#حديث_الجمعة | تقديم المصالح على المبادئ عند الاختلاف بينهم

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة النبي المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات عسى أن تحفنا الملائكة، فإن الملائكة تتنزل عند ذكره صلى الله عليه وآله وسلم. تكلمنا في حلقات سابقة
عن الكتب. التي أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآفاق إلى الأمراء والملوك والشيوخ، وكان من ذلك أنه أرسل إلى هرقل وأرسل إليه دحية الكلبي. كان دحية جميل المحيا، وكان نقي البشرة، وكان له طلعة بهية حتى إن الصحابة كانت تظن أن سيدنا جبريل عندما يأتي ليعلم الناس أمور دينهم ما يكون شبهاً بنفرٍ منا دحية الكلبي، ودحية رجع من هرقل بهدية بأموال
وبكساء، وكانت عادة الزمان أن تُمنح الأموال هدايا، وهذه الأموال كانت وهي على سبيل الهدية تُقبل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها وكأنها عربون محبة وإظهار ود، فرجع دحية بشيء من المال والكساء لرسول الله. صلى الله عليه وسلم هدية من هرقل وكأن هرقل يقول له إنني أحبك وإنني أؤمن بك لكنه فضل ملكه وضن به، ضن بملكه، يعني سأترك كل هذا، فهذا غير معقول،
ضن بملكه. أما من الناحية العلمية فقد كان يعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ما حدث بينه. وبين أبي سفيان وكان لم يسلم بعد، إذ أسلم يوم الفتح، وهذا كله إنما كان بين الحديبية وبين الفتح. عامة أهل السير تذكر أن هذا الخطاب كان، أو أن هذه الحادثة التي حدثت لدحية كانت بعد الفتح، وهو خطأ كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد، وهو عاد دحية وكان معه هدية عند منطقة خلف وادي أم
القرى في مكان يُسمى الحسمي، فهجم عليه قوم من قبيلة جذام، فقطعوا الطريق عليه وأخذوها منه حتى لم يبق منها شيء. أخذوا الهدية، استولوا عليها، أي ليس قطعوها بل استولوا عليها. قطع طرق؛ يعني حاول دحية أن يدافع بما معه من نفرين أو ثلاثة، لم يعرف، والكثرة تغلب الشجاعة، فأخذوها منه. نحن في وقت متوتر، العرب تستأسد علينا، ويظنون أننا عندما يضربوننا ضربة قوية نسكت ونتلجم، وبهذا
الشكل تذهب هيبة المسلمين. وهيبة المسلمين بعد غزوة أحد تعرضت لهزات، فأخذ الرسول يلملمها. الله حتى وصل إلى ما وصل إليه بالحنكة السياسية بعون الله ووحيه، ولكنه يعلمنا الحنكة السياسية وأن المهابة لا تترك. جاء دحية فدخل المدينة، ومن المفترض أنه سيذهب ليأخذ حماماً أو شيئاً من هذا القبيل، ويغير ملابسه، وخاصة أن دحية كان أنيقاً ويهتم بمظهره. لكنه أبداً لم يذهب إلى أهله الله صلى الله عليه وسلم، فالأمر جلل، إذ سيكون هو مدركاً أن هذا أمر خطير. ليس مجرد بعض
الأموال التي ضاعت وبعض الثياب والأشياء والهدايا، بل هو تجرؤ العرب على المسلمين أو تجرؤ أي جهة على الدولة. أي جهة لا بد أن تتلقى ضربة قوية على قفاها هكذا. فذهب إلى أن جذام فعلت وفعلت، نادى له زيد بن حارثة، ذهب ونادى له زيد بن حارثة، فأرسله في خمسمائة رجل، خمسمائة فارس. ما هذا يعني أكثر من أهل بدر؟ أنت تنتبه أن بدر كانت ثلاثمائة واثني عشر. ما هذا؟ أصبح مهماً جداً من أجل بعض الأموال؟ لا، من أجل الهدايا. لا يَعِلم لأنَّ هَيبة الدولة، إذ لو سكت سنُضرب من
