#حديث_الجمعة | السيرة النبوية | ماذا فعل الرسول مع القبائل التي أرادات محاربته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات، نستهدي به وبسيرته، عسى الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بفضله سبحانه وأن يلقي في قلوبنا حبه
وحب نبيه صلى الله. عليه وسلم وحب من أحبهما، وصلنا في حكاية السيرة إلى الفتح الكبير، فتح مكة. دخل النبي صلى الله عليه وسلم واستقر له الحال، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. وتكلمنا على أن أبا محذورة أسلم وكان شاباً معارضاً للإسلام والمسلمين وللنبي صلى الله عليه وسلم، فعينه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو حديث عهد بإسلام مؤذن البيت الحرام وأسلم عتاب بن أسيد وكان يكره النبي صلى الله عليه وسلم فحسُن إسلامه، وسنرى أنه
لما جاء يخرج إلى حنين جعل عتاب بن أسيد محافظاً على مكة. ونستفيد من هذا أنه كان يقدم الشباب وأنه كان يدربهم وأنه كان يثق فيهم بالرغم من أنهم حديثو عهد بالإسلام وأنه من الممكن أن يحدث له عارض شبهة أو شيء من هذا القبيل، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نربي الرجال. النبي صلى الله عليه وسلم حطم أصنام الكعبة وكانت معجزة كبيرة في أثرها أسلم كل أهل مكة تقريباً
لأن هذه الأصنام كانت مؤسسة. مسلحة بالحديد المسلح، فكان يشير إلى إحداها فتسقط معجزةً. يعني رأوا ثلاثمائة وستين معجزة. وتحدثنا كيف أنه صلى في الكعبة وأنه أعطى مفاتيحها بعد ذلك إلى من هي بأيديهم بالرغم من مطالبة العباس وعلي، وقال: "هذا يوم بر ووفاء". والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل كما ذكرنا الناس لتهدم. الأصنام حول مكة العزة وذي المجاز وهبل وظفر وما إلى ذلك، وبدأ في
انتهاء المرحلة الثانية من حياة النبي. المرحلة الأولى كانت مكة، والمرحلة الثانية كانت المدينة، وسندخل الآن إلى المرحلة الثالثة مع بدايات السنة التاسعة للهجرة النبوية الشريفة. جلس النبي في الثالثة، التاسعة والعاشرة، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى. هذه المرحلة الثانية انتهت بانتهاء الوثنية في العرب، لأن "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً". كان العرب يَعُدّون مكة حامية الدين الوثني لوجود البيت فيها، ولأنهم أهل بيت الكعبة،
وأهل البيت عندهم كانوا في المقدمة. فلما أسلموا، دخل الناس من القبائل في دين الله أفواجاً لأن قائدهم قريش مكة. أهل البيت أسلموا ولذلك أسلم العرب بين يوم وضحاها واختلفت الدنيا، وهكذا تعرف أن الغيب بيد الله وأن النظم والدول والقبائل وما إلى ذلك، كل ذلك يغيره الله سبحانه وتعالى، الحالة بين غمضة عين والتفاتتها، ما بين غمضة عين والتفاتتها
وانتباهتها، هكذا يبدل الله من حال إلى حال ويقلب الدنيا. وقد جلس النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوماً ونزل عند أم هانئ بنت عمه التي تربى معها عند أبي طالب، أخت علي شقيقته شقيقة سيدنا علي، فنزل عندها لأن عقيلاً باع كل الأماكن التي كانت للنبي، فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع؟" يعني. ما لديه مكان ينزل فيه عقيل والنبي في الهجرة قال إنه لن يعود مجدداً، فذهب وباع بيوته ووضع أموالها مع أمواله، أي معه، ولم يحدث شيء. فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء فوجد
