#حديث_الجمعة | السيرة النبوية | غزوة خيبر والأحداث التي تلتها - الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات، ونحن نتعلم منه مكارم الأخلاق، وكيف نتصرف في المواقف، وكيف نسير في الحياة إلى الله سبحانه وتعالى. فالنبي
صلى الله عليه. وسلم هو قدوتنا وسيدنا وبابنا إلى الله "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا". انتصر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر وقسمها إلى ستة وثلاثين قسماً، الأرض الزراعية قسمها لستة وثلاثين قسماً وجعل في كل قسم مائة سهم. مائة سهم تعني مائة نصيب، أي ليس السهم الذي يُقصد به ما عندنا في الفدان المكون من أربعة وعشرين قيراطًا، والقيراط من أربعة وعشرين سهمًا. ليس هذا المقصود،
وإنما أسهم بمعنى أنصبة. كان معه ألف وأربعمائة محارب، وكان معه مئتا فرس، فأعطى... نحن لدينا الآن نصف ثلاثة آلاف وستمائة. ثلاثة آلاف وست مائة سهم، فنصفهم ألف وثمان مائة. أعطى لكل واحد سهماً بما فيهم هو، فأصبح المجموع ألفاً وأربع مائة، وأعطى لكل فرس سهمين. فالشخص الذي معه فرس أصبح معه ثلاثة أسهم: واحد له واثنان للفرس. مائتان في اثنين، فكم يكون
المجموع؟ يكون أربع مائة. وألف وأربع مائة يصبح ألفاً وثمان مائة. مائة التي هي نصيبنا والألف وثمانمائة الأخرى في المفاوضات الخاصة بخيبر، فسنأخذ إنتاج هذه الألف وثمانمائة، وستقوم خيبر بزراعتها لنا وحصادها لنا ورعايتها بما يرضي الله، بما يرضي الله، أي أنها ستدفع السماد وستدفع البذور وستدفع كل شيء، والعمل فيها مجاناً، مقابل ماذا؟ أننا نعطيهم. ألف وثمانمائة، ما ألف وثمانمائة هذه استحقاقنا نحن، فيكون إذا ثلاثة آلاف وثمانية أسهم في الستة والثلاثين قطعة، وزَّع ألف وثمانمائة، وبعد ذلك هو أعطى ألف وثمانمائة لماذا؟ لخيبر. أبو هريرة جاء كما ذكرنا في حلقات سابقة ومعه بعض مَن؟ جاء ثانياً،
جاء ثانياً سيدنا. جعفر بن أبي طالب، سيدنا جعفر بن أبي طالب، عمرو بن دمرة ذهب إلى النجاشي وقال له: أرسل لنا. ماذا فعل؟ ذهب وصنع سفينة تحمل كم؟ السفينة تحمل ستة عشر شخصاً. ومن أيضاً؟ أبو موسى الأشعري ذهب ليركب المركب فلم يجد مركباً إلا متجهاً إلى الحبشة، فذهب هو والأشاعرة، أي الأشعريين، إلى الحبشة. وهم مع الستة عشر الذين مع جعفر أصبح عددهم خمسين شخصاً، فأسهم لهم، أسهم لهم في الأموال وفي الكنوز، وليس أسهماً
لهم في الأرض لأن الأرض انتهت عام ألف وثمانمائة، لكن أسهم لهم في هذه الأموال، وهذه الأموال نفعت الصحابة نفعاً كبيراً جداً. فسدد المهاجرون للأنصار ما كانوا قد أخذوه منهم عندما قدم المهاجرون - قلنا تسعين مهاجراً - ونزلوا ضيوفاً على الأنصار. الأنصار أعطتهم، منهم من أعطاه داراً، ومنهم من أعطاه مالاً، ومنهم من أعطاه قطعة أرض، ومنهم من أعطاه رأس مال للتجارة، وآخى النبي بينهم. عرفنا هذا الكلام سابقاً عندما تحدثنا عن الهجرة، فأصبح ديناً في ذمتهم. كان لأخي الأنصاري دَيْن فذهبوا وسددوه
