#حديث_الجمعة | السيرة النبوية | غزوة خيبر والأحداث التي تلتها - الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى الحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، وصلنا إلى السنة السابعة من الهجرة النبوية الشريفة، ورأينا كيف غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وأنه
بعد ذلك وهو نازل إلى المدينة وخيبر على بعد مائة وستين كيلومتراً شمال المدينة أو يزيد قليلاً، وبفتح خيبر فُكَّ الحصار على المدينة. كانت المدينة عليها حصار مثلث من الجنوب مكة، ومن الشمال خيبر، ومن الشرق مسيلمة وأهله في المنطقة الوسطى. وكانت هناك تفاهمات أن يهجموا جميعاً على المدينة وأن تنتهي الدعوة، فنزل النبي. إلى مكة في صلح الحديبية فصدّهم، فخرج بعد ذلك في
السنة السابعة إلى خيبر ففتحها. أما المنطقة الوسطى فكانت بعيدة، أي يصلنا الخبر إذا تحركوا. الخطورة الداهمة كانت في قريش وفي خيبر، وبعد أن انتهى من خيبر عرض الإسلام على منطقة فيها يهود تسمى فدك، فهذه الفدك لم يُسلِموا فلم يُكرِههم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصالحوا معه على ما تصالح به مع خيبر. حسناً، ثم وهو سائر هكذا عائداً إلى المدينة في أمان الله، ففي مكان اسمه وادي القرى تفاجؤوا
وهم يسيرون بفتح النيران عليهم من كل مكان. لم يكن وقتها نيران، إذاً ماذا كان هناك؟ النبل وجد النبل قادماً من هنا وقادماً من هنا. الله! حسناً، لقد كلمناكم. وفي وادي القرى، كان من بين الناس الذين يخدمون النبي عليه الصلاة والسلام رجل اسمه مدعم. كان عبداً عند سيدنا النبي، إذ كان لديه عبيد منهم سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من لامس جسده. رسول الله في القبر صلى الله عليه وسلم سفينة وكان منهم مدعم، هذا الذي غفر الله له. فمدعم جاءه
سهم أودى بحياته. كان سيدنا النبي يرى العرب وهي فاتحة أفواهها عليه، فلم يكن يترك هذه الأمور الصغيرة. فقالت الصحابة: هو في الجنة مدعم، بالطبع يعني، لأنه كان يخدم سيدنا ويرافقه دائماً. وحسناً، أي أن الرقيق الذي يملكه وأيضاً مات في معركة مع الآخرين، أي أنه شهيد. فالنبي عليه الصلاة والسلام قال للناس: لا. كيف يكون مدعم
شهيداً؟ قال: إنه سرق شملة، سرق عباءة من الغنيمة، فيأتي يوم القيامة وعليه شملة من نار. فسيدنا النبي ينبهنا إلى أنه لا تنفع الخواطر، وأن مدعم كان كذلك. خادماً لسيدنا، لكن الخطأ الذي لم يتب منه هذا عكّر عليه هذا الأمر. نسأل الله له يوم القيامة العفو وأن يكون مآله إلى الجنة ببركة سيدنا إن شاء الله. فلما سمع الناس
ذلك ارتعبوا. الله شملَه قطعة قماش، يعني أخذها ليضعها على كتفه، فهل ستؤدي كل هذا وتعكر كل الأمر؟ فهناك رجل جاء وقال له: "يا رسول الله، لقد سرقت أنا أيضاً من الغنيمة في إحدى الغزوات، وهما قطعتان صغيرتان من شراك النعل." فقال له: "شراكان من نار." وبذلك عرفنا أن المسؤولية كبيرة، وأنك لا تحتقرن ذنباً صغيراً، فإن الجبال تتكون من الحصى الصغير، فاحذر الذنوب كبيرها. وصغيرها ذاك التقى واصنع كما تمشي فوق أرض الشوك