كل مكان، فأرسل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه في خمس مائة من الفرسان. "اذهبوا وأحضِروا لي هؤلاء القوم" وليس "أحضِروا لي الهدية". فذهبوا إلى قبيلة جُذام، هذه القبيلة التي تقع وراء وتسبب الألم، وهجموا عليهم فقتلوا فيهم أناساً مقهورون أنتم تضربون تسرقوننا لِمَ تضربوننا لِمَ الناس مقهورون ضربوهم أخذوا كثيراً ألف بعير ألف بعير شيء ضخم ألف بعير وخمسمائة
ألف شاة ما هذه قطعان القطيع يعني يكون كبيراً مئتان أربعمائة هذا قطيع كبير لكن هذا خمسة آلاف شاة ومائة من الأسرى من النساء والصبيان هذه معركة شديدة، معركة شديدة، نعم، معركة شديدة، لكن لها سبب وهو هيبة الدولة. عيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي ومعه الكتاب ومعه هدية ومعه كذا، ثم يقوموا بتخريب الأمور. ماذا؟ أهي فارغة؟ ما الحكاية؟ أينقصكم شيء؟ ضربهم ضرباً مبرحاً
زيد بن حارثة رضي الله تعالى الأشياء وما شابه ذلك إلى آخره، فرحين أنهم انتصروا على واحد من حقرائهم. انظر إلى الكلام الآن، وانظر إلى المبادئ والمصالح، وانظر إلى النفسية النبوية العالية، وانظر لقد حصلنا على الخلاص والغنيمة، وفرحين أننا ضربنا الشباب الذين اعتدوا علينا وأوقفناهم وضربناهم ضرباً شديداً، وأخذنا الغنيمة مقابل ما الله تعالى عنه من جذام من القبيلة التي ماذا؟ التي ضربت هذه التي سرقت في الضرب، وكان قد
أسلم. يعني هؤلاء الجماعة من جذام لهم ماذا؟ لهم مكانة عندنا، وكان قد أسلم، وعندما أسلم كان ناصحاً. هو زيد، سيدنا زيد بن رفاعة، كان ماذا؟ ناصحاً، فذهب وعقد معاهدة مع رسول. الله ومع القبيلة التي ينتمي إليها يكون رجلاً وطنياً. قبيلة جذام كانت مشركة وليسوا مسلمين، لكن زيد يريد أن ينفع وطنه وأن ينفع قبيلته، فيسعى بين وطنه وبين سيدنا رسول الله من أجل أن يأخذ
موادعة. وما معنى الموادعة؟ أي لا تضربني ولا أضربك، اتفاقية لا تضربني ولا أضربك. جاءه مهادنة فقال له: انظر يا سيدنا، هناك أمران أعرضهما عليك. الأمر الأول أن دحية عندما كان يُضرب، علمت بذلك وأتيت إليه ونصرته، وكانوا سيقتلونه، وأنا الذي منعت ذلك ودافعت عنه لأنه أخي في الإسلام أولاً، ولأن هناك مهادنة ثانياً. أي أنكم تخالفون القانون يا جزامك، ثانياً في... مُعاهَدَة بيننا وبينكم يا سيدنا، فلا يجوز لك أن تضربه. كان من الممكن أن نُحضِرَ لك الصبيان، أو نُحضِرَ لك
الهدية، أو نُرسِلَ إليك شخصاً دبلوماسياً يبحث الأمر على سبيل التفاوض وليس على سبيل الحرب. كان من الممكن لسيدنا أن يقول له: ضربك لدحية أو ضرب حذائك لدحية يُسقِطُ المعاهدة بخاصته عظَّمها عليه الصلاة والسلام وقال له: "يا زيد، كلمتك لا تُرد"، فأرجعوا لهم ألف بعير وأرجعوا لهم الخمسة آلاف شاة وأرجعوا لهم النساء والصبيان وأرجعوا لهم كل شيء، ولا نريد الهدية. عظَّم من؟ عظَّم زيداً، عظَّمه لأن زيداً عندما يرجع إلى قومه - وهذا هو سبب انتشار الإسلام - قلتم وأنجبتم وكنتم ستضيعوننا وضيعتمونا
فعلاً، ولكن انظر ماذا فعل بنا هذا الرجل، إنه صاحب فضل علينا. بعد الفاصل نواصل، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. زيد بن رفاعة أسلم هو ورجال من جذام، الجذام هو وهو والرجال التابعون له لسيدنا صلى الله عليه وسلم يذكرونه بالمهادنة من الناحية القانونية، هم ليس لديهم مهادنة ولا