كله بعد غزوة خيبر، فانتعشت المدينة واتسعت الأموال بين أيديهم، وكل واحد أعطى وأخذ، وهو أيضاً أخذ لأنه خرج فعاد ومعه ميراثه أي أصله، وأصبح معه ما أخذه من الغنيمة وما استرده من الأموال، فأهل المدينة يعني انتعشت المدينة. اقتصادياً، بعد خيبر، كان هناك يهود يسكنون في منطقة تُسمّى فدك. فدك هذه قريبة من خيبر، وفيها مجموعة من اليهود. فالنبي
عليه الصلاة والسلام مرّ عليهم وسألهم: "ألن تُسلموا؟" فقالوا له: "حسناً، ولكن دعنا نفكر قليلاً". فقال لهم: "حسناً، فكّروا". ومكث ثلاثة أيام، وقال: "هل ستفكرون أم ستحاربون أم ماذا ستفعلون؟" فقالوا... له: لا، نحن لا نريد أن نحارب، وقد سمعنا أنك رجل طيب ووافقت على التقسيم مناصفة بنسبة خمسين في المائة مع أهل خيبر، فلماذا لا تعاملنا مثلهم؟ ولماذا ستقاتلنا؟ فقال لهم: حسناً، موافق، سأعاملكم مثلهم والتقسيم
مناصفة. وبهذا الشكل شرعاً يكون نصف فدك ملكاً للنبي لأنه لم يوجف عليها بخيل. ولا ركابٌ يعني لا توجد حربٌ ولا أيُّ شيءٍ، فربنا جعل الشيء الذي لم يحارب الناس فيه ولم يبذلوا فيه أيَّ مجهودٍ، هذا هو بالكاد فقط بوجاهة النبي، هذه التي تخص النبي، وذلك باتفاق الأمة أن فدك تخص النبي. فدك فيها هذا ماذا إذاً؟ فيها ما فيها، لكن النبي له. خمسون في المائة منها من أرض فدك، وخمسون في المائة الثانية وهم سكان فدك، بشرط أنهم يزرعونها ويقلعونها ويخرجون المحصول ويرسلونه للنبي مقابل أنه ترك
لهم النصف الثاني. ما معنى "للنبي" هنا؟ هذا هو الخلاف الذي حدث فيما بعد بين الشيعة والسنة، بل وحدث بين... السيدة فاطمة عليها السلام وبين سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، هل معنى أنها للرسول بشخصه أم أنها للرسول بصفته؟ هذا هو النزاع الذي أغضب الشيعة، وليس غضب الشيعة فقط، بل هو غضب السيدة فاطمة، وبالتالي يُغضب الشيعة إلى يومنا هذا، إلى أن يخرجوا - يا عيني - في إذاعة أو ما شابه ليتحدثوا عن فدك. إذاعة فدك، أنت
تلاحظ أنهم مقهورون من هذه المسألة، والأمر ليس كذلك، بل هو تفسير دستوري لما حدث. هل هذه الملكية هي ملكية بشخصه أم بوصفه؟ فالشيعة قالوا تقليداً للسيدة فاطمة عليها السلام إنها ملكية بشخصه، ولذلك فهي تركة، خلاص النبي عليه الصلاة والسلام يمتلكها فتورثها ابنته، والسنة... قالت بوصفه هذا باعتبار أنه رئيس الدولة، وهذا الفدك كان يُنفَق منه على رئيس الدولة. فرئيس الدولة لديه مصاريف للضيوف الذين يَنزلون
عنده، والعتاد الذي يقدمه لمن لا يجد، والأمة بحالها تمضي وهو ينفق. فماذا يفعل؟ من أين يأتي بالمال؟ ليس هناك إيراد إلا هذا. فهل هو بصفته الرسمية أم بشخصه؟ بعد الفاصل. نرى هذا الأمر كيف كان. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرجعه من خيبر توقف عند فدك وفيها يهود،
تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى. أتظن أن هؤلاء اليهود هم اليهود؟ هؤلاء هم اليهود. أبداً، هؤلاء يتخاصمون مع بعضهم، طوائف وملل وأمر آخر يعني، خصومة كبيرة في الداخل، لكن في الظاهر كأنهم مع بعضهم، لكنهم ليسوا مع بعضهم. فَدَك لماذا لم تُنقَذ؟ خيبر لماذا لم تُنقذها؟ لأن مصلحتي أين؟ وما شأني؟ هذه خيبر تقع بين المدينة وبين قبائل غطفان. في هذا الموضع، وقفت قبيلة غطفان مع اليهود ضد النبي، فعندما أرسل إليهم عبد الله بن أبي ابن سلول إلى خيبر قائلاً: "الحذر، فهذا محمد
قادم إليكم"، اتصلوا فوراً بغطفان وقالوا لهم: "يا غطفان، اقطعوا الطريق على محمد". فقالت غطفان: "نعم، فهناك تحالف وعلاقة بيننا وبينكم، سنقطع الطريق". خرجوا على طريق محمد في هذا الطريق الجنوبي لكي يقطعوا الطريق على النبي وينهكوه، ويعملوا حرب استنزاف، وبعد أن ينهكوه، حتى لو غلبهم أو ما شابه ذلك، يصل إلى خيبر وهو متعب ومجهد ومنهك، كما قلنا إن القتلى من اليهود في خيبر كانوا ستة وتسعين أو سبعة وتسعين، لكن الشهداء... من المسلمين كانوا ستة عشر، يعني من الممكن أن يكونوا ثمانية عشر بعد
حادثة بشر بن البراء، فهم ليسوا واحداً. وبينما غطفان تفعل ذلك وتأتي لتقطع، سُمِعَ ضجيجٌ شديدٌ جداً من خلفهم في صخبٍ. وفي الصحراء يمكنك السماع جيداً على بُعد اثنين أو ثلاثة كيلومترات. هم لا يرون، لكنهم يسمعون الصوت، فظنوا أن... وصل النبي إلى أهلهم وقد تركوا المكان خالياً من الفرسان، فالفرسان كانوا خارجاً. قالوا: "هذا محمد قد وصل، فسيستولي على الأموال وغير ذلك". فعادوا وجلسوا في أماكنهم مشلولين ولم يخرجوا مرة أخرى، وتركوا
خيبر تحترق. "سيُهزم الجمع ويولون الدبر"، إذ ليست لديهم عقيدة، إنما هي المصالح، فتركوا خيبر. حالها وهكذا فالنبي عليه الصلاة والسلام وهو نازل إلى فدك ذهب إلى فدك: "يا فدك، هل ستسلمون أم لا؟" قالوا: "نسلم ونفعل هذا"، هو: "لا، لن نسلم، افعل فينا ما فعلته في خيبر". في المفاوضات قال لهم: "النصف بالنصف". النبي عليه الصلاة والسلام أخذ النصف وترك لهم النصف وعاد إلى المدينة وكانت نحن الآن أين نحن؟ الآن نحن في السنة السابعة. عندما عاد إلى المدينة، متى كان ذلك؟ قال: فدخلها في ربيع الأول، في
يوم مولده عليه الصلاة والسلام، في ربيع الأول سنة سبعة. فيبقى للسنة الثامنة، ثم التاسعة، ثم العاشرة. ثلاث سنوات وسينتقل إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم. يعني نحن الآن متبقٍ... لنا ثلاث سنوات على اللقاء الشريف الذي ارتقى فيه إلى ربه سبحانه وتعالى عليه الصلاة والسلام. في الثلاث سنوات كانت فدك تأتيه وينفق منها وكل شيء. فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى، وهذا آخر كلام قاله: "إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى" صلى الله عليه وسلم. لما انتقل، السيدة
