#حديث_الجمعة | تكوين الرسول لمجلس حرب أعلى لرد هيبة المسلمين بعد هزيمة غزوة أحد

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حتى تتنزل الرحمات على هذا المجلس المبارك من عند الله، فإن الرحمات تتنزل بذكره صلى الله عليه وسلم وبذكر سيرته الكريمة الشريفة وعلى كل من يسمعنا.
بعد ذلك من خلق الله تتنزل السكينة على قلوبهم بذكر ما كان من شأن النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. نعم، رسول الله صلى الله عليه وسلم كوَّن مجلس حرب أعلى من أجل مواجهة ما تسامع به وما أوحي إليه بشأنه من أن القبائل. كلها تريد أن تنتهز الهزيمة التي حدثت في أُحد للقضاء المبرم والتام والنهائي على دولة الإسلام والمسلمين. ورسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيد منصور ومنوَّر،
فهو نبي، و"نبي" صيغة "فعيل" تصلح للدلالة على الفاعل والمفعول، يعني منبَأ ومنبِئ، فهو منبَأ من عند الله ومنبِئ للبشر، فهو الواسطة الحقيقية بين الحق. والخلقُ أداءٌ وليس هناك واسطةٌ بين الخلق والحق في العبادة، ولكنه هو الذي يُوصِل الرسالة، فهو الواسطة بين الحق والخلق، ولا واسطة بين الخلق والحق. رسولُ الله والمجلس الأعلى، وفيهم سلمان الفارسي الذي اقترح
تِقنية جديدة يفعلها أهل فارس في الحرب بأن يجعلوا الجبل خلفهم ويجعلوا خندقاً عميقاً أمامهم. اقتنع بهذه. الفكرة وبدأ في التنفيذ لأن هذا يستغرق وقتاً وهم لم يتحركوا بعد من مكة ولم يتحركوا بعد من الأماكن المختلفة التي تواعدوا عليها في مواعيد محددة حتى إذا ما وصل عشرة آلاف إنسان إلى المدينة يصلون في أوقات محددة وليس بطريقة متفرقة يستطيع المسلمون بها أن يصطادوهم جزءاً جزءاً هناك في المدينة. حينئذ أكثر
من ثلاثة آلاف مسلم أو يمكن أن نقول ثلاثة آلاف مقاتل، نحن لا نحسب الأطفال ولا النساء ولا العجزة ولا كبار السن وما إلى ذلك. المقاتلون ثلاثة آلاف، أي الصالحون للقتال. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبل يسمى سلع في المدينة، وهو مدخل من مداخل المدينة. من حيث يأتون وبدأ في حفر الخندق. حُفر الخندق بواسطة حوالي ألف شخص تحت قيادة النبي صلى الله عليه وسلم وتحت استشارة وخبرة سلمان الذي سيحدد عرض
الخندق وعمقه وطوله. وكما ذكرنا فإن الخندق صُنع من أجل ألا تستطيع الخيول أن تقفز عليه، وما دامت الخيول لا تستطيع. أن يقفز عليه فهذا معناه أن الإنسان أيضًا لا يستطيع أن يقفز عليه، فهو ما يُسمّى في الحربية الحديثة عائقًا. فهناك عائق مائي وهناك عائق ترابي مثل خط بارليف إذا كنتم تتذكرون الذي جعله المصريون هشًا وأذابوه، وهناك عائق خندقي عميق، عوائق تصد العبور. الفرس عندما
نمسك الفرس حوالي... هكذا من قدميه هذه إلى قدميه تلك يعني حوالي مترين، والقفزة الخاصة به حوالي ثلاثة أمتار، مع المترين يصبحان خمسة، فيجب أن نجعلها ستة لكي تكون ستة أمتار، ولكي ينزل ويتعثر في الأسفل وتصبح النزلة مؤلمة، فيكون من مترين ونصف إلى ثلاثة أمتار، ستة أمتار تجعل موته أرجى من حياة، يعني أكثر من... هكذا وبالطبع هناك استثناءات، فهناك من يسقط من الطابق الخامس والسادس ولا يحدث له شيء أو يتكسر قليلاً فقط، ولو نزل بطريقة معينة لن يحدث له شيء، لكن