تحذر ما ترى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى، ونقول للناس الذين يستحلون الفساد في اللجان وفي أدوات الحكومة: الأمر ليس لعبة، واتقوا الله لأننا لسنا متفرغين، إنهما شراكان من نار، ولا أستطيع أن أقول إلا سيدنا مدعم مدعم. هذا كان مع النبي، لن يصلح. سيدنا يقول لنا هكذا، لن يصلح وسيذهب إلى الشمال، شمالاً من شمال، من نار. لم يكن يفوتها، يعني لا يصلح، لا يصلح أن يفوتها. أفماذا إذن عن المسؤولين
الذين يجلسون ينهبون البلاد والعباد ولا توجد فائدة، غير راضين أن يرتدعوا ويخافوا ربنا، إذن لا حل لها. حلّ إلا ماذا؟ الله نذكر أهو بالله، فإن وجد هذا التذكير قلبًا سيجعله مثل الرجل صاحب الشراكين، سيحضر النعلين اللذين سرقهما ويقول لهم: خذ يا رسول الله. يرد هذا الكلام إلى الشعب، يبني مدرسة، يبني مستشفى، يجلب أجهزة للمرضى، يتحمل المديونيات ويسددها، يفعل شيئًا إذن، فقصة مدعم داهية قصة. تجعل المرء أي شيء خائفًا ومراقبًا لتصرفاته ونفسه. سيدنا الرسول
هاجم وادي القرى وأدّبهم هكذا، فقالوا له: "حسنًا، موافقون، خلاص، خلاص، لا عليك، سننزل على ما نزلت على خيبر"، فأصبحت خيبر وفدك ووادي القرى. قال لهم: "موافق، حسنًا"، ثم توجه إلى مكان يسمى تيماء، وفي تيماء كان يوجد بعض اليهود. سمعوا أنه هاجم خيبر وسمعوا أنه هاجم وادي القرى وسمعوا أن فدك وافقت، فذهبوا خارجين إليه في الطريق هكذا وقالوا له: "على فكرة، نحن مثل خيبر، هكذا، لا يوجد قتال ولا شيء". قال لهم: "حسناً، مثل خيبر، مثل خيبر"، وذهب وكتب لهم وثيقة الاتفاق. أنهم يكونوا مثل خيبر، جاء
سيدنا في ربيع الأول، خلاص اقترب عيد ميلاده، أصبح يوم المولد النبوي الشريف في ربيع الأول سنة كم؟ نتحدث في سنة سبعة، وهو دخل المدينة وكان عمره كم أيضاً في يوم مولده؟ حوالي ثلاثة وخمسين، فيكون وهو عائد من خيبر دخل المدينة، أي أنه داخل وعمره. كم سنة؟ ستون سنة، صلى الله عليه وسلم. إذن نحن نتحدث الآن في سنة سبعة، وهو دخل المدينة وعمره ثلاثة وخمسون سنة، فيكون عمره الآن كم سنة صلى الله عليه وسلم؟ يكون عمره ستون سنة بالتقويم القمري، وليس بالتقويم الشمسي. ولو كان بالتقويم الشمسي، لنقص عن ذلك سنتان، لو
كان... بالتقويم الشمسي سيكون عمره ثمانية وخمسين عاماً، لكننا نعتمد التقويم القمري دائماً، فيكون عمره ستين سنة، وهي ستون سنة قمرية التي نحسب بها في الشهور العربية. دخل المدينة وقد تخلص من كل شيء، أي كل ما ذُكر سابقاً. الحمد لله، لقد أنهينا هذه المسألة من الآن. ربيع الأول سنة... سبعة إلى ذي القعدة، ذي القعدة هذا شهر الحادي عشر. شهر ربيع هو الشهر الثالث. من الحادي عشر في تسعة أشهر، في هذه التسعة أشهر خرجت تسع سرايا،