فاطمة قالت... لأبي بكر: أين ميراث أبي من فدك؟ قال: ليس هناك. إن علياً عليه السلام يعني معنى الكلام أخذ هذا من فدك بصفته، وهذه الأموال التي ستأتي من فدك تكون لرئاسة البلاد، ليس لشخص سيدنا النبي، بل إن سيدنا النبي قال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة". قالت: يا أبا... يا أبا بكر، ألم تسمع رسول الله وهو يقول: "إنما فاطمة بضعة مني"؟
قال: نعم. قالت: ألم تسمعه وهو يقول: "يريبها ما يريبني ويغضبني ما أغضبها"؟ قال: نعم. قالت: فأشهدك وأشهد الله أني قد غضبت عليك. الكبار هنا ماذا يفعلون؟ وماذا بعد ذلك؟ فبكى أبو بكر وقدم استقالته فوراً مباشرةً، وخرج من. عندها قدم استقالته وقال لهم: "أنا أريد هذه القصة، ولا أستطيع تحمل غضب فاطمة عليها السلام، ولا غير ذلك. وفي الوقت نفسه، هذا دين وهذا فهمنا فيه، وإذا خالفناه سنُحاسب عليه يوم
القيامة، فاتركوني من هذا". واستعفى من الصحابة وقال لهم: "ابحثوا عن شخص غيري، لأنني أصبحت مرتبكاً هكذا". لكن الصحابة أبَوا ورفضوا الاستقالة. يكون سيدنا أبو بكر متوحشًا الذي يراعي خاطر السيدة فاطمة والذي استقال والذي فعل كذا وكذا، يكون ظلمًا ما يحدث الآن عندما يسبون سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر، هذا ظلم أبدًا، فقد كانوا يحبون بعضهم، وعندما آتي وأسأل شخصًا شيعيًا: لماذا تكره أبا بكر؟ يقول... يا أخي مثل أمي فاطمة، لا يا أخي ليست مثل أمك فاطمة ولا شيء، السيدة فاطمة كانت تُجِلُّ أبا بكر وكانت تُجِلُّ عمر وكذلك إلى آخره. أنت تُجِلُّه ونبدأ
في نزاعات سخيفة إلى يوم الدين. نحن نُعظِّم الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، نقلوا الدين وصلح فيهم. تربية النبي؟ هل النبي لم يستطع أن يربي؟ النبي رباه ربه. نحن نقول إن أبا طالب مؤمن لأن النبي تربى في بيته. نحن نقول إن أباه وأمه مؤمنان وسيدخلان الجنة من أجل النبي. قوموا أنتم وتقولون ما بيننا وبين الناس. يا جماعة، النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا نقول؟ لقد نجح في أصحابه. وهم يقولون: لا، لم ينجح في أمته. والآخرون يقولون: لا، لم ينجح. نقول: هذا نبي. والآخرون يقولون: لا، هذا ليس نبياً. نقول: إنه معصوم مكرم عالي المقام. والآخرون يقولون: لا،
قل إنما هو، قل إنما أنا بشر مثلكم. ويفعل هكذا وينسى، يوحى إليه، طاهر مطهر. والآخرون... يقولون إن الذي بيننا وبين العالمين هو النبي، فانتبه جيداً وليس لك إلا النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك يجب علينا أن نتمسك بالجناب الأجل، فهو الذي من قِبَله النفحات والرحمات والسكينة والهداية، ومن قِبَله يأتي الاصطفاء للأمة والعلو لها. ولذلك يجب عليكم أن تعلموا أبناءكم حب رسول الله صلى الله. عليه وسلم رجع النبي في شهر ربيع الأول إلى المدينة من خيبر ومن فدك، ثم بعد
ذلك سنرى مجموعة من السرايا المتتالية في السنة السابعة، ثم بعد ذلك يأتي الفتح. اللهم افتح علينا فتوح العارفين بك، إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.