ليفسد، بل ارتقى في التقوى وفي كل شيء. سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، قال الصحابة: ما هذا؟ إنها ضائقة شديدة، فسموه جيش العسرة، ويقول لك. سيدنا عثمان بن عفان جهز جيش العسرة الذي هو جيش تبوك. هل تذكرون غزوة مؤتة، كم كان فيها؟ ثلاثة آلاف.
هل تذكرون عندما اجتمعوا وتحشدوا لكي يذهبوا لفتح مكة، الذي كان أيضاً في الطريق يلحق بهم عشرة آلاف، عندما ذهبوا كانوا اثني عشر ألفاً؟ هذه الأرقام التي أعود إليها، أنا لماذا هكذا؟ لأن الجيش عندما يتحرك لابد أن يسير بنظام معين، وبتمويل معين، وبطعام معين، وبطريقة معينة، حتى لا يفسد في الأرض. لأنه لو سار متفرقاً هكذا، فإن كل مكان يمر به سيُخرَّب. لكن هذا الجيش يسير بقانون، فلابد أن تكون هناك ضربة، فيكون لدي ضربة سابقة للعدد الكبير، وقد بهذا الشكل إلى ثلاثين
ألف مقاتل، وهذا يعطينا فكرة عن دخول الناس في دين الله أفواجاً بعد الفتح الأكبر. ثلاثون ألف مقاتل، ثلاثون ألف مقاتل، هذا شيء ضخم. كيف سأجعلهم يسيرون؟ أجعل ثلاثة آلاف يسيرون، حسناً. أقسمهم خمسة أقسام، يقال لك إن الخميس - وهو اسم الجيش في اللغة العربية ووسط والذيل أو الخلفية هذه خمس قطع، لكن ثلاثين ألفاً، يعني أنت تضرب في عشرة، كيف ستتحرك؟ فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الجيش ويرسم
له خطة محكمة، والإمدادات غير كافية، لا الإبل كافية ولا الطعام كافٍ، إذن لا بد من أن يتدخل القدر ما دام... إنهم يسيرون بهذه الطريقة، فلا بد أن يتدخل القدر لأنهم بذلوا كل ما في وسعهم. وهكذا يجب عليك حتى ينصرك الله أن تبذل كل ما في وسعك. وآله وصحبه ومن
والاه، جهز المسلمون جيش العسرة، وحينئذ في تلك الأيام كان الشخص مسؤولًا عن تسليح نفسه لأنه كان تسليحًا بسيطًا من مكلفة طائرات ودبابات ومدرعات وما إلى ذلك، بل كان أحدهم يحمل سيفه ودرعه وخوذته وهكذا وفرسه، ومن أجل هذا كانت توزع الغنائم على المقاتلين حتى يستعد لشيء آخر أو حتى يتفرغ للتدريب، فكان كل واحد مسؤولاً عن نفسه، فليس غريباً أن نرى الجيش وليس له ميزانية مستقلة. بل كان يؤيده المسلمون بتجهيز
جيش العسرة وكان قوامه ثلاثين ألفاً من المقاتلين، لكن هذا العدد سبّب مشكلة قلة الموارد فقسموها، وكانوا في الطريق يأكلون أوراق الشجر. كان معهم تسعمائة وثق من البلح فقط، لكن هذا لم يكفِ، فيأخذ الواحد منهم بلحة أو اثنتين أو دورة. ودورة البلح كم؟ أنتم الدورة أربعة، ففي هذه الدورة يأخذ ماذا؟ أربع بلحات. يحرص على أن يأكل اثنتين في الصباح واثنتين في آخر النهار، لكن حتى لا ينخفض السكر من هذا المجهود كله. إنه يمشي على
قدميه، وكان كل ثمانية عشر شخصاً على بعير واحد، أي ليس كل شخص يركب جملاً. المفترض هكذا أن ثمانية عشر واحداً على بعير، ويأخذ البعيري كم؟ يأخذ واحداً أو اثنين، وستة عشر واحداً يمشون مع الجمل على أرجلهم. طبعاً الذي فوق مرتاح قليلاً لكن الذي تحت تتعب رجلاه وساقاه. إذاً فأكلوا أوراق الأشجار حتى خدرت أشداقهم ونشفت، وكانوا ثمانية عشر يتعاقبون. على
جملٍ واحدٍ مشينا نصف المسافة، فحدثت مشكلة ثانية أنهم اضطروا إلى ذبح البعير، فأصبح بدل كل واحد ثمانية عشر سيصبح كل واحد سبعة وعشرين، لأن البعير ذُبح. لقد ذبحنا واحدة، طيب لماذا ذبحت واحدة؟ لكي يشربوا من الماء الذي في كرشه، فهو يخزّن ويقوم بعملية تخزين، فيشربون الماء الذي... في الداخل، يأكلون، فليس هناك طعام. كان الجمل الواحد يكفي طعاماً لمائة شخص. هم لا يذبحون كل هذه الجمال، بل يذبحون واحداً فقط ليستفيدوا من المياه، وأيضاً حتى يأكل مائة شخص ولكن بما
يبقي على حياته هكذا. عندما وصلوا إلى الحِجْر، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يشربوا. قال منه: "هذا مكان مغضوب عليه"، ماذا يعني هذا؟ يعني ينسى المرء حينها إن كان مغضوباً عليه أم ليس مغضوباً عليه! وبالفعل استمروا وتجاوزوا الحجر، ولم يستعملوا إلا أشياء هكذا أغسل بها وجهي أو شيئاً ما، ولم يشربوا منه. وكان يقول لهم: "ستأتون تبوك وفيها عينها، تبوك مياهها كثيرة". نعم، أمامنا أمام تبوك خمسة عشر يوماً، وهنا أخذ النبي بعض الماء ووضع يده
