#حديث_الجمعة | بداية السنة السادسة من الهجره وإرسال البعثات

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. لحظات نقضيها في ظلال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والنبي المجتبى سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً. ذكرنا
ما كان من غزوة الأحزاب وأنها تمت في السنة الخامسة والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمضى عشر سنوات في مكة فهي في منتصف الطريق، فبعضهم يعدها نقطة فارقة بين المدينة في أول أمرها والمدينة في ثاني أمرها. ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، طرد بني قريظة بإعدامهم بحكم قضائي، وتخلصت المدينة من وبنو قريظة فخلصت للمسلمين
ودخلنا بعد ذلك في السنة السادسة، فمنهم من يعدّ هذه السنة السادسة هي الفارق بين المرحلة الأولى والمرحلة الأخيرة. النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى العرب قد هاجوا عليه وعلى أتباعه المؤمنين الأتقياء بالتعاون مع اليهود مرة، وبالحشد الذي حصل في غزوة الأحزاب مرة، وبالاستعدادات. أخرى هنا وهناك مرات بدأ في تطهير ما هنالك وبدأ يرسل البعوث والسرايا
حتى يُعلِم الناس من العرب أنه صاحب قوة. عندما هزم الأحزاب، هُزموا بشيء أوقع في صدورهم أنه شيء غيبي. فبعضهم ضرب بعضاً كما رأينا، والعاصفة جاءت فحملت كثيراً من أمتعتهم، فأحسوا أن هناك شيئاً ما. وما دام غير مؤمن بالله، فلعله أن يكون سحراً، لعله أن يكون يعني شعبذة أو شعوذة، فالتأويلات كثيرة. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع الرعب بإذن الله في قلوب المشركين. هذه الحالة
من الرعب التي استكنت في نفوسهم جعلتهم كما قال تعالى: "سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب"، الرعب في قلوب المشركين عامةً، فبدأ في السنة السادسة يرسل البعوث هنا وهناك، فأرسل محمد بن مسلمة إلى بني بكر بن وائل، وبنو بكر بن وائل هؤلاء ساكنون أين؟ على مقربة من نجد، بين المدينة وبين نجد أربع أو خمس
ليالٍ، فسار محمد ومن معه إلى اتجاه نجد هم. سمعوا بهذا وتفرقوا، أجل، فهذا هو الرعب الذي دخل قلوبهم. لم يكونوا ليفعلوها أولاً. تفرقوا، ومحمد بن مسلمة جمع غنمه وشاته وغير ذلك، ثم عاد غانماً بها إلى المدينة. أما مسيلمة الكذاب فقد أراد قائلاً: "أتخرج قريش رجلاً منها يدّعي النبوة، ونحن هنا في نجد لا
يخرج منا أحد؟" أحدهم ادعى أنه نبي كما محمد نبي، يكفي أن اسمه عبر التاريخ "مسيلمة الكذاب". كذاب وظل كذبه هذا موجوداً. كان مسيلمة الكذاب يعتقد أن المسألة مجرد حيلة، وأن المعجزات التي تجري على يد النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن تجري على يد أي شخص. يعني وماذا يعني معجزات، يكثر الماء، يكثر الطعام، الجذع حن فسمعته الصحابة، الحصى سبح
فسمعته الصحابة. ما أنا أعمل أشياء مثل هذا أيضاً. وأنا يعني، كان أحمق مسيلمة، كان أحمق. ولكل داء دواء يُستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها. كان أحمق فكان يأتي ويقول لهم تعالوا إلى البئر. ها أنا أتحدث فيه عن قومٍ مضطربين، فالماء يصل إلى منتصفه وهكذا يغيض في الأرض، أي يتسرب تحتها. يعني أنه منحوس، كما أن بعض الناس يجلبون الشؤم والنحس، فكلما دخلوا في أمرٍ ما، يفسد هذا الأمر من تلقاء
نفسه. كان هذا الرجل منحوساً لأنه يدّعي ما ليس فيه. قوم. هؤلاء شيء خارق للعادة، لكن هي نفسها خارقة، بصقت في البئر فانتهى البئر، ألا إن هذه نفسها خارقة. فذهبوا وقالوا: "إذاً، ماذا نسمي هذه؟ كرامة أم معجزة؟" قالوا: "لا، نسميها خذلاناً، نسميها الخذلان". فأحضروا رجلاً كان اسمه مرثد بن أثاثة أو شيء كهذا، بن أثاثة الحنفي. كان سيّد بني حنيفة وقال له: "أنت ذاهب للعمرة؟" قال له: "نعم". قال له: "ألا تمرّ هكذا على المدينة وتقتل لنا محمداً؟"
قال له: "حسناً، لا بأس، سأفعل ذلك". قال له: "حسناً". فقام محمد بن مسلمة بالقبض على هذا الرجل في الطريق، فظنّ الرجل أنهم كشفوا الأوامر التي معه. مسيلمة عليه فقال له: "يعني يا الله، لماذا تقبضون عليّ؟ هل كل واحد... أنا كنت سأقتل محمداً، نعم، لكن هل هذا مبرر لتقبضوا عليّ؟ فكل من يريد قتل محمد تقبضون عليه؟" ما هذه الوقاحة التي لا نهاية لها! عندما كان جاهلياً قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه في... بعدما قبضوا عليه سلّموه للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال سيدنا
النبي: "حسناً، اربطوه في هذا العمود". كان الربط في هذا العمود يشبه نوعاً من أنواع القهر، ونوعاً من أنواع جعله يرى المسلمين كيف يبدون وهم يدخلون بهدوء ويُصلّون، ويسمع القرآن رغماً عنه. أصبح ويطعمونه ويسقونه هكذا إلى آخره لكن ما هو؟ كأنه محبوس، كأنه في سجن، وسجن ليس افتراضياً بل سجن حقيقي. ماذا؟ يرى الدنيا كيف شكلها. والربط في هذا العمود يكون خفيفاً لماذا؟ لأنك لو كنت واقفاً بدون عمود تستند عليه ستتعب، لكن عندما تستند على عمود هكذا قم.