شيء، لكن من الناحية الدعوية لا يوجد مانع أن نحتال أو نتلطف بكل وسيلة حتى نُبقي الهيبة ونقدم المبادئ على المصالح. ونقدم المبادئ على المصالح إذا أمكن أن نجمع المبادئ والمصالح معاً، يا رب لك حافظت على مبدئي وفي نفس الوقت حصلت على المصلحة، لكن لو تعارضا، أقدم المبادئ. هناك بقي يقدمون المصالح على المبادئ. هذه هي القصة كلها. نحن نحاول أن نجمع بينهما، فإن لم يمكن، تبقى المبادئ أولاً. هم أيضاً يحاولون أن يجمعوا بينهما، فإن لم يمكن،
تبقى المصالح أولاً، ويلعن أبو المبادئ، والده في سبيل مال قليل يعطيه، هذا ما نعيش فيه في عالم اليوم: تقديم المصالح على المبادئ عند اختلافهما وعند عدم إمكانية الجمع بينهما. فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الغنائم من أجل زيد بن رفاعة الجذامي رضي الله تعالى عنه والعلة التي خذوها من خلال القوانين، يعني هي أيضاً أعطت هيبة للدولة وهيبة للمسلمين أننا لا نترك حقنا. هذا هو الفرق بين المسلمين وبين كثير من مذاهب أهل الأرض، لا
نترك حقنا، لكن يجب أن يكون حقنا وذلك كله مغلف بالرحمة والمبادئ والرفق وبكل شيء، ولكن لا نترك حقنا. وهذا الذي يراكم الفساد أن تترك حقك، تترك حقك، تترك حقك إلى أن تستباح. هذه هي العملية. نحن لا نترك حقنا، المبدأ هكذا. أما تطبيقات المسلمين فليست هكذا. اترك، في كل حين ترجع خطوة للوراء. لكن الأمر ليس هكذا، لن نترك، يعني لن نترك وكل العالم. يعرف أننا لا نترك حقنا، ولكن عندما يكون حقنا وبالشرعية والقانون. طلب
العفو للموادعة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو من أجل الموادعة. كان هناك في البحرين رجل اسمه المنذر بن ساوي، ملك البحرين. والبحرين تعني البحرين الحالية هكذا ومعها. جزء كبير كانت كبيرة بعض الشيء، أتفهم؟ يطلقون عليها هجر، كانوا يسمونها هكذا، ويبدو أنها منها، من المنطقة الكبيرة، ليست البحرين التي عاصمتها المنامة الآن. لا، كانت كبيرة قليلاً هكذا، وكان يحكمها المنذر بن ساوي، ومنها أبو هريرة راوية الإسلام، من هذه المنطقة أناس
يبدو من... هاجر كثيرون. ماذا يعني أنني سمعت أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عند المنذر؟ إنه أمر عظيم جداً. يعني معظمه هكذا، وهناك أناس يعرفون هذه الحقيقة. فالمنذر كان يحب سيدنا عليه الصلاة والسلام، لكن لديه مشاكل. ما هي مشاكله؟ مشاكله هي التعددية، فلديه مجوس من المواطنين التابعين له، ولديه وعنده مسلمون، والحاكم عندما يكون لديه تعددية وهو لم يفهم القضية بعد، يظن أن
معنى أن ندخل الإسلام هو أن كل فرد كل فرد يدخل الإسلام، وهذا سيسبب مشاكل. سأقول للمسيحي أسلم وهو لا يريد أن يسلم، واليهودي أسلم وهو مقتنع بديانته، حسناً، هذا المجوسي تربى على ذلك ولا يريد، أن يدين هذا الحادث الجديد، فماذا يعني ذلك؟ هناك مشاكل، ولو أكرهتهم سأتسبب في فتنة في المجتمع. الرجل حيران، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل له مَن؟ أرسل له العلاء بن الحضرمي بكتابه: "أسلم تسلم، ونملّكك مكانك، وكل شيء يبقى كما أنت عليه". فأرسل له. قال له: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وأرسل من المنذر بن ساوي