هذا يحتاج إلى قلب شجاع جداً، كأنه يسبح في الفضاء حتى يصل إلى النهاية، فينزل بطريقة معينة يتدرب عليها هؤلاء الأشخاص. الخاصون بالمظلات حتى ينزل دون أن تنكسر فيه أي شيء، وحتى الخاصون بالمظلات ينكسرون عندما تحدث أشياء لا يستطيعون معها تنفيذ القواعد بدقة. إذاً أمامي خندق يبلغ طوله حوالي كيلومتر أو كيلومتر ونصف من هنا ومن هنا، لكي يكون الجبل محاطاً بالجبل هكذا، وهو بأبعاد ستة أمتار في ثلاثة أمتار. ستة في ثلاثة بثمانية عشر، قل عشرين. عشرون في
اثنين كيلو يصبح أربعين كيلو. أربعون كيلو تراب، أربعون كيلو تراب تحتاج أن تصنعها مجهوداً ضخماً. الذي قام بهذه المسألة ألف إنسان. أربعون ألف، حيث أن أربعين كيلو، والكيلو هنا هو ألف متر، في أربعين ألف متر مكعب، فيكون لكل واحد... حفر أربعين متراً مكعباً، استغرقوا في حفره أربعة أو خمسة أو ستة أيام. مرة بقوا ثلاثة أيام دون أن يأكلوا. قال: والله
ما رأينا طعاماً يتذوقونه. مجرد يومين متتاليين، ثمانية وأربعين ساعة، لا يأكل ولا يشرب، فماذا يكون هذا؟ إنه منغمس، لقد دخل في مرحلة إدمان العمل، دخل في... هناك دورٌ يُسمى إدمان العمل، حقاً إنه مدمن للعمل، نسي الأكل، نسي الشرب، نسي كل شيء حوله، وجلس يعمل. ويحدث لهم نوع من أنواع ثورة العمل عندما يسمعون صوت النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول: "اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر اللهم للأنصار والمهاجرة"، يسمعون صوت النبي هكذا فيحدث لهم. انبساط
وطرب يحصل لهم شيء من نشوة العمل، يشتد العمل بدلاً مما كانوا يعملونه هكذا، ويحصل فيه تحفيز. وصوت النبي كان جميلاً عليه الصلاة والسلام، وخارجاً من القلب فيصل ليهز كيانه. انظر ماذا تفعل القيادة الرشيدة في الناس، فمن غير قيادة رشيدة تصبح الناس في فوضى لا سراة لها، لكن... مع وجود سيدنا صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك كلامٌ بسيطٌ جداً مهمٌ، يعني: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة"، يعني كلامٌ بسيطٌ جداً لكنه جميلٌ جداً. يعني ما نحن فيه من مجهود ومن تعب وغيره، المهم
أن العيش هو عيش الآخرة، "فاغفر اللهم للأنصار والمهاجرين". بعد الفاصل نرى. تفاصيل ما حدث في حفر الخندق على عهد سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه: نحو ألف رجل كانوا يحفرون الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي خرج من الخندق من
التراب جعلوه في مواجهة المشركين حتى يكون حائلاً ثانياً بعد الخندق، وحتى يُخفي عن بعضهم الخندق. نفسه فإذا حاول الاقتحام وقع في هذا الخندق، وبذلك يحدث الرعب. تقنية حديثة على العرب لا يعرفونها. كلّف النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد بمهمة محددة وهي ستة عشر ذراعاً. الذراع تقريباً نصف متر،