الشريفة في الإناء، فتدخل، ففار الماء حتى سقى الجيش. كيف تكفرون وأنا فيكم؟ ألا ترون ما يحدث؟ ولكن بعدما فعلوا ماذا؟ أكلوا أوراق الشجر، وذبحوا الإبل، ثمانية عشر جملاً عليها، الذي يأخذ دوره من غير شيء. لا يأخذ أكثر منها، يعني بذل كل ما في وسعه. وبعد ذلك، بعدما فعل هكذا، أفضل المياه هي الماء الذي نبع من بين أصابع النبي المتَّبَع، يليه ماء الكوثر، فزمزم، فنيل مصر، ثم باقي الأنهار. هذا ابن السبكي هو الذي يقول هكذا، فأحسن
شيء هو الماء الذي خرج من أصابع حسناً، قال: كفى الجيش بأكمله، فذهب وشرب منه، وظلوا على هذه الحال حتى وصلوا إلى تبوك. فلما وصلوا إلى تبوك، فزع الروم وقالوا: هل هؤلاء جن أم ماذا؟ كيف أتوا إلى هنا؟ فارتعب الروم وتفرق الأربعون ألفاً في البلاد. الأربعون ألفاً الذين كانوا معهم تفرقوا في البلاد، وأصبح هرقل يبحث عليهم أن لا يجدوهم ونزلوا إلى تبوك ثلاثون ألف شخص وأرعبوا الروم، فيكون
ذلك "ونُصِرت بالرعب مسيرة شهر"، فهو نصرٌ بالرعب صلى الله عليه وسلم. تفرقوا في البلاد ولم يظهر أحد، والغساني اختفى هارباً، وبدأت القبائل العربية تجلس مع بعضها وتعيد ولاءها لله. حسناً، نحن معتمدون ومحتمون في الروم، والروم عربيٌّ مثلنا، ما هذا الغباء؟ حسناً، نحن سنسير معه. وبدؤوا يعقدون معاهدات، ونحن كان اسمه يحنب نروبة، عقد معه معاهدة، وصاحب دومة الجندل عقد معه معاهدة، وذهب الجميع وعقدوا معاهدات. يعني أصبحت بدلاً من أن تكون معركة، صارت مفاوضات سياسية، وانضموا إليه
صلى الله عليه وسلم وارتعبوا. الله سبحانه وتعالى، العالم كله أصبح، الروم وضعت وجهها في الأرض لأنهم عرفوا أنهم غير قادرين على هؤلاء الناس. كان الروم، كما تعلمون، في مؤتة كانوا ثلاثمائة ألف (مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف)، ونحن كنا ثلاثة آلاف، أي واحد مقابل مائة، إنها أرقام ولكن... كان لدى الروم خصلة سخيفة، هؤلاء الناس مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف، كيف أتوا بهم؟ أتوا بهم مرتزقة، ليس
صاحب قضية، أي أنه لا يدافع عن شيء وهو ظالم أصلاً ويعرف أنه ظالم. فكانت لديهم طرق حتى لا يهرب هؤلاء الناس، وهي أن يربطوهم ببعضهم بالسلاسل، فهو "أنا أقاتل دفاعاً عن أنني لا أموت فحسب، ولكن ليست لدي رغبة في القتال، ولذلك بعد ذلك أصبح لدى الجيوش شيء يُسمى الشؤون المعنوية، لرفع معنويات الجنود والأفراد حتى عندما يأتون للقتال، يقاتلون عن قناعة، يقاتلون من أجل قضية، يقاتلون وهم لا يشعرون أنهم ظالمون أو معتدون، هم يشعرون أن هم لديهم حق يدافعون عنه، يدافعون عن وطنهم وأهلهم وناسهم وما إلى آخره من الشؤون المعنوية. الرومان لم
يكن لديهم شؤون معنوية، بل كانت لديهم الشؤون الذليلة، كيف يذلون الجنود حتى جعلوهم هكذا، فهذا ما جعلني حتى الآن لم أتأكد من الهروب، وهذا ما جعل الأربعين ألفاً يأخذون بعضهم ويهربون، الله عليه وسلم عندما وصلوا إلى تبوك وجلسوا فيها أرسل إلى النواحي فجاءوه وكتب لهم معاهدات واتفاقات وبعضهم أسلم وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في العودة إلى المدينة بعدما أدى هذا التحرك أثره وأنزل الله تعالى
"وكفى الله المؤمنين القتال" يعني من عنده هكذا سبحانه وتعالى وأنزل. وكفى الله المؤمنين القتال، لم يكن هناك قتال، إنما هي فقط رحلة ذاهبة كأنها استعراض قوة، وستر الله علينا ولم يحدث قتال، وعدنا مرة أخرى والحمد لله رب العالمين. هكذا وصلنا إلى نهايات السنة التاسعة، نبدأ بعد ذلك السنة العاشرة التي حدثت فيها حجة الوداع، وما أدراك ما حجة الوداع، عندما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، نعزي أنفسنا به إلى يوم الدين. فإذا كان ولا بد أن
مثل النبي صلى الله عليه وسلم ينتقل إلى الرفيق الأعلى، فلينتقل كل أحد، فليس هناك أعز منه صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أعز منه عند ربه، ولذلك فستكون السنة الحادية عشرة هي الختام الذي نختم به سيرة المصطفى، بعدما نقف معه في حجة الوداع. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.