بيت خديجة قد بيع، وبيته هو قد بيع، وبيت أبيه قد بيع. أمرنا لله. فنزل عند أم هانئ، وأجارت أم هانئ كما. ذكرنا أيضاً حمُوها - يعني إخوة زوجها - فأبى علي إلا أن يقتله. قال: ما لنا علاقة بهذا الكلام، سيُقتلون، سيُقتلون. فقال النبي لما عُرضت عليه الحكاية: "لقد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ". أجارت مشركين فأجارهم النبي من أجلها. يبقى المواطنة ويسعى بذمتهم أدناهم، لم يأتِ ليقول لها: لا، هذا... علي هذا
رجل وأنت امرأة، فمن علينا أن نطيع؟ الرجل. هذا الكلام الفارغ الذي يُؤثر في عقول الناس لم يكن موجوداً. قال: "إنما نُجير من أجرتِ يا أم هانئ". أم هانئ إذن ماذا تفعل؟ يعني كيف تشعر عندما جعل لها قيمة؟ لا بد أنها تشعر بإحساس إيجابي، أليس كذلك؟ وسيدنا علي، سيدنا علي، أليس كافياً أنه هو الذي قال النبي عنه: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"؟ أليس كافياً عليه ما أخذوا؟ إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحترم النساء ويعطيهن ما يجعل كل واحدة منهن تثق في نفسها، فأم هانئ أخذت هذا، وهو شيء عظيم جداً، إنما: "نجير من أجرتِ يا أم هانئ". لا
داعي لقتل هذين المشركين، المهم أن تكوني محترمة، ويُسعى بذمتهم أدناهم. يعني عندما يريد الأستاذ كارتر أن يدخل مصر، ويكون المشرف على الحديقة التي أمامنا، أمام المسجد، هو من يُدخله ويعطيه التأشيرة. بالله عليك، الرجل البستاني المسؤول عن الحديقة، عندما يعرف أنه سيُدخل مستر كارتر. رئيس أكبر ولاية وبلد في الدنيا ماذا يشعر به؟ ليس بالانتماء، ليس بالقوة، ليس بالشرف، بل يشعر بهذا، يشعر أن له قيمة عندما تضغط عليه ظروف البلد قليلاً فيصبر لأن لديه قيمة، لديه عزة، ولكن لو
قلنا له: رأيك لا قيمة له، ثم إن ظروف... ضغطت البلد عليه قليلاً فيقول لك: "ماذا أعطتني مصر؟" ونجلس نقول له: لا تقل ماذا أعطتني مصر، بل قل ماذا قدمتُ أنا لمصر؟ وسنغني معاً. أعطِ الإنسان احترامه يعطك انتماءه، فهذا ما نستفيده من سيدنا صلى الله عليه وسلم. وببساطة، ببساطة تامة، هناك مواقف تقرأها ولا تنتبه لها. منها فالنبي عليه الصلاة والسلام جلس في مكة تسعة عشر يوماً هدم فيها الأصنام ونظفها من هذه ومما حولها، أرسل بعض البعوث وما إلى ذلك. العرب دخلت في دين الله أفواجاً، لا يوجد مانع، لكن هناك قبائل شرسة.
ما هي هذه القبائل الشرسة؟ القبائل الشرسة هي قيس عيلان وقيس عيلان والبطون التابعة لها ثلاث. أربع بطون، خمسة منهم قالوا: "لا، لن ندخل، سنجعلها لكم دماً". سنرى بعد الفاصل ماذا فعل الله في المؤمنين وفي بطون قيس عيلان. بعد الفاصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بطون قيس عيلان كانت قبيلة بطن هكذا. اسمه
سعد بن بكر، وأولاد سعد بن بكر هؤلاء هم هوازن وثقيف، وكل هؤلاء من بطون قيس عيلان، ومعهم بنو سليم. حسناً، كانوا قادمين ليتقاتلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، وهم الأقل من ناحية العرب ككل، فهم بطون قبيلة واحدة، بعض القبائل يعني، بعض بني هلال وليس كل بني هلال، بعضهم فقط. أسلم شخص يُدعى أبو عامر الأشعري، فجمع كل هؤلاء الرجال: ثقيف وهوازن وبني بكر وبعض بني هلال وغيرهم، جمعهم جميعاً وذهب بهم إلى مكان ما بين مكة في