أخرجهم. لقد علم أن هؤلاء سيهاجمون المدينة، فذهب إليهم في مكانهم، يريد أن يعطي سمعة أنه ليس لكم شأن بالمسلمين، فالمسلمون لن يسكتوا. يريد أن يعطي هذه السمعة درءاً للدم منعاً للنزاع تقليلاً للصدام، ولذلك في التسعة أشهر هذه أرسل حوالي تسع عشرة من السرايا لتأديب الناس. بعد الفاصل نكمل ما كان من شأنه في السنة السابعة صلى الله عليه وآله وسلم. بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول. الله وآله وصحبه ومن والاه، وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول ودخل المدينة من خيبر، ثم إنه في ذي القعدة ذهب إلى عمرة القضاء. في سنة ستة ذهب إلى العمرة فمُنع، واتفق اتفاقية الحديبية، وصُدَّ على أن يأتي في العام القابل. نحن الآن في... العام المقبل الذي هو سنة سبعة وسُميت بعمرة القضاء لأن
القضاء هو المصالحة، فهذه العمرة هي التي تصالحوا عليها مع أهل مكة. وقد تكون سُميت بعمرة القضاء لأنها قضاء عن العمرة الفائتة في الحديبية. وتُسمى أيضاً بعمرة القضية، وتُسمى بعمرة الصلح. فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب بنحو الألفين، قال. كل من حضر الحديبية يحضر سوى من استشهد في سبيل الله في تلك الفترة، وزاد عليهم أقواماً أرادوا الخروج أيضاً، والنساء والأطفال.
فيكون ذاهباً بألفي رجل ومعهم نساء ومعهم أطفال أيضاً، وقال لهم: أخشى غدر قريش، أنا خائف من أن تغدر بنا قريش، فحمل السلاح، حمل سلاح الحرب لأنه... خاف أن تقوم قريش بهذا الأمر، فذهب للاجتماع مع الألفين. طبعاً، كانت مكة على علم وكان مستاءً،
فجاء ووضع السلاح في منطقة تبعد قليلاً عن مكة وعن الحرم، كان اسمها يأجوج ومأجوج. جعل مئتي رجل يحرسون السلاح قائلاً: "فرقة السلاح هذه تحت إشرافكم، إذا ذهبنا ووجدنا الوضع غير مناسب، سنعود لنأخذه". ونحارب قريشاً. عقله ذاهب إلى الفتح صلى الله عليه وسلم وجعل عليه حارساً، ودخل هو والألفان سوى المائتين الذين حملوا السلاح في يأجوج هذه. فلما جاء ودخل
المشركون قالوا لهم: "أقول لك، نحن لا نطيق أن نرى هؤلاء الناس، نحن سنصعد إلى تلةٍ كالجبل". الذي منكم يعرف مكة من... جهة الشامية أي نحو الشام، فالكعبة هكذا، والملتزم هنا، والحجر الأسود هنا، والركن اليماني هنا، والحجر الأسود هنا. وهم في المقابل من جهة الشامية الآن هدموها ويوسعون فيها، عكس فندق هيلتون والتوحيد وزمزم وما شابه ذلك. أما الناحية الأخرى، فهناك جبل يسمى قيقعان، ذهبوا إلى قيقعان هكذا ليشاهدوا المسلمين من فوق. وقالوا إن المسلمين هؤلاء أصلهم قادمون
ومعهم حمى يثرب، تجدهم مرضى ومتعبين. فوصل الخبر إلى سيدنا رسول الله أنهم يقولون عنكم أنكم قادمون متعبين ومرضى وحالتكم ليست على ما يرام. فقال لهم: "حسناً، أظهروا كتفكم الأيمن وأنزلوا الإحرام هكذا"، وهو الذي نسميه الاضطباع. الاضطباع يعني أبرزت كتفك الأيمن، والكتف الأيمن معناه... ما هذه القوة والبيت الحرام هكذا هو! فالبيت الحرام هذا هو الباب، إنه جيد جداً. تعالوا امشوا هكذا هو الرمل. هذا الرمل يعني أنك تمشي كأنك تجري