إلى رسول الله. ها قد أسلم المنذر: "أنا ليس لدي مانع، لكنني الآن أواجه مشاكل، والمشكلة هي في التنوع. أعني ليس اللفظ هكذا، أنا أفهمك، أي أن المشكلة في التنوع، فلدي يهود ولدي مجوس ولدي مسلمون". ولديّ مشركون، ماذا أفعل؟ ماذا تريد؟ وعلى كل حال، ما تريده سنفعله لك، لكن حلّ لي هذه المشكلة. الرجل يفكر بحسابات السياسة أن هناك مشاكل ستحدث عندما آتي وأجبر المسيحيين الذين لدي على أن يُسلموا. حسناً، أنا بذلك جعلته مسيحياً في القلب ومسلماً في الظاهر أو يهودياً. في القلب ومسلم في الظاهر، حسناً، أنا هكذا جعلت أناساً يكذبون. هل الإسلام يقول اكذب؟ إنه يقول لك كن صادقاً. من صدقه أن المسيح
يقول أنا مسيحي، واليهودي يقول أنا يهودي، والمجوسي يقول أنا مجوسي، والهندوسي يقول أنا هندوسي. من صدقه هكذا، وأنا أقول له الصدق ولا أقول. له الصدق وهو يكذب، فقلت له: كن صادقاً. فقال: حسناً، وماذا ستفعل بي؟ هل ستقتلني أم ماذا؟ فقال: لا، أنت كما أنت. فأرسل له سيدنا الرسول مرة ثانية كتاباً. الأول أسلم ورد عليه قائلاً: حاضر، ولكن حاضر هكذا أولاً. حاضر، ولكن ماذا أفعل؟ في ما لديَّ، فأرسلتُ له مرة ثانية أن الذين لديك اتركهم كما هم: اليهودي يهودي، والمجوسي مجوسي. ومن هنا استنبط العلماء من هذا الخطاب أنهم سنُّوا بهم سنة أهل الكتاب، فجعلوا المجوس أهل كتاب. ومن هنا عندما دخل المسلمون
الهند، أول شيء فعلوه قالوا: تعالوا أنتم. لديكم كتاب لنجعلكم مثل أهل الكتاب، فقالوا لهم: نعم، لدينا الفيدا. قالوا لهم: حسنًا، توكلنا على الله. والفيدا هذا عشرة أجزاء وما إلى ذلك، يحفظونه مثل القرآن، ولكن كل عائلة تحفظ جزءًا، يعني عائلة فلان هذه تحفظ الجزء الأول، وعائلة علان تحفظ الثاني، وعائلة سلان تحفظ الجزء الثالث وهكذا. تذكر تحفظ الرابع وهكذا، فأنت من أي عائلة إذاً؟ لست حافظاً للفيدا كله، لا أحد يحفظ الفيدا كله. فماذا يحفظ منه؟ جزءاً منه. والله، يعني أنتم عدوكم كتاب أيضاً؟ نعم والله. حسناً، تكونون إذاً أهل كتاب.
الجماعة أتباع بوذا. قال لك: والله هذه فكرة، كل الناس عندهم كتب. إذن نبقى هكذا دون كتاب، فقاموا بإخراج إنجيل بوذا وسموه إنجيلاً مثل إنجيل سيدنا عيسى. إنجيل بوذا؟ ولماذا سموه إنجيلاً؟ لماذا أطلقتم عليه اسم إنجيل؟ ثم نأتي نحن في العصر الحديث ونحن نقيم الحوار بيننا وبين أهل الأديان، فيأتون ويقولون: لدي إنجيل بوذا. وحسناً، لا مشكلة. تكون من أهل الكتاب، سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب. طبعاً المجوس من زردشت، وزردشت عنده كتاب، انتبه! السابقة عندهم كتاب، وهكذا. هذه الكتب نريد أن ندرسها لنعرف كيف نعيش
في عصرنا الذي نحن فيه، وكيف نعامل الناس. والنبي عليه الصلاة والسلام، انظر عندما قال له: "دعهم كما هم". دعهم كما هم. ما شأننا بهذا الأمر؟ لم يقل أحد أن هناك إكراه في الدين، ولم يقل أحد أن الناس يجب أن تخرج من دينها إلى دين الإسلام. هل هذا ما يجب أن يفعله المسلمون؟ أن يخرجوا الناس من دينهم؟ لم يحدث هذا أبداً، وكل هذا كذب، كما أنه أحضر سياسي وقال له ابقَ كما أنت، فأنت الذي تعرف كيف تقود هذا الأمر. الناس تريد قمحاً، الناس تريد كذا، الناس تريد كذا. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.