اتجاه عرفة يُسمى أوطاس. ما اسم المكان؟ إنه أوطاس، وادي أوطاس، وفي وادي أوطاس. نزل الرجال ونساؤهم والأطفال وأحضر كل المال الذي يملكه أهل هذه القبائل من الإبل والشياه والأموال الفضية والذهبية وكل شيء، ونزل في أوطاس، وأوطاس هذا وادٍ بجانبه وادٍ آخر هكذا بعد منعطفين جبليين اسمه حنين، ووادٍ ثانٍ بجانب أوطاس اسمه حنين،
والاثنان على بعد مسيرة ليلتين تقريباً من مكة في هذا الاتجاه. عرفة لكنهم ليسوا في عرفة، هم منحرفون هكذا إلى جهة اليمين لأنهم قادمون من ثقيف من الطائف، وبعد ذلك أنزلهم في أوطاس وقابل رجلاً حكيماً مستشاراً، أي القائد الأعلى لقوات المشركين، اسمه أبو عامر الأشعري. القائد العام لكل هذه القوات هو دريد بن الصمة. ما هذا الدريد؟ إنه دريد بن الصمة الحكيم. كبير في السن لكنه خبير يعرف كيف تُخاض الحرب وكيف تكون، لكنه لا يقاتل لأن عمره مائة سنة. دريد بن الصمة، فنظره
ضعيف ولا يرى جيداً. سألهم: "لماذا أتيتم؟" فقالوا له: "جئنا لنحارب محمداً". فقال لهم: "كيف تحاربون محمداً؟ وما هذا؟ أنا أسمع صوت دجاجة وصوت ديك وصوت..." معزة وصوت إبل يصدران أصواتًا مثل هذه، وأسمع صوت أطفال. أنا لا أفهم. قالوا له: لقد أحضرنا كل شيء معنا، فعند القَدَر يعمى البصر. قال لهم: كيف أحضرتم كل شيء؟ يعني أنتم قادمون للحرب أم قادمون للهجرة أم ماذا بالضبط؟ قالوا له: لا، نحن قادمون للحرب، قادمون للحرب، فأحضرنا النساء. لكي يكون عند الرجال غيرة وحمية بأن يدافع كل منهم عن نسائه وأطفاله وأبنائه
وعن المال وعن كل شيء، فلا يعود إلا وهو منتصر، وإلا فكل هذا سيضيع. فقال له: "ومن قائدكم؟" فأجاب: "أنا يا أبا عامر". فقال له: "أأنت مجنون يا أبا عامر؟ هل..." المنهزم شخص يُضرب ويُجرح ويُؤذى وما إلى ذلك، فيهرب. من الذي سيسأل في تلك اللحظة عن النساء والأطفال والأموال؟ إنه سيجري، فهذه طبيعة البشر. هو نفسه، ماذا سيفعل يعني؟ هل سيظل واقفاً هكذا أمام من يضربه بالسيف؟ والمنهزم لا يخطر في باله أن وراءه كذا وكذا، فهُزم وستُؤخذ منكم كل [شيء]. هذه الأمور تصبح فضيحة لكم، وبالإضافة إلى الفضيحة
ستكون الخسارة، فتكون قد خسرت في المعركة وخسرت مالك، وتعرضت للفضيحة في أولادك ونسائك. هذا ليس تفكير الرجل الحكيم الذي يتكلم بحكمة، وهذا صحيح أنه يُعطي، لكن في حكمة. أبو عامر الأشعري لم يُعجبه الكلام فقال له: "ما شأنك وشأن أهلك؟" ماذا في هذه الحكاية؟ أنت رجل خرفت وكبرت وأنا أقول لك الآن كلمة أخرى وأنت حر فيما بعد. قال له: حسناً، عش حياتك، لكنني أقول لك إن خبرة السنين هذه نأخذ منها شيئاً، نحن - أي الشباب - يأخذون منها شيئاً، وهو أن الناس
الحكماء الذين رأوا بالتكرار أموراً كثيرة ونصحوهم لم يهملوهم. هؤلاء المخضرمون مجربون ويجب علينا أن نستفيد من خبرة الكبير لكي نضم حياته إلى حياتنا، لكن الشباب يعطونني ظهورهم ويقولون لي أنت لا تفهمني وأنا لا أفهمك، فهذا لا يصلح ولن تُبنى الأمم هكذا ولن نصل إلى مرحلة النجاح. دريد بن الصمة أدى ما عليه وأبو عامر الأشعري أثار الدنيا وقال لهم. فإذًا، فواحد جاء وقال له: "أوطاس هذه لا تصلح، إننا يجب أن ننتقل إلى حنين لأن أوطاس مكشوفة بعض الشيء". فذهب أبو عامر الأشعري وأحضر