وهو بالضبط يعني ستة وأربعين سنتيمتراً، أي نصف متر تقريباً. فقال له: "حسناً، كل واحد يعمل ثمانية أمتار، كل واحد ثمانية أمتار، هذا ما هو مكلف به". لا بد من تحديد المهام لكي تنجح، يجب أن تحدد المهام لكي تنجح، يجب أن تريح الأفراد ولا تشعرهم باليأس. يعني: "متى سأنتهي؟ لا أعرف". لكي تنجح، لا تحمل شخصاً على شخص آخر. يرى الآخر أنه نشيط فيقول له: "هلّا عملت لي هذه أيضًا"، والآخر يقول له: "هلّا عملت لي هذه أيضًا". وننجح! أنت
مسؤول عن ستة عشر ذراعًا، ستة عشر ذراعًا تعني ثمانية أمتار. اعمل الآن، فيعمل بالمواصفات التي نريدها: ستة أمتار هكذا، ثلاثة أمتار بعمق في ثمانية أمتار، ثمانية في ستة. في ثلاثة وأربعة وعشرين في ستة عشر، اضربوهم وانظر ماذا يُنتج وكم يكون المجموع. وعندما أخرجوا الشيء، أخرجوه من الجهة الأخرى، أخرجوه من الجانب الآخر. يمكننا الآن عن طريق السقالات أن نعود مرة أخرى بعدما حملناها أمام العدو ثلاثة أمتار تحت، ستصنع أيضًا حوالي مترين فوق، نعم ثلاثة. المتر الذي تحت هؤلاء يُمكِّننا إذا
كنا بالشكل الذي ورد في السيرة أن نحسب طول الخندق وعمق الخندق وعرض الخندق وشكل الخندق وكيف كان بعد أن تم إنجازه وهكذا. امرأة أحضرت بعض التمر لأجل زوجها لأنها تعلم أنه منذ يومين لم يأكل، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوقفها في الوسط. قال لها: "تعالي، إلى أين أنت ذاهبة بهذا البلح؟" فقالت له: "لزوجي، إنه حقي". فقال لها: "لا، ضعيه هنا". ثم فرش لها قطعة قماش وقال لها: "ضعي البلح هنا". أهل الخندق الذين هم ألف رجل أكلوا منها، أكلوا من هذا التمر. ميزة هذا التمر أن
السكر يصل إلى... ظللت لفترة طويلة ولم آكل لمدة يومين، فالسكر منخفض ولم تعد لدي طاقة، لقد نفدت الطاقة تماماً. وعندما أرغب في تناول الطعام سأكون شرهاً في الأكل. كل واحد أكل بشراهة من هذه العشر بلحات (تمرات)، وظلوا يأكلون ويأكلون حتى كفى الجيش كله، ألف شخص، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ينظر إليهم. ثم عادت إليهم مرة ثانية. وعلى فكرة كانوا متعودين على ذلك، ويقال "أعطِ كل بدنٍ ما عودته". فقد كانوا معتادين على أكل التمر والماء واللبن واللحم والاكتفاء بهذا، فأجسامهم كانت مستعدة لهذا، وليست
هذه مسألة غريبة عليهم لأنهم أصحاب سفر في الصحراء، والصحراء شأنها هكذا، لا توجد فيها مخبوزات ولا معجنات. وليس فيها يعني هذه الأشياء ولا سيمون فيميه فأكلوا البلح ومعجزة يا إخواننا، ماذا من الآيات؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان صاحب آيات كثيرة، ولذلك كان يقول لهم: "كيف تكفرون وأنا فيكم؟" إنما أنتم ترون بصورة مستمرة المعجزات والآيات، كيف تكفرون وأنا فيكم؟ وهم يضربون بشدة. ماذا تعني هذه الصخرة الصلبة وما إلى ذلك؟ قالوا له:
يا رسول الله، نحن غير قادرين عليها ونحاول كسرها، وكلما ضربناها بالفأس يتطاير الشرر، وتحتها ما تحتها. وبهذا الشكل يمكن أن ينزلوا عليها ويخرجوا من الناحية الأخرى، فتصبح منفذاً وثغرة صغيرة. أتتذكرون الثغرة الصغيرة التي حدثت في... ثلاث وسبعون هذه تكون صغرى وسيلتفون علينا ونُهزم. فعندما تقرأ هكذا لا تظن أنها شيء سهل، بل إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه. لو تهاونوا في هذه لكانت انتهت، وكل هذا المجهود سيذهب بسبب هذا. النبي عليه الصلاة والسلام، خلاص نحن هكذا انتهينا. الأسباب والقدرة والقوة، لا يتبقى بعد ذلك إلا أن يتدخل الله سبحانه وتعالى. وهكذا
نراها حتى رأينا هذا في حرب ثلاثة وسبعين. رأيناها عندما ضُيِّق علينا بعدما اتخذنا كل ما يمكن أن نتخذه، فتدخل ربنا وفرَّج عنا، وبالتكبير انتصرنا. فسيدنا النبي أمسك الفأس وذهب إلى الكدية وقال: "بسم الله، الله". أكبر وضربها فذهبت وانقسمت. أراد الله أن يثبت قلبه لأنه كان يفكر بمقاييس الدنيا. عشرة آلاف كثير بمقاييس الدنيا، ولو هُدمت المدينة لذهب الإسلام والمسلمون بمقاييس الدنيا. المسألة بالحساب ليست معه، فالله يريد
أن يثبت قلبه ويُعلمه أنه سيهزم الجمع ويولون الأدبار. فلما ضرب أول ضربة انشقت الكدية (الصخرة) هكذا. قال الله أكبر، أعطاني العراق، انتهى الأمر. فقال بسم الله، الله أكبر، وضرب ضربة ثانية فانفلقت، فقال الله أكبر، أُعطيت الشام. رآها بعينيه. ماذا رأى؟ ربنا سبحانه وتعالى فتح له الصخرة هكذا فأراه بلاد الشام، يعني كأنك مطمئن، لا تخف، أنت مؤيد، ها قد أخذت العراق هنا والفرات. وكذا وما أدري ماذا، وفي هذه المرة خذ
يا سيدي الشام، ها هي العراق والشام، الله أكبر، أعطيت فارساً وإيران أيضاً، خلاص، يعني المنطقة كلها هكذا. هل أنت منتبه؟ لقد انكسرت، إذاً هذه البلاد ستُفتح عنوةً. على فكرة، إنه ضربة جاءت، ضربة جاءت، ضربة جاءت. حسناً، وماذا عن مصر؟ لا يوجد فيها. هذه مصر، إنها خاصته عليه الصلاة والسلام. تواصل النبي يحبنا لأن ابنته عندنا. لم تأتِ مصر في هذه القصة، جاءت
الشام والعراق وفارس، لكن مصر هي مصر، إنها خاصته يا سيدي الله يحفظك. مصر هم الذين قالوا لهم تعالوا تعالوا لكي تروا مصيبة البيزنطيين ومصيبة الذين... لا أعرف ماذا، فنحن لسنا راضين، لم يعد هناك. في مصر خاصته ستُفتح عليكم بلاد يُقال فيها "القيراط". نحن نقول عن الفدان والقيراط أربعة وعشرين قيراطاً، ويقول لك: حسناً، هذه أربعة وعشرون قيراطاً، أي شيء تام. حتى أننا سمينا الذهب وجعلناه بالقيراط. هذا القيراط غير ذاك القيراط، هذا قيراط الأرض. مائة وأربعة وسبعين متراً، والقيراط هو جزء من الأرض، والفدان يساوي أربعة آلاف ومائتين. لكننا نملك مقاييس أخرى: الفدان، والقيراط، والسهم، وأشياء مثل هذه. يُذكر فيها القيراط الذي هو
في مصر، والتي هي الجند الغربي. المهم أنه كانت تحدث معجزات في هذا المجال، سنذكر بعضها في لقاء آخر لكثرتها وجمالها، ولأنها ثبّتت قلب النبي. ثمَّ قلوبُ الصحابةِ الكرامِ وكان ما كان في غزوةِ الأحزابِ. إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.