وأنت لا تجري، إنما بالخطوة السريعة. يعني فالخطوة السريعة في هذا الضلع وعند حجر إسماعيل وهذا الضلع لأنهم يروننا في الأشواط الثلاثة الأولى، وعندما... تعالوا ما بين الركن والركن، الركن اليماني والحجر، لا تبطئوا وامشوا على مهلكم لكي ترتاحوا، فهم قادمون من سفر بعيد، لكن هذه الحركة هي التي تثبت أنهم أقوياء في الأشواط الثلاثة الأولى، ويكفيهم ذلك، فليعيشوا حياتهم الآن. فالمشركون عندما رأوا المسلمين يفعلون ذلك قالوا: هؤلاء هم الذين فيهم. والله إنهم مثل كذا وكذا، يعني هؤلاء هؤلاء لو حاربونا سيخربون بيتنا. ودخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم من باب السلام الذي يسمونه الآن باب السلام، دخل للعمرة هكذا وهو متوجه إلى الحجر الركن ومعه أصحابه في المقدمة، وسيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه ماسك. سيفٌ ويمشي أمامه، ممسكٌ سيفاً ويمشي أمامه عبد الله بن رواحة، كان شاعراً. سيدنا عبد الله بن رواحة توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عنه. سيدنا عبد الله بن رواحة سيستشهد في مؤتة، فهو
من المتفق على جلالته. سيدنا عبد الله بن رواحة كان ممن يدافعون عن رسول. الله صلى الله عليه وسلم بالإعلام الذي هو الشعر، يعني الإعلام الذي هو لدينا اليوم، ما اسمه؟ إنه الشعر. فسيدنا عبد الله بن رواحة يمشي أمامه هكذا بالسيف، يتبختر ويرتجز قائلاً: "خلّوا بني الكفار عن سبيله"، احذروا، أنتم وهو هكذا، خلّوا بني الكفار عن سبيله، خلّوا. فكل الخير في رسوله قد أنزل الرحمن في تنزيله في صحف تُتلى على
رسوله. كرر "رسوله" مرتين، هكذا هو، لماذا؟ لها معنى في هذا الوقت. يا رب إني مؤمن به، مؤمن بما يقوله، إني رأيت الحق في قبوله. فسيدنا عمر رأى المنظر، منظر غريب، نحن نطوف حول الكعبة. ولا أنت تقول يا عبد الله شعراً أم ما الحكاية وأنت ممسك بسيف؟ فقال له: يا عبد الله، أنحن في الحرم وبين يدي رسول الله وأنت تصرخ وتقول هكذا؟ فنظر سيدنا عبد الله بن رواحة إلى الرسول: أأقول أم لا أقول؟ أما سيدنا عمر
فكانت الحالة غريبة عليه والمكان مقدس ويجب أن يكون... نكون هادئين وهكذا وهو ماسك لي الشيء ويقول شعراً فقال له: "دعه فإن كلامه أقوى عليهم من النبل". قُل يا عبد الله، قُل يا أخي، قُل لنجعل هؤلاء الناس يغتاظون، الذين منعونا وأهانونا وحاربونا. وعلى ماذا؟ على بعض المصالح أو على بعض الأوثان أو على ماذا؟ وكان سيدنا دائماً... يقول للشعراء الذين معه ومنهم حسان ومنهم رواحة وغيرهم: "قل وروح القدس تؤيدك، قل ولا تبالِ". فسيدنا عبد الله بن رواحة
كان يدور هكذا أمام سيدنا رسول الله بالسيف هكذا وهم يطوفون في هذا الأمر، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: "الطواف صلاة إلا أنه قد أبيح فيه الكلام في الصلاة". وقوموا لله قانتين ساكتين، لا يصح أن تتكلم، لأن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل وذكر، لكن في الطواف هي صلاة بالضبط ولكن أُبيح فيها الكلام، قد أُبيح فيها الكلام، فرضي الله تعالى عن الصحابة الكرام في معية سيدنا. صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى لقاء قريب نكمل
ما كان من شأن عمرة القضاء، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.