الناس الكثيرين الذين معه وتوجه إلى الجبال والوديان التي بين أوطاس وحنين، وأخفاهم في مفترق الطرق وجعلهم على قمم الجبال مختبئين خلف الصخور وهكذا بسبب الطريق. هذا هو الطريق الذي سيأتي منه الجيش الإسلامي، واختبئوا في أمان الله، واستعدوا بالنبل والسهم لكي يضربوهم من فوق، فيحدثوا اضطراباً وفوضى. بعض الناس ستنسحب، فالذين ينسحبون سيصطدمون مع المتقدمين، فهناك أناس متقدمون من الخلف وهؤلاء قادمون من الأمام، فيقتلون بعضهم أو يضربون بعضهم، فتحدث الهزيمة. هذه كانت خطة أبي... عامر الأشعري القائد العام لقوات
المشركين في حنين. سيدنا النبي تحرك من مكة، حيث كان سيدنا النبي قادماً لفتح مكة وكان معه حوالي عشرة آلاف فارس. أسلم الناس في مكة فانضم إليه ألفان آخران، فأصبح الجيش كم؟ اثني عشر ألفاً: عشرة قادمين من المدينة وما في الطريق، واثنان حديثو عهد بالإسلام. يستشيرون عقولهم لكنهم يرون أن محمداً أيضاً قرشي منهم، فمن الجميل عندما ينتصر؛ إذ تكون قريش قد انتصرت. يعني حتى لو لم تكن هناك الحمية الدينية، فهناك الحمية الوطنية القبلية،
وهكذا. فليس هناك مانع من أن يذهبوا ويحاربوا وينتصروا على ثقيف، فتكون قريش قد انتصرت على ثقيف. وفي النهاية سيكون محمد... الذي هو من قريش هو الذي انتصر على أبي عامر الأشعري الذي ليس من قريش، والنسب هكذا من قيس عيلان. فذهبوا اثني عشر ألفاً، ولذلك قطعوها في يومين. المسافة لا تستغرق ليلتين، لكنهم أخذوها في ليلتين. وصلوا في الثامن من شوال، الثامن من شوال وصلوا إلى هذا الوادي، إلى هذا المكان في العاشر. ما السبب في أنها مسافة إحدى عشر ميلاً تُقطع في كل هذا الوقت؟ إنه
جيش عرمرم كبير يسير كأنه في مسيرة عسكرية يدك الأرض. أبو عامر أرسل جواسيس الذين هم بمثابة سلاح الاستطلاع، والنبي عليه الصلاة والسلام أرسل شخصاً وقال له: عش معهم وانظر ما هي أخبارهم، وتظاهر بأنك منهم. هكذا كل هذا أصبح الذي تطور بعد ذلك وأصبحت المخابرات الحربية والمخابرات العامة وما إلى ذلك وهذا الكلام. هو الشاب الذي أرسله أبو عامر لكي يراقب المسلمين رجع مرعوباً. قال له أبو عامر: "ما بك مرعوباً هكذا؟" قال له: "لقد رأيت أناساً عجيبين غريبين لم أر مثلهم في حياتي". قال له: رأيتُ
ماذا؟ قال له: رأيتُ أناساً يرتدون ملابس بيضاء خالصة هكذا، وشيئاً غريباً جداً لم أرَ مثله أبداً. قال له: حسناً، لا عليك، دعنا من هذا الكلام الفارغ، دعنا من الأبيض في الأبيض والأسود في الأسود، وليس لنا شأن بهم، دعنا في حالنا. هل هؤلاء هم الملائكة؟ أم المسلمون؟ كانوا يرتدون اللون الأبيض، قد يكون ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: "وأنزل جنوداً لم تروها". هل يا ترى الذين لم يروها هم المسلمون، ولكن المشركين رأوها؟ احتمال. سنكمل ما الذي حدث في حنين في الحلقات القادمة إن شاء الله. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.