ظهرك يرتاح يعني فيها رحمة قليلاً، وبعد ذلك يمر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ويقول له: "ها، ما أخبارك؟" فيقول له: "يا محمد، إن تعفُ عن كريم، وإن تطلب مالاً يأتك، لأنه سيد قومه وشيخ قبيلة"، يعني إنه شخصية مهمة جداً، "وإن تقتل ذا منعة"، يعني ماذا يقول كلام كأنه يستعطفه لكن أيضاً ما زال فيه جزء من التهديد. قال له: "حسناً، ابقَ كما أنت". وتكررت
هذه الحكاية ثلاث أو أربع مرات، كلما مر عليه يقول له: "ها، ما الأخبار؟" فيقول له الكلمتين نفسهما. ثم مرة ثانية بعد الفاصل نرى ما الذي فعل الله بهذا. من الرحيم، الحمد والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذا الرجل الذي جاء ليغتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أرسله مسيلمة سيد بني حنيفة، كان اسمه ثمامة بن أثال. ثمامة بن أثال بن أثال، الأسماء
نجدية هكذا. هو ثمامة بن أثال، يعني انظر إلى أسماء القرشيين أبو عمر علي، ألا تدري ماذا فعل ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه؟ قال له رسول الله وهو مربوط في العمود: "أطلقوا ثمامة"، أي دعوه. فخرج الرجل، وكانت المدينة آنذاك مليئة بالنخيل والمزارع والآبار وأشياء مثل هذه، أي زراعة. فدخل مزرعة واغتسل بعدما ظل مربوطاً لمدة ثلاثة أو أربعة أيام. في هذه الحكاية، ذهب وجاء
إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم وقال له: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، فأسلم ثمامة بن أثال وقال: "يا رسول الله، إني كنت أذهب إلى العمرة، كنت أذهب إلى العمرة، فقال لي مسيلمة: اقتل محمداً"، ولم يكن هناك على وجه... الأرضُ أبغضُ منكَ إليَّ، فلمَّا جئتُ شرحَ اللهُ صدري للإسلامِ ببركةِ سيدنا النبيِّ، وقد أسلمتُ. فدعا له رسولُ اللهِ عليه
الصلاة والسلام وقال: "إذًا فاذهب واعتمر". ما دمتَ كنتَ ناويًا على العمرة فلا تُحرَم منها، اذهب واعتمر. هذا يبيِّن لك إنصافَ الإسلامِ في أمور العمرة والحج. كان يفعلها المشركون، نعم، لكن هذا دين صحيح. فليس كل شيء يفعله المشركون خطأ. "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما". لماذا هذا؟ كانوا متحرجين يقولون: "كان المشركون يفعلون هكذا". فقال له: ليس كل شيء. يفعلها المشركون فيكون خطأً، هذا ممكن جداً. المشرك قد يفعل شيئاً صحيحاً، فأنا لا شأن لي بأنه يفعلها أو لا
يفعلها، إنما يهمني هل هي صحيحة أم لا. فاليهود يمتنعون عن الخنزير، حسناً، وأنا الحكم فيه من الله هكذا بأن يمتنع عن الخنزير. فلا آتي وأقول: اليهود يمتنعون عن الخنزير مزارع خنازير، لا، اليهود يمتنعون عن الخنزير. ما الحكم الصحيح في هذا؟ إباحته إن كان الله أباحه فنبيحه، أو تحريمه إن كان الله حرّمه فنحرّمه. فنجد أن الخنزير حرام، إذاً هو حرام. ليس لنا أن نتدخل في شؤون الآخرين. ونفس اليهودي الذي يحرّم الخنزير، الخمر عنده حلال ويظل يسكر حتى طينة اليهودي، فإذا
نحن لسنا سنقلد غيرنا بأن هذا يكون حلالاً أو ماذا يقول الله فيه، كما يقول الله إن الحكم إلا لله. ثمامة بن أثال ذهب ليعتمر، وهو سيد بني حنيفة المعروف في مكة وبينهم مصالح، فوجدوه يطوف مثل المسلمين حول الكعبة، وبعد أن انتهى ذهب ليصلي ركعتي الطواف. الله أنت صبوتَ أنت كفرتَ أو ماذا؟ أنت كفرت ودخلت الإسلام. فقال: لا، لم أصبُ بل أسلمت. أنت تنتبه؟ لم يسكت.
لم يقل لهم: نعم صبوت عن دينكم. لا. قال لهم: لا بل أسلمت. قالوا: أجننت؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو، ما دمتم قلتم لي لا تخرج حبة حنطة من اليمامة إليكم إلا بإذن سيدنا النبي. عليكم أن تحضروا أولاً تصريحاً وإلا فلن يكون هناك تصدير. لابد أن تحصلوا على تصريح، من مَن؟ من سيدنا النبي، لأنكم لا فائدة منكم. والله لا تخرج حبة حنطة من اليمامة إليكم إلا بإذن سيدنا
النبي صلى الله عليه ماذا؟! لقد أوقعنا أنفسنا في مشكلة. بدأت المصالح تعمل، بدأت المصالح تعمل. وذهب ابن أثال، رضي الله تعالى عنه، إلى اليمامة. واليمامة كانوا يسمونها ماذا؟ ريف مكة. وما معنى ريف مكة؟ أي الأرض الخصبة التي تُنتج المحاصيل التي تُطعم مكة. فمن أين ستأكل مكة؟ من الممكن... تذهب إلى اليمن بعيدة، ممكن تذهب لتجلب الطعام من الشام بعيدة، ممكن تذهب لتجلب الطعام من اليمامة قريبة، ولذلك المملكة العربية السعودية لو نظرت إلى خريطتها يقال لك المنطقة الغربية التي فيها الحجاز، المنطقة الوسطى
التي فيها اليمامة، المنطقة الشرقية، فتكون الوسطى قريبة من ماذا؟ من الغربية، إذاً... المسافة قريبة، أربعة أو خمسة أيام، أذهب لأجلب الطعام وأعود، لكن عندما أذهب إلى الشام فهي تستغرق خمسة عشر يوماً، وعندما أذهب إلى اليمن فهي تستغرق خمسة عشر يوماً أيضاً. حتى ضاقت المطاعم، أي نفد الطعام والشراب على أهل مكة، فاستنجدوا برسول الله عليه الصلاة والسلام، استنجدوا برسول الله صلى نسألكم بالله والرحم، الآن تسألون الله والرحم، ولم ترد حبة حنطة
من ريف مكة من هناك إلى مكة إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما توعدهم ثمامة بن أثال. الرجل الذي جاء ليغتاله انقلب من الاغتيال إلى واحد من المسلمين يعز به المسلمون كلهم لأنه أصبح. المسلم في يده شيء يتفاوض عليه وهو تصريح إرسال الطعام والشراب، وفي السياسة يقولون: إذا لم يكن طعامك من وعائك فرأيك ليس من رأسك، فتكون مع من يملك الطعام، ولذلك دائماً
خضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في مثل هذا الموقف، وكان يقوم في أثناء ستة من إلى آخرها بمجموعة من تطهير هذه الأوضاع مرة قوم يُسمون بني لحيان قريبين من مكة هكذا قريبين من مكة أيضاً على بعد أربعة أيام من المدينة إلى مكة قتلوا الصحابة كانوا قاتلين صحابة والدنيا هائجة فرسول الله قال لهم حسناً، اسكتوا الدنيا
هائجة فيجب عندما تهيج الدنيا أن تسكت وتهدأ. هكذا إلى أن ترى الوقت المناسب لتضرب في الوقت المناسب. عندما حدثت قصة محمد بن مسلمة، وحدث أنه حُكم على بني قريظة، وحدث أنه كذا إلى آخره، بدأت العرب تضطرب. ولذلك شعر النبي أن هذا وقت مناسب لأن نأخذ بثأر الصحابة الذين قتلوهم وأعدموهم في بني لحيان. بنو لحيان قريبة. من مكة، يعني من الممكن أن يأتي أهل مكة. حسناً، ماذا نفعل إذا كان هناك تفكير استراتيجي أو تفكير للموضوع؟ فما قصة بني لحيان؟ سنتناولها
في حلقة أخرى حتى نتعلم منها كيف يكون القرار المناسب في المكان المناسب مع الشخص المناسب في الزمان المناسب بالطريقة المناسبة. فهذه سنة سيدنا رسول الله عليه وآله وسلم